كدت أصرخ من شدة الدهشة. ولو لم أسرع بتغطية فمي بيدي لكنت فعلت.
‘هـ- هاوارد؟ لماذا هو هنا؟’
كانت علامات الاستفهام تسبح في رأسي. ولمَ لا، فمهما فكرت، لم يكن هناك سببٌ منطقي يجعل هاوارد نائمًا في غرفتي.
ليس الأمر وكأن الغرف نفذت……أو ربما نفذت فعلًا. فـليلة الموتى كانت حدثًا ضخمًا، ربما كانت معظم الغرف مشغولة.
‘لا، على الأقل لحسن الحظ لم يحل الظلام بعد.’
فالشمس بدأت تشرق الآن فقط، مما يعني أن وقت الإفطار لم يحن بعد.
كنت أخشى أن يكون الليل قد مضى مرة أخرى، لذا تنفست الصعداء.
وبينما كنت غارقةً في تلك الأفكار، رفرفت رموشٌ ذهبية أمامي بضع مرات ثم فتح هاوارد عينيه.
تلاقت نظراتنا في الفراغ، و كانت عيناه الحمراوان تنظران إلي مباشرة.
“……آه، آسفة، هل أيقظتكَ؟”
“أوه……”
أصدر هاوارد أنينًا خافتًا ورمش بعينيه. يبدو أنه لا يزال تحت تأثير النوم.
لم أره يومًا بهذه الحالة غير المتوقعة، فوجدت نفسي أراقبه كما لو كان أثرًا ثقافيًا ثمينًا.
وكأن هاوارد شعر بنظراتي، ابتسم ابتسامةً خفيفة.
“……ما الذي تنظرين إليه بهذا التركيز؟”
“آه، أ- الأمر فقط……بدا أنكَ متعبٌ جدًا.”
كنت أحدّق به بخجل، فقلت أي عذرٍ يخطر ببالي، لكن حين أمعنت النظر، بدا فعلاً مرهقًا. و كان التعب ظاهرًا على وجهه بشكل واضح.
آه، لا، هذا لا يجوز. كيف يمكن لوجهٍ كهذا أن يتعرض لهذا الضرر؟ إنها خسارةٌ وطنية!
“يبدو أنني أرهقت نفسي قليلًا أثناء البحث عن الوحوش. مررت لأطمئن إن كنتِ بخير، لكنني غفوت دون أن أشعر.”
رفع هاوارد يده وأرجع شعره الذهبي إلى الخلف، ثم اعتدل ببطء من وضع الاتكاء على الأريكة.
ثم نظر إلي بعينين منكسرتين،
“آسف، لا بد أنكِ انزعجتِ كثيرًا. لا بد أن وجودي أزعجكِ.”
“لا! الأمر ليس كذلك!”
أسرعت بالتلويح بيدي نفيًا.
لم أكن أعلم أصلًا بوجوده، فأي إزعاجٍ هذا؟
ثم إنني كنت أعلم جيدًا أنني أتحمل جزءًا كبيرًا مما أوصله إلى هذه الحالة البائسة، لذا لم أشعر بأي لومٍ تجاهه.
بل شعرت بالشفقة عليه فقط. فكم عانى خلال الأيام الماضية لينام كمن فقد وعيه هكذا؟
وفجأة شعرت بالقلق على حالته الجسدية.
هل يمكن أن تكون حالته خطيرة؟ إن كان شخصاً بقوة هاوارد يبدو بهذا الشكل، فلا بد أن هناك أمرًا مقلقًا.
أنزلت يدي وبدأت أراقبه بدقة.
يبدو أن القلق لم يكن من طرفي فقط، بل كان هاوارد قلقًا عليّ أيضًا.
راح يحدّق بي للحظة، ثم مدّ يده نحوي.
“هل جرحُ رأسكِ بخير الآن؟ وكيف حال ذراعكِ؟”
اقترب مني فجأة وكأنه يريد تفقد حالتي. فانكمشت المسافة بيننا في لحظة.
شعرت بنبضةٍ خفيفة من الارتباك حين اقترب فجأة، لكن سرعان ما تبادرت إلى ذهني فكرة عشوائية وغريبة تمامًا.
