حين يذهب هاوارد تشيلستون إلى العمل، تستيقظ ريكا. وحين يعود هاوارد تشيلستون من العمل، تكون ريكا قد نامت.
هكذا كان حال الحياة اليومية في قصر الدوق تشيلستون خلال الأيام الماضية.
لم يتمكن هاوارد من رؤية حتى خصلة واحدة من شعرها الأبيض، فضلًا عن رؤية وجهها.
وبعد أن استمر هذا الوضع لأسبوعٍ كامل، بدأ يفكر في أخذ إجازةٍ ولو على حساب تعرضه لعقوبة، لكن نطاق التفتيش كان قد اتسع ليشمل المناطق المحيطة بالقصر الإمبراطوري، فلم يكن ذلك ممكنًا.
وفوق ذلك، لم تكن تلك هي المشكلة الوحيدة.
مع مرور الوقت دون أن يلتقي هاوارد بربكا، بدأ خدم الدوقية، الذين لم يبالوا في البداية، يشعرون بأن هناك أمرًا غريبًا.
“يبدو أنهما قد تشاجرا.”
“يقال أن شيئًا ما حصل في مناسبة القصر الإمبراطوري.”
هكذا بدأت الشائعات تنتشر بين الخدم.
من المؤكد أن ريكا كانت تدرك أن الأمور ستؤول إلى هذا، أو على الأقل، لو كانت هي ريكا المعتادة، لكانت أدركت ذلك.
‘…..لا بد أنها الآن في حالة من الارتباك لا تسمح لها بالتفكير في هذه التفاصيل.’
شعر هاوارد بوخز من تأنيب الضمير لأنه دفعها إلى هذا الحد، وفي الوقت ذاته، لم يستطع كبت شعور طفيف بالعتب.
هل حقيقة أنه يحبها أمر يصعب تصديقه إلى هذا الحد؟
استلقى على مكتبه في مقر عمله، مستحضرًا ريكا التي لم يرها مجددًا ذلك الصباح.
‘لو أنّ قواي المقدسة خرجت عن السيطرة على الأقل…..’
لو كانت قواه خرجت عن السيطرة، لكانت قد جاءت إليه بلا شك. نعم، مع طيبتها المعهودة، لكانت فعلت ذلك بالتأكيد.
لكن لماذا لا تثور قواه المقدسة، التي كانت تخرج عن السيطرة بسهولة في السابق، حين يكون بحاجةٍ إليها فعلًا؟
منذ متى أصبحت مستقرةً هكذا؟
لقد عانى كثيرًا من انفلات تلك القوة، وبدلًا من أن يشعر بالامتنان لهدوئها، ها هو يتحسر الآن.
كان يعلم أن هذه أفكارٌ مجنونة إلى حد ما، لكن هاوارد كان قلقًا ومضطربًا إلى تلك الدرجة.
و بدأ يشعر بالخوف من أن تنقطع قدرته على الحديث مع ريكا نهائيًا.
وإن لم يرَ وجهها مجددًا أبدًا…..
“…..أنا أفتقدها.”
تنهد هاوارد تنهيدةً طويلة.
في تلك اللحظة، تسلل إلى أذنه صوتٌ مألوف.
“سيدي القائد؟ ما بك؟”
كان فيليب، الذي دخل إلى المكتب لأداء مهمة ما. و نظر إلى هاوارد الممدد على مكتبه بعينين مملوءتين بالدهشة.
اعتدل هاوارد في جلسته وهزّ رأسه كأنه يقول “لا شيء”.
ثم، وبعد أن رفع فيليب كتفيه قليلًا، فتح فمه ليتحدث عن سبب مجيئه.
“في الحقيقة، أتيت لأرفع تقريرًا بخصوص ما أمرتَ به سرًا من قبل.”
أمرٌ سري.
تغيرت ملامح هاوارد بسرعة عند سماع تلك الكلمات. فهو لم يعطِ في الآونة الأخيرة أوامر سرية إلا مرةً واحدة فقط.
“أريدكَ أن تتحقق مما إذا كانت هناك أي آثار لملك الشياطين في الجوار. لا تُعلِن الأمر، فليس هناك ما هو مؤكدٌ بعد. اجمع فقط الفرسان الذين تثق بهم.”
كان ذلك عندما حصل الهجوم الغريب الأول للوحوش في أوفيلين.
