“لأني أُكِّن لكِ مكانةً في قلبي.”
“أنا أحبكِ، ريكا.”
“أنا أحبكِ بصدق.”
انخفض صوته الهادئ على وقع صوت الرياح واستقر عند أذني.
ثم حدقت في هاوارد بشرود قبل أن أفتح فمي.
“……هاوارد.”
“نعم، ريكا.”
“هل أنتَ مريض؟”
“ماذا؟”
تجعد وجه هاوارد بتعبيرٍ يدل على الذهول. لكنني لم أتراجع، بل سحبت يدي اليمنى التي كان يمسكها ووضعتها على جبينه.
“لا يبدو أن لديكَ حمى……”
كنت أعلم أن كلماتي وتصرفي لا يليقان بمن سمع للتو اعترافًا بالحب، لكن لم يكن بوسعي شيء. فلم أستطع تصديق الأمر إطلاقًا.
هاوارد تشيلستون يحبني؟ ليس أي شخصٍ آخر، بل أنا؟
‘هذا غير منطقيٍ أبدًا.’
ولم يكن ذلك لأن الشخص هو هاوارد تحديدًا فقط. فأن يحبني أحد بمشاعر كهذه لم يكن أمرًا معقولًا.
لا أعرف حتى لماذا أتيت إلى هذا العالم، وكل ذكرياتي عن حياتي السابقة لا تتعلق إلا باللعبة، ولا أملك شيئًا كاملًا، ولم أستطع حتى حماية شخصٍ عزيز واحد.
هذا العالم، بل وحتى أنا نفسي، لا أستطيع أن أحب نفسي كما أنا، فكيف لشخصٍ آخر أن يمنحني قلبه؟
في الحقيقة، الذكرى الوحيدة التي تلقيت فيها قدرًا من المودة كانت من أوديا، ولهذا لا أزال عالقةً في تلك الذكرى معها ولا أستطيع الخروج منها.
“إن لم تكن مريضًا، فأنتَ تمثل مجددًا، أليس كذلك؟ لكن لا داعي لأن تبذل هذا الجهد كله، فليس هنا أحدٌ سوانا……”
ابتسمت ابتسامةً محرجة وسحبت يدي من على جبين هاوارد.
لكن لم يكن لذلك أي فائدة. فقد أمسك هاوارد بيدي مجددًا.
“هل هذا هو جوابكِ؟”
“….…”
“حقًا؟”
نظر إلي هاوارد بهدوء.
على عكس ما كان عليه قبل قليل، لم يكن وجهه مشوهًا، ومع ذلك، شعرت بأنه يتألم ويحزن أكثر.
‘……لقد جُرح.’
لماذا؟ لأنه يحبني حقًا؟
لكن هذا أمر غير منطقيٍ.
لا، هل هذا يعني أن كل ما قاله كان كذبًا؟ هل هاوارد تشيلستون من النوع الذي يكذب؟
ألا تتذكرين؟ هذا الرجل قال أنني الأجمل في هذا العالم.
إذاً، هل ذلك الاعتراف كان حقيقيًا؟
“……هذا غير معقول.”
خرجت الكلمات من شفتي كهمسةٍ عفوية.
رغم كل الأفكار المتشابكة والمبعثرة في رأسي، انتهى بي الأمر إلى نفس النتيجة مجددًا. فمن غير المعقول أن هاوارد تشيلستون يحبني. هذا أمرٌ لا يمكن حدوثه.
كنت أعلم أن أفكاري هذه فيها خلل، لكن عقلي لم يستطع تقبل الأمر.
‘أريد الهرب.’
و تلك الفكرة وحدها كانت تملأ رأسي.
دون أن أشعر، حاولت سحب ذراعي من بين يديه، لكنه شد قبضته قليلًا.
“ما الذي لا يُعقل؟”
“كل شيء.”
أجبت وأنا أجادل هاوارد.
“كونكَ تحبني غير منطقي، وكونكَ تقول أنني جميلة غير منطقي أيضًا-”
“أنا أحبكِ.”
