أوديا كانت فارسةَ حراسة في دوقية تشيلستون منذ أن كان هاوارد صغيرًا جدًا.
كانت ووديا، وهي الابنة الصغرى لبارون ستوريدج، قد أصبحت تابعةً لدوقية تشيلستون في ظروفٍ معقدة.
لا يعرف التفاصيل الدقيقة، لكنه يتذكر أن أراضي وممتلكات بارونية ستوريدج دُمرت على يد الوحوش إلى حد يصعب معه إعادة البناء.
فقدت شعبها، وأسرتها، وثروتها، وباختصار، فقدت كل شيء وأصبحت وحيدةً دون قريب أو صديق يمد لها يد العون.
والذي أشفق عليها وضمها إليه كان الدوق تشيلستون السابق، الذي أنقذ حياتها حين قضى على الوحوش التي ظهرت في أراضي البارونية.
قال لها أنه لا بأس إن بقيت في قصر الدوقية بارتياح، لكنها أصرت على رد الجميل بأي طريقةٍ ممكنة.
وهكذا تم التوصل إلى حل وسط يقضي بتعيين أوديا كفارسة حراسة تابعة لدوقية تشيلستون.
‘حتى الآن، أظنها كانت فارسةً موهوبة بحق.’
رغم أنها لم تكن بمستوى دوقية تشيلستون، إلا أن قوتها المقدسة الفطرية كانت كبيرة، ومهاراتها في المبارزة كانت بارزة لدرجة أنهم فكروا في ضمها إلى فرقة الفرسان المقدسين.
بالطبع، بما أن أوديا كانت ترغب في البقاء ضمن دوقية تشيلستون، فربما لم يكن ذلك ليحدث.
هاوارد، الذي كان يفكر في أوديا، هزّ رأسه بخفة وتنهد. فحين يتذكرها، تخطر على باله تلك الفتاة تلقائيًا.
لأن من أخبره بموت تلك الفتاة لم يكن سوى أوديا ستوريدج.
رفع هاوارد رأسه وهو يشعر بتعقيد في مشاعره، فالتقت عيناه بعيني فيليب الذي كان ينظر إليه بنظرةٍ ذات مغزى.
“ما الأمر؟”
“قائد الفريق، أليس الوقت قد حان لتخبرني؟”
“أخبرك ِبماذا؟”
مال هاوارد برأسه قليلاً باستغراب. فابتسم فيليب قليلاً وهو ينظر إليه وتابع كلامه.
“في الأيام الأخيرة، تبدو وكأنكِ مشغول البال بشيء ما. من يدري؟ ربما أستطيع مساعدتك في حل تلك المشكلة.”
“ظننت أن الأمر جاد. لا تقلق، لا يوجد شيءٌ من هذا القبيل.”
“حقًا لا يوجد ما يشغلكَ؟”
“….…”
“حقًا؟”
سأله فيليب بصوتٍ خافت، كأنما يهمس. لكن لم يكن هناك أي رد.
و أخيرًا، انحنى فيليب قليلًا لتحيته، ثم استدار واتجه نحو الباب.
لكن في تلك اللحظة بالضبط، جاءه صوتٌ من الخلف، بدا وكأنه فقد كل طاقته.
“فيليب، هناك أمر……يتعلق بشخصٍ أعرفه……”
“نعم! ما الأمر؟”
استدار فيليب وهو يحاول جاهدًا أن يخفي الابتسامة التي ارتسمت لا إراديًا على وجهه. لأنه عندما يبدأ أحدهم كلامه بعبارة “شخص أعرفه”، فغالبًا ما يكون الحديث عن نفسه.
على كل حال، نوعٌ كهذا من الاستشارات يثير الدهشة حقًا.
‘إذًا، القائد مجرد إنسان أيضًا في النهاية.’
فقد اعتاد أن يظهر دائمًا بصورةٍ مثالية لدرجة أن فيليب كان يظنه من جنس مختلف تمامًا عن البشر العاديين.
شعر فيليب بشيءٍ من الحماس وهو يقترب من مكتب هاوارد.
بدت على هاوارد علامات التردد لوهلة وهو ينظر إليه، ثم بدأ بالكلام ببطء. وكأنه متردد حتى اللحظة الأخيرة في أن يبوح بما يجول بخاطره.