آه، الآن تذكرت……لقد عدت فجراً وكنت في انتظاره ثم نمت دون أن أستحم……
‘……يا إلهي!’
بييييييب—
دوّى إنذارٌ قوي في أذني.
لا، هذا مستحيل. لا يمكن السماح بهذا أبدًا! لا يمكن السماح له بالاقتراب الآن. ولا يجب أن يلمس شعري بأي شكل!
‘قد……قد تكون رائحتي سيئة!’
وفور أن انتهت الفكرة في رأسي، تراجعت بسرعة إلى الخلف.
لكن لم يكن هناك مكانٌ أهرب إليه، لذا انتهى بي المطاف ممددةً على الأريكة تمامًا.
نظر إليّ هاوارد وقد بدت عليه الدهشة من تصرفي المفاجئ،
“……ألم تكوني على ما يرام؟ هل أغمي عليكِ؟”
“لا، لا! أنا بخير تمامًا. فقط شعرت فجأة ببعض التصلب في جسدي، ففكرت أن أقوم ببعض التمدد، هاها……”
كانت حجةً غير معقولة تمامًا، لكن لم يكن أمامي خيارٌ آخر. فلم يكن أمامي سوى الاستمرار في التظاهر وكأن كل شيءٍ طبيعي.
‘يمكنكِ فعلها. هذا أكثر ما تجيدينه، أليس كذلك؟’
كنت فقط أريد الهروب من هذه اللحظة بأي ثمن. فلو بقيت إلى جانب هاوارد على هذا الحال، فلا بد أن حديث البارحة سيُثار عاجلًا أو آجلًا.
“عندما تخرجين من لقاء أوديا……هل يمكنكِ أن تخبريني مجددًا بما قلته سابقًا، لكن بوضوحٍ هذه المرة؟”
لا! لا أستطيع قول ذلك الآن! مستحيلٌ تمامًا!
كيف يمكنني الاعتراف وأنا حتى لا أجرؤ على الاقتراب منه؟ لا يمكنني أبدًا أن أقول مشاعري وأنا بهذه الحالة.
أنا أيضًا لدي شيءٌ من الرومانسية في داخلي.
صحيحٌ أن أول لقاء لنا كان وأنا صلعاء……أرتدي قميصًا أبيض بأكمام قصيرة وسروالٍ قصير، حافية القدمين……وقدمت له باقة زهور التقطتها عشوائيًا من جانب الطريق، ومن بين كل الزهور اخترت تلك ذات أسوأ معنى رمزي……فلا يحق لي التحدث كثيرًا، لكن على الأقل، لدي بعض الأحلام في هذا الجانب!
ابتسمت له وكأن لا شيء يحدث.
“احم، من الطبيعي أن تشعر بهذا إن جلستَ في نفس الوضع لفترة طويلة، أليس كذلك؟ هاهاها. آه! تذكرت أن الوقت قد حان لوضع دواء على جرح رأسي. وأريد أيضًا تغيير الضماد على ذراعي. لذا……”
ثم وقفت من الأريكة بسرعة.
“سأذهب لأستحم أولًا!”
وهربت إلى الحمام دون أن ألتفت وراءي.
لذلك لم أكن أعرف ما الذي قاله هاوارد بعد ذلك، ولا ما هي ملامح وجهه في تلك اللحظة.
وحين خرجت بعد أن أنهيت استحمامي بصعوبة، رأيت هاوارد جالسًا على الأريكة. لكن شعره كان مبللًا قليلًا، ولم يكن يرتدي درعه كما في السابق، بل ملابس مريحة.
يبدو أنه ذهب ليستحم في غرفةٍ أخرى أثناء استحمامي.
وعندما اقتربت منه وأنا أجفف شعري بالمنشفة، ربت بيده على طرف الأريكة كإشارة لي للجلوس بجانبه.
جلست حيث أشار، فما كان منه إلا أن أخذ المنشفة من يدي وبدأ بتجفيف شعري بنفسه.
‘……رائع.’