قاطعني هاوارد بحزم.
“أنتِ أجمل من أي أحدٍ آخر. كنتُ أفكر بكِ طوال الوقت، حتى أنني لا أستطيع التركيز في عملي كما يجب. بل إن عيش حياتي اليومية بشكلٍ طبيعي بات صعبًا.”
كانت نظراته مثبتةً عليّ.
فتحت فمي لأجادله، لكن هاوارد لم يمنحني الفرصة، وكأنه يرفض أن أقول شيئًا.
“حتى اليوم، لم أبدل ثياب المهمة بعد، وجئت فور انتهاء التفتيش فقط لأتحدث معكِ. ركضتُ بسرعة لدرجة أن البعض قال أنني مجنون.”
“هاو-”
“وقتي الرسمي للانصراف لم يحن بعد، وقد أتعرض لعقوبةٍ بسبب ذلك، وربما أموت من الألم، لكن لم يكن الأمر مهمًا. ما يهم أكثر هو الحديث معكِ. وحتى الآن، هذا هو الأهم.”
وحين هممت بالكلام مجددًا، ارتجف جسدي لا إراديًا حين شعرت بالارتعاشة التي انتقلت إلي من خلال يده التي تمسك بيدي.
هاوارد كان متوترًا.
“هل هذا لا يكفي بعد؟”
الارتجاف ليس فقط من يده، بل حتى جفناه كانا يرتعشان.
“ألا يزال من غير المعقول أنني أحبكِ؟”
عندها فقط بدأت أرى ما لم أكن أراه من قبل بوضوح.
كم ركض هاوارد على عجلٍ ليصل إلي، وما معنى أن يخرج من المعبد في مثل هذا الوقت، وكيف احمرّ طرف أذنه بين خصلات شعره الذهبي حين اعترف لي، وكم كانت يده التي تمسكني الآن تتوسل بي بيأس.
وحين أدركتُ كل ذلك، أصبح من الطبيعي أن أتقبل الأمر.
“آه.”
أنتَ حقًا، حقًا تحبني.
حتى نفسي “أنا” التي بدأت تفقد الأمل في نفسها.
لكن رغم ذلك، لم يتغير الوضع. ما زلت لا أعرف ماذا أقول. فإن نطقت بكلمة متهورة، قد يحدث أمر فظيع.
لأنني سأموت عمّا قريب.
‘وحينها، هاوارد سيُترك وحيدًا.’
أعرف جيدًا كم يكون الأمر مؤلمًا لمن يُترك وحيدًا. و ربما هاوارد أيضًا يعرف هذا جيدًا.
ولذلك، لم أرد أن أزيد من جراحه. لا أريد أن أحمّله عبئًا إضافيًا، وهو الذي يتضاءل كلما تذكّر تلك المأساة قبل عشر سنوات.
لماذا أحببتَ شخصًا مثلي تحديدًا……
‘……ذلك الوجه مرة أخرى.’
تنهد هاوارد وهو يحدق بي بهدوء.
رغم أنه أكثر من تأذى الآن، كانت عيناه الحمراوان غارقتين في الظلمة وكأنهما تقلقان علي.
هاوارد تشيلستون كان دائمًا هكذا معي، حتى في الماضي.
“ريكا، هل ترغبين في الانتقام؟”
“يمكنني مساعدتكِ.”
“أنا لا أمزح.”
“إذا أردتِ الانتقام من الكونت إتينتيا، فقط قولي لي في أي وقت.”
كان كذلك حتى عندما فقدت أعصابي وصرخت على بروتور في غرفة الاستقبال بقصر الدوق.
“ما الذي تفعلينه الآن؟”
“هل جننتِ؟ كنتِ ستموتين لو سقطتِ من هناك؟”
“لا تفعلي ذلك مجددًا. فهمتِ؟”
“مهما كانت الحياة صعبة، لا يجوز اتخاذ قرارٍ كهذا. أبدًا.”
