لا أتذكر بالضبط، لكني سمعت من قبل أن حبس النفس لحوالي 15 ثانية يوقف الفواق.
يبدو أن هاوارد لاحظ حالتي، فلم ينتظرني لأكمل الحديث، بل واصل عمله بصمت. و أحسست به وهو يخطو خطواتٍ بطيئة.
“أنتِ تكرهين نظرات الناس وهم يتهامسون نحونا، أليس كذلك؟ وأنتِ الآن بلا حذاءٍ مناسب أصلًا. كان يجب أن أفعل هذا من البداية، تفكيري كان قاصرًا.”
“لكن، مع ذلك…..هيك! أي قائد فرقة فرسان ينقل هرطوقيةً بهذا الشكل؟”
فشلت في المحاولة الأولى، فحبست أنفاسي مرة أخرى.
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة…خمسة عشر.
‘آه، أظن أني بدأت أهدأ قليلًا.’
توقفت الأصوات المزعجة عن الخروج من فمي. فزفرت تنهيدة ارتياح، وبقيت يدي على فمي للحذر وانتظرت قليلًا بعد.
عندها، دفع هاوارد وجهه فجأة داخل السترة التي كانت تغطي رأسي بالكامل. فتقابلت أعيننا وسط الظلام.
“…..هيك!”
بدأت الحازوقة من جديد.
‘لا، ماذا تفعل بدخولك المفاجئ هكذا!’
لقد أفزعني…..شعرت حقًا أن قلبي سيسقط من مكانه.
لم أستطع أن أُظهر انزعاجي، فاكتفيت بالاعتراض بنظراتي.
لا أعلم إن كان يدرك ما في قلبي أم لا، لكن هاوارد نظر إليّ وهو على تلك الحال وتمتم.
“لا.”
لا ماذا؟ ما الذي تنفيه؟
نظرت إليه وأنا لا أزال أضع يديّ على فمي.
“هيك.”
وبينما يحدث كل هذا، لم يتوقف صوت الفواق عن الخروج.
كان الموقف يبدو ساخرًا، لكن على عكس توقعاتي بأن يضحك كما فعل من قبل، بدا وجه هاوارد جادًا.
عيناه الحمراوان البارزتان وسط الظلام كانتا تحدقان بي بثبات.
“أنت لستِ مهرطقة.”
كان صادقًا لدرجة أني لم أستطع حتى أن أشيح بنظري.
“قلتِ أنكِ لست كذلك، وأنا لم أجد أي دليل قاطع يُثبت أنك مهرطقة. الشك في الهرطقة يختلف تمامًا عن أن تكوني كذلك حقًا.”
“….…”
“لذلك لا تتحدثي بهذه الطريقة. حتى وإن كنا نمثل، لا يجب قول كلمةً كهذه باستخفاف. يكفينا أن نخدع فرسان الهيكل، لكنني لا أنوي أن أجعل الآخرين يرونكِ كمهرطقة أيضًا.”
قال ذلك، ثم أخرج رأسه من تحت السترة. و بدأ يمشي من جديد نحو باب الدخول إلى أوفلين.
أما أنا، فبقيت وحدي في الظلام، مضطربة…..لا، بل متأثرة بشدة بكلمات هاوارد المليئة بالمواساة.
حتى إنني لم ألاحظ أن الفواق قد توقف إلا بعد مرور بعض الوقت.
‘هاه…..يا للأسف. هذا الشخص هو الأنسب فعلًا.’
تذمّرت في داخلي وأنا أنظر إلى هاوارد الذي كان يقبض يديه بقوة، وكأنه يخشى أن تلامس يده فخذي.
أليس هذا تصرفًا غير عادل؟
يظهر أمامي في اللحظة التي أكون فيها بأشدّ حاجتي، وهو يمتلك كل ما قد يُغويني ويجذبني. مع أنه في النهاية، لن يمنحني مكانًا بجانبه.
‘لو كان هاوارد يحتاجني كما أحتاجه، لكنا عقدنا صفقةً على الأقل لأبقى إلى جواره.’
لكن من ذا الذي سيحتاجه من شخصيةٍ ثانوية لا تملك شيئًا، ولا يوجد ما يمكنها أن تتفاخر به؟
من الأفضل أن أتخلى عن الأحلام الوهمية سريعًا. فالواقع يقول أن أفضل ما يمكنني فعله الآن، هو ألا أتعلق بهاوارد، وأسرع في الخروج من دائرة الشبهات المتعلقة بالهرطقة، وأركّز على خطتي الأصلية.