كانت لمسته لطيفةً للغاية. لدرجة أنني فكرت كم سيكون جميلًا لو تمكنت من النوم مجددًا بهذه الراحة.
لكن لا، لا يمكنني فعل ذلك الآن. سأغادر قريبًا إلى أوفيلين، وأنا على وشك مواجهة لحظةٍ في غاية الأهمية!
‘الاعتراف!’
تراقصت هذه الكلمة أمام ناظري.
والآن، بعد أن أصبحت نظيفةً وعطرة، وبعد أن عقدت عزيمتي أخيرًا، لم يتبقَ سوى أن أقول له كل شيء.
جلست بهدوء أترقّب اللحظة المناسبة. لكن الأمور لم تسر كما أردت.
فهاوارد ظل يعتني بشعري محافظًا على مسافةٍ مناسبة، سواءً نفسيًا أو جسديًا.
“بالفعل، الجرح في رأسكِ تعافى كثيرًا مقارنةً بالمرة الأولى. يبدو أن الدواء الذي أعطانا إياه طبيب أنيما فعّالٌ حقًا.”
“يبدو كذلك.”
“لكن، فقط للاحتياط، عندما نعود إلى القصر دعينا نطلب من الطبيب الخاص أن يفحصكِ مرةً أخرى. على أي حال، يجب أن نطمئن على حال ذراعكِ أيضًا. وإذا شعرتِ بأي ألم آخر في الطريق، لا تخفيه، أخبريني فورًا.”
“نعم، سأفعل.”
“آه، والآن تذكرت، يجب أن أطمئن على قدميكِ أيضًا. لا بد أن باطن قدميكِ تأذى من المشي حافية.”
“……قدماي بخير. مجرد خدوشٍ بسيطة. وقد بدأت تلتئم بالفعل. رأيت ذلك أثناء الاستحمام.”
……ما هذا؟ حتى لو قيل أن هذا مجرد حوار بين طبيب ومريض، فلن يبدو غريبًا.
عضضت شفتي بتوتر.
هاوارد الآن يبدو وكأنه لا يتذكر شيئًا مما حدث الليلة الماضية. وكأن كل ما حصل كان مجرد وهم من جانبي.
هل يمكن أنني تذكرت الأمور بطريقةٍ خاطئة؟
لا، مستحيل. لا يمكن أن يكون ذلك. فتلك المشاعر الخافقة لا يمكن أن تكون مجرد حلم.
وبينما كنت على وشك أن أفتح فمي من شدة القلق، بادر هاوارد بالكلام بعدما أنزل المنشفة.
رتب شعري بلطفٍ ثم نهض من مكانه.
“إذاً، هلا نذهب لتناول الإفطار؟”
قال ذلك وهو يسير بخطواتٍ واثقة إلى باب الغرفة، مستعرضًا ساقيه الطويلتين.
“عادةً ما يقدمون حساءً بسيطًا وسلطةً على الإفطار، لكن إن دفعتِ مبلغًا إضافيًا يمكنكِ طلب اللحم أيضًا. وبما أننا مررنا بأيامٍ شاقة وسنقطع مسافةً طويلة اليوم، ربما يكون الستيك خيارًا جيدًا……ماذا تفضلين أنتِ؟”
حساء وسلطة؟ أم ستيك؟
سألني هاوارد وهو يميل برأسه قليلًا. و عندما رأيت وجهه الهادئ بعكس ما أشعر به، لم أعد أحتمل أكثر.
خشيت أن يغادر الغرفة في أية لحظة، فأغمضت عيني بقوة وصرخت بسرعة،
“أنا أحبكَ!”
“أعني، من بين الخيارين، أي واحدٍ تفضلين……”
“أحبكَ أنت، هاوارد!”
لا الحساء ولا الستيك، بل أنتَ!
أنا أحبكَ!
_____________________
يخسي الحساء والستيك انت قلبي ياقلبييييييييي اخيراااا
مدري ليه بس كنت خايفه اعترافها يتأخر مره بس اشوا عطته ضربه 😭😭😭🤏🏻
بسرعه ردة فعله الي بعدههههه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 87"