“أنتَ، بماذا تفكر الآن؟”
سألتُ بروتور فورًا ما إن شعرتُ بريبة.
“هل لظهور الوحوش علاقةٌ بكَ؟”
ربما، في وقتٍ آخر أو مع شخص آخر، كنت لأتردد أكثر في طرح هذا السؤال، لكن الوضع الآن مختلف، لا، بل مختلفٌ تمامًا.
لم يعد لدي ما يكفي من الوقت أو الطاقة لأراعي بروتور. ولا رغبةَ لي في ذلك أيضًا.
“لا أفهم ما الذي تحاولين قوله.”
أجاب بروتور على سؤالي على الفور. وقد استعاد ملامحه الهادئة في لحظة، وكأن شيئًا لم يحدث. و عيونه الخضراء كانت تلمع بابتسامةٍ خفيفة.
“أي قوةٍ لديّ حتى أفعل شيئًا كهذا؟ أنتِ تعرفين ذلك جيدًا. أنا مجرد شخصيةٍ من شخصيات عالم الفانتازيا، لا أكثر.”
“……هذا صحيح.”
ترددت قليلًا ثم أومأت برأسي.
كان بروتور إيتينتيا محقًا في كلامه. كان مجرد واحدٍ من عدد لا يُحصى من شخصيات عالم الفانتازيا.
أنا من اخترته ولعبت به، لذا كنت أعرفه جيدًا، أليس كذلك؟
نعم، لا بد أن الأمر كذلك.
‘لكن، لماذا يساورني هذا الإحساس المزعج؟’
ربما لأن ذكرياتي من قبل مجيئي إلى هذا العالم ما تزال ضبابية. فالذكريات التي أحتفظ بها تتعلق فقط بالقصة الرئيسية في عالم الفانتازيا.
وكأنها الشيء الوحيد المهم.
حتى أنني لم أكتشف أن بروتور هو الشخصية الأساسية إلا مؤخرًا.
‘هاه، رأسي يؤلمني.’
باتت نوبات الصداع تتكرر كثيرًا في الآونة الأخيرة. هل أنا تحت ضغطٍ نفسي كبير إلى هذا الحد؟
وضعت يدي على جبيني وتخلّيت عن التفكير أكثر.
الواقع أمامي هو بروتور إيتينتيا، المهووس بالبقاء إلى جانبي. لا يمكنني أن أسترخي أو أُؤمِّن له ظهري.
“أين فرسان عائلة الدوق؟”
“أظن أنهم يتلقّون العلاج الآن، على الأرجح؟”
“ما هذا الجواب الغامض؟”
“لأني لا أهتم. طالما أنكِ بخير، فلا يهمني الباقي.”
“……حين جلبتني إلى هنا، لا بد أنكَ تحدثت مع فرسان الحراسة، أليس كذلك؟ فلا بد أنكَ تعرف شيئًا عن الوضع.”
“لم أتحدث معهم. فقط أخذتكِ وذهبت.”
“ماذا؟”
خرج صوتي عاليًا من شدة الاستغراب. و فتحت عينَيّ على اتساعهما ونهضت من السرير.
أحسست بدوارٍ لحظي، لكنني لم أملك حتى الوقت للشعور به.
أما بروتور، فكان بوجهٍ هادئ كأن شيئًا لم يحدث.
“ما الذي يفاجئكِ هكذا؟ فقد أخذت شيئًا يخصني، هل يجب أن أشرح لغيري هذا؟”
قال ذلك وهو يهز كتفيه بخفة.
حقًا، كل ردٍ منه كان يزيد الطين بلة.
ولأنني في الأساس لا أرغب في رؤية وجهه، فقد كانت أفعاله المزعجة المتكررة تدفعني للغضب أكثر فأكثر. و كأنني على وشك أن أنتزع شعره بأكمله.
وحين رمقته بنظرةٍ حادة تعبيرًا عن ذلك، ابتسم هو بخفة.
