دخل من البوابة الرئيسية شخصٌ واحد في نهاية المطاف. وبشكلٍ أدق، كان يركب حصانًا يعدو بسرعة.
ولأنه كان يرتدي ملابس سوداء عادية ويضع قلنسوة الرداء على رأسه، لم يكن بالإمكان معرفة من هو. ولم يتضّح إلا من بنيته الظاهرة على أنه رجل.
كان يبدو في غاية العجلة. و لم يسبق أن دخل أحدٌ إلى قصر الدوق بهذه السرعة من قبل.
‘هل حدث شيءٌ في الخارج؟’
نظرًا لكثرة الحوادث مؤخرًا، بدأ القلق يتسلل إليّ.
هل هاجمتنا الوحوش مجددًا؟ هل أُصيب هاوارد بجراحٍ بالغة أثناء عملية المطاردة؟
هل جاء هذا الشخص لإبلاغنا بذلك؟
راقبت الرجل الممتطي بحذر وأنا أتكئ قليلًا على الدرابزين بوجهٍ متوتر. و في تلك اللحظة، وكأنه شعر بنظري، التفت الرجل نحوي.
وفي اللحظة التي تلاقت فيها أعيننا—
‘هاه؟’
طارت قلنسوة الرجل التي كان قد غطى بها رأسه بإحكام، بفعل الريح. وانكشف وجهه الذي كان محجوبًا بفعلها.
شعرٌ ذهبي لامع. وعينان حمراوان واضحتان حتى من ذلك البعد.
“……هاوارد؟”
تمتمت باسمه بصوتٍ مسموع دون أن أشعر.
من أراه أمامي بلا شك هو هاوارد تشيلستون، لا يمكن أن يكون غيره مهما نظرت، ومع ذلك لم أستطع تصديقه. ولم يكن ذلك غريبًا، فالساعة لم تصل حتى الثامنة بعد.
‘ما الثامنة، إنها بالكاد تجاوزت السادسة.’
لماذا جاء مبكرًا هكذا اليوم؟ فبحسب الإعدادات، من المفترض أن يبقى في المعب حتى الساعة الثامنة.
ماذا عن العقوبة؟ ماذا حدث للعقوبة؟
وبينما كنت في حيرةٍ وارتباك، أدار هاوارد حصانه وبدأ يقترب مني.
‘يا للمصيبة!’
تناسيت تمامًا عزيمتي على التحدث مع هاوارد اليوم، واستدرت بسرعة.
و رغم أنني أبطأ من هاوارد، إلا أن الدخول إلى الغرفة من الشرفة يظل أسرع من الدخول إلى الطابق الأول والصعود مجددًا عبر الدرج.
وبينما أفكر بذلك، وضعت قدمي داخل الغرفة. لكنني أغفلت أمرًا مهمًا.
وهو أن هاوارد تشيلستون إنسانٌ أعظم بكثير مما كنت أظن.
‘مـ-ما هذا!’
كنت قد دخلت الغرفة تمامًا وهممت بإغلاق الباب الزجاجي، حين رأيت هاوارد يقفز برشاقة فوق الدرابزين ويدخل إلى الشرفة، فحدقت فيه مذهولة.
هل هذا حتى ممكن؟ هل هو إنسانٌ فعلًا؟
نحن في الطابق الثاني، يا الهي..…
“…..ريكا.”
ناداني هاوارد بصوتٍ منخفض وهو يقترب بخطوات واسعة. بينما كان يسند الباب بإحدى ذراعيه، وكأنه يخشى أن أغلقه.
“أريد أن أتحدث معكِ قليلًا.”
انحنى هاوارد نحوي قليلًا وهو يوجه كلامه لي. و فجأة، تقلصت المسافة بيننا. لو تحرك خطوةً أخرى فقط، للامس طرف أنفه بأنفي.
آه، لم أكن مستعدةً نفسيًا بعد!
“أنا اليوم متعبة قليلًا، فلنؤجل الحديث إلى وقتٍ آخر..…”
“لن يستغرق الأمر طويلًا.”
قال هاوارد ذلك وهو ينظر إليّ مباشرة في عينيّ.
هل كان السبب في امتلاء عينيه بذلك الرجاء؟ فلم أعد قادرةً على الحراك، ولا على قول أي شيء.
