“سيدي القائد……هل أنتَ بالفعل في علاقة حبٍ طبيعية؟”
“ماذا؟”
كشّر هاوارد جبينه قليلاً. و كان وجهه يوحي بأنه لا يفهم ما يُقال.
لكن فيليب تابع حديثه والدموع تتأرجح على أطراف عينيه، غير مبالٍ بردة فعل هاوارد.
“قد يكون من الوقاحة أن أقول هذا……لكني بدأت أتساءل، هل من الممكن أن تكون أنت وحدك من يحب الآنسة إيفريت؟”
ارتجف جسد هاوارد قليلاً. فهذا هو الأمر الذي كان يشغل باله منذ أيام. فكيف يمكنه أن يصيب كبد الحقيقة بهذه الدقة؟
لكن رغم ذلك، لم يكن بوسعه أن يعترف بالحقيقة، لذا اعتدل في جلسته وسعل سعالاً خفيفاً قبل أن يجيب.
“لا أفهم ما الذي تقصده. لماذا تظن ذلك؟”
“بسبب زهرة شقائق النعمان التي تلقيتها، طبعاً.”
“وما بها؟”
“أنظر إليها جيداً، ألا تلاحظ شيئاً غريباً؟ لو كانت بيضاء لربما تفهّمت الأمر، لكنها حمراء.”
لأن فيليب كان يحمل مجموعةً من الملفات بين ذراعيه، لم تكن يداه فارغتين، فاكتفى بالإشارة برأسه نحو المزهرية على المكتب.
“زهرة شقائق النعمان الحمراء لا تحمل سوى معانٍ سيئة. ما كانت معانيها؟ حب مستحيل، حب باطل، خيانة……على الأقل هذا ما أتذكره الآن. لا تبدو زهرةً مناسبة للاعتراف بالحب، مهما فكرتُ في الأمر.”
“……لقد أحببتها بسبب ذلك التصرّف الغريب، لأنها أهدتني زهرةً كهذه. ثم، ما أهمية كل تلك الأمور؟ المهم أنها أرادت أن تهديني زهرة.”
“حتى المشاعر لها حدودٌ يا سيدي. لم أكن أنوي قول هذا، لكن حالة الزهرة نفسها ليست جيدةً. كما أنها، حسب ما سمعته، لا تصدق كلامكَ بسهولة أيضاً.”
“هناك أسباب لكل ذلك……لا، انتظر. ما الذي تقوله يا فيليب؟”
كان هاوارد يجيب تلقائيًا قبل أن يسارع بتغيير الموضوع.
“لقد قلتُ أن هذه ليست قصتي، بل قصة شخص أعرفه. قد يسيء الآخرون الفهم إن سمعوها، لذا أتمنى منكَ أن تكون حذرًا قليلًا.”
“آه، نعم……”
أجاب فيليب وهو يبدو غير مقتنعٍ على الإطلاق. و كانت عيناه معلّقتين على زهرة شقائق النعمان الحمراء.
وعندما لاحظ هاوارد ذلك، نظر هو أيضًا إلى الزهرة.
رغم أنه لم يعرها أي اهتمامٍ من قبل، إلا أنه بعدما نبّهه فيليب، لم يستطع التوقف عن التفكير فيها.
لم يكن الأمر أن هاوارد انزعج لأن ريكا أهدته شقائق حمراء.
أليس من الطبيعي أن يشعر بذلك؟ فعندما تلقى هذه الزهرة، أي في لقائه الأول مع ريكا، كان هاوارد يعلم أكثر من أي شخص آخر أن الوضع لم يسمح لها بالذهاب إلى محل الزهور واختيار زهرة مناسبة.
لقد أحبّ تصرفها العفوي حين اقتلعت الزهرة الحمراء التي نمت على جانب الطريق وقدّمتها له بجذورها.
كان ذلك حقًا أحد الجوانب التي يحبها هاوارد بشدة في ريكا.
أما ما يشعر به الآن، فهو فقط……
‘بصراحة، لا يعجبني معنى الزهرة.’
لم يكن يطيق فكرة أن ينظر أحدهم إلى هذه الزهرة ويكوّن انطباعًا سلبيًا عن علاقته مع ريكا.
حبٌ مستحيل، حب باطل، خيانة؟ أليس من القسوة أن تنسب هذه المعاني لمن بالكاد أفصح عن مشاعره؟
‘……لا، في الواقع، لم أُفصح عن مشاعري بعد.’
صحّح هاوارد أفكاره بمرارة طفيفة. فمهما حاول أن يقنع نفسه، هذا لا يبدو صحيحًا.
ضيّق عينيه ونظر إلى الحمرة الماثلة أمامه. وبينما بدا كأنه يفكر بشيء، رفع يده بسرعة ووضعها قرب الزهرة.
فوووش—
ثم انبثق من يده ضوء ذهبي. كان بلا شك طاقةً مقدسة.
وهذا السطوع الشديد أجبر رموش فيليب على الانحناء أمامه.
وعندما شعر بأن النور بدأ يخفت، فتح عينيه بحذر. و فُتح فم فيليب بدهشة عندما رأى ما أمامه.
“مـ-ما هذا بحق……؟”
زهرة شقائق النعمان الحمراء لم تعد موجودة. و أمام عينيه لم يبقَ سوى زهرة واحدة تشع نورًا.
وبشكل أدق، شقيقة قد تشبّعت بالطاقة المقدسة حتى أصبحت تبدو من الخارج وكأنها زهرة بيضاء.
ولم يكن ذلك كل شيء. فالزهرة التي تلقّت من النقاء ما لم يتلقّه غيرها، بدت في أزهى حالاتها وكأنها لم تذبُل يومًا.
