“انفصلي عن هاوارد تشيلستون، ريكا.”
“…….”
“أقصد، غادري قصر الدوق تشيلستون بالكامل.”
قال بروتور ذلك وهو يرفع طرف شفتيه بابتسامةٍ لطيفة.
نظرت إليه دون أن أنطق بكلمة واحدة. بل أدقّ وصف هو أنني لم أكن قادرةً على التحدث.
كنت مذهولةً لدرجة أن الإغماء مجددًا لم يكن ليثير الاستغراب.
ظننت أن الأمر في غاية الأهمية عندما بذل عناء اللحاق بي حتى أنيما، التي تبعد يومًا كاملًا عن أوفيلين…..لكن، كان هذا هو السبب؟
أن أنفصل عن هاوارد؟ حقًا؟
ضحكةٌ ساخرة أفلتت من بين شفتيّ.
“…..أنتَ فعلاً لا تُحتمل. إن كنت تكره رؤيتي مع هاوارد إلى هذا الحد، فلماذا لا تختطفني فحسب؟ على الأقل كفّ عن إزعاجي بهذه الطريقة.”
“قلت لكِ من قبل أنني لا أريد ذلك. المهم أن تختاريني أنتِ بنفسكِ.”
“وهل لهذا النوع من الاختيارات أي معنى؟”
“بالطبع. لا شك في ذلك. في النهاية، القرار سيكون قراركِ.”
قال بروتور ذلك وهو يميل برأسه، مبتسمًا بذلك الوجه الهادئ. و لوّح بالتذكرة مجددًا وهو يمسكها بيده.
“اختاري جيدًا، ريكا. ألم تقولي أنكِ ترغبين في مقابلة أوديا ستوريدج؟ من دون هذه التذكرة، لن تتمكني من رؤيتها.”
نظرت إلى التذكرة التي تلمع أمام عينيّ وكأنها على وشك أن تُنتزع مني، وبدأت أفكر بسرعة.
رغم أن الأمر كان يغيظني، فإن التغلب على بروتور بقواي وحدي كان مستحيلاً.
إذًا، لم يتبقَّ لي سوى احتمال واحد.
هاوارد تشيلستون. تمامًا كما طلبتُ منه أول مرة، سأستعين به لشراء تذكرةٍ جديدة عبر اقتراض المال منه.
لكن التواصل معه الآن والاعتماد على وصوله قبل نهاية عرض <ليلة الموتى> يبدو مستحيلاً.
لم يتبقَّ لي سوى الأمل في أن فرسان الحراسة من قصر الدوق أبلغوه مسبقًا بوقوع مشكلة…..
وفيما كنت على وشك الانطلاق للبحث عن الفرسان، فتح بروتور فمه.
“هاوارد تشيلستون لن يأتي.”
وكأنه قرأ أفكاري كلها.
“سمعت أن أوفيلين تعاني من حالة فوضى بسبب الوحوش. هل تعتقدين أن قائد فرسان الهيكل سيترك كل مشاكل الوحوش ويأتي إلى هنا؟”
“…….”
“ثم إن الطريق من أوفيلين إلى أنيما يستغرق تقريبًا يومًا كاملاً. لن يتمكن من تفادي العقوبة المترتبة. فهل سيقبل هاوارد تشيلستون بذلك الألم والمشقة ليأتي إلى هنا؟ أليس هذا هو السبب أصلاً في أنه لم يأتِ معكِ من البداية؟”
بدأ بروتور يصبُّ الأمور في صالحه دون تردد.
لكنني لم أستطع أن أنكر أي شيء مما قاله. لأنه كان محقًا في كل كلمة.
هاوارد تشيلستون هو قائد فرسان الهيكل في إمبراطورية فيدوس. و هو الشخص الأهم في التعامل مع الوحوش والمهرطقين.
لا يوجد سببٌ يدفعه لترك مهامه، التي لطالما أعطاها الأولوية، والركض نحوي، أنا التي لست سوى حبيبةٍ مزيفة.
كونه شخصًا لطيفًا، وكونه قد اعترف لي بمشاعره مؤخرًا، لا يغير شيئًا في الموقف الحالي. فهو ليس شخصًا يجهل ما هو أهم وما هو أولى.
‘لماذا كنت أظن أن هاوارد سيأتي حتمًا؟’
يا لي من واثقة بنفسي…..حقًا.
منذ متى كنتُ شخصًا يستحق ذلك؟
طوال حياتي، لم أملك شيئًا بحق، ودائمًا ما كنت أفقد كل ما أملكه، فلماذا الآن أتوقع شيئًا مختلفًا؟
كانت أفكاراً ترافقني دومًا، وعادت الآن تنهشني من الداخل.
صحيح، هكذا كنت دائمًا. وسيكون الأمر كذلك هذه المرة أيضًا.
لا حظ و لا معجزةً بانتظاري.
انخفض رأسي تلقائيًا إلى الأسفل. ثم عاد صوت بروتور يهمس في أذني.
“لو بقيتِ مع هاوارد تشيلستون، فستستمر هذه الدوامة، ريكا. هذا هو مصير من ينقذ العالم. ألا يكون موجودًا وقتما يكون وجوده أهم. أما معي، فسيكون الأمر مختلفًا. انظري.”
مدّ بروتور يده وأمسك بذقني، ثم رفع رأسي ببطء. و عادت التذكرة التي في يده لتظهر أمام ناظريّ مجددًا.
“أنا أستطيع أن أقدّم لكِ كل ما تحتاجينه. كما قلت من قبل، لن تضطري للقلق بشأن اختفاء أي شيء عند منتصف الليل. وقتي، أموالي…..كل ما أملكه، سأعطيه لكِ. فقط ابقي إلى جانبي.”
