نعم، بلا شك، لقد كتبت ورقةً كهذه من قبل. و بالطبع، تلك الورقة لم تكن موجهةً إلى المتدربين، بل كانت موجهةً إلى ريكا.
وفوق ذلك، فإن هاوارد لم يكتب مذكرةً لأحد مؤخراً سوى تلك المرة، لذا كان متأكداً.
‘مع ذلك، من الأفضل التأكد.’
أعاد هاوارد استحضار محتوى المذكرة التي كتبها، ثم نظر إلى المتدربين الواقفين بانضباط وسألهم،
“هل تتحدثون عن الورقة التي قلتُ فيها أنني سأخرج للتدريب قليلاً؟ التي كتبت فيها أنني سأغيب لحوالي ساعتين؟”
“نعم! هذا صحيح! تتذكرها!”
ظهرت على وجه المتدرب ملامح التأثر.
لكن، رغم أسفه تجاههم، كان هناك أمرٌ آخر يشغل بال هاوارد أكثر.
كأن يتساءل، على سبيل المثال، لماذا ظن هؤلاء أن المذكرة التي تركها لريكا كانت موجهةً إليهم.
مع أنه من المؤكد أن ريكا كانت موجودةً في المكتب حينها.
“ألم تقابلوا أحداً آخر في المكتب ذلك اليوم؟ لا بد أن شخصاً ما كان يستريح على الأريكة.”
“ماذا؟ لا، حين وصلنا لم يكن هناك أحد.”
بدا المتدربون في حيرة. وكان هاوارد أيضاً لا يقل حيرةً عنهم.
إذاً، إلى أين ذهب شخصٌ مصاب بكاحله؟
وبينما كان هاوارد والمتدربون يحدقون ببعضهم في حيرة، تنهد فيليب، الذي كان يردد كلمة “الأريكة” مراراً، كأنه تذكر شيئاً.
“آه، هل تقصد الآنسة إيفريت؟ كان ذلك اليوم الذي كانت فيه تستريح على الأريكة.”
“صحيح. في الحقيقة، تلك المذكرة كانت موجهةً إلى ريكا. لكن لماذا لم يلتقون بها؟ من المفترض أنها بقيت في المكتب بسبب إصابتها في الكاحل……”
تمتم هاوارد وهو ينظر إلى المتدربين.
كان المتدربون لا يزالون واقفين بانضباط كما تدربوا مؤخراً، لكن كان هناك شيءٌ مختلف عن السابق.
وجوههم جميعاً شحب لونها تماماً. وكأنهم أدركوا لتوهم أمراً خطيراً.
“أآه……أأ.…”
كان المتدربون يحركون أفواههم بتوتر، عاجزين عن الكلام. وكان من الواضح جداً أنهم يتصرفون بشكل مريب، ما جعل هاوارد يلاحظ الأمر فوراً.
لقد كانوا يخفون شيئاً ما.
“تكلّموا.”
أمرهم هاوارد بنبرةٍ حازمة. عندها ارتجفت أجساد المتدربين من الخوف.
“نـ……نعم؟ مـ……ماذا تقصد……؟”
“أقصد، لماذا أنتم مرتبكون بهذا الشكل الآن؟”
“الأمر هو……”
و عندما ظلوا مترددين ولم يجيبوا بسهولة، انخفض صوت هاوارد أكثر وزاد حدة.
“على أي حال، إن أجريتُ القليل من التحقيق فسأعرف كل ما قلتموه. من الأفضل أن تقولوه الآن فقط.”
في الحقيقة، لم يكن هاوارد ينوي إرغام المتدربين على الكلام، لكن المتدربين الذين انضموا حديثاً إلى فرقة الفرسان المقدّسين لم يكن لديهم طريقةٌ لمعرفة ذلك.
ألم يكونوا يظنون أن هاوارد يملك القدرة على التنبؤ؟
تبادل الاثنان النظرات لوهلة، ثم ابتلعا ريقهم الجاف مراراً من شدة التوتر، وبدآ بالكلام ببطء.
“……في الواقع، تحدثنا قليلاً عن علاقاتكَ السابقة يا سيدي. خطر ذلك ببالنا فجأة عندما دخلنا المكتب.”
