“ليس لديكِ مال؟ كان عليكِ قول ذلك من البداية! هل تظنين أنك تضحكين عليّ الآن؟”
في نهاية صوته المنخفض، صدرت منه أنفاسٌ غاضبة وخشنة. و لم يكن من الصعب إدراك أن هذا الرجل لم يقترب مني بنيّة طيبة.
أدركت أن الموقف غير طبيعي، فأسرعت ألتفت من حولي. فقد كان عليّ أن أطلب المساعدة في أسرع وقتٍ ممكن.
‘بما أن هذا مكانٌ تُقام فيه فعاليةٌ كبيرة يحضرها حتى نبلاء أوفيلين، فلا بد أن هناك حرّاسًا في الجوار.’
لكن مهما أدرت رأسي، لم أتمكن من رؤية أي حارس.
يبدو أنني، وأنا أبحث بجنونٍ عن تذكرة، ابتعدتُ كثيرًا عن مكان الفعالية. بل وصلت إلى مكان معتم ونادِر الحركة بالذات.
‘بهذا الشكل، لن أتمكن من الحصول على أي مساعدة.’
وكما توقعت، حتى حين صرخت بأعلى صوتي، لم يأتِ أحد. ويبدو أن صوت الآلات الموسيقية في موقع الفعالية حال دون وصول صوتي إلى هناك.
“……هاها.”
ضحكت بسخريةٍ لا إرادية من شدّة الذهول.
لماذا لم ألحظ الأمر في وقت أبكر؟ لو فقط رفعت رأسي قليلًا، لكنت أدركت أن عدد الناس من حولي بدأ يتناقص تدريجيًا.
بل، في الأساس، من غير المعقول أن يُسقط أحدهم تذكرة فعالية ليلة الموتى التي تُباع بسعر خيالي، بتلك السهولة ومن دون حرص.
كل هذا لم يكن سوى تصرفاتٍ عبثية لا طائل منها.
‘لماذا ارتكبت مثل هذا التصرف الأحمق..…’
رحت ألوم نفسي وأفكر، لكن الجواب كان بسيطًا. لأنني كنت يائسةً إلى حد جعل حكمي على الأمور مشوشًا.
كنت أرغب في رؤية أوديا، بأي وسيلة. لأنه على الأرجح، كانت هذه آخر فرصةٍ لي قبل أن أموت.
“…..أرجوكَ، فقط دعني أرحل.”
استدرت برأسي لأتأكد من أن الطريق خلفي مسدود، فتخلّيت عن الصراخ، وبدأت أترجى بصوتٍ خافت.
لو واصلت الصراخ الآن، فقد يستفزّني أكثر. فهو أصلاً يبدو كمن فقد عقله، ومن يدري ما الذي قد يحدث إن أثرت غضبه.
كان من الأفضل أن أهدّئه، وأبحث عن فرصةٍ للهرب.
“تقولين فقط دعني أرحل؟ ألستِ من قالت قبل قليلٍ أنها تريد شراء التذكرة؟ يجب أن تشتريها مني أولًا، قبل أن تفكّري في الرحيل.”
“كما قلت لكَ، لا أملك أي مالٍ الآن. أشكركَ على عرضكَ، لكن لا أظن أني أستطيع إتمام الصفقة.”
“إذًا كان يجب أن تقولي ذلك من البداية!”
“…..أنا آسفة.”
“بالنهاية كنتِ تضحكين عليّ، أليس كذلك؟ ها؟”
ردّ الرجل بسخرية. و أطلق صوت “ها” قصيرًا كأن الهواء يخرج من صدره، ثم اقترب مني خطوةً أخرى.
بدوري تراجعت إلى الوراء تلقائيًا لأزيد المسافة بيننا، فاقتربت من الجدار الذي كان خلفي.
“كنت أحاول أن أجعل الأمور تسير بسلاسة، لكن يبدو أن ذلك لن يُجدي!”
تحدّث الرجل الذي كان يصاب بالحازوقة وهو يمرر يده في شعره ساخرًا.
“لا ينبغي لكِ أن تحتقري الناس بهذه الطريقة! أتعنين أنكِ كنت تتجولين على الأرض تبحثين عن تذكرة؟ وأنتِ لا تملكين شيئًا؟ ما لم تكوني شحّاذةً، فلا معنى لذلك أصلًا!”