“أنتِ تفكرين الآن في نتف شعري بالكامل، أليس كذلك؟”
“…….”
“لكن، هل تملكين القوة لفعلها، ريكا؟”
……مزعج. أتمنى حقًا أن يختفي من أمامي.
كفى. سأقابل أوديا قريبًا، فلا داعي لإفساد مزاجي أكثر.
ولأنني لم أعد أطيق رؤية وجه بروتور، عدت لأستلقي على السرير وغطيت رأسي باللحاف حتى آخره.
وحين اختفى وجهه المبتسم من مجال رؤيتي، بدأ قلبي المنزعج يهدأ قليلًا، على الأقل……إلى أن لاحظت أن هناك أمرًا غريبًا.
ما هذا؟
بلا وعي، نظرت إلى جسدي تحت اللحاف، وسرعان ما فتحت فمي من شدة الذهول دون أن أنطق بكلمة.
ولِم لا، وقد تغيرت ملابسي عن تلك التي كنت أرتديها حين غادرت قصر الدوق تشيلستون!
ملابس البداية في عالم الفانتازيا. أي، تيشيرت أبيض بأكمام قصيرة وسروالٌ قصير.
ولأنني استيقظت من فقدان للوعي منذ وقتٍ قصير، لم أكن بكامل تركيزي، فلم ألاحظ ذلك مباشرة.
لماذا؟ لماذا أرتدي هذه الملابس الآن؟
لقد كانت الساعة العاشرة فقط……بينما كنت أفكر بسرعة، أدركت فجأةً أمرًا ما، فأزحت اللحاف عني بجنون ونهضت من السرير.
ثم سألت بروتور،
“كم من الوقت ظللتُ نائمة؟”
“من يدري.”
“لا تمزح وأجبني بصدق. سألتكَ كم من الوقت كنتُ فاقدةً للوعي.”
أرجوكَ. كنت أرجو في داخلي بكل صدق.
لم أطرح السؤال لأني أجهل الإجابة حقًا، بل لأني أردت أن أُنكر الحقيقة التي بدأت تتضح لي.
لكن، وكما هي العادة دائمًا، لم تخطئ أفكاري السيئة.
“أُغمي عليكِ البارحة في الليل، والآن الليل مجددًا……إذًا يومٌ كامل؟ كنتِ مرهقة جدًا، فلم تستفيقي لفترةٍ طويلة، ريكا.”
……لقد تجاوزنا منتصف الليل. بل بوقتٍ طويل.
وحين استوعبت تلك الحقيقة، شعرت وكأن الدم تجمّد في عروقي. و رأسي أصبح فارغًا تمامًا. ويدي بدأت ترتجف.
الكلمات التي كانت تدور في فمي، لم تخرج إلا بعد لحظةٍ من الصمت الثقيل، وبصوتٍ بالكاد يُسمع من بين شفتيّ.
“إذًا، أشيائي……أين كل أغراضي؟”
“بما أننا تجاوزنا منتصف الليل، فمن الطبيعي أن تكون عندي الآن. فستانكِ الذي كنتِ ترتدينه، والمجوهرات التي كنتِ تضعينها، وأيضًا……”
توقف بروتور عن الكلام للحظة. ثم أخرج شيئًا من جيبه ليُريَني إياه.
“تذكرة ليلة الموتى أيضًا.”
لوّح بروتور بورقةٍ صلبة بين إصبعيه السبابة والوسطى. و حدّقت في ذلك المشهد بذهول.
خلفيةٌ سوداء، وعليها ختم العائلة الإمبراطورية الذهبية الخاص بـ”لوكولين”.
نعم، إنها التذكرة التي سلّمني إياها هاوارد.
و لم يكن هناك مجالْ للخطأ. تصميمها وحده يميّزها عن أي تذكرة عادية، فكيف لي ألّا أعرفها؟
“أعدها إليّ.”
