لم يتغير شيء لمجرد أنه أدرك مشاعره.
ريكا كانت بالطبع لا تزال نفسها ريكا كما كانت من قبل، وهاوارد حاول أن يحافظ على مظهره السابق قدر الإمكان.
بالطبع، لم تكن لديه نية لإنكار مشاعره. فقد كان من الجيد أن يشعر بهذه الأحاسيس من جديد. وأن تكون ريكا هي الطرف المقابل، فهذا راق له أكثر.
كان يشعر بدغدغةٍ في صدره كأن فراشات تطير داخله.
أراد أن يقترب من ريكا أكثر مما هو عليه الآن. لكن مع ذلك، لم يكن يرغب في أن يسبب لها أي إزعاج.
لذا فكر هاوارد أنه حتى لو استمرت الحياة كما هي الآن، فقد لا يكون ذلك أمرًا سيئًا.
إلى أن تم تسليم اللوحة الزيتية المكتملة إلى قصر الدوق.
“واو، إنها جميلةٌ حقًا.”
أطلقت ريكا صوت إعجاب وهي تزيل الغلاف عن اللوحة. تمامًا كما كان متوقعًا من ردّ فعلها.
اللوحة فاقت التوقعات. يبدو أن الرسام بذل جهدًا أكبر عندما علم أن الشخصين الذين رسمهما هما دوق تشيلستون الشهير والآنسة إيفريت، فصارت اللوحة أكثر إتقانًا من آخر مرة شاهدوها فيها.
وكان حجمها أكبر مما تصوروا، ما يجعلها مناسبةً لتعليقها على الجدار.
“أين ستعلقها؟”
“أفكر في تعليقها في البهو أو في المكتب.”
“هل هناك سببٌ معين؟”
“لأني أريد رؤيتها كثيرًا.”
أجاب هلوارد دون تفكير، ثم ارتبك فجأة. و لقد أفصح عن مشاعره الحقيقية دون أن يدرك.
خشي أن تظن ريكا أن تصرفه غريب، فحوّل نظره قليلًا ليراقب ردّ فعلها. لكن على عكس توقعاته، كانت ريكا هادئةً.
لا، بل بدت وكأنها مندهشة بإعجاب.
“أوه……”
ثم سرعان ما نظرت حولها بسرعة. ورفعت إبهامها فجأةً وهي تشير إلى إحدى الوصيفات التي كانت تمر بعيدًا، والتي لم تكن تدري حتى