ساد الصمت بينهما فجأة، كأن كل ما قيل قبل لحظاتٍ لم يكن موجودًا.
كان الجو هادئًا لدرجة أن الآخرين من حولهم بدؤوا ينظرون نحوهما بفضول، و يتساءلون عمّا يحدث.
وبعد لحظة من الصمت، كانت ريكا أول من كسره، متحدثة بابتسامةٍ محرجة،
“آه……فهمت. كنتَ تمثّل، أليس كذلك؟”
كان صوتها منخفضًا، وكأنها لا تريد أن يسمعها أحد.
“هاها، لطالما شعرت أن تمثيلكَ رائع. لقد صدّقتكَ تمامًا للحظة!”
ثم رفعت إبهامها نحو هاوارد، بتعبير يدل على أنها مقتنعةٌ تمامًا بأن ما قاله لم يكن سوى تمثيل.
وفي تلك اللحظة، تذكّر هاوارد تعبيرًا مشابهًا رآه منها من قبل.
نعم، يوم وصول اللوحة إلى قصر الدوق، عندما تبادلا الحديث حولها.
‘……مرة أخرى. هذا الوجه مرة أخرى.’
تجمدت ملامح هاوارد قليلًا.
في البداية، كان ينوي التهرب من الموقف والادعاء بأن كل ما قاله كان مزحة. فلم يكن يريد أن يضغط على ريكا، ولم يكن ينوي البوح بمشاعره فجأةً هكذا.
لكن، حين رأى وجهها وهو يقول بوضوح: “لا يمكن أن تكون جادًا”، بدأ يشعر برغبةٍ غريبة في التمرد على ذلك. فلم يعد يريد أن ينكر ما قاله.
‘من الممكن تمامًا أن ريكا لا تحبني، فهي شخصٌ يلمع بخلافِي.’
لكن اعتبار ما قاله مجرد تمثيل، وأنه لم يكن صادقًا على الإطلاق، فهذا أمرٌ مختلف تمامًا.
‘قلبي يخفق بهذا الشكل. عندما أكون معها، أشعر أن قلبي سينفجر.’
دق. دق-
‘المشاعر التي كنتُ أخفيها طوال هذا الوقت بدأت تنتفخ مثل بالون شيئًا فشيئًا.’
أكبر. وأكبر.
“لا، لم أكن أمثّل.”
“إذًا، كنتَ تمزح-”
“لم أكن أمزح أيضًا.”
قال هاوارد ذلك مقاطعًا كلمات ريكا.
فاشتعل وجه ريكا الذي كان محمرًا أصلاً حتى كاد ينفجر من الحرارة.
“إذًا، إذًا ما الذي تقصده……”
ويبدو أن ريكا أدركت الأمر، فرفعت شعرها الطويل بكلتا يديها لتغطي به وجهها.
غطى شعرها الأبيض نصف وجهها. ولأن ذلك لم يعجب هاوارد، أمسك يديها برفق وأنزلهما إلى الأسفل. فرجع شعرها إلى مكانه، وعاد وجهها الخجول للظهور بوضوحٍ من جديد.
الوجه الذي يعتبره هاوارد الأجمل والأحب إلى قلبه.
تمتم وهو لا يزال ممسكًا بيدها الصغيرة.
“أعتقد أنكِ جميلةٌ حقًا، الأجمل في العالم.”
بمجرد أن بدأ بالكلام، وجد الأمر أسهل مما كان يتصور. و لم يعد يتذكر حتى لماذا كان مترددًا في البداية.
امتلأ عقله تمامًا برغبة أن تدرك ريكا مشاعره، أن تشعر كم يحبها وكم يعتز بها.
وبشكلٍ غريزي، شدّ قبضته قليلًا على يد ريكا. لم يكن يشد بقوة، لذا كان بإمكانها سحب يدها إن أرادت، لكنها لم تبدُ وكأنها تفكر في ذلك.
عيناها الزرقاوان تذبذبتا بلا هدف. رغم أنه لم يصرّح بكلمة “أحبكِ”، إلا أن نظرته الواضحة جدًا لا يمكن ألا تُفهم.
ريكا، التي ارتبكت وتململت في مكانها، هزّت رأسها بسرعة وكأنها ترفض تصديق ما يحدث.
“هـ، هذا غير معقول.”
“ولمَ غير معقول؟”
سأل هاوارد بنبرةٍ غلب عليها شيءٌ من الغُصّة. فلطالما كان يتساءل لماذا كانت تنكر الأمر باستمرار.
نظر إليها بعينيه الحمراوين تحملان ظلًّا من العتب. وتحت تلك النظرة، بدأت ريكا تتهرب بعينيها يمينًا ويسارًا، قبل أن تغمضهما بشدة وتتمتم،
“لـ، لأنكَ……تحب الأشخاص الهادئين والناضجين……أ، أنا أعرف هذا جيدًا.”
……أشخاص هادئون وناضجون؟
‘ما الذي تقصدهُ بكل هذا؟’
عقد هاوارد حاجبيه مندهشًا من كلماتها غير المتوقعة. وحين همّ بسؤال ريكا عن الأمر، توقفت عربةٌ أمامهما.
كانت عربةً تابعة لدوقية تشيلستون.
فُتح باب العربة، ونزلت منه إحدى خادمات الدوقية، وهي الخادمة نفسها التي كانت ترافق ريكا.