“…….”
“وليست أي تذكرة، بل تذكرة ليلة الأموات! للحصول على شيءٍ بهذه القيمة، ينبغي أن تقدمي ما يوازيه. ألا ترين أن محاولة الحصول عليها مجانًا وقاحةً منكِ؟”
“…….”
“أما العباءة، فقد بدت باهظة الثمن، لذا ساورني الشك. لكن تبيّن الآن أنكِ قد سرقتها، أليس كذلك؟ في النهاية، لم تكوني سوى مجرمة. ما رأيكِ أن أبلغ عنكِ؟”
لم أستطع قول شيء. و بدأ وجهي يحمر شيئًا فشيئًا من شدة الخزي.
لِمَ أتعرض لمثل هذا الإحتقار وأنا واقفةٌ هنا؟
لو سار كل شيء كما ينبغي، لكنت الآن أشارك في ليلة الأموات وأقضي وقتًا ممتعًا مع وأديا بعد غيابٍ طويل.
كنت سأقول لها أنني بخير، كنت أريد أن أخبرها بذلك فقط.
“ألا تظنين أن ما فعلتِه بالغ الوقاحة؟”
فجأة ترددت في رأسي كلمات الرجل الساخرة قبل قليل.
نعم، ربما كان محقًا. بل، لقد كان محقًا فعلًا.
كنتُ متسولةً وقحة.
من البداية، أردت الحصول على شيء لا يمكنني امتلاكه.
هل ظننتِ أن هذا العالم سيمنحك شيئًا؟ لقد اعتدتِ ذلك، أليس كذلك؟ أن يُنتزع منكِ كل شيء بهذه الطريقة.
“أنا آسفة. آسفةٌ جدًا..…”
تمتمت باعتذارٍ لم أكن أعلم حتى لمن أوجهه. فارتعش جسدي بأكمله من موجةِ مشاعر مروعة اجتاحتني.
كنت أعلم أن الوضع خطير ويجب أن أتماسك، لكنني لم أستطع.
غمرني شعورٌ عميق باليأس، بأن لا شيء يمكنني فعله، التهم عقلي بالكامل.
لو كنت أعلم أن الأمور ستؤول إلى هذا، لبقيت في أوفيلين. و لما فعلت شيئًا على الإطلاق. و لكنت اكتفيت بمساعدة هاوارد من جانبه.
…..ماذا عليّ أن أفعل الآن؟
انهمرت الدموع التي كنت قد حبستها حتى أمام بروتور دفعةً واحدة. و تفجّرت مشاعري بغتةً كأنها شلالٌ جارف، حتى أنني لم أعد أستطيع الرؤية بوضوح.
هل كانت رغبتي في رؤية أوديا تُعتبر طمعاً إلى هذا الحد؟
مرةً واحدة فقط قبل أن أموت، أردت فقط أن أتحدث معها مرةً أخيرة.
لماذا يكون هذا العالم قاسيًا عليّ وحدي إلى هذا الحد؟ لماذا لا تحدث الأمور السيئة إلا لي؟
لماذا لا أستطيع أن أمتلك شيئًا؟ لماذا بحق؟
لم يخرج من بين شفتي سوى صوت بكاءٍ مكبوت. بينما خارت قواي وسقطت جالسةً على الأرض.
أنا وحيدة جدًا. أشعر بالبرد الشديد..…
كان الهواء البارد المتسلل عبر عباءتي يمزّق جسدي وكأنما يريد أن يمحوني من هذا العالم.
“هاه. أنتِ غير محظوظةٍ فعلاً، كل شيءٍ ضدكِ.”
قال الرجل ذلك وهو يحدّق بي من فوق، ثم بصق أمامي مباشرة.
“على كل حال، أمثالكِ لا يعقلون إلا بالضرب.”
قبض بيده الخشنة على معصمي بخشونة شديدة. شدّني بعنف، وبدأ يجرّني معه.
يبدو أنه كان ينوي سحبي إلى مكانٍ لا يمكن لأحد رؤيتنا فيه.
لم أستطع فعل شيء سوى البكاء بلا توقف. فلم يعد لدي أي قوةٍ للمقاومة بعد الآن.
