“هيّا، خذيها.”
ناولني هاوارد التذكرة. و لم أتمكن من أخذها واكتفيت بالتحديق بها بذهول. و ليس فقط لأن ما ناولني إياه كان تذكرة ليلة الموتى التي كنت أتمناها بشدة.
بالطبع، ذلك وحده كان كافيًا ليدهشني، لأنه لم يكن شيئًا متوقعًا حتى منه، لكن السبب الحقيقي لذعري كان شيئًا آخر.
والسبب هو أن التذكرة التي ناولني إياها هاوارد كانت مختومةً بختم ذهبي فاخر. أجل، ختم العائلة الإمبراطورية لوكولين.
‘هذه التذكرة لا تُمنح إلا لمن يسري في عروقه دم العائلة الإمبراطورية لوكولين. إنها تمامًا مثل تلك التي حصلت عليها سابقًا.’
تصميمها يختلف عن التذاكر العادية، وختم العائلة كبير لدرجة يستحيل عدم التعرف عليه.
“…..من أين حصلتَ على هذه؟”
سألته بتردد بعد لحظة من التردد، فأجاب هاوارد. بصوتٍ خالٍ من أي تردد.
“حصلت عليها فحسب.”
“كيف حصلت عليها فحسب؟ هذه لا تُباع، ولا تُمنح إلا لمن ينتمي دمويًا للعائلة الإمبراطورية لوكولين.”
“المنظمون أعادوا إصدارها لي-”
“أنا أعلم أنه لا يُعاد إصدارها، أتعلم؟ هذا الحدث مطلوبٌ جدًا، لدرجة أن حتى أفراد العائلة الإمبراطورية لا يُمنحون تذكرةً ثانية، ألا تظن أني أعرف ذلك؟”
كنت أعلم على الأقل كيف يُنظَّم حدث ليلة الموتى. فبعد وفاة أوديا، رغبت بلقائها مجددًا، لذا بحثت بكل ما أستطيع من جهد.
نظرتُ إلى هاوارد بوجه متجمد ثم اتسعت عيناي فجأة، فقد خطر ببالي خاطر مفاجئ.
مستحيل…..
“هل ذهبتَ إلى القصر الإمبراطوري؟”
الشخص المقرب من هاوارد، والذي يمكن أن يملك هذه التذكرة. كلما فكرت بالأمر، لم أستطع أن أتخيل أحدًا غير ماركوس.
بالطبع، فريدريك أيضًا قد يملك تذكرة، لكن عمره لا يسمح له بالقدوم إلى أنيما بمفرده. من المؤكد أن ماركوس هو من يدير أموره.
وهذا يعني أن هاوارد اضطر في النهاية لطلبها من ماركوس.
“هل هذه تذكرة جلالة الإمبراطور؟”
“لا، ليست من جلالته-”
“انظر في عيني وقل الحقيقة.”
حين هددته بهذا، سكت هاوارد تمامًا. وذلك زاد من اضطراب قلبي.
كنت أعلم جيدًا طبيعة العلاقة بين هاوارد وماركوس. بل كنت أراها بعيني عن قرب، لذا أعرفها جيدًا.
أعرف أن هاوارد يخشى مواجهة ماركوس، ويكرهه، ويتأذى دائمًا من كلماته المؤذية التي يقذفها بقصد شرير.
ولهذا السبب، ما لم يكن الأمر متعلقًا بعمل رسمي، فهو لا يزور القصر الإمبراطوري أبدًا.
‘من المستحيل أن يكون ماركوس قد منحها له ببساطة.’
لكن إن كان هاوارد قد ذهب إلى القصر الإمبراطوري من أجلي، وإن كان قد انحنى ليأخذ هذه التذكرة…..بمجرد أن فكرت بذلك، شعرت أن دموعي ستنهمر، فعضضت باطن فمي بقوة لأتمالك ملامحي.
وحين استمررت في النظر إليه بصمت، تنهد هاوارد بصوت خافت، وكأنه استسلم، ثم اعترف.
