“هل أنتِ بخير؟”
سألني هاوارد وهو يتفحصني.
كنت أشعر بخجلٍ لا يُحتمل من هذا الموقف، ومن وجودي مع هاوارد بهذا القرب، لكن لم يكن أمامي سوى أن ألمس فروة رأسي التي ما زالت تؤلمني من الشد وأجلس مجددًا على الأريكة.
لا خيار آخر لدي. فلا يمكنني تمزيق قميص هاوارد، ولا يمكنني أن أنتزع شعري ببساطة.
‘خصوصًا الشعر، مستحيل!’
ما زالت ذكريات حياتي السابقة كصلعاء عالقةٌ في ذهني، ولهذا أصبحت كل خصلة من هذا الشعر الأبيض الثلجي ثمينةً كأنها خيط من الذهب. و لم أكن مستعدةً للتخلي عن واحدةٍ منها.
وكان ذلك طبيعيًا، فجرعة تصفيف الشعر الدائم التي منحني إياها هاوارد كانت باهظة الثمن.
لقد تجاوز سعرها العشرة مليارات جولد!
“لحظة، فقط لحظة ابقَ ساكنًا.”
قلت له مستعجلة، ثم ركزت كل انتباهي على فك تشابك الشعر.
كان حال الشعر سيئًا للغاية. لم يكن الأمر مجرد أن خصلة علقت بالزر، بل كأن الشعر بأكمله قد التصق به وتمدد حوله.
كيف حدث كل هذا في تلك اللحظات القليلة؟
تنهدت بخفةٍ وأنا أقبض على شعري وأحاول بحذر فكه، فتحدث هاوارد وهو ينظر إليّ.
“هل أساعدكِ؟”
“لا! لا بأس. سأفعلها بنفسي.”
الآن حتى مجرد لمس هاوارد لشعري يشعرني بالخجل.
رفعت سرعتي قليلًا بشكلٍ غريزي أكثر من قبل. لكن يبدو أن النتيجة كانت عكسية، إذ بدأت أصابعي تتشابك مرارًا.
وفي النهاية، لم أعد أعرف إن كنت أفك شعري أم أعيده إلى الأزرار.
لا، لم أكن أقصد أن يحدث هذا.
“افعليها ببطء.”
اقترب هاوارد مني أكثر وهمس بجانبي. وفي اللحظة نفسها، شعرت بكتفه يلامسني بخفة فارتبكت.
“أنتَ، لا تقترب كثيرًا من فضلك.”
“أن أكون بهذه المسافة مناسبٌ لفك شعركِ.”
“هذا صحيح لكن….”
هممت بالاعتراض ثم أغلقت فمي. و شفتي اندفعت للأمام دون أن أشعر.
تشه. عادةً ما يراعي مشاعري، فلماذا يتصرف هكذا الآن؟
رغم أنه يعرف تمامًا لماذا أتصرف هكذا.
كنت أتمتم في داخلي بضيق، وفجأةً سمعت صوت ضحكةٍ خفيفة بجانبي.
عندما أدرت رأسي قليلًا، رأيته يكتم ضحكته وكأنه لا يستطيع التحمل أكثر.
……أهو يضحك الآن؟
“ريكا.”
“…….”
“ريكا، انظري إليّ.”
“لماذا؟”
نظرت إلى هاوارد بنظرةٍ حادة تشبه المثلث. وعندما التقت أعيننا، انفجر مرة أخرى ضاحكًا وكأنه لا يستطيع التوقف. فشعرت بذهول من شدّة عدم التصديق.
‘ما هذا، حقًا؟ لن أتكلم معكَ بعد الآن.’
“ليس إلى اليمين، بل إلى اليسار يجب أن تدوري.”
قال هاوارد ذلك وهو يرفع يده ليشير، بعد أن كبح ضحكته بصعوبة.
يده الكبيرة غطت ظهر يدي، وسرعان ما بدأت أصابعه تتشابك مع أصابعي. تمامًا كالشعر العالق في الأزرار.