“……هناك شخصٌ أعرفه أفصح عن مشاعر ظل يحتفظ بها في قلبه لفترةٍ طويلة. لكن الطرف الآخر لا يبدو مستعدًا لتصديقه إطلاقًا.”
“ما الذي قاله له؟”
“هذا لا يمكنني……أعني، لا أعرف تحديدًا. لم أسمع التفاصيل.”
يبدو أن الأمر من النوع الذي لا يمكن البوح به للآخرين.
شعر فيليب بفضولٍ كبير، لكنه قرر ألا يسأل. فقد شعر أنه يجب عليه احترام خصوصية قائده.
هاوارد تشيلستون لم يكن من النوع الذي يُكثر من التواصل مع الآخرين خارج نطاق العمل، ولذلك فإن الشخص الذي يقصده بكلمة “الطرف الآخر” لا يمكن أن يكون سوى واحد فقط.
ريكا إيفريت. حبيبة هاوارد تشيلستون، وأكثر الشخصيات شهرةً في فرقة الفرسان المقدسين في الوقت الحالي.
“وهل يعرف ذلك الصديق سبب تصرف الطرف الآخر بهذا الشكل؟”
“يقول أنه لا يعرف، ولهذا هذه هي المشكلة الآن.”
“ألا ينوي سؤاله مباشرةً عن السبب؟”
“حتى لو أراد، لا يستطيع. لأن الطرف الآخر يتجنبه منذ عدة أيام، ولا يجد فرصةً لرؤيته.”
وفي نهاية كلامه، خرج منه تنهدٌ خافت.
عندها فقط بدأ فيليب يدرك سبب الكآبة التي كانت ترتسم على وجه هاوارد مؤخرًا.
‘……إذًا لقد تشاجرا.’
تردد فيليب قليلاً،
“بما أن الطرف الآخر يرفض اللقاء، فربما من الأفضل أن تحاول التواصل بطريقةٍ مختلفة.”
“مثل ماذا؟”
“مم، مثلاً أن يكتب له رسالةً صادقة، أو يرسل له هدية يعرف أنها ستعجبه.”
“هدية، إذاً……”
يبدو أن الفكرة راقت له، فقد أخذ هاوارد يردد كلمة “هدية” عدة مرات.
استغل فيليب الفرصة وتابع بحماس،
“إهداء شيء ليس أمرًا سيئًا، أليس كذلك؟ ما دام يعرف ما يحبه الطرف الآخر بدقة، فلا شيء أفضل من ذلك.”
“نعم، أعلم ما هو الشيء الذي يحبه أكثر من أي شيءٍ آخر.”
“وما هو؟”
حُلي؟ عطور؟ فساتين؟
أم زهور؟ كتب؟ لوحات؟
ترى، ما الذي تحبه حبيبة قائدي؟
‘هاه، لا شك أن قصص حب الآخرين ممتعة فعلًا.’
ارتسمت على وجه فيليب ملامح الترقب، مسترجعًا صورة ريكا التي رآها مؤخرًا.
لكن الجواب الذي سمعه بعد لحظة، جاء مختلفًا تمامًا عمّا كان يتوقعه. لا، بل كان مختلفًا جدًا.
“المال.”
“……عفوا؟”
مال فيليب برأسه وهو يتساءل إن كان قد سمع خطأ، لأن ما قيل كان صعب التصديق.
لكن قائده الجاد لم يخذله وأعاد الجواب دون تردد، بل ورافقه بإشارةٍ لطيفة بيده تشبه شكل قطعة نقدية.
“قلت المال.”
“آه……هكذا إذًا.”
قال فيليب ذلك وقد تجمد لوهلةٍ قبل أن يتمكن من فتح فمه.
‘……تحب المال أكثر؟’
حسنًا، لا بأس. هذا ممكن. فمن من البشر لا يحب المال؟
لو عُرض على أحد مال بلا مقابل، لا أحد في هذا العالم سيرفض. بل ربما يصاب بجنون من السعادة.
لكن……
“قائد الفريق، صحيح أن المال شيءٌ جيد……لكن مهما كان، تقديم المال كهدية بين حبيبين ليس خيارًا مناسبًا، خاصةً إن كانت الهدية تعبيرًا عن الرغبة في المصالحة. ربما من الأفضل أن تعيد التفكير في الأمر من وجهة نظر الشخص الذي سيتلقى الهدية……”
“ولهذا السبب بالذات المال هو الأفضل. لا، بل لا بد أن تكون مالاً. لم أرَ شيئًا آخر تحبه غير المال.”