“ماذا؟”
“لـ-لكن لم نقل شيئاً سيئاً على الإطلاق! فقط قلنا أن الآنسة إيفريت تبدو مختلفةً تماماً عن أولئك السيدات، وهذا فاجأنا قليلاً! فقد سمعنا في الحفلة أن القائد كان يواعد نساءً راقيات وناضجات……”
لوّح المتدربون بأيديهم بسرعة في محاولة لنفي سوء النية. ويبدو أن الخوف تملّكهم خشية أن يُطردوا من الفرقة قبل أن يصبحوا فرساناً رسميين، فقد ارتسم الذعر على وجوههم.
لكن هاوارد لم يكن ينظر إليهم. و كان عقله مشغولاً في مكان آخر.
قبل فترة قصيرة، وتحديداً عندما تعرّضت الساحة الكبرى للهجوم.
“أ-أعني……هـ-هاوارد……أ-أنتَ تحب الأشخاص الهادئين الناضجين……أ-أنا أعلم هذا، أعلم تماماً……”
عندها فقط أدرك هاوارد ما كان يعنيه كلام ريكا الغامض.
في اليوم الذي جاء فيه أولئك المتدربون إلى المكتب، كانت ريكا أيضاً هناك، وقد سمعت حديثهم. ثم أساءت الفهم وظنت أن هاوارد يحب الأشخاص الهادئين الناضجين……
“أنا أعلم تماماً……أعلم كل شيء.”
عندما تردد ذلك الصوت مجدداً في ذاكرته، و أطبق هاوارد شفتيه بصمت.
‘……وأي أمرٍ هذا الذي تزعمين أنكِ تعرفينه؟’
فما يحبه لم يكن تلك الصفات. بل كان ببساطة يحب كل شيءٍ يتعلق بريكا.
لقد حدث ذلك بشكلٍ طبيعي، من دون أن يدرك حتى.
تنهد هاوارد بصوتٍ خافت خرج من بين شفتيه. ثم نبّه المتدربين بأن عليهم الحذر مستقبلاً، وأعادهم إلى أعمالهم، لأنه لم يكن هناك جدوى من محاسبتهم أكثر.
رغم أن ذهنه كان مشوشاً بالتفكير في كيفية إصلاح هذا الموقف، إلا أن هناك شيئاً واحداً أصبح واضحاً له.
من المؤكد أن هذا النوع من سوء الفهم هو أحد أسباب تردد ريكا في تقبّل مشاعره.
“فيليب، هل انتهت أعمال التفتيش في محيط القصر الإمبراطوري؟”
“نعم، لم يتبقَّ سوى منطقةٍ واحدة فقط.”
“إذاً، لنذهب حالاً. لدي أمر عليّ إنجازه اليوم، لذا سأغادر فور انتهاء التفتيش.”
خرج هاوارد من المكتب بسرعة.
اليوم، لا بد أن أتحدث مع ريكا مهما كلّف الأمر. حتى وإن اضطررتُ لتحمّل العقوبة.
***
“آآااااه!”
جلستُ على السرير وأمسكت رأسي وأطلقت صرخة. ثم سقطت إلى الوراء وبدأت أتدحرج على السرير يميناً ويساراً.
لقد كان هذا نمطاً يتكرر منذ أسبوع كامل. منذ اليوم الذي أُقيم فيه الحفل لتكريم فرقة الفرسان المقدّسين.
“لا، حتى الآن……ما زلتِ جميلة.”
“لم أكن أمثّل، ولم تكن مزحة.”
“أنا فعلاً أظن أنكِ جميلة……الأجمل في هذا العالم.”
عاد إلى ذهني صوت هاوارد المنخفض تلقائياً. وحرارة يديه الكبيرتين وهما تحتضنان يديّ. ونظرته الدافئة التي كانت تخترقني وكأنه يراني وحدي.
“……آآاه! توقفي عن التفكير! توقفي!”
نهضت فجأةً من السرير وأنا أشعر بحرارة تتصاعد إلى وجهي.
ثم بدأت ألوّح بيديّ في محاولة لتبريد نفسي، لكن يبدو أنني لن أهدأ بهذه السهولة.
لقد مضى وقتٌ طويل على انتهاء الصيف، والجو لم يعد حاراً أصلاً، فما الذي يحدث لي؟
“هل أخرج إلى الشرفة لأستنشق بعض الهواء؟”
كنت أحدّق بصمت في السماء التي بدأت تكتسي بلون الغروب من خلف النافذة، ثم نهضت ببطء وتوجهت نحو الشرفة.