وبينما كنت واقفةً دون حراك، انحنى هاوارد أكثر قليلًا، فالتقت جبهتانا بخفة.
ثم سألني بصوتٍ خافت وهو على تلك الحال.
“أم أنكِ…..لا تشعرين بشيءٍ تجاهي؟”
قال ذلك وهو لا يزال يحدق فيّ بعينيه.
“لدرجة أنكِ لا ترغبين حتى في تبادل الحديث معي؟”
كانت حاجبا هاوارد منخفضين بحزن، مما جعله يبدو كجروٍ مبتل تحت المطر، فرددتُ بصوت خافت بالكاد يُسمع،
“……لا. الأمر ليس كذلك.”
مهما رغبت في الهروب من هذا الموقف، لم أرغب أبدًا في الكذب والقول أنني أكره هاوارد. فهو أصبح شخصًا مهمًا جدًا بالنسبة لي الآن.
ابتسم هاوارد ابتسامةً خفيفة وقد بدا عليه بعض الارتياح بعد إجابتي.
وعندما رأيت تلك الابتسامة، شعرت بانقباضٍ في صدري، وكأنني أدركت الآن كم عانى طيلة الأسبوع الذي ظللت أتهرب فيه منه.
كان من الخطأ أن أفعل ذلك. من أكون أنا حتى أجرح هاوارد بهذا الشكل…..
“أنتِ الآن تفكرين بأفكارٍ سيئة، أليس كذلك؟”
قالها هاوارد ذلك وهو يلمس جبهتي بجبهته بخفة، دون أن يؤلمني، فقط ليوقف سلسلة أفكاري.
ثم ابتسم قليلًا واعتدل في وقفته. بينما غطّت أهدابه الذهبية عينيه وهو يخفض نظره.
“لا تلومي نفسكِ. أنا من أخطأ.”
“…….”
“ظننتُ أن الأمر سيفاجئكِ ويشعركِ بالارتباك، لذا حاولت إخفاءه قدر ما استطعت. لكن فجأة لم أعد قادرًا على التحمل، فتصرفت دون وعي. وأيضًا..…”
تردد هاوارد للحظة، ثم تمتم.
“…..كان هناك شيءٌ كنتُ أخفيه عنكِ.”
يخفيه عني؟
ارتجف جسدي لا إراديًا من هذا الاعتراف غير المتوقع. لأنني تذكرت على الفور السر الذي كنت أخفيه أنا أيضًا.
ولحسن الحظ، يبدو أن هاوارد لم يلحظ ردة فعلي، إذ واصل حديثه بهدوء،
“هل تتذكرين لماذا أتيتِ إلى قصر الدوق؟”
“نعم؟ بالطبع. لقد شككتَ بي كهرطقة، وأردتَ التحقيق في أمري، أليس كذلك؟”
لماذا يسأل عن هذا فجأة؟
أملت رأسي في حيرة، فحول هاوارد نظره بعيدًا قليلًا.
“بشأن ذلك التحقيق…..أوقفته قبل أيام.”
“آه، نعم، أوقفتَـ…..ماذا؟”
مـ-ماذا قلت؟ ماذا يقصد بأنه أوقفه؟
تراجعت إلى الوراء من شدة الصدمة، فانزلقت قدماي وتشابكتا دون قصد.
لكن هاوارد، وكأنه كان يتوقع ردّ فعلي، مدّ يديه فورًا وأمسك بذراعيّ بكلتا يديه. وبفضل ذلك، استعدت توازني بسرعة.
لكن الأمر المهم الآن لم يكن توازني.
“لـ-لماذا؟”
“لأننا لم نجد أي دليلٍ ضدكِ مهما بحثنا. من البداية، لم ترتكبي أي جريمة، وحتى هذا القدر من التحقيق كان مبالغةً بحقكِ.”
“هـ-هكذا إذاً…..إذاً لماذا..…”
سألت وأنا لا أزال في قبضته.
“لماذا لم تخبرني بذلك من قبل؟”
‘كنت تعلم أكثر من أي أحد آخر كم كانت نتيجة التحقيق مهمةً بالنسبة لي.’
تنفست بعمق قليلًا، ثم رفعت نظري إليه.
لقد أوقف التحقيق…..كان ذلك مفاجئًا وغير متوقع، لكنني لم أشعر بالخوف أو القلق.
فقط، عندما نظرت في عيني هاوارد، شعرت باليقين.