تلك الخطة التي بدأتُ بها رحلتي إلى أوفلين، من أجل إيجاد شخصيتي الأصلية والانتقام منها مهما كلّف الأمر. أو ربما، يمكنني أن أجد شخصًا آخر وأرى إن كان ما حدث مع هاوارد سيتكرر معه…..
‘لا، هذا سيتطلب وقتًا ومالًا وجهدًا هائلًا.’
ثم كيف سأبدأ أصلًا؟ هل أمسك بأي شخص وأطلب منه البقاء معي عند منتصف الليل كل يوم؟
‘أمرٌ لا يُعقل.’
تم التخلص من هذا الخيار البديل على الفور.
بالفعل، لا مفر من البحث المباشر عن الشخصية الأصلية.
اتخذت قراري، ثم طردت كل تلك الأفكار من رأسي.
رغم أن رؤيتي ما تزال محجوبةً بسبب سترة هاوارد، إلا أنني ومن خلال الأصوات المحيطة، أدركت أننا وصلنا إلى بوابة الدخول إلى أوفلين.
سمعت صوت هاوارد وهو يتحدث مع فرسان الهيكل. و على ما يبدو، تم اعتبار أنني فقدت وعيي عندما سقطت سابقًا. فيبدو أن أحدهم سأل عن سبب حمله لي.
ورغم أن طريقة حمله كانت غريبةً قليلًا، إلا أنه بصفته “قائدًا”، لم يجرؤ أي فارس على الاعتراض.
بعد تبادل بضع كلمات، تحدث هاوارد،
“سآخذها معي لاستجوابها.”
“نعم! تفضل بالدخول، سيدي القائد!”
“دع الأمر لنا من هنا فصاعدًا!”
ودّع الفرسان هاوارد احترامًا، ويبدو أننا على وشك عبور البوابة الآن.
شعرت بالتوتر قليلاً، فابتلعت ريقي، حينها تحدث هاوارد فجأة. و شعرت بأن وجهه اقترب أكثر من خلال السترة.
“ليست هناك عربةٌ بعيدة من هنا. سنركبها، فحاولي التحمل قليلًا حتى لو شعرتِ بالضيق. لا يزال هناك الكثير من الناس في الشوارع.”
أومأتِ برأسي بهدوء.
يبدو أن هاوارد يظن أنني منزعجة، لكن لم يكن هناك أي إزعاج على الإطلاق. بل على العكس، عدم رؤيتي للعالم الخارجي منحني نوعًا من الطمأنينة النفسية.
من البداية، لا يمكن أن يكون لدي أي تذمّر من هذا التعامل.
‘ليته يحافظ على هذا الأسلوب حتى أثناء الاستجواب.’
لكن ربما كانت هذه أمنيةً مبالغ فيها.
بالطبع، لا علاقة لي بالشيطان من الأساس، لذا حتى لو قرر هاوارد أن يحقق معي بنفسه، فلن يتمكن من إثبات أنني مهرطقة.
لن أعترف له بأنني نوكس، ولا يوجد على جسدي أي وشم للفراشة السوداء أيضًا.
‘وربما، هاوارد لا يظن أصلًا أن النوكس* مهرطقة.’
*نسيت اشرح النومس هي الشخصية الي ماتدوم
فهو، على عكس الآخرين، يعلم بأمر اللعبة. و لا بد أنه فهم المعنى الحقيقي لوصية المعبد.
لكن……
‘مع هذا الوضع، لا يسعني إلا أن أشعر بالقلق قليلًا.’
عليّ أن أتماسك. لا يمكنني قضاء السنة المتبقية من حياتي في زنزانة.
قبضت يدي بعزم وجددت قراري. وفي تلك اللحظة، سمعت صوت هاوارد.
“لقد وصلنا. سندخل العربة الآن.”
سمعت صوت فتح الباب، ثم شعرت بجسدي يُرفع أكثر من ذي قبل. يبدو أن هاوارد كان يضعني داخل العربة.
فقط بعد أن جلست على شيءٍ ناعم بدا وكأنه مقعد داخل العربة، تمكنت من التخلص من الظلام المحيط بي.
أزاح هاوارد سترته وعباءته برفق عن رأسي. وسقطت العباءة بانسيابية، واستقرت على كتفي.