عندما فتحت الباب الزجاجي المؤدي إلى الشرفة، هبّت نسمةٌ باردة لطيفة واصطدمت بوجهي بلطافة.
و شعرت أن حرارة وجهي التي تصاعدت قبل قليل بدأت تهدأ قليلاً.
حتى أفكاري المتشابكة بدأت تستقر نوعاً ما.
‘هل مرّ أسبوعٌ بالفعل منذ آخر مرة رأيت فيها هاوارد؟’
تنهدت بينما كنت أسترجع ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية.
ربما يصعب تصديقه، لكنني لم أكن أتعمّد تجنّب هاوارد منذ البداية.
في اليوم الذي هاجمت فيه الوحوش الساحة الكبرى في القصر الإمبراطوري، لم أتمكن من مواجهة وجه هاوارد، فهربت. لكنني كنت أعتزم التحدث إليه عندما يعود إلى قصر الدوق.
كنت أريد أن أسأله، ماذا كان يقصد بكلامه؟ وهل ما فهمته أنا كان صحيحاً فعلاً؟
لكن، عندما سمعت أن العربة التي يقلّها هاوارد قد عبرت بوابة القصر الرئيسية، بدأ قلبي ينبض بجنون.
“أنا فعلاً أظن أنكِ جميلة……الأجمل في هذا العالم.”
تماماً كما حدث حين سمعت تلك الكلمات من هاوارد لأول مرة.
كانت مشاعراً لم أختبرها من قبل في حياتي.
كنت أشعر بخجل شديد لدرجة أنني أردت الهرب والاختباء في أي مكان. و شعرت وكأن وجهي سينفجر من شدة الحرارة، ولم أجد حلاً سوى أن أتوسل إلى الخادمة كي تتصرف وتغطي عليّ، ثم زحفت إلى السرير واختبأت تحت الأغطية.
‘فليكن الأمر هكذا اليوم فقط. غداً، سأتحدث إليه مجدداً.’
كنت أكرر هذا الوعد لنفسي. لكن مواجهة هاوارد كانت تزداد صعوبةً مع مرور الوقت.
كان يجب أن أتحدث إليه في ذلك اليوم، في اللحظة نفسها.
‘……لم يكن بوسعي فعل شيء.’
فكرتُ، إذ لم يخطر في بالي، ولو بنسبةٍ ضئيلة جداً، كحجم ذرة، أن هاوارد سيقول لي شيئاً كهذا.
لا تزال الأسئلة تتزاحم في رأسي.
لماذا يقول رجلٌ مثله، رجل يلمع بهذا الشكل……شيئاً كهذا لي؟
‘لشخص تافه وبلا قيمة مثلي……’
وحين بدأت أفكاري تصبح سلبيةً وتتآكل روحي، هززت رأسي بسرعة في محاولة لطردها.
لم يكن هذا هو المهم الآن. من المؤكد أن هاوارد بدأ يلاحظ الأمر، أنني أتهرب منه عمداً.
‘لقد كنت أتصرف بغرابةٍ طوال الوقت.’
أن أنام مباشرة بعد العشاء قد يحدث مرة أو مرتين، لكن منذ متى أخلد للنوم باكراً بهذا الشكل كل يوم على مدار أسبوع؟
يبدو أنه لا مفرّ من الحديث معه اليوم مهما كان.
رفعت رأسي ونظرت إلى برج الساعة البعيد. و كانت الساعة قد تجاوزت السادسة بقليل.
“ما زال هناك بعض الوقت قبل أن يصل هاوارد.”
سأفكر حتى ذلك الحين في ما يجب أن أقوله.
اتخذت ذلك القرار في نفسي، لكن في تلك اللحظة، رأيت بوابة قصر الدوق تفتح في الأفق.
يبدو أن أحداً ما قد جاء في للزيارة.
‘من يكون في هذا الوقت؟ زائرٌ مهم؟’
فكرت في الأمر باستخفاف، ولم أتحرك من مكاني.
من دون أن أعرف ما الذي سيحدث لي بعد ذلك.
__________________________
هاوارد رجع؟
تكفون دام هاوارد عرف انه سوء فهن بسرعه سوي حل وعلمها بأوديااا
بشوف اذا امداني نزلت ثلاث اليوم بعد لو آخر الليل 🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 66"