وكما توقعت، حرّك هاوارد شفتيه عدة مراتٍ قبل أن يتكلم أخيرًا.
“…..لأني أردت البقاء معكِ لوقتٍ أطول.”
رغم أن تلك الإجابة كانت في الحسبان، إلا أنها لم تكن أقل وقعًا من المفاجآت السابقة.
“عندما ينتهي التحقيق، ستغادرين قصر الدوق، أليس كذلك؟ مجرد التفكير في ذلك جعلني أفقد صوابي للحظة، فاتخذت قرارًا خاطئًا-”
“لا، انتظر. فقط لحظة.”
قاطعته وأنا ألوّح بيدي بسرعة.
“هل كنت تعتقد أنني سأغادر قصر الدوق لمجرد انتهاء التحقيق؟”
“نعم.”
“ولماذا؟”
ردّ هاوارد على سؤالي وكأن الأمر بديهي.
“من البداية، وجودكِ في قصر الدوق كان من أجل التحقيق، أليس كذلك؟ فبما أن التحقيق قد انتهى، فلا سبب لبقائكِ هنا. حتى علاجي، قلتِ أنكِ ستقومين به ما دمتِ موجودةً هنا للتحقيق، وكذلك دوركِ كحبيبتي المزيّفة.”
“لكن، حتى إن عالجتُكَ هنا في قصر الدوق، فأنا أتلقى مقابلًا لذلك، أليس كذلك؟”
“التكاليف المتراكمة للعلاج أصبحت لا بأس بها. ومع توفر المال، أليس من الأفضل أن تغادري وتعيشي حياتكِ براحة بهويةٍ حقيقية بدلًا من الاستمرار في العيش بهويةٍ مزيفة هنا؟ قلتِ أنك كنتِ تعملين في نُزل، فاعتقدتُ أنك قد تفتتحين واحدًا بنفسكِ. أما إدارة المال، فأنا يمكنني تولّي ذلك إن طلبتِ مني.”
“هاه، إذًا وصلت الأمور لتلك الدرجة من الادخار؟”
بما أن هاوارد هو من كان يتولى إدارة أموالي بالكامل، لم يخطر لي أن أحسب المبلغ المتراكم، ففوجئت بأنه أكثر مما توقعت.
يكفي لافتتاح نُزل؟ هذا أمرٌ مربح حقًا…..
وبينما كنت أفكر بذلك، نظر إليّ هاوارد بنظرةٍ يائسة وكأنه استسلم للأمر.
حتى دون أن ينطق، شعرت بأنه يقول في نفسه: “كما توقعت.”
لا، لم تكن هذه هي الأجواء التي أردت الوصول إليها…..
“كحـم. كانت مزحةً فقط. أنا لا أهتم بالمال إلى هذه الدرجة..…”
“بلى، تهتمين.”
“…….”
“جداً.”
لم أعد أجد ما أقوله فجأة.
راقبته وهو يطأطئ رأسه ويتنهد، لكنني لم أستسلم وتابعت كلامي.
“على كل حال، إن كان الأمر لا يزعجكَ، فلن أغادر قصر الدوق. قلت لك من قبل، أنا أحب التواجد هنا.”
“قلتِ ذلك، صحيح. لكن الوضع الآن مختلف.”
“ماذا تقصد بـ..…”
رفع هاوارد رأسه ببطء. و كان وجهه الذي التقيت به مرة أخرى مختلفًا عما كان عليه قبل قليل.
كانت زوايا عينيه حمراء، وشفتيه تعلوها ابتسامةٌ لا يمكنني تمييزها بين الضحك أو البكاء.
كان في مظهره شيءٌ من اليأس والشفقة…..
“لأني أُكِّن لكِ مكانةً في قلبي.”
وهذا ما جعله يبدو أكثر محبةً وعذوبة.
“أنا أحبكِ، ريكا.”
“…….”
“أنا أحبكِ بصدق.”
كان وجهي ينعكس بوضوح في عينيه الحمراوين. و كأنني وحدي فقط في عالمه كله.
‘هذا ما يراه إذاً…….’
______________________
ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
اعترافه يجنن زوجوهمم😭🤏🏻
المهم تكفين لاترفضينه يا ريكا قولي بأستخير
ورعي تكفين لاتجرحينه مسيكين🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 67"