لم يستطع فيليب أن يصدق عينيه رغم أنه رأى كل شيء بنفسه، فرفرف بجفنيه وسأل،
“أ-أأطلقتَ الطاقة المقدسة على الزهرة؟”
“نعم.”
أجاب هاوارد بكل بساطة.
ولم يكن من الصعب على فيليب أن يفهم السبب وراء هذا التصرف العجيب. فبفضل شقيقته التي تهتم بالزهور كثيرًا، كان يعرف جيدًا معاني الشقيقة البيضاء.
الأمل، التوقّع، الإخلاص.
“ما رأيكَ؟ الآن أصبحت جيدة، أليس كذلك؟”
قال هاوارد ذلك وهو يبتسم بفخر و ينظر إلى الزهرة. وكانت تلك الابتسامة بمثابة تأكيد نهائي لتخمينات فيليب.
أي أنه بذل كل هذه الطاقة المقدسة، القوة الوحيدة القادرة على تدمير الوحوش ج، فقط من أجل تغيير لون زهرة شقائق النعمان……
‘……هل كان قائدنا مجنونًا إلى هذا الحد؟’
إهدار الطاقة المقدسة بهذه الطريقة! حتى لو كان يفيض بها، هل يعقل هذا؟
يقولون إن الوقوع في الحب يجعل المرء يفقد عقله، ويبدو أن ذلك صحيح تمامًا. و لم يكن يتصور أبدًا أن هاوارد تشيلستون تحديدًا سيكون من هؤلاء.
“……آه، لا أحد في هذا العالم يبدّد الطاقة المقدسة كما تفعل يا سيدي. فجأة أصبحت أشعر بالفضول تجاه الآنسة إيفريت. ربما القائد الحقيقي لفيلق الفرسان المقدس هي تلك الآنسة……”
تمتم فيليب بهذه الكلمات بخفوت وهو يبتلع نهايتها، لكن لسبب ما، فسّر هاوارد كلامه بشكل خاطئ وردّ بلهجةٍ حازمة،
“لا. لا تفكر في الأمر حتى.”
“….…”
“حتى وإن كانت ريكا فاتنة، هناك أمورٌ لا يجوز الاقتراب منها.”
……ما هذا الهراء؟ هل هذا الرجل هو فعلًا قائدي؟
هل هو نفس الشخص الذي لطالما افتقد للاهتمام بالنساء لدرجة أن الفتيات اللاتي واعدنه بالكاد يُطلق عليهن لقب “عشيقات”، وغالبًا ما ينتهي بهن الأمر باكيات ومنهكات وهن يرحلن؟
أدار فيليب نظره بنظرةٍ فارغة، فلم يعد يحتمل الرؤية أو السماع أكثر.
لقد ندم بشدة على تدخّله. لم يكن عليه أن يسأله إن كان هناك ما يشغل باله.
“على أي حال……فكّر جيدًا في الهدية. لا أتكلم عن المال. راقب ما تحبه تلك الآنسة وما ترغب فيه. عندها ستدرك ما هي الهدية الأنسب. فالبشر يتأثرون غالبًا بتلك التفاصيل الصغيرة.”
“حسنًا، سأضع ذلك في الاعتبار.”
قال هاوارد ذلك وهو يومئ بحماس، دون أن يحاول حتى إخفاء أن الحديث يدور عن نفسه.
فيليب حاول جاهدًا كبح رغبته في الهرب من الغرفة، وأجبر نفسه على الابتسام. وفي تلك اللحظة، جاءه المخلّص.
طَرق، طَرق، طَرق!
“سيدي القائد، هل لي بالدخول للحظة؟”
“نعم، تفضل.”
بمجرد أن أذن له هاوارد، فُتح الباب ببطء. ودخل اثنان من الفرسان المتدرّبين.
انحنوا احترامًا عندما رأوا هاوارد وفيليب داخل المكتب.
“مرحبًا، سيدي القائد، سيدي النائب! اسمي كِيان، وقد انضممت مؤخرًا كفارس متدرّب. أرجو أن أكون عند حسن ظنكم!”
“أنا إيفين. أتشرف بالعمل معكم كذلك!”
أومأ هاوارد وفيليب برأسَيهما بخفة كتحية، مع بعض الكلمات المشجعة.
كان هذا النوع من التحية معتادًا من الفرسان المتدرّبين. أو هكذا كان يبدو……
إلى أن فتح أحدهم فمه مجددًا، وقد ملأه الحماس الطفولي.
“سيدي القائد، لدي سؤالٌ فضولي……هل يمكنني طرحه إن لم يكن الأمر مزعجًا؟”
“ما الأمر؟”
“كما تعلم على الأرجح، في الحقيقة……لقد زرنا مكتب القائد سابقًا. ورأيت الورقة التي تركها لنا. لم نُخبركَ مسبقًا بأننا سنأتي، لذا أنا حقًا فضولي، كيف عرفتَ أننا سنزوركَ؟ هل من الممكن أن يكتسب المرء القدرة على التنبؤ بالمستقبل عندما يبلغ مستواكَ من المهارة؟”
……ورقة؟ هل تركتُ ورقة للفرسان المتدرّبين؟
تساءل هاوارد وهو يميل برأسه، فقد كانت كلماتٍ لم تخطر بباله إطلاقًا.
‘متى تركت الورقة……؟’
عندها مرت في ذهنه ذكرى خاطفة. تلك الورقة التي كتبها على عجل قبل أيام، لمن كانت بانتظاره.
[خرجتُ لتدريب قصير. سيأخذ الأمر حوالي ساعتين.]
_____________________________
استعمل القوة عشان يتغير لو الورده ياناس يجنننننننن
بس عاد مب كأنهم طولوا في المكتب؟ رح لريكا علمها بالحدث ذاه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 65"