حدقتُ في المشهد أمامي بذهول.
للحظة، ظننت أنني أحلم. فبهذا القدر، بدا الأمر بعيدًا عن الواقع.
ما الذي يحدث أمامي الآن؟
“……ما الذي تفعله؟”
رد بروتور بلا مبالاةٍ على سؤالي الضعيف.
“ماذا أفعل؟ مزّقت التذكرة، ألا ترين؟”
“هل تظن أنني سألت لأني لم أفهم؟ ما أقصده هو…..لقد ركعت أمامكَ وتوسلت. طلبت منكَ من كل قلبي أن تعيدها إليّ. فلماذا بحق فعلت هذا…….”
“صحيح.”
جثا بروتور على ركبةٍ واحدة وجلس أمامي.
عيناه الخضراوان تأملتا وجهي بدقة، و كأنه يتحقق مما إذا كنت مصابةً أو متألمة في مكانٍ ما.
كان مظهره رقيقًا ولطيفًا إلى درجةٍ لا تُصدق، مقارنةً بما فعله قبل لحظات.
وبعد أن تأكد من أن لا إصابة لديّ سوى الجرح في رأسي، ابتسم بهدوءٍ ومالت زوايا عينيه بابتسامةٍ صغيرة.
“لكنني طلبتُ شيئًا آخر، أليس كذلك، ريكا؟”
“……ماذا؟”
“لا داعي لكل هذا الذهول. أنتِ أردت التذكرة، وأنا أردتُ منكِ أن تبتعدِ عن هاوارد تشيلستون مقابل إعادتها إليكِ. لكنكِ رفضتِي، أليس من الطبيعي إذاً أن تنهار الصفقة؟”
“حتى وإن كان كذلك، هل كان عليك تمزيق التذكرة؟”
حدّقت في قطع التذكرة المتناثرة حولي.
حتى لو جمعتها وأخذتها، فلن أتمكن من دخول “ليلة الموتى”. بل على العكس، قد يُحمّل هاوارد المسؤولية بدعوى أنه لم يحفظ التذكرة جيدًا.
لأنها كانت تذكرةً ثمينة إلى هذه الدرجة.
“هل تدرك ما الذي فعلته الآن؟”
بدأت يداي ترتجفان.
كانت تلك فرصتي الأخيرة لرؤية أوديا قبل موتي، وكانت تحمل مشاعر هاوارد الثمينة التي سلّمني إياها.
لكنه دمّرها بهذا الشكل المريع……
“لماذا تعاملني بهذا الشكل؟”
“لأنكِ أنتِ وأنا-”
“توقف عن ترديد هذا الهراء عن أننا يجب أن نكون معًا، أو أننا الشخصية الأصلية والشخصية البديلة. لقد سئمت حتى من سماعه.”
حدّقت في الرجل الواقف أمامي بنظرةٍ حادّة.
كنت أرغب في قتله فورًا من شدة الغضب. و لم يسبق لي أن شعرت برغبة في القتل تجاه أحد بهذا الشكل من قبل.
على أي حال، أنا سأموت. وإن كان يرغب في البقاء معي لهذه الدرجة، ألن يكون من الجيد أن نموت معًا؟
لو كان بإمكاني فقط أن أقطع هذا الرابط المشؤوم بذلك……
ما أوقف سيل المشاعر السلبية التي فاضت داخلي بلا توقف، كان وجه هاوارد الذي خطر ببالي فجأة.
شعرت بالخوف. و خفت أن يحتقرني عندما يرى ما فعلته.
إن انطفأت عيناه الحمراوان، التي كانت دومًا لطيفة، وأصبحت باردة وجامدة…..إن حدث ذلك، فأظنني سأرغب في الموت حقًا.
نهضت ببطءٍ من مكاني. و كدت أسقط للحظة بسبب الضعف الذي حلّ بجسدي، لكنني تماسكت بصعوبة.
وحين هممت بتجاوز بروتور والخروج.
“إلى أين تذهبين.”
أمسك بروتور بمعصمي بسرعة.
وفي تلك اللحظة، شعرت وكأن حشراتٍ تزحف على جسدي. غارتجفت بشدة لدرجة أن صرخةً انفلتت مني دون أن أشعر.
مقزز.
هذا مقزز.
إنه مقزز.
أكرهه. أكرهه بشدة.
“لا تلمس جسدي!”
عندما صرخت بغضب، أزاح بروتور يده عني فورًا. و كانت عيناه متسعتين بدهشة، تمامًا كما في ذلك اليوم عندما جاء إلى قصر الدوق بحجة أنه جاء ليأخذ فريدريك، مترددًا لا يعرف ماذا يفعل.
نظرت إليه بوجهٍ بارد متجمد.
“لا تلمسني مرة أخرى. لا، بل لا تأتِ إليّ إطلاقًا. لقد أصبحتُ أشعر بالغثيان حتى من رؤية وجهكَ.”
“ريـ-”
“عِش حياتكَ البائسة تلك إلى الأبد.”
أيها اللعىٍن.
وبهذه الكلمات، تجاوزته ومضيت.
كنت أحمل الرداء الذي علّقه على الكرسي. و كنت أنوي ارتداءه قبل الخروج، لأن الناس سيستغربون إن خرجت مرتديةً قميصًا أبيضًا بأكمام قصيرة وسروالٍ قصير.
خصوصًا أن الجو بارد هذه الأيام، وأنّيما أبرد من أوفيلين أيضًا.
ولم يكن هناك ما يدعو للقلق بشأن اختفاء الرداء، إذ يبدو أن الوقت الذي قضيته في الجدال مع بروتور كان أطول مما ظننت، فقد تجاوزت الساعة منتصف الليل بالفعل.