“ما الذي حدث؟ هل عثرتم على أي أثر؟”
“في الواقع..…”
تردد فيليب في الكلام، وكأن الحديث نفسه يثقل عليه.
“لم نجد أي أثرٍ في المناطق المحيطة. وسّعنا نطاق التحقيق احتياطًا، لكن النتيجة كانت نفسها.”
“وهذا يعني..…”
“نعم.”
أومأ فيليب برأسه والجمود مرسومٌ على وجهه.
“يبدو أن ما حدث كان بالفعل من تدبير ملك الشياطين، كما توقّعتَ. وينطبق الأمر نفسه على الهجوم الثاني.”
“وكذلك الهجوم على الساحة الكبرى في القصر الإمبراطوري، على الأرجح.”
قال هاوارد ذلك واضعًا يده على جبهته.
رغم أنه كان يتوقع الأمر، فإن سماعه من خلال تقرير مؤكدٍ جعله يشعر بثقل مختلف.
وبينما كان مكتئبًا بالفعل بسبب ما يحدث مع ريكا، انحدر مزاجه أكثر إلى قاع آخر.
هل يمكن لأمر ما أن يُسقط الإنسان بهذا الشكل دفعةً واحدة؟
“ملك الشياطين..…”
هاوارد، الذي كان قد استغرق في التفكير بذلك الكائن الذي يكفي مجرد ذكر اسمه ليقشعرّ له البدن، عبس بحدة.
عادت ذكريات الماضي لتغزو رأسه من جديد.
البيت الذي سادته برودة غريبة على غير العادة. و الصراخ المتناثر في كل مكان. و صوت عواء الوحوش، الذي كان يكاد يمزق الأذنين.
أفراد عائلته الممددون على الأرض، أجسادهم مدمّرة بالكامل. وشعر أسود ملتصقٌ به الدماء…..
‘…..كفى.’
عض هاوارد على شفتيه وأغمض عينيه بقوة.
حاول جاهدًا أن يركّز على ما أمامه، وحين فعل، هدأ تنفّسه الذي كان قد بدأ يضطرب دون وعي منه.
فيليب، الذي لم يرَ حاله وكان غارقًا في التفكير بدوره، سأل بصوت منخفضٍ وثقيل،
“لمَ يفعل ملك الشياطين هذا؟ لقد ظل مختفيًا طوال تلك السنوات، فلا بد أن هناك سببًا وجيهًا لظهوره الآن. لكن في الحقيقة، لم تُسجَّل أي خسائر كبيرةٍ حتى الآن. على العكس، ما فعله لم يزدنا إلا حذرًا واستعدادًا. هجماتٌ عديمة الفائدة بهذه الطريقة لن تعود عليه بأي نفع، فأنا لا أفهم لماذا يُقدم على شيء كهذا من دون سبب.”
“لا، هناك سببٌ بالتأكيد.”
قال هاوارد ذلك بحزم. فملك الشياطين لم يكن من النوع الذي يتحرّك بلا دافع.
“لا بد أن لديه سببًا وجيهًا، سببًا يجعله يغامر بخطر كهذا، ويدفعه إلى الإقدام على هذا الفعل مهما كلفه الأمر.”
“ما الذي يمكن أن يكون مهمًا إلى هذه الدرجة؟”
“هذا ما لا أعلمه بعد.”
قال هاوارد ذلك وهو ينقر بأصابعه على الطاولة، غارقًا في التفكير.
إن كان الأمر يستحق المخاطرة بكل هذه الخسائر، فلا بد أنه يتعلق بشيء في غاية الأهمية.
شيءٌ مهم بالنسبة لملك الشياطين.
هل لهذا علاقة باختفائه طيلة السنوات العشر الماضية؟
‘ربما يكون ذلك الافتراض صحيحًا بالفعل.’
تذكّر هاوارد ما قاله كبير الكهنة عندما جاء إلى دوقية تشيلستون بعد الحادثة، وجال في أرجاء القصر يفحص كل ما تبقى من آثار.
قال حينها أنه بالنظر إلى كمية الطاقة المقدسة المتبقية في المكان، فلا بد أن قتالًا عنيفًا قد دار بين ملك الشياطين وقائد فرسان الهيكل، ومن الممكن أن يكون الملك الشيطاني قد أُصيب بجراحٍ بالغة.
ولهذا، فإن بعض أعضاء المعبد ممّن يعرفون بالأمر كانوا يرجّحون أن ملك الشياطين قد اختفى لعلاج إصابة قتاله، وأنه احتاج إلى وقت طويل لاستعادة قوّته.