ثم انحنت الخادمة عندما رأت هاوارد و ريكا.
“يبدو أن الوضع قد هدأ إلى حد ما، لذا أحضرت العربة إلى هنا مسبقًا. هل ننتظر أكثر، أم ترغبان في العودة الآن إلى قصر الدوق؟”
“آه، نحن سنبقى قليلًا-”
فتح هاوارد فمه وكان على وشك أن يطلب منها الانتظار.
فحديثه مع ريكا لم يكن قد انتهى بعد، وكان لا بد له أيضًا من التأكد مما إذا كانت هناك وحوشٌ متبقية في المنطقة، بالتعاون مع الفرسان. لذا لم يكن من الممكن العودة إلى القصر في تلك اللحظة.
لكن كلماته لم تكتمل، ولم تسر الأمور كما أراد.
“حسنًا! سأعود الآن!”
سحبت ريكا يدها من يد هاوارد بسرعة وارتباك. كانت حركتها أسرع من أن يتمكن من اظهار رد فعل.
صعدت العربة برفقة الخادمة، ثم أمسكت بمقبض الباب ونادت هاوارد،
“أنا، أنا مرهقةٌ جدًا، فسأسبقكَ!”
“ر، ريكا، انتظري لحظةً فقط-”
“أتمنى لكَ التوفيق في تفتيش المنطقة!”
بهذه الكلمات، أُغلق باب العربة بعنف.
وكأن الأمر كان مخططًا، ظهر فيليب من بعيدٍ وهو يركض باتجاهه.
“سيدي القائد! كنتَ هنا إذًا. كما أمرتَ، تم التحقق من محيط الملجأ، ويبدو أن علينا توسيع نطاق البحث الآن. فلنذهب معًا!”
“…….“
“سيدي؟”
ناداه فيليب بإلحاح. بينما نظر هاوارد بشرود إلى باب العربة المغلق بإحكام، ثم إلى فيليب، قبل أن يطلق تنهيدةً خفيفة.
‘لماذا الآن بالذات؟’
“……حسنًا، فلنذهب.”
تمتم هاوارد بصوتٍ لا يخلو من التردد. ثم أشار لسائق العربة، الذي كان ما يزال واقفًا في مكانه بتردد، بأن ينطلق.
وسرعان ما بدأت العربة بالتحرك، تصدر صوتًا خافتًا مع دوران عجلاتها، مغادرةً محيط الملجأ. وبعد برهة، لم تعد سوى نقطة صغيرة في البعيد.
نظر هاوارد إلى تلك النقطة بصمت، ثم رفع يده وعبث بشعره بخشونة.
كان يشعر بأنه مثيرٌ للشفقة ولا يستطيع احتمال ذلك.
أليس هو من قال أنه لا يريد أن يفسد علاقته بريكا؟ وأنه لن يسامح نفسه إن سبّب لها أي إزعاج؟
“تبًّا……”
ماذا عليه أن يفعل الآن؟ يبدو أنها لا تريد حتى رؤيته……
نزلت يده التي كانت تعبث بشعره لتغطي وجهه.
لم يستطع العثور على أي إجابة. كان هذا الأمر معقدًا جدًا على هاوارد تشيلستون.
‘سأعود وأتحدث معها مرة أخرى، هذا كل شيء.’
تنهد مجددًا وبدأ يمشي خلف فيليب. دون أن يعلم كم من المتاعب تنتظره.
***
للأسف، لم تتح له الفرصة للحديث مع ريكا مجددًا في ذلك اليوم.
صحيح أن عودته تأخرت قليلًا بسبب الوقت الذي استغرقه في تمشيط القصر الإمبراطوري، لكن السبب الأكبر كان أمرًا آخر.
“آه، في الواقع……الآنسة نامت بالفعل.”
عندما عاد إلى قصر الدوق وذهب فورًا إلى غرفتها ليحدثها، استقبلته خادمتها الخاصة بحذر وقالت ذلك.
ويبدو أنها كانت تنتظره سلفًا، ما يدل على أن ريكا ربما طلبت منها ذلك.
في هذا الموقف غير المتوقع، حرّك هاوارد شفتيه بصمت وهو يحدّق في باب غرفتها المغلق بإحكام.
لم يكن الوقت قد تجاوز المساء بقليل، لذا افترض بطبيعة الحال أنها لم تكن نائمةً بعد.
‘لا بأس، لا مفر من ذلك.’
لقد كان يوماً عصيبًا بالفعل. فقد كانت الوحوش قد ظهرت فجأة، مما أصابها بالخوف والإرهاق الشديد.
وفوق ذلك، استخدمت قدراتها من أجله، بل وواجهت الإمبراطور نفسه. فليس من الغريب أن تكون قد خلدت للنوم مبكرًا.
“نعم……من الأفضل أن أتركها لترتاح.”
أخفى هاوارد شعوره بالأسى وعاد أدراجه.
لكنه، وبكل تأكيد، لم يكن يعلم……أن هذا الموقف سيتكرر مرارًا، وطوال أسبوعٍ كامل.
__________________________
ليه ياريكا ياورعه😭
هاوارد هو الي بادر وعنها ذي جتها متلازمة غباء البطلات بس يارب ماتطول اسبوع كثر ابيه سكيب تايم تكفون😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 62"