“…..صحيح، لقد ذهبت إلى القصر الإمبراطوري. أعترف بذلك. لكن التذكرة ليست من جلالة الإمبراطور، حقًا. بعدما سمعت أن الكونت إيتينتيا ذهب إلى أنيما، توجهت فورًا إلى القصر، لكن جلالته قال أن التذاكر المخصصة للعائلة الإمبراطورية لا يمكن منحها لأي سببٍ كان.”
وأثناء حديثه، ارتعشت شفتاه قليلًا. و كان واضحًا أنه لا يريد أن يُكمل كلامه حتى النهاية.
“بينما كنت أحاول الرجاء أكثر، ظهرت وحوشٌ في أوفيلين. و لم يكن أمامي خيارٌ سوى التراجع، وبعد أن تعاملت مع الموقف، جئت مباشرةً إلى أنيما. لحسن الحظ، لم يكن عدد الوحوش كبيرًا مثل الهجمات الأخيرة، لذا لم تستغرق عملية القضاء عليها وقتًا طويلًا.”
أتيت إلى أنيما مباشرة؟ إذًا من أين حصلت على هذه التذكرة؟
حين نظرت إلى التذكرة في يد هاوارد بوجهٍ تغشاه الحيرة، ابتسم قليلًا وبدأ يعدّل مظهري غير المرتب.
“بعد تفكيرٍ عميق، تذكرت أن هناك شخصًا آخر يحمل دم العائلة الإمبراطورية، غير دوقية تشيلستون وعائلة لوكولين. الإمبراطور السابق، قبل جيلين، كان لديه أختٌ واحدة. لقد ذهبتُ إلى حفيدها.”
“….…”
“المكان ليس بعيدًا كثيرًا عن أنيما، فتمكنت من الوصول إليه قبل الظهر. كنت قلقًا لأنني ذهبت دون موعدٍ مسبق، لكن لحسن الحظ، قال إنه لا حاجة له بالتذكرة وأعطاني إياها فورًا. وبفضل ذلك، وصلت قبل انتهاء ليلة الموتى.”
…..مهلًا. هذا يعني أنه ذهب بينما كنت نائمة؟
نظرت إلى هاوارد بسرعة. وعندها فقط لاحظت كم كان مظهره فوضويًا للغاية.
الزي الفارسي المرتب سابقًا بدا الآن وكأنه لم يُرتَّب أبدًا، وشعره كان مبعثرًا من كل الجهات. ولم يكن ذلك فحسب، بل حتى تنفسه كان ثقيلاً. و بشرته كانت شاحبة للغاية، وكأنه تعرض لتيار هواءٍ بارد لفترة طويلة.
وحين تمعنت في هيئته تفصيلًا، أدركت الحقيقة.
هاوارد قد عاد فعلًا بأقصى سرعة ممكنة. وعاد إلى أنيما فقط ليصطحبني فورًا إلى مكان الحدث.
“إذا دخلتِ الآن، فستتمكنين من لقائها لساعتين أو ثلاث. ستدخلين مباشرة، لذا لا تقلقي بشأن ترتيب الدور.”
أجبرني على أخذ التذكرة في يدي.
“آسفٌ لأنني جعلتكِ تدخلين بشكلٍ مستعجل. كنت أريد الوصول وقت العشاء، لكن كانت هناك مناطق تتساقط فيها الثلوج، فلم أتمكن من الانطلاق بسرعةٍ كافية..…”
نظرتُ إلى هاوارد الذي ما زال يحاول تنظيم أنفاسه. و لم أستطع قول أي شيء.
كنت أعلم أنه إن فتحت فمي الآن، فسوف أنفجر بالبكاء.
‘…..لماذا تعتذر لي أنت؟’
الشخص الذي ينبغي أن يعتذر الآن هو أنا.
لم أستطع حتى الحفاظ على التذكرة التي قدمها لي بكل عناية، فتمزقت بطريقةٍ بائسة. ورغم ذلك، لم أكتفِ، بل طمعت أكثر، وأثقلت كاهل شخصٍ هو بالفعل مرهقٌ بما فيه الكفاية.