‘آخ…..الكهرباء الساكنة..…’
شعرت بوخزة فورية في رأسي. و حتى دون الحاجة إلى مرآة، كنت أتصور شعري وهو منتفش ومتشابك في كل الاتجاهات. لا شك أن مظهري الآن كارثي ولا يمكن وصفه بلطف.
لكن وبما أن يديّ مقيدتان بالأصفاد، لم يكن بإمكاني ترتيب شعري، فجلست هكذا بلا حراك.
‘ربما كان من الأفضل لو لم اشتري شعري من البداية.’
بما أن أمري قد كُشف على أية حال، فقد يكون الظهور صلعاء أفضل.
زفرت تنهيدةً خفية وسط هذه الأفكار السخيفة، وفجأة، سمعت صوت ضحكةٍ خفيفة من فوق رأسي.
أو بشكل أدق، صوت محاولةٍ لكتم الضحك.
“…..بفف.”
رفعت رأسي بوجه مرتبك، فالتقت عيناي بعيني هاوارد الذي كان يعضّ شفته السفلى ليمنع نفسه من الضحك. و كان طرفا عينيه الحمراوين منحنيين بشكل جميل.
“آه، المعذرة. خرجت الضحكة دون قصد.”
قال ذلك وهو يرفع يده بسرعة ليغطي فمه، محاولًا كتم ضحكته والاعتذار بنبرة مشوبة بالمرح.
تذمرت وأنا أحدّق به بعينين ضيقتين.
“…..ما كان الأمر بيدي. فقد كانت سترتكَ على رأسي.”
“نعم، أعلم.”
“لكن من تعبير وجهكَ، يبدو أنك لا تعلم. هااه، لا أستطيع ترتيب شعري بسبب الأصفاد، فحتى لو كان المنظر مضحكًا، حاول أن تتحمل قليلًا. على الأقل، هذا أفضل من أن أكون صلعاء.”
ضحك هاوارد بصوتٍ أعلى من قبل بسبب تذمّري.
لا يعقل…..هل يضحك الآن فقط لأنني قلت “صلعاء”؟
إذا كان سيضحك بهذا الشكل، كيف تمالك نفسه عندما اختفى شعري فعلاً قبل قليل؟
“كحم، آسف. لا أدري لماذا، لكنني أشعر براحةٍ غريبة. ربما لأنني التقيت بشخصٍ يعرف عن اللعبة.”
“فهمت، لذا توقف عن الضحك الآن. فلستَ تنوي حتى أن تساعدني في ترتيب شعري.”
تمتمت بشكوى خفيفة. و عندها، وبعد أن سعل قليلاً، سألني هاوارد،
“هل سيكون من المقبول أن أرتبه لكِ؟”
“كما تشاء.”
قلت ذلك بعناد، بنصف تحدٍّ نتيجة الغيظ. و لم يخطر ببالي ولو للحظة أنه سيأخذ الأمر على محمل الجد.
لكن في اللحظة التي مد فيها يده نحوي واقترب، أدركت أنني ارتكبت خطأً ما.
شعرت بيده الكبيرة تلامس رأسي.
“تحمّلي قليلًا، أعذريني إن كنتُ غير بارع، فهذه أول مرة ألمس فيها شعر امرأة.”
أصابعه الطويلة انزلقت بلطف بين خصلات شعري. و لقد بدأ بالفعل في ترتيبه.
‘يا إلهي.’
صُدمت لدرجة أنني لم أستطع قول كلمةٍ واحدة.
في تلك الأثناء، واصل هاوارد ترتيب شعري بهدوء، وكأن الأمر لا يعني له شيئًا، لكنه كان يفعل ما بوسعه بجدية.
ظل صامتًا للحظات، مركزًا، ثم ما لبث أن سحب يديه ببطء.
“أظن أنه بات مرتبًا إلى حدٍ ما.”
قال ذلك وهو يبتسم برضا.
كان وجهه الوسيم بشكل مزعج. ما هذا بحق…..
لو استمر هكذا، قد ينتهي بي الأمر إلى اختطافه كعريس.
‘هل أجرب أن أطلب الزواج مجددًا؟’
راودتني تلك الفكرة السخيفة في داخلي. لكن حينها، فجأة-
“……أه.”
تأوه هاوارد فجأة وسقط على ركبتيه أمامي. بينما كان وجهه مشوهًا بالألم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"