“…….”
“ألا تعرفين بعد إلى جانب من يجب أن تكوني، ريكا؟”
تردّد صوته المنخفض في رأسي.
‘ربما الآن هو التوقيت المثالي لأبتعد عن هاوارد تشيلستون.’
كنت أفكر بذلك منذ البداية، أليس كذلك؟
ربما من الأفضل أن أبتعد عنه. فإن بقيت بجانبه بهذا الجسد الذي لا أعلم متى سيفارق الحياة، فسيكون ذلك مؤلمًا له في النهاية.
قيل أن وجود النوكس إلى جانب قائد فرسان الهيكل قد يُحدث مشاكل. نعم، كان هناك الكثير من الأسباب التي تمنعني من البقاء إلى جانب هاوارد.
حتى إن بقائي معه طوال هذه الفترة بات يبدو سخيفًا.
لكن، لماذا…..لماذا لا أستطيع….
“لا.”
خرج رفضٌ حاسم من بين شفتيّ.
كلمةٌ قاطعة انطلقت فجأة دون تفكير، وكأنها الخيار الوحيد الذي كنت أملك.
“لا أريد أن أبتعد عن هاوارد. لا يهم ما الذي تعرضه عليّ، النتيجة واحدة. لقد وعدته أن أبقى إلى جانبه، وسأفي بذلك الوعد.”
وأثناء حديثي، مرت أمام عينيّ الذكريات التي جمعتني بهاوارد.
“أنتِ لستِ مهرطقة.”
اللقاء الأول الذي جمعنا.
“وما المشكلة؟ سأكون مجرد رجلٍ واقع في حبكِ لدرجة تجعله يجد حتى تلك العيوب جذابة.”
أول مرة حضرنا حفلةً كحبيبين مزيفين.
“هل أنتِ بخير، ريكا؟”
“ما الذي حدث؟ لماذا قمتِ بشيءٍ خطير كهذا؟”
و حين أنقذني من الغرق في البركة.
“لا، عودي إلى قصر الدوق.”
“يجب أن تذهبي بسرعة ليفحصوا كاحلكِ. كان من المفترض أن نعتني به منذ البارحة، لكنه تُرك مهملًا لفترة طويلة.”
“هذا مهم. أهم بكثيرٍ من حالتي الصحية، على الأقل.”
عندما تحمّل العقوبة وبقي بجانبي لأجلي.
“أنا لا أمزح.”
“إذا كنتِ ترغبين في الانتقام من الكونت إيتينتيا، فقط قولي لي متى.”
حين عرض مساعدته في انتقامي وكأنه أمر بسيط.
“نعم، لا بأس. تمسكي بي جيدًا حتى لا تسقطي.”
“سأنزل قليلًا بعد. لا تفلتيني.”
حين ذهبنا سويًا إلى المهرجان.
“أحبكِ، ريكا.”
“أحبكِ بصدق.”
“أهذا لا يكفي؟”
“أما زال من غير المعقول أنني أحبكِ؟”
و حتى أنتي تذكّرت اعترافه لي.
كلما تذكّرت أكثر، لم يخطر في بالي سوى أمرٍ واحد.
‘أنا أريد أن أبقى مع هاوارد تشيلستون.’
لا يهم السبب، هذا الشوق الذي اجتاح رأسي فجأةً لم يخمد مهما حاولت.
لا أريد أن أبتعد عنه أبدًا.
“اطلب أي شيءٍ آخر، سأفعل كل ما تريد. إن كنت تريد الاستمرار في إيذائي، فافعل. سأتحمل ذلك بطريقتي. أما الأشياء التي تختفي عند منتصف الليل، فخذها كلها، لن أطلبها منكَ بعد الآن. فقط أرجوكَ..…”
توقفت قليلًا عن الكلام، ثم نهضت من السرير. و ركعت ببطءٍ على الأرض.
و سقطت يد بروتور التي كانت تلامسني بشكلٍ طبيعي.
“أرجوكَ، أعد لي التذكرة.”
“…….”
“كما تعلم، لم يتبقَ لي الكثير من الوقت. لذا دعني أتمكن من رؤيتها.”
توسلت إليه بإخلاصٍ شديد. كما لو أن الذي أمامي كان مُخلِّصاً قادراً على كل شيء.
لم يحدث قط أن استمع بروتور إلى كلامي، لذا قد يكون ما أفعله بلا جدوى. لكن كان لا يزال لدي أمل.
أملٌ بأنه، ربما، يمدّ قليلاً من الرحمة لشخص يحتضر.
“أرجوكَ، أتوسل إليكَ، فقط هذه المرة…….”
ارتجف صوتي من التوتر، لكني قاومت. فلم يكن يهم، طالما أنني سأتمكن من رؤية أوديا.
ولكن……
“في النهاية، أنتِ غير قادرةٍ على الانفصال عن هاوارد تشيلستون، أليس كذلك؟”
بروتور لم يرف له جفن.
قال ذلك بصوتٍ هادئ كما لو كان يتمتم.
“إذاً لا مفر. لا بد لي من التخلص منها.”
تــمـزيق-
مزق بروتور التذكرة التي كان يحملها بكل ما أوتي من قوة.
وبدأت أجزاء التذكرة الممزقة تتساقط ببطء على الأرض واحدةً تلو الأخرى.
تماماً كما تفتت قلبي إلى أشلاء.
_____________________
ياحيواااااااااااااااااان يازفت يامجنون ريكا بنيتيييي
اشوا انها رفضت تحنن بنتي متربيه🤏🏻
المهم باقي هاوارد يجي جتني الصيحه😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 77"