وإن كان قد انطلق فورًا بعد أن نمت، فهذا يعني أنه كان يتلقى العقوبة طوال الوقت.
حتى أثناء مجيئه من أوفيلين إلى أنيما، لا بد أنه كان يعاني أكثر من المعتاد بسبب العقوبة.
ومع ذلك، لم يُظهر أي أثرٍ للألم، بل كان يبتسم لي بلطف.
عندها، غبش بصري تمامًا.
آه…..لقد قررت ألّا أبكي.
“لماذا تبكين، ريكا؟ هل هناك ما يؤلمكِ؟”
سألني هاوارد بوجهٍ يملؤه القلق، وما إن رأيت تعبيره ذاك حتى انهمرت دموعي أكثر.
“لا…..لا يؤلمني شيء..…”
“إذاً ماذا هناك؟ هل حصل شيءٌ في غيابي؟ هل جاء الكونت إيتينتيا مجددًا؟”
“لـ-لا….ليس هذا….أنا فقط….كيف يمكنني أن….كيف يمكنني أن أقبل بهذا؟”
التذكرة في يدي كانت ثقيلة جدًا.
كان حجم المشاعر التي تلقيتها منه كبيرًا جدًا، حتى باتت تفوق قدرتي على الاحتمال.
لماذا يفعل هذا الشخص كل هذا من أجلي؟ من أكون أنا، حتى يفعل كل هذا؟
حين انفجرت بالبكاء وقلت ذلك، تنهد هاوارد بارتياح. و يبدو أنه تأكد أنني لا أعاني من أي ضرر جسدي.
ثم مد يده ومسح دموعي المنهمرة.
“ولم لا تأخذينها؟ قلتُ أنها رشوة لأحظى بنظرتكِ الطيبة، أليس كذلك؟”
“لكن، لكن تلك التذكرة كانت قد..…”
“انسَي ذلك. الرشوة يجب أن تكون بهذا المستوى على الأقل. أصلًا، التذكرة الأولى حصلت عليها مجانًا.”
“لكن لا بد أنكَ تألمت كثيرًا بسبب العقوبة..…”
“قلت لكِ سابقًا، من يتعرض للأذى ليس عليه أن يقلق بشأن ذلك. لقد هذا كان قراري. لستِ مضطرةً للشعور بالذنب.”
لكن…..كيف يمكن ألا أشعر بالذنب؟
الدموع أصبحت تنهمر بلا توقف. و هاوارد، الذي كان يحتضن وجهي بيديه ويمسح دموعي باستمرار، بدا مرتبكًا، ثم لامس جبينه بجبيني.
“توقفي عن البكاء، ريكا. حين تبكين، عقلي يصبح فارغًا تمامًا ولا أعرف ما الذي علي فعله.”
فتحت عيناي بصعوبةٍ حين سمعت كلماته. و عندها نظر في عيني وهمس بهدوء.
“إنها فرصةٌ تأتي مرةً في السنة فقط. بعد كل هذا الغياب، هل ستقابلينها بوجهٍ مبلل بالدموع؟”
صوته الدافئ تسلل إلى أعماق أذني. وكانت عيناي، التي انعكست فيهما صورته، تتوهج بحرارةٍ كأنها تشتعل.
كان هذا الشعور الغامر الذي يمنحني إياه…..جميلًا.
الآن فقط أدركت. لماذا لم أرغب في الابتعاد عن هذا الشخص.
و لماذا كنت أشتاق لرؤيته مرارًا وتكرارًا.
فتحت فمي ببطء و تحدثت الى هاوارد،
“…..أنا أحبكَ.”
بكل ما فاض به قلبي، وبكل ما في داخلي من شوق.
_________________
ببكي يجننوووووووووون
ريكا اخيرا ردت على اعترافه مب بس بطني الا جسمي كله فرااشااااات
اااااااااااااااااااااا💕💕💕💕
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 82"