لكن ذلك لم يكن مؤكدًا، فظل الأمر مجرد “افتراض”.
‘…..لكن عشر سنوات فترة طويلة جدًّا، حتى لو كانت بسبب إصابةٍ خطيرة.’
أنهى هاوارد أفكاره ورفع يده عن الطاولة.
كان عقله في حالة فوضى.
“تابع التحقيق، فقد نكتشف شيئًا جديدًا لاحقًا.”
“نعم، فهمت.”
“هل تبقّى ما يجب الإبلاغ عنه؟”
“آه، نعم. ليس أمرًا عاجلًا، لكن..…”
أخرج فيليب ورقةً من مجموعة الوثائق التي كان يحملها وناولها لهاوارد.
“لقد وصلت وصيةٌ جديدة من المعبد.”
ألقى هاوارد نظرةً سريعة على الورقة أمامه.
كان ما كتبه الكهنة واضحاً. و تحركت عيناه إلى السطر الأخير من النص الطويل.
[سيبدأ الليل المخصّص للموتى.]
“قريبًا ستُقام فعاليةٌ لتكريم الموتى في منطقة أنيما الواقعة في الشمال. أنيما معروفةٌ بأنها أكثر الأماكن التي تتركز فيها طاقة الأرواح. حسنًا، إنها فعاليةٌ تُقام كل عام في مثل هذا الوقت، لذا لا بد أن القائد على علم بها جيدًا.”
“نعم، أعلم جيدًا.”
وإن كان ما يعرفه فيليب مختلفًا قليلًا.
ليلة الموتى. الفعالية التي تُقام كل خريف، كانت تُعرف في إمبراطورية فيدوس على أنها تقام حرفيًا لتكريم الموتى، لكن الحقيقة لم تكن بهذه البساطة.
العالم الذي يُبنى عليه هذا الواقع، <عالم الفانتازيا>، هو في الأصل لعبة. وجميع الفعاليات التي تحدث في اللعبة، صُممت من أجل اللاعبين فقط.
بمعنى آخر، “ليلة الموتى” صُممت أيضًا من أجل اللاعبين. إنها فرصةٌ للقاء شخصياتٍ غير قابلة للعب ماتت، ولا يمكن رؤيتها في الأيام العادية.
كما هو الحال في معظم الألعاب، فإن الحصول على تلك الفرصة يتطلب دفع ثمنٍ باهظ، لكن الأمر كان كذلك على أي حال.
‘أحان ذلك الوقت بالفعل؟’
……شخصياتٌ غير قابلة للعب ماتت، إذًا.
استرجع هاوارد بعضًا من ذكرياته. لأن من بين الشخصيات التي عرفها، كان هناك من لم يعد له وجودٌ في هذا العالم.
فارسة الحراسة التي أنقذته عندما عاد متأخرًا من المهمة، بعد أن هاجمهم ملك الشياطين وسقطت تلك الفتاة وهو ما زال طفلًا.
“رغم أنني كنت مكلفًا بحمايتكَ، فقد عرضتكَ للخطر. كانت هذه هي الأمنية الوحيدة التي طلبها مني الدوق، منقذي، ومع ذلك فشلتُ في تنفيذها…….”
“بعد ارتكابي لهذا الخطأ، لا يمكنني البقاء في قصر الدوق تشيلستون.”
في اليوم الذي استعاد فيه هاوارد وعيه بعد أن أغمي عليه، قدّمت فارسة الحراسة استقالتها وغادر منزل الدوق.
ولوهلة، لمعت في ذاكرته تلك العينان الذهبيتان التي كانت تراقبه بنظرةٍ غامضة في اللحظة الأخيرة.
نعم، كان اسم تلك الفارسة هو…..
‘……أوديا.’
نعم، أوديا. أوديا ستوريج.
__________________
أوديا! أوديا الي انقذت هاوارد وهي الي ربت ريكا!
يعني يمكن صدق ريكا هي ام شعر اسود بس لأن أوديا تدري انهم في لعبه توقعت الي صار لها ولا علمتها؟
ريكا تقول ان اوديا هي الي قالت انها بس اغمى عليها من نقص في الاكل بس شكله لا…..
اجل ملك الشياطين بروتور؟ او انه مساعد ملك الشياطين وملك الشياطين الصدقي راقد في جسم ريكا…..
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 63"