لقد بلغتُ حدودي حقاً.
‘..…هل سيتسبب ذلك بالكثير من الألم؟’
لكن، لم يكن يهم. ففي هذه اللحظة، شعرت أنه لا بأس لو متُّ الآن.
على عكس كل محاولاتي السابقة للهرب من الموت، لم أشعر بشيءٍ هذه المرة. بل على العكس، شعرت بنوع من الارتياح.
لقد عانيتُ كثيرًا طوال هذا الوقت، أليس من حقي أن أتوقف الآن؟
ربما بعد أن ينتهي كل شيء، سأجد الراحة أخيرًا.
لكن، إن كان هناك شيء واحدٌ فقط أندم عليه…..
‘…..لم أتمكن من شكر هاوارد.’
ذلك الدفء الذي كان يحتضنني. و ذلك الصوت الذي كان يعترف بحبه لي.
تلك الدموع التي بللت كتفي. و تلك الاستغاثة التي بدت وكأنها ترجوني أن أبقى حيّة.
الآن فقط بدأت أتذكر كل ذلك.
‘إن اختفيت، فهل سيحزن هاوارد كثيرًا؟’
لا، ربما سيكون من الأفضل له أن أكون بعيدةً عنه.
وما النفع في أن يكون نوكس، المُتهم بالهرطقة، إلى جانب قائد فرسان الهيكل نفسه؟
نعم، لعل هذا هو الصواب.
‘هذا عقابٌ على طمعي في ما لا يجوز لي الطمع فيه.’
راودني هذا اليقين، ومعه تراخت قواي بالكامل. و أطبقت جفوني ببطء.
جسدي، الذي كان منهكًا أصلًا منذ أن استعدت وعيي، لم يعد يحتمل صدمةً نفسية وجسدية أخرى. و حتى الألم الناتج عن احتكاك جسدي بالأرض لم أعد أشعر به.
وكانت تلك اللحظة التي كنت على وشك فقدان الوعي مجددًا.
“-كا!”
سمعت صوتًا عاليًا قادمًا من مكان ما. صوت بدا مألوفًا…..وعزيزًا إلى حدِّ الألم.
“ريكا!”
لكنني لم أرفع رأسي. فقد ظننت أنه مجرد وهم.
خيالٌ زائف صنعه تعلّقي الأخير بالحياة.
لا تنخدعي. فلا شيء يخصّني في هذا العالم.
إن علّقت آمالكِ مرة أخرى، فلن تجني سوى الخيبة. و ستغرقين في ظلمةٍ أعمق، وستتجمدين هناك وحدكِ حتى الموت، كما يحدث الآن.
وهكذا، أغمضت عينيّ إغماضةً كاملة.
لكن—
بووم-
مع صوتٍ خافت ثقيل، وصيحة انطلقت من أمامي مباشرة، فتحت عينيّ مجددًا.
و القوة التي كانت تمسك بمعصمي بعنف كأنها على وشك أن تكسره اختفت في لحظة. و سقط جسدي، الذي كان معلقًا جزئيًا بسبب الرجل، إلى الأسفل.
لكنني لم أرتطم بالأرض. لأن أحدهم أسرع ليحتضن كتفي.
“ريكا!”
تدفّقت عبر رؤيتي الضبابية ألوانٌ مألوفة.
وسط هذا العالم البارد، لم يكن هناك سوى ذلك اللون الأحمر الذي يحمل الدفء، وتلك الخصلات الذهبية المتلألئة التي كانت دومًا تلمع.
“ريكا، هل تسمعينني؟ هل أنتِ بخير؟”
وسط الضوضاء التي ملأت الزقاق الخالي، انهمر صوتٌ قلقٌ بهدوء.
لم أُمنح حتى وقتًا للنفي على سؤاله. فلا قدرةَ لي على الحركة من الأساس.
___________________
بكيت ريكا في ذا الفصل وصلت اقصى مراحل اليأس
مشاعرها توجع الله ياخذ بروتور للمره المليون
المهم اشوا هاوارد جا بغيت اقطعها معه وليدي🫂
بس تكفى ضم ريكا خمخمها خذها بحضنك بنتييييييييييي💔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 79"