“……هل عليّ ألا أذهب؟”
عندما عبست بحاجبيّ بقلق، ابتسم هاوارد بخفة وهزّ رأسه نافيًا.
“لا تقولي ما لا تعنينه. أنتِ متشوقةٌ للذهاب، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، لكنكَ الآن تخرق الكثير من شروط العقد بسببي. لا أستطيع علاجكَ، ولا حتى أداء دور الحبيبة إلى جانبكَ. أشعر أنني المستفيدة الوحيدة.”
“ومن قال أنكِ المستفيدة الوحيدة؟”
مد هاوارد ذراعه خلفي. ووضع يده على مقبض باب العربة.
“أنا أيضًا كذلك.”
“…….”
“لأني أحب أن أراكِ ترغبين في فعل شيءٍ ما.”
صرير-
صدر صوت فتح باب العربة من الخلف.
كنت أفهم جيدًا ما كان هاوارد يحاول قوله. لأنني أتذكر بوضوحٍ ما قاله لي منذ أيام، حين كان يبكي.
“لا، هذا لا ينفع. انسَي كل ما قلته عن فتح نزلٍ أو ما شابه. فقط ابقي في قصر الدوق، ريكا. افعلي ما تشائين هنا، لا يهم ماذا. فقط لأنني أحبكِ، ولأنني أريدكِ بجانبي، ولأنني سأحتاجكِ إن فقدت السيطرة على قواي المقدسة مجددًا.”
“لذلك، حتى لو كان من أجلي أنا فقط…….”
لابد أن وجود دافعٍ ما يمنحني القوة، حتى وإن كان ذلك يعني تركي أرحل مؤقتًا.
“اصعدي بسرعة، ريكا. إذا تأخرتِ أكثر، ستتأخرين. أنتِ تعرفين أنه عليك تسليم التذكرة قبل منتصف الليل في حال لم أكن معكِ.”
أمسك هاوارد بكتفي وأدار جسدي بلطف. و بفضل ذلك، أصبحت أواجه العربة.
“لم تنسي، صحيح؟ ليلة الأموات تبدأ من منتصف هذه الليلة وتستمر ليومين كاملين على مدار 24 ساعة.”
“نعم، نعم، أعلم. لذا توقف عن دفعي!”
حاولت مقاومة دفعاته المستمرة لإجباري على ركوب العربة، لكن لم يكن لذلك أي جدوى. فقد وجدت نفسي جالسةً على مقعد العربة دون أن أدري.
“أنيما أبرد من أوفيلين، لذا ارتدي ملابس دافئة. أما النقود فقد أوكلتها للفرسان، فلا تترددي في طلب ما تحتاجينه. واعتني بالتذكرة جيدًا.”
وبعد أن انتهى هاوارد من التأكد من كل شيء، أمر السائق بتحريك العربة بهدوء.
لماذا يبدو وكأنه يود إرسالي بعيدًا بأسرع ما يمكن؟
لم يكن هناك داعٍ لكل هذا، كنت سأصل قبل منتصف الليل على أي حال.
رغم شعوري بالاستغراب، فإن حقيقة أن الإسراع كان الأفضل جعلتني أومئ برأسي في النهاية.
“حسنًا، سأعود سريعاً!”
وفي اللحظة نفسها، انطلقت العربة نحو البوابة الرئيسية.
عندما أخرجت جسدي قليلًا من النافذة ولوّحت بيدي نحو هاوارد، بادلني بابتسامةٍ خفيفة وردّ على تحيتي.
رغم أن الانطلاقة كانت على عجلٍ قليلًا، إلا أن الرحلة بدت بدايةً غير سيئة. فقد أعددنا لها جيدًا أنا وهاوارد على مدى عدة أيام، لذا لا شك أن سيرها سيكون كذلك أيضًا.