حدث كل شيءٍ في لحظة، قبل أن أتمكن من فعل أي شيء.
“لا تشدي بقوة، افعليها ببطء.”
“…….”
“ما رأيكِ؟ أليست حالته أفضل بكثيرٍ من قبل؟”
نظرت إلى شعري الذي كاد أن ينفك بالكامل كما قال هاوارد، ثم أومأت برأسي على مضض.
“نعم، نوعًا ما…….”
رغم أنني لا أريد الاعتراف بذلك الآن، إلا أنه من الحقيقة أن شعري انفك تمامًا بفضله.
ابتسم هاوارد بخفة عندما رأى ردة فعلي، ثم عاد ليكمل ما كان يفعله.
خشيتُ أن أفسد كل شيء إن لمسته، لذا تركت نفسي تنقاد لحركته دون اعتراض.
ولم يمض وقتٌ طويل حتى لم يتبقَ سوى خصلةٍ واحدة من الشعر عالقة بالزر.
وعندما أصبحت تلك الخصلة على وشك الانفكاك بعد دورةٍ واحدة فقط، فتح هاوارد فمه مجددًا.
“ريكا.”
“نعم.”
“سأعطيكِ تذكرة ليلة الأموات، فلا تقلقي. فكل من يحمل دم العائلة الإمبراطورية لوكولين يُهدى تذكرة واحدةً كل عام. بغض النظر عن عدد المنتظرين، ستكونين أول من يدخل.”
“ماذا؟”
فوجئت بشدة حتى شددت على شعري دون قصد.
بسبب ذلك شعرت بألمٍ مفاجئ في فروة رأسي، لكن لحسن الحظ، كان شعري لا يزال ثابتًا في مكانه.
يبدو أن الشد لم يكن قويًا لدرجة أن يُنتزع الشعر.
تنفست الصعداء بخفوت ثم،
“لا بأس. لستَ مضطرًا لأن تفعل كل هذا.”
“هل أزعجكِ الأمر؟”
“بالطبع لا. كيف يمكن أن أكره شيئًا كهذا؟ أن أحصل على فرصةٍ لحضور ليلة الأموات، وفوق ذلك أكون أول من يدخل؟ هذا رائعٌ جدًا في الحقيقة. فقط…….”
حرّكت يدي بخفة. وسقطت آخر خصلةٍ كانت عالقةً بالزر.
“أنت لا تنوي أن تأخذ مني ثمن التذكرة، أليس كذلك؟ الآن أصبحتُ أعرف جيدًا كيف يتصرف هاوارد تشيلستون، حتى لو أغمضت عيني.”
ضحك هاوارد بخفوت وتظاهر بالتحسر،
“لا أدري إن كان يجب أن أفرح لأنكِ أصبحت تعرفينني إلى هذا الحد أم لا…….”
ورغم أن شعري قد انفك بالكامل من الزر، إلا أنه ما زال ممسكًا بيدي.
“بمعنى آخر، تشعرين بالحرج لأنني أعطيتكِ شيئًا ثمينًا جدًا من دون مقابل، صحيح؟”
“نعم.”
“إذاً لا بأس. فقط خذيها.”
شد هاوارد قبضته قليلًا على يدي التي كان ممسكًا بها.
“لأنها في النهاية رشوةٌ لغرضٍ واضح.”
ثم نظر إليّ بلطفٍ فحسب. و بهمسة صغيرة منه اخترقت أذني بعمق.
كيف يمكن لشخص أن يكون صريحًا إلى هذا الحد مع مشاعره؟
وقفت صامتةً للحظة ثم تنهدت.
“لو استمريتَ بهذا الشكل، سأعتاد على الأمر بطريقةٍ خاطئة.”
“ولا أرى في ذلك ضررًا.”
قال هاوارد ذلك مبتسمًا ابتسامةً جميلة وهو يضيق عينيه قليلًا.