كان هكذا أيضًا عندما كدتُ أسقط وحدي من الشرفة.
قلِق ومتوتر. كما كنتُ قبل أن أودّع أوديا.
كان أمرًا غريبًا. فهو لا يعرف بعد أنني سأموت قريباً.
لكن لم تمر لحظات حتى تذكرت حقيقةً بديهية واحدة.
لا بد أنه يشعر بذلك. لأن هاوارد أيضًا، سبق وأن فقد شخصًا ما. لا بد أنه مرّ بذلك الهواء الخانق والمريع قبل أن يفقد من يحب.
‘……في هذه الحالة، ألن يكون من الأفضل أن أبتعد عن هاوارد في أسرع وقتٍ ممكن؟’
ربما، أن أختفي دون أن يعرف مكاني سيكون أهون عليه من أن أموت أمام عينيه وأنا إلى جواره.
نعم. كنتُ حمقاء جدًا طوال هذا الوقت.
تفكيري كان قاصرًا.
وما إن تماسكت بالكاد، حتى خرج الكلام من فمي.
“هاوارد، لو قلتُ أنني سأغادر قصر الدوق-”
لكنني لم أتمكن من إنهاء الجملة. فقد أدركت على الفور، حين التقت عيناي بعيني هاوارد، أن قراري قبل لحظاتٍ كان أسوأ ما يمكن.
وجهه الشاحب كمن أصابه الذعر. وعيناه الحمراوان ترتجفان بلا وِجهة.
“ريكا.”
ناداني هاوارد بقلق، ثم شدّ قبضته على يدي كمن يتعلق بطوق نجاة.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، بل أمسك بذراعي وجذبني إليه.
ثم عانقني بكل ما أوتي من قوة، وكأنه إن لم يفعل فسأختفي من أمامه.
“لا يمكن. لا يجوز. كل ما قلتُه عن مغادرة القصر وفتح نُزل…..انسِي كل ذلك. فقط ابقي في قصر الدوق، ريكا. افعلي ما تشائين هنا. أي شيءٍ. لأني أحبكِ، ولأني أريدكِ أن تبقي بجانبي، ولأنني سأحتاجكِ حين تنفلت قواي المقدسة من السيطرة.”
ترددت كلماته بصوتٍ منخفض مختلطٍ بنبرة بكاء. وكان ظهره العريض يرتجف قليلًا.
“ولأجل شخص ٍمثلي على الأقل……”
لم يُكمل هاوارد جملته، لكنني عرفت جيدًا ما كان يريد قوله.
فمن أجل شخصٍ مثلي على الأقل، عيشي.
لا تموتي.
لا تختفِ.
ذلك الارتعاش الذي وصلني منه كان يتوسل إلي بهذه الكلمات.
أمام ذلك الاعتراف الحزين، لم أعد أستطيع إنكار مشاعر هذا الرجل. و لكن بدل أن أومئ برأسي أو أجيبه، مددت يدي وربّتُ بلطف على مؤخرة رأسه.
لأن موتي، على عكس ما كان يتوقعه هاوارد، لم يكن أمرًا أختاره بإرادتي، ولا شيئًا يمكنني منعه حتى لو لم أرده.
وأيضًا……
‘ليتكَ لا تعرف أبدًا أنني نوكس.’
بسبب أنانيتي التافهة.
_______________________
بكيت 🫂
عادي مب انانيه تافهة الا ذي انانيه حلوه
ودي كل بطلاتي انانيات يختي هو اعترف لس ودس تحبينه ؟ حبيه عادي عيشي معه واستانسي بعدين ذا التفكير الي لو رحت بيقعد لحاله كلي تبن
المهم ااااااااااا هاوارد يجنن وريكا تجنن وتحزن😭
هو انا حاسه ان فيه حل للنوكس بس للحين محد قال شي عشان كذا ابي صدق فيه ملك شياطين راقد داخلها كوده هو الحل
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 68"