وفعلًا، كان الطريق إلى أنيما سلسًا. إلى أن……سُمعت فجأة صرخةٌ مألوفة عند منعطفٍ قريب من مدخل أنيما—
كوااانغ-
و شعرت باهتزازٍ وكأن الأرض تتحرك.
“و، وحش! احموا الآنسة إيفريت جميعًا!”
صرخ فرسان الحراسة بفزع. لكن رغم جهودهم، لم يمر وقتٌ طويل حتى تحطمت نافذة العربة بصوت صاخب.
ورأيت ذلك بأمّ عينيّ. عينان حمراوان محتقنتان بالدم كانتا تحدقان بي من خلف النافذة.
بوووم-
ثم صدر صوتٌ مكتوم ضرب رأسي.
***
الثامنة مساءً، والسماء قد أظلمت تمامًا. هاوارد تشيلستون أنهى عمله المحدد في المعبد وصعد إلى العربة.
وكما في العادة، كان ذلك للعودة إلى منزله، لكن وجهته هذه المرة كانت مختلفة. فلديه موعدٌ محدد هذا اليوم.
مع بروتور إيتينتيا نفسه.
“أودّ رؤيتك بعد أربعة أيام في الليل.”
في اليوم الذي أخبر فيه ريكا عن رسالة المعبد، أرسل هاوارد رسالةً إلى بروتور يعبر فيها عن رغبته بلقائه والتحدث معه، وأضاف فيها جملةً مفادها أن المكان لا يهم طالما أنه داخل أوفيلين، فليحدده هو بنفسه.
رغم أن ترك حرية تحديد المكان لبروتور لم يكن تصرفًا حكيمًا، إلا أن هاوارد لم يعر ذلك اهتمامًا كبيرًا.
فإذا كان باستطاعته إبعاد ذلك الوغد عن ريكا، فذلك وحده يستحق التضحية.
“أنا لست هي. ولا هذا الجسد كان لي قبل أن أتقمصه. تلك الفتاة قلتَ أنها أُصيبت بجروحٍ بالغة على يد الوحش، لكن لا يوجد لدي حتى ندبةٌ واحدة. ليست مجرد إصابةٍ عادية، بل جُرحت من قبل وحش، فهل يعقل ألا يكون هناك أي أثر؟ إلا إذا كان هناك من استخدم السحر.”
ما إن سمع هاوارد حديث ريكا، حتى تذكر فورًا شخصيتها الأصلية: بروتور إيتينتيا.
ففي حفلة الكونت إيتينتيا، كانت إحدى الخادمات قد ادّعت أمرًا مشابهًا. قالت وكأنها كانت تحت تأثير سحرٍ ما.
فماذا لو كان بروتور إيتينتيا يملك حقًا قوى غريبة؟ وماذا إن كان هو من أزال آثار الجروح التي كانت على جسد ريكا بالكامل؟
كانت شكوكًا تبدو سخيفة، لكن ما أثار قلقه هو أن ريكا كانت ترافق أوديا منذ مغادرتها لقصر الدوق، وكأن كل شيءٍ مخططٌ بدقة.
لذا لم يكتفِ بتسليم الأمر إلى ليون، بل قرر التحقق بنفسه. ليتأكد مما إذا كان بروتور إيتينتيا مهرطق أم لا.
ولحسن الحظ، لم يرفض بروتور، بل ردّ بالموافقة ودعاه للقاء في قصر إيتينتيا. ولهذا كان هاوارد الآن في طريقه إلى هناك.
وما إن وصل بعد وقتٍ قصير، حتى وجد قصر إيتينتيا عاديًا تمامًا، كما توقع.
لم يكن فيه من مظاهر الفخامة ما يليق بمقربٍ من الإمبراطور، ولا من طابع المنازل الجديدة التي تتميز بها العائلات التي ارتفعت مكانتها حديثًا.
و بالطبع، لم يتوقع أبدًا أن يستقبله شخصٌ آخر تمامًا غير من كان ينتظره.