وبعد أن تأكدت من أن بروتور لم يلحق بي، توجّهت مباشرةً إلى موقع فعالية ليلة الموتى. لأبحث عن شباك التذاكر.
بما أن اليوم هو اليوم الأخير، فليس من المنطقي أن تكون هناك تذاكر متبقية، لكن لا أحد يعلم ما قد يحدث.
“عذرًا، من فضلكَ.”
وصلت بسرعةٍ إلى شباك التذاكر وأنا ألهث، فارتبك الموظف الجالس هناك ورفع رأسه نحوي.
“هل توجد أي تذاكر متبقية؟”
“آه، نعتذر. لقد بيعت كل التذاكر مباشرةً بعد بدء البيع صباح الأمس. شباك التذاكر ما زال مفتوحًا فقط تحسبًا لقدوم أحدهم لطلب استرداد.”
“نعم…..كنت أتوقع ذلك…….”
استدرت عن شباك التذاكر بجسدٍ مثقل ومنهك.
كنت أعلم أن هذا ما سيحدث، لكن الدموع كانت على وشك الانهمار.
و على أي حال، لم يكن لدي مالٌ لشرائها.
“لا. لا تبكِ. ركّزي.”
لا بد أن هناك طريقةً ما. ما زال هناك يومٌ كامل، أليس كذلك؟ لا يجب أن أستسلم.
تنفست بعمقٍ بهدوء، ثم أغلقت الرداء بإحكام حتى لا يتسلل الهواء البارد إلى الداخل، وسحبت الغطاء على رأسي بالكامل.
ثم بدأت بالتجول عشوائيًا داخل موقع فعالية ليلة الموتى وخارجه، دون تمييزٍ أو وجهةٍ محددة.
راودتني فكرةٌ سخيفة: ماذا لو أسقط أحدهم تذكرته على الأرض؟ ماذا لو كانت هناك تذكرةٌ بلا صاحب تتدحرج في مكانٍ ما؟
كنت أعلم أن هذا تصرفٌ غير سليم، لكنه كان تعبيرًا عن مدى يأسي. فلم يكن لدي وسيلةٌ أخرى الآن.
فمن المستحيل أن أذهب إلى أوفيلين لأقابل هاوارد قبل انتهاء ليلة الموتى، كما أنه من المستحيل أن يأتي هو إلى أنّيما.
لكن رغم تجولي المستمر، لم أجد حتى قطعة قمامة واحدة بالقرب من موقع الفعالية.
كان الهواء البارد يزداد قسوةً عليّ، وعقارب ساعة البرج تمضي ببطء نحو الرقم التالي.
‘……لا شيء.’
لا توجد طريقةٌ لرؤية أوديا. لا في هذا العالم، ولا في أي مكانٍ فيه.
اليأس عاد مجددًا يطرق بابي.
‘كما هي الحال دائمًا معكِ. فقط استسلمي.’
سمعت صوتًا يهمس في أذني بلا توقف. و جفّت شفتاي من شدة التوتر.
ماذا أفعل الآن؟ هل يجب أن أستسلم بهذه البساطة؟
وقفت في مكاني عاجزة، لا أرى شيئًا أمامي سوى العتمة، وفجأة، سمعت صوتًا من ورائي.
“هيه، أنتِ هناك.”
استدرت نحو مصدر الصوت، فرأيت رجلًا واقفًا على مسافةٍ قريبة.
يبدو أنه أحد الحاضرين للمشاركة في ليلة الموتى.
يبدو أن الرجل لاحظ أنني التفتّ إليه، فاقترب مني وبدأ يتحدث ببطء.
“يبدو أنكِ تبحثين عن تذكرة لفعالية ‘ليلة الموتى’ منذ قليل، هل ترغبين بشراء تذكرتي؟”
“لديكَ تذكرة…..تريد أن تبيعها؟”
“نعم. أحدهم أهداني إياها، فجئت إلى هنا، لكن لا يوجد أحدٌ أود رؤيته حقًا. ففكرت أن بيعها مقابل بعض المال سيكون أفضل.”
“آه…..أنا أود شرائها، ولكن..…”
لم أستطع إكمال حديثي.
رغبت بشدة في الحصول على التذكرة، لكن لم يكن لدي ما أدفعه. ماذا أفعل؟ حتى لو بعت رداء بروتور، فلن يكون كافيًا لسعر التذكرة.
وبينما كنت أغرق في أفكاري، بدا أن الرجل قرر بيع التذكرة واقترب مني أكثر.
فترددت قليلًا، ثم فتحت فمي لأرفض.
“أنا…..آسفة. ليس لدي مالٌ الآن..…”
في تلك اللحظة، هبّت نحوي رياحٌ مفاجئة. وما رافقها كان رائحةً نفاذة جعلتني أقطب جبيني.
‘…..رائحة كحول.’
كانت تلك الرائحة القوية المزعجة التي كنت أشمها كثيرًا من الزبائن الثملين حين كنت أعمل سابقًا في النزل.
بشعورٍ غريب من التوتر، حدّقت في الرجل، مصدر تلك الرائحة. وإذا به قد اقترب مني كثيرًا، و لم يعد يفصلنا سوى بضع خطوات.
“تقولين أنه ليس لديكِ مال؟”
عندها فقط، بدأت أرى ما لم أستطع رؤيته بسبب الظلام.
وجهه المحمّر من أثر الكحول. وعيناه الزائغتان تمامًا.
“كان عليكِ قول ذلك منذ البداية! هل تظنين أنكِ تضحكين عليّ الآن؟”
طق —
تقدّم الرجل خطوةً أخرى نحوي، رافعًا صوته بغضب.
___________________
الله ياخذ بروتور الزفت
هاوارد اذا ماجا هنا يقطعها مب على كيفه😭
توترت
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 78"