مددت يدي بسرعة باتجاه التذكرة. لكنها لم تصل إلى يدي أبدًا.
فكما لو أنه توقّع رد فعلي، سحب بروتور يده إلى الخلف على الفور.
“لا يصح أن تحاولي أخذها هكذا، ريكا. ما دامت وصلت إليّ، فهي الآن ملكي.”
“كيف تكون ملككَ؟ تلك التذكرة لي! هاوارد أعطاني إياها كهديةٍ خاصة.”
“أعلم. إنها واحدة من القلائل في العالم، صُنعت خصيصًا لأولئك المنحدرين من سلالة لوكولين الإمبراطورية.”
“إذاً فأنتَ تعرف هذا؟!”
عضضت شفتي وحدقت ببروتور بغضب.
“إلى متى ستستمر بهذا؟ ألم تأخذ كفايتكَ حتى الآن؟ ألا يكفي كل ما سلبته مني؟”
كان الغضب يعصف بصدري حتى شعرت أن قلبي سينفجر.
لماذا يفعل بي كل هذا؟ ما الذي فعلته لأستحق هذا كله؟
أخذت نفسًا عميقًا ونهضت من السرير، محاوِلةً مرة أخرى انتزاع التذكرة من بروتور.
لكن جسدي، الذي بالكاد استعاد وعيه قبل قليل، لم يتحمل تلك الحركة المفاجئة. و فقدت توازني وسقطت إلى الأمام.
ويا لسوء الحظ، سقطت مباشرةً بين ذراعي بروتور.
“اهدئي، ريكا. عليكِ أن تكوني حذرة. لم يمضِ وقتٌ طويل منذ استيقظتِ، وإن واصلتِ هكذا، قد تفقدين وعيكِ مجددًا.”
همس بروتور وهو يضمّني بلطف.
كاد الإحباط أن يفجّر الدموع من عيني، لكنني قاومت بشدة، لأني لم أرد أن أبكي أمام بروتور بعد الآن.
كنت أعلم أن التغلب عليه بالقوة أمرٌ مستحيل، لذا حان وقت إيجاد طريقةٍ أخرى.
دفعته بعيدًا بسرعة وفتحت فمي،
“……ما الذي تريده مني؟”
منذ اللحظة التي سمعت فيها كلامه، أدركت السبب الحقيقي وراء ملاحقته لي من أوفيلن إلى أنيما.
كل هذا من أجل تلك التذكرة.
كان يعلم تمامًا كم كانت التذكرة مهمةً بالنسبة لي، ولهذا أراد سرقتها لابتزازي.
“أنت تفعل هذا لأنكَ ستطلب شيئًا، أليس كذلك؟”
ويبدو أنني أصبت كبد الحقيقة، فقد اقترب مني بروتور بابتسامةٍ راضية.
“نعم، كان عليك أن تتحدثي بهذه الطريقة منذ البداية.”
ولأني لم أُرِد حتى أن ألمسه، تراجعت إلى الوراء حتى وجدت نفسي جالسةً على حافة السرير.
وحين رآني بلا مهرب، ابتسم واقترب أكثر، وانحنى تجاهي. فارتجف جسدي بغريزة الهرب، لكنني لم أستطع الحركة.
عيناه الخضراوان توقفتا على بُعد شبر فقط من وجهي. ثم تكلم بصوتٍ خافت، لكن واضح وضوح الصاعقة،
“أريد شيئًا واحدًا فقط.”
صوته لم يترك لي مجالًا للشك أو سوء الفهم.
“انفصلي عن هاوارد تشيلستون، ريكا.”
_________________________
دخلنا مرحلة الصداع✨
المؤلفه تحب بروتور؟ ليه للحين هاوارد ماجاااااااا
المهم ريكا ياقلبو شرايس تشوفين أوديا بعدين؟ ارجعي للعاصمه انفداس 😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 76"