“مر وقتٌ طويل، دوق.”
قالت الجالسة على أريكة المكتب ذلك.
عيناها الزرقاوان الداكنتان، اللتان كانتا تنظران إلى هاوارد، انحنتا كالهلال. و شعرها الأزرق الداكن، المتناغم مع لون عينيها، تمايل قليلًا مع النسيم الداخل من النافذة المفتوحة.
كان هاوارد يعرف من تكون التي أمامه. فمظهرها كان مألوفًا لديه.
سيرديا آفلز. مضيفة الحفل الأول الذي حضرت فيه ريكا، وأصغر بنات عائلة آفلز، المؤيدة للإمبراطور مثل بروتور.
“ما الذي تفعله الآنسة آفلز هنا؟”
“إذًا تعرفني؟ هذا يسعدني.”
قالت سيرديا ذلك بابتسامةٍ مشرقة.
“كنت أشعر بالأسف لأنني لم أتمكن من التحدث معكَ كما ينبغي في الحفل الماضي. لم تسنح لي الفرصة أبدًا……لكن من الجيد أننا التقينا هكذا الآن.”
ثم دفعت فنجان الشاي برفقٍ نحو هاوارد.
“اجلس أولًا وتناول رشفةً من الشاي. الجو بات باردًا هذه الأيام، فحضّرت لك شيئًا دافئًا لتدفئ به جسدكَ.”
“آنسة.”
لكن هاوارد لم يرمق فنجان الشاي حتى بنظرة.
“سألتكِ لماذا أنتِ هنا الآن.”
“….…”
“أين هو الكونت إيتينتيا؟ لقد جئت اليوم لأقابل الكونت.”
تصلبت ملامح سيرديا التي كانت تبتسم بخفةٍ طوال الوقت. و حدّقت في فنجان الشاي الموضوع أمام هاوارد، ثم عضّت شفتيها بعنف.
وكأن حال الفنجان يشبه حالها.
“أنا أعلم. أعلم أنكَ كنت على موعد للقاء الكونت إيتينتيا اليوم. لقد أخبرني بذلك بنفسه.”
“الكونت إيتينتيا؟”
“نعم. قال أنه سيكون من الجيد لو حضرت أنا أيضًا، لذلك جئت باكرًا وانتظرت هنا.”
“لا أذكر أنه قال شيئًا كهذا.”
قطّب هاوارد حاجبيه قليلًا.
تنهد بخفة ونظر إلى الساعة المعلقة على الحائط. و كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة والنصف بقليل.
“متى سيصل الكونت؟”
“من المفترض أن يصل قريبًا. فقط انتظر قليلًا.”
أجابت سيرديا بنبرة هادئة وهي تدفع فنجان الشاي من جديد.
“اجلس واشرب قليلًا أولًا. لا بد أنكَ متعبٌ ومرهق بما أنك أتيت فور انتهائكَ من العمل.”
تحرك لون الشاي المائل إلى الحمرة بفعل حركتها، محدثًا تموجًا طفيفًا.
حدّق هاوارد في الفنجان بصمت وضاقت عينيه قليلًا. فقد لمح شيئًا غريبًا في الشاي قبل قليل.
كأن هناك شيئًا أبيض اللون، كأن مسحوقًا أبيض لم يذب بالكامل وكان يطفو وسط السائل.
_______________________
تبي تنومه؟ سيرديا ذي شسالفتها ليه دايم تسمع كلام بروتور نفس يوم لبست السوار حق ريكا
المهم الظاهر ذي خطة بروتور؟ راح يرسل وحش لريكا عشان يجي ينقذها ويقول ها شفتي انا انقذتس حبيني؟
مجنون ياحمار ترسل وحش وتطير قليب بنتي وهاوارد مب عندها! بعدين شدراه انها طلعت؟ فيه جاسوس
ااااااا ياهاوارد تكفى رح لريكا 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 73"