قال هاوارد ذلك بحزم غير معتاد.
ثم بدا وكأنه لاحظ أمرًا غريبًا، فقطّب جبينه قليلًا.
“لكن، فيليب……هل قلتُ في أي وقتٍ من الأوقات أن هذين الاثنين على علاقة؟ وما معنى ‘في نية المصالحة’ الذي ذكرته؟”
“آه، أ-أقصد……يبدو أنني خلطت الأمر بقصة شخصٍ آخر للحظة. فهناك شخص في محيطي يمر بمشكلة مشابهة.”
لم يكن يكذب تمامًا. فهاوارد تشيلستون، في النهاية، يعتبر من ضمن معارفه.
“حقًا؟ هذا غريبٌ بعض الشيء.”
تمتم هاوارد وكأن الشك لا زال قائمًا في صوته.
‘……يا إلهي. هل قلت أكثر من اللازم؟’
شعر فيليب بأن الأمر قد يتطور إلى مشكلة أكبر إن تركه كما هو، فسارع لتغيير الموضوع.
فوجه الحديث فجأةً نحو الزهور الموضوعة في المزهرية على مكتب هاوارد.
“صحيح! كنت أتساءل منذ فترة……من أين حصلت على هذه الزهرة؟ فأنتَ لا تضع عادةً أشياء غير متعلقة بالعمل على مكتبكَ.”
“آه، هذه؟”
في تلك اللحظة، أشرق وجه هاوارد فجأة. لا، بل بدت عليه علامات الفخر والاعتزاز.
“ألم أخبركَ من قبل؟ حين التقينا أول مرة، ريكا أهدتني زهرة شقائق النعمان الحمراء وهي تعترف بمشاعرها.”
“نعم، ذكرت ذلك. إذًا هذه الزهرة……”
“نعم. هذه هي نفسها تلك الزهرة.”
نظر فيليب إلى وجه هاوارد المليء بالفخر، ثم حول بصره إلى الزهرة الحمراء في المزهرية.
منذ أن سمع اسم “شقائق النعمان الحمراء” شعر ببعض الاستغراب، لكن رؤيتها على الطبيعة أثار المزيد من التساؤلات.
أولًا، عدد الزهور في المزهرية كان قليلًا جدًا، وحتى تلك القليلة لم يكن بها الكثير من البتلات.
يبدو أنها حظيت بعنايةٍ مؤخرًا، لكن حالتها الأصلية كانت سيئةً بوضوح. فلم تبدُ كزهرة اشتُريت من محل، بل أقرب إلى زهرة قُطفت مباشرة من الطريق.
‘لا، بما أن الجذور ما زالت متصلة، فربما تم اقتلاعها من الأرض مباشرة.’
في جميع الأحوال، كانت الزهرة تبدو رثةً بمجرد النظر إليها.
حين رأى فيليب هاوارد ينظر إلى تلك الزهرة الرثة بوجه تغمره السعادة، شعر بوخزٍ غريب في صدره، وكأن شيئًا يؤلمه دون أن يعرف السبب.
فالشخص الذي يحبّه، لا يصدّقه حين يبوح له بكلماتٍ نابعة من القلب. ويتحدث عن المال بإفراط وكأنه الشيء الوحيد المهم.
ويُهدي زهرةً غريبة بالكاد تبدو كهدية.
بالنسبة لفيليب، كل ذلك بدا غير منطقي على الإطلاق.
وفي النهاية، لم يستطع كتمان قلقه أكثر، فسأل بحذر، محاولًا جاهدًا كتم ما بدا وكأنه رغبة في البكاء.
“قائد الفريق……أنت متأكدٌ أنك تعيش علاقة حبٍ طبيعية، أليس كذلك؟”
_____________________
وش قصدك؟ السؤال يضحك بس خل اشخصنها من زمان وفيليب يقطع المومنت لازم اشخصنن
المهم يمكن ريكا بعد تبي تشوف اوديا بس لأن ما معها فلوس ماقدرت؟ والحين تقدر تشوفها مع هاوارد بعد هاهاهاهاهاعا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 64"