“ما رأيكِ؟ لم لا تتخلّي عن شقاء كسب المال وتختارين أن تبقي بجانب حبيبٍ غني بدلًا من ذلك؟”
عينيه انحنتا حتى كادتا أن تختفيا، وشفتيه ارتسمت عليهما ابتسامةٌ جميلة وعميقة.
نظرت إليه ببلاهة للحظة، ثم انفجرت ضاحكة.
“بفت-”
في الماضي، كنت سأشعر بسعادةٍ غامرة لسماع كلمات كهذه. فبعد اختفاء أوديا، كنت أتوق لذلك بشدة.
كنت أتمنى أن أصبح شخصًا يحتاجه أحدهم، أن أصبح إنسانةً يمكن أن تُحب من قبل أحد. ولم أكن أدرك كم كان ذلك الحلم متغطرسًا.
“هاهاها.”
لكنني لم أعد أتمسك بمثل هذا الحلم بعد الآن. بل لم يعد بوسعي حتى أن أتمنى ذلك.
لأني أعلم أنه الطريق الأفضل. لي أنا التي سترحل يومًا ما. ولهاوارد الذي سيبقى.
***
في النهاية، قررت أن أستخدم التذكرة التي تخص هاوارد.
كنت أحاول رفضها قدر الإمكان، لأني أعلم جيدًا الثمن الباهظ المرتبط بها، لكن هاوارد كان مصممًا بشكلٍ لا يترك لي خيارًا.
على أي حال، لم يكن بإمكاني حضور ليلة الأموات دون مساعدته.
“هل ستكون بخيرٍ حقًا؟”
بعد أربعة أيامٍ من يوم سماعي للخبر، وفي الصباح الباكر. كنت قد انتهيت من الاستعداد للذهاب إلى “أنيما” حيث تُقام ليلة الأموات، وسألت هاوارد أمام العربة.
كان قد صرف الآخرين قائلاً أنه يريد التحدث معي على انفراد.
“حتى لو لم أكن بجانبكَ؟”
كنت قد توقعت ذلك منذ اللحظة التي منحني فيها التذكرة الوحيدة، لكن هاوارد لم يذهب معي حقاً.
قيل أن هناك أمرًا يجب عليه إنجازه في أوفيلين.
كنت أعلم أن هاوارد مشغول. ففي الآونة الأخيرة، ظهرت الوحوش في جماعاتٍ كثيرة، وبصفته قائد فرسان الهيكل، فلا بد أن لديه الكثير من المهام.
كما أن عدم ذهابه إلى المعبد يترتب عليه عقوبات، أليس كذلك؟
الوصول إلى “أنيما” يستغرق تقريبًا يومًا كاملًا.
حتى لو شارك فقط في ليلة الأموات وعاد مباشرة، فإن الأمر سيستغرق يومين على الأقل، ولم أكن واثقةً من قدرته على تحمّل العقوبة طوال تلك المدة.
نعم، أنا أعلم كل هذا. لكن فقط……
“ماذا ستفعل إذا فقدت السيطرة على قواكَ المقدسة؟ من سيعالجكَ؟”
كنت قلقةً على هاوارد الذي سيبقى بدوني.
حتى الآن، كنت بجانبه دائمًا، فأهدئه على الفور. و لم يكن مضطرًا لإظهار ضعفه أمام الآخرين.
ماذا لو حدث له ما حدث في المرة الماضية أمام ماركوس؟ لا، بل ماذا إن فقد السيطرة أثناء قتال الوحوش؟
خاصةً وأنه قلقٌ عليّ إلى درجة أنه خصص معظم فرسانه لحمايتي، ولم يتبقَ لديه عدد كافٍ.
ترددت للحظة،
“……هل عليّ ألا أذهب؟”
________________________
مب على كيفه النظام هاوارد جته دعوه مب مفروض مايعاقبه؟ مجنون؟
المهم ياريكا ياقلبو نسيتي درس الانانيه؟ عادي قولي على الاقل بفكر في الاعتراف واشوف😭
هاوارد ياورعي ياقليبييييييييي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 72"