“القائد؟”
ناديتُ هاوارد بلهفة. لكنه لم يردّ بأي كلمة. لا، بل بدا وكأنه غير قادرِ على الرد أساسًا.
وجه هاوارد شحب كصفحة ورق بيضاء. و بدأ العرق البارد يتصبب من جبينه.
وكأنه يحاول تحمّل الألم، راح يعضّ شفتَيه بقوة. عضّها بقوة لدرجة أني شعرت أنه إن استمر على هذا الحال فستتضرر شفتاه تمامًا.
انحنيت واقتربت منه قليلًا وسألته مجددًا.
“القائد، ما بكَ؟ هل تشعر بتوعك في مكانٍ ما؟”
“…….”
“سيدي القائد!”
“أووه…….”
أصدر أنيناً آخر. و يبدو أنه حتى غير قادر على التحدث.
رؤية حالته بهذا الشكل جعل قلبي ينبض بعنف بتوتر مختلف عن السابق.
هل الوضع خطير فعلًا؟ ما الذي يمكنني فعله؟
لم يسبق أن حدث شيءٌ كهذا في <عالم الفانتازيا>.
طبعًا أعلم أن <عالم الفانتازيا> وهذا العالم ليسا متطابقين تمامًا، لكن مع ذلك، هذا الأمر……
‘ألن يموت إن استمر الوضع هكذا؟’
جفّ ريقي فجأة تحت وطأة الخوف الذي اجتاحني دون إنذار.
اليد التي كانت تتجه نحو هاوارد أخذت ترتجف. وانساب عرقٌ بارد على امتداد ظهري. و جفنيّ ارتعشا تحت وطأة شعور لا يمكن تفسيره.
شخصٌ ما سيموت.
هذه الجملة القصيرة والثقيلة ضغطت على صدري.
ذكريات الماضي التي كنت أحاول دفنها اخترقت رأسي بقوة. نظرات العين التي كانت موجهة نحوي. الصوت الذي كان يشبه صوتاً يحتضر.
‘ريكا، حتى لو متّ أنا، فأنتِ…..’
…..لا.
لا.
لا، لا، لا.
رؤية شخصٍ آخر يموت أمام عينيّ؟
لن أحتمل ذلك. خصوصًا إن كان شخصًا طيبًا مثل هاوارد تشيلستون.
“سيدي القائد، اصبر قليلًا فقط! سأخرج وأُحضر فرسان الهيكل!”
قفزت من مكاني فجأة. بما أن هاوارد بالكاد يستطيع الحركة الآن، كان عليّ الخروج وإحضار من يمكنه المساعدة.
كون مظهري في حالة يُرثى لها، أو أن الجميع سيرى وجهي إن خرجت بهذا الشكل—لم يكن لذلك أي أهمية الآن.
يجب أن أنقذه بأي وسيلة. وإلا فلن أستطيع الاحتمال.
مددت يدي بسرعة لأمسك مقبض باب العربة. و لولا تلك اليد التي سحبتني إلى الخلف، لكنت فتحت باب العربة وخرجت فورًا.
“لا تفتحيه.”
سمعت صوتًا منخفضًا وكأنه يُعصر من خلفي.
حين أدرت رأسي، كان هاوارد يمسك بالرداء الذي وضعه على جسدي. و كان جسده يرتجف بعنف، وارتعاشته انتقلت إليّ عبر الرداء.
“إذا انتظرتُ قليلًا، إذا بقيتُ…..ساكناً، فسيصبح الأمر بخير. لذا…..لا تخرجي، فقط ابقي هنا.”
“لكن-”
“لا، لا تفعلي.”
كان موقف هاوارد حازمًا للغاية.
هل هناك سبب يجبره على التصرف بهذه الطريقة؟
نظرت بقلق إلى الخارج ثم إلى هاوارد، بالتناوب، ثم تنهدت وجلست بجانبه.
رغم أن قبضته لم تكن قوية جدًا، الا أنني لم أستطع نزع يده عني. لأنني شعرت برجائه العميق.
وحين جلست بجانبه، أنزل هاوارد يده وكأنه شعر بالارتياح.
نظرت إليه ثم عقدت العزم.
‘حتى إن لم أُحضر أحدًا، عليّ على الأقل فهم الوضع.’
فتحت النظام بسرعة بينما أراقب حالة هاوارد.
كما بحث هو قبل قليل عن معنى زهرة شقائق النعمان، كنت أنوي أن أبحث عن سبب ألمه.
وإن استطعت أيضًا إيجاد طريقة لعلاجه، فسيكون ذلك أفضل ما يمكن.
“لكن، ما الذي ينبغي أن أبحث عنه؟”
ترددت لوهلة، وفجأة ظهرت نافذة نظامٍ جديدة.
دينغ!
القوة المقدسة لـ [هاوارد تشيلستون] خرجت عن السيطرة!
[هاوارد تشيلستون] يتألم بسبب فرط القوة المقدسة!
…..القوة المقدسة؟
قطبت حاجبيّ بسبب هذا السبب غير المتوقع.
رغم ذلك، لم يكن الأمر بعيدًا تمامًا عن المنطق. فقد سمعت أن هاوارد تشيلستون، حتى بين العائلة الإمبراطورية لروكولين المعروفة بولادتها بقوة مقدسة عظيمة، يمتلك قوة تفوقهم جميعًا.
‘لكنها المرة الأولى التي أسمع فيها أن امتلاك قوة مقدسة مفرطة يسبب الألم. لولا النظام، لما كنت لأفهم السبب أبدًا.’
نظرت مجددًا إلى هاوارد. لم يكن قادرًا حتى على فتح عينيه بشكل سليم.
كم يجب أن يكون الألم فادحًا ليبدو بهذا الشكل؟
مجرد فقدان عائلته بالكامل كان كافيًا ليُغرقه في العذاب، فكيف به وهو يتألم بهذا الشكل أيضًا؟
كلما فكّرت بالأمر، أدركت كم أن هذا العالم قاسٍ ووحشي. لي، و لهاوارد على حد سواء.
“ألا يوجد شيء يمكنني فعله لمساعدتكَ؟”
“أنا…..بخير.”
قال هاوارد ذلك بصوتٍ متقطع وكأنه يعتصر كلماته، ثم زفر بعمق.
وجهه كان شاحبًا من شدة الألم، فأي “خير” هذا الذي يتحدث عنه؟
عضضت الجزء الداخلي من شفتي بقلق شديد. كنت خائفةً من أن يُصيبه مكروه.
رغم أن تصرفه يوحي بأنه معتادٌ على مثل هذا الوضع، إلا أنني لم أستطع طرد القلق من داخلي.
‘لكن…..لا يمكنني التوقف عن القلق.’
أنا أكره أن يموت أحدٌ أمام عيني. وأكره رؤيتهم يتألمون. ولا أريد أن أشعر مجددًا بذلك العجز المؤلم عندما أعجز عن فعل أي شيء بينما من أمامي يتعذب.
بعد تردد، مددت يدي المكبّلة نحوه.
“سيدي القائد، الأرض باردة. من الأفضل أن تجلس بشكلٍ مريح أولًا. أمسك بيدي وانهض.”
نظر هاوارد إلى يدي الممدودة ثم هز رأسه.
“قد أكون ثقيلًا عليك. لا تشغلي بالكِ…..أنا بخير..…”
“سأتدبّر الأمر مهما كان. فقط توقف عن قول أنكَ بخير. إن لم تنهض الآن، سأخرج في الحال وأستدعي فرسان الهيكل.”
ولوّحت بيدي قليلًا لأشير له أن يُمسك بها بسرعة.
تردد هاوارد للحظة، ثم زفر تنهيدةً خفيفة ومدّ يده في النهاية. يبدو أنه كان يفضل الموت على أن يرى فرسان الهيكل حالته هذه.
‘ليت قوة هاوارد المقدسة تضعف قليلًا فقط.’
دون أن أشعر، فكّرت بذلك وأنا أمدّ يدي أكثر نحوه. ولم تمضِ سوى لحظاتٍ حتى تلاقت يدانا.
وفي تلك اللحظة بالضبط—
“هاه؟”
طاقةٌ غريبة أحاطت بجسدي فجأة. كان إحساسًا لم أختبره من قبل طوال حياتي.
من الصعب وصفه بدقة، لكنه كان إحساسًا نقيًا ومنعشًا للغاية، وكأنني أستنشق هواءً صافياً فقط بمجرد أن أظل ساكنة.
في البداية ظننت أن السبب هو القوة المقدسة لهاوارد،
لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك، فلم يكن هناك أي أثر للهالة الذهبية التي تظهر عند استخدامه لقوته.
“ما الذي يحدث فجأة..…”
هوارد أيضًا عبس وكأنه شعر بنفس الإحساس الغريب.
عندها، تغيّرت نافذة النظام أمامي.
دينغ!
القوة المقدسة لـ [هوارد تشيلستون] بدأت بالانخفاض!
القوة المقدسة لـ [هوارد تشيلستون] بدأت تستقر!
[هوارد تشيلستون] استعاد هدوءه!
“…..ما كل هذا؟”
حدّقت بذهول في نافذة النظام التي ظهرت أمامي بشكلٍ صاخب.
لم أكن أستوعب شيئًا وسط هذا التغير المفاجئ. و لا أعرف كيف حدث كل هذا.رلكن كان هناك أمر واحد واضح تمامًا.
كما كُتب في نافذة النظام، وجه هاوارد بدا أكثر راحة بكثير مما كان عليه قبل لحظات.
“…..يبدو أن بيننا أمورًا كثيرة يجب أن نتحدث عنها.”
قال هاوارد ذلك بصوتٍ منخفض وهو ينهض من مكانه.
بينما كانت عيناه الحمراوان تحدقان بي بتركيز شديد.
رفعت رأسي ونظرت إليه بابتسامة محرجة.
“هاهاها…..يبدو كذلك، هاها..…”
“لننطلق أولًا.”
رفعني هاوارد من مكاني وأجلسني على المقعد، ثم أمر السائق بتحريك العربة.
وبينما كنت أسمع صوت دوران عجلات العربة، صرخت داخليًا.
‘ما هذا بحق؟!’
ألم أكن مجرد شخصية عادية؟ لماذا لديّ قدرةٌ كهذه؟!
***
الوجهة التي اتجهت إليها العربة كانت قصر الدوق تشيلستون.
ظننت أن هاوارد سيأخذني إلى المعبد، لذا تفاجأت قليلًا. فأنا لم أُبرّأ تمامًا من تهمة الهرطقة بعد، وكنت أعتقد أن التحقيق سيستمر هناك.
لكن كان هناك أمرٌ غريب آخر أيضًا.
قبل أن أنزل من العربة، فكّ هاوارد الأصفاد عن معصمي، وما إن دخل القصر حتى أمر الخادمات بأن يساعدنني في الاستحمام.
ثم أضاف أن عليهن التأكد بعناية إن كنت أُصبت بأي أذى.
لم أتمكن من الذهاب إلى غرفة الاستقبال حيث كان هاوارد ينتظرني، إلا بعد أن قاموا بتنظيفي بعناية شديدة.
يبدو أنه اختار هذا الأسلوب الطبيعي فقط ليتأكد من وجود وشم الفراشة السوداء على جسدي أو لا.
‘لكن لماذا تكلّف عناء كل ذلك؟’
الذهاب مباشرةً إلى المعبد والتحقيق هناك كان سيأخذ وقتًا أقل بكثير. هذا التصرف يوحي وكأنه يريد طمس فكرة أنني كنت مشبوهةً بالهرطقة من الأساس.
‘ولماذا؟’
ازدحمت الأفكار في رأسي، فعضضت شفتي بخفة.
هاوارد، الذي كان جالسًا أمامي، لاحظ تعابيري وسألني،
“تبدين متفاجئة. هل كنتِ تعتقدين أنني سآخذكِ إلى المعبد؟”
“بصراحة…..نعم.”
أجبت وأنا أنظر إلى أغراضي الموضوعة على الطاولة.
زهرة شقائق النعمان الحمراء كانت لا تزال موضوعةً في زجاجة الماء دون أن تذبل.
“لأنني سمعت أن التحقيقات عادةً ما تُجرى هناك.”
“صحيح. وأنا كنت أنوي فعل ذلك أصلًا.”
كان ينوي؟
بينما كنت أحاول فهم ما يعنيه بكلامه، مال هاوارد قليلًا إلى الأمام من وضعية جلوسه المستقيمة، وكأنه على وشك أن يخبرني بسر.
“لكن حصل متغيرٌ غير متوقع.”
“بسبب ما حدث داخل العربة، أليس كذلك؟”
“أجل، هل يمكنكِ أن تشرحي ما الذي جرى بالضبط؟”
“آه، في الحقيقة…..لا أعلم الكثير. لم يحدث لي شيء كهذا من قبل، أبدًا..…”
“ألا تعلمين حقًا؟ فكّري جيدًا.”
كانت عيناه الحمراوان تحدقان بي بعمق. للوهلة الأولى، قد يظن المرء أنه يستجوبني، لكنني أدركت على الفور الحقيقة.
في عينيه شيءٌ متجذر، شيء يحمله في داخله منذ زمن طويل. شيء أشبه بالأمل.
‘آه…..’
تنهدت بصمت في داخلي.
أظنني فهمت الآن سبب إحضار هاوارد لي إلى هنا، رغم كل ما تكلفه من عناء. وفهمت أيضًا ما الذي يجب عليّ فعله في هذا الوقت القليل المتبقي لي.
“سيدي القائد، ما رأيكَ بأن نعقد صفقةً بيننا؟”
لأن المشاعر التي رأيتها في عينيه الآن، تشبه كثيرًا ما شعرت به أنا عندما قابلته اليوم—تلك الأمنية العميقة.
_________________
اعرضي الزواج مره ثانيه🙂↕️✨
شكل بنتي عندها صدمه من قبل 😔 ودام الصوت الي تذكرته قالها ريكا يعني يوم جل لذا العالم
اصلا قالت انها عاشت هنا عشر سنوات مره كثير😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 7"