‘لماذا ظهرت تلك الحادثة في ذاكرتي فجأةً الآن..…؟’
لم أستطع إخفاء ارتباكي. لأن توقيت تذكري للأمر كان غير متوقعٍ تمامًا.
لماذا الآن تحديدًا؟ هل لمجرد أنني تحدثت مع هاوارد قليلًا عن أوديا؟
لكن المضحك في الأمر، أنني كنت كثيرًا ما أفكر فيها حتى دون الحديث عنها.
وفوق هذا…..
‘…..لقد كان حلمًا بالتأكيد.’
كان ذلك بعد مضي فترةٍ قصيرة من بدء العيش مع أوديا.
كنت قد أُصبت بحمى شديدة لفترة طويلة. مرضٌ شديد لدرجة أنني لم أستطع حتى شرب الماء بسهولة.
قالت أوديا أن حالتي كانت سيئة منذ أن رأتني أول مرة. و أن ذلك بسبب ضعف مناعتي.
وحلم أوديا كان أحد الكوابيس التي رأيتها حينها.
في ذلك الكابوس، كنت مستلقيةً أحدق في السقف بذهول دون حراك. و كان جسدي محمومًا لدرجة أنني كنت أتنفس بصعوبة، ووقتها شعرت بنظرةٍ تراقبني من مكان ما.
حاولت بالكاد تحريك عيني باتجاه مصدر النظرة، فرأيت أوديا تحدق بي بشدة. و بعكس المعتاد، كانت نظراتها حادة.
“هل أقتله بدلًا من مجرد المراقبة؟”
و وصلني همسها الخافت.
لم يكن حديثًا موجَّهًا لأحد، بل بدا كأنه مجرد تفكير خرج لا شعوريًا على شكل همهمة.
ارتعش جسدي من مظهر أوديا وهي تواصل التحديق بي وحدي. و شعرت بقشعريرة من شدة نية القتل التي أحسست بها وكأنها تنوي قتلي فعلًا.
أردت الهروب من تلك النظرات بأي وسيلة، لكن جسدي لم يكن يطاوعني.
هل كان ذلك نوعًا من شلل النوم؟
“نعم، بالتأكيد هذا الخيار أقل مخاطرة. لا داعي للتأكد مرة أخرى، فلننهي الأمر الآن. لقد رأيتُ ذلك بنفسي.”
“…….”
“أنا متأكدة أنني رأيت ذلك في جسد هذه الطفلة ذلك اليوم..…”
وفي اللحظة التي مدت فيها أوديا يدها وهي تقول ذلك، فقدت وعيي تمامًا من شدة الخوف.
لا أعلم كم من الوقت مر بعد ذلك. وحين استعدت وعيي، كانت أوديا تبدّل المنشفة المبللة على جبيني بأخرى جديدة.
نظرت إلي وهي تراقبني، ثم ابتسمت بخفة،
“ما بكِ يا ريكا؟ هل رأيتِ حلمًا مزعجًا؟”
…..إنها أوديا كما أعرفها.
دائمًا تهتم بالآخرين وتضحك من قلبها. أوديا التي أعرفها في قصة <عالم الفانتازيا>.
لذلك، حينها كنت واثقةً تمامًا أن ما تذكّرته قبل قليل لم يكن سوى حلم. ولا يزال هذا الاعتقاد ثابتًا لدي حتى الآن.
فالوضع كله كان غير منطقي. أوديا تحاول قتلي؟ مستحيل.
أنا أكثر من يعرف كيف عاملتني بعد ذلك، وكم كانت تحمل لي من مشاعر المحبة.
‘هل أنا على وشك الإصابة بالحمى مجددًا؟’
ربما لهذا السبب تذكّرت ذلك الحلم فجأة. ويبدو أن لذلك سببًا مقنعًا، فبسبب ما أفرغته من مشاعر خلال حديثي مع هاوارد اليوم، أشعر أن حالتي ليست طبيعية.
و منذ قليل وصداعي لا يتوقف.
“ما بك يا ريكا؟ هل تشعرين بوعكة؟”
سألني هاوارد بوجهٍ يملؤه القلق. فنظرت إليه ثم تنهدت مع ابتسامةٍ خفيفة.
كيف يقلق عليّ وهو بذاك الوجه الآن؟
لكن إن أردت الإشارة إلى ذلك، فسأضطر للحديث عن ما حدث قبل قليل مجددًا، ولا داعي لذلك.
قررت أن أغيّر الموضوع.
“لا، أنا بخير. لكن لدي سؤال. قلتَ أن أوديا غادرت قصر الدوق بعد الحادث. لماذا؟ هل تسببت في مشكلةٍ ما؟”
“لا، أبدًا. بل العكس تمامًا.”
قال هاوارد ذلك بعد أن تردد قليلًا وكأنه يسترجع الذكريات.
“أوديا أنقذت حياتي. و لو لم تعد مسرعةً من مهمتها في ذلك الوقت، لما كنتُ حيًا الآن.”
“أوديا أنقذت هاوارد؟ لكن..…”
توقفت عن الكلام وأنا أومئ بأسي بحيرة.
لأن ماركوس قال شيئًا مختلفًا في حفلة الشاي في القصر الإمبراطوري.
“سمعت أن هناك من أنقذ هاوارد من محاولة الهجوم عليه وقتها. يا لحسن الحظ. كدنا نفقد ابن أخي الوحيد. طبعًا، قيل أن تلك الطفلة ماتت بدلًا منه…..مؤسفٌ جدًا حقًا.”
قال أن الطفلة التي أنقذت هاوارد قد ماتت.
صحيح أن أوديا قد ماتت في النهاية، لكنها لم تمت أثناء إنقاذها لهاوارد. كما أن وصف ماركوس لذلك الشخص بـ”الطفلة” أثار شكوكي.
لأن أوديا، بحسب قصة أوديا ستوريج، كانت قد تجاوزت سن الرشد وقت وقوع حادثة الدوق تشيلستون، لذا لم يكن من المناسب أن يصفها ماركوس بلفظ “طفل”.
ويبدو أن هاوارد لاحظ ما أفكر به، فهز رأسه وبدأ بالكلام.
“من الطبيعي أن تَشعر بالارتباك. فالوضع كان معقدًا بعض الشيء.”
قال هاوارد ذلك بعد أن تنهد.
“في الحقيقة، الشخص الذي أنقذني في ذلك الوقت كانت طفلة. قبل أن تصل أوديا، كانت هناك فتاةٌ حمتني من الوحش. وجلالة الإمبراطور كان يقصدها بكلامه.”
“آه..…”
“كانت فتاةً في مثل عمري. لكن ربما بسبب كل ما حدث حينها من صدمة، لم أعد أتذكر لا وجهها ولا اسمها. فقط أذكر أنها كانت ذات شعر أسود، وكنا نلتقي كثيرًا على التل بعيدًا عن أعين الكبار.”
شعرٌ أسود.
توسعت عيناي فور سماعي لهذه الكلمات المألوفة. و تذكرت ما قرأته في مذكرة بمكتب هاوارد في المعبد.
[فتاةٌ ذات شعر أسود طويل.
في مثل سني.
التل.
المهرجان.
فارسة الحراسة التابعة للدوقية.]
وقتها لم أفهم ما تعنيه تلك الكلمات، لكن الآن أصبحت واضحة تمامًا.
كانت تلك الملاحظات عن تلك الفتاة. دليلٌ على محاولة يائسة لعدم نسيانها.
‘فارسة الحراسة التابعة للدوقية كان يشير إلى أوديا.’
وفي تلك اللحظة أدركت أيضًا. أن تلك الفتاة كانت شخصًا غاليًا جدًا على قلب هاوارد.
وكما توقعت، تابع هاوارد حديثه بوجهٍ غارق في الحنين والندم.
“تلك الفتاة تعرضت لهجوم من الوحش وكانت إصاباتها بالغة. فشعرت وكأنها ستموت في أي لحظة. وكما توقعت، عندما أُغمي عليّ ثم استفقت، أخبرتني أوديا بالخبر. قالت أن تلك الفتاة ماتت.”
“…….”
“في الأحوال العادية، كان من المفترض أن يتولى الطبيب الشخصي الأمر، لكنه كان مشغولًا بأمورٍ أخرى، لذا يبدو أن أوديا هي من تولت المهمة بطبيعة الحال.”
كان ذلك منطقيًا تمامًا. فطبيب قصر الدوق لا بد أنه كان يكرّس كل جهده لوريث العائلة الوحيد، هاوارد.
فقد قُتل دوق ودوقة تشيلستون معًا على يد ملك الشياطين، فكيف كان لأحد أن يهتم بشخصٍ غريب وسط تلك الفوضى؟
“رغم أنني سمعت بوفاتها، أشعر وكأنها ما زالت حية في مكانٍ ما. و لو كنت رأيت الجثة بعيني، لما شعرت بهذا الشعور..…”
أدار هاوارد رأسه نحو النافذة. لكن لم يكن يحدّق بالخارج فقط، بل وكأنه ينظر إلى مكانٍ أبعد بكثير.
وبعد لحظة من التردد، تكلم أخيرًا.
“ريكا، فقط لأتأكد…..هل سبق أن كان شعركِ أسود؟”
“هل تعتقد أنني تلك الفتاة؟”
“أعلم أن الأمر غير منطقي. وأتذكر أنكِ قلتِ من قبل أن ذلك لم يحدث أبدًا. لكن الوضع الآن…..مربكٌ جدًا..…”
مرر هاوارد يده الكبيرة على وجهه في حيرة.
أفهم ما يشعر به.
أوديا التي أخبرته بوفاة من أنقذ حياته ثم غادرت قصر الدوق، وأنا التي ظهرت بعدها ورافقتها. فلا شك أن الأمر يبدو مريبًا.
لكن، هل كان لدى أوديا سببٌ لتكذب على هاوارد بشأن أمر بهذه الأهمية؟
لا بد أنها كانت تعرف كم كانت تلك الفتاة تعني له.
“أنا لست تلك الفتاة. وجسدي هذا ليس حتى الجسد الذي كنت أملكه قبل حلول روحي فيه. قلتَ أن تلك الفتاة تعرضت لإصابة خطيرة من الوحش، لكن جسدي لا يحمل أي ندبة. ليس مجرد جرحٍ عادي، بل هجوم من وحش، فهل من الممكن ألا يترك ذلك أي أثر؟ إلا إذا كان هناك من استخدم السحر…..”
همستُ بتلك الجملة عرضًا، لكن هاوارد ارتجف فجأة.
“…..استخدام السحر؟”
اتسعت عيناه الحمراوان بذهول، وكأنه أدرك شيئًا مهمًا فجأة.
_______________________
لا خلاص واضحة أوديا ماعلمت هاوارد بريكا لأن ملك الشياطين مختوم يمكن داخلها يتعافى؟ عشان كذا ريكا قد قالت انها تتعافى بسرعه
وريكا ليه ماتتذكر من حياتها الا اللعبه؟ هذا الي مدري عنه هعاعا
المهم يمكن هاوارد يبحك منا ولا منا
طبعاً كل ذي تخمينات بس انا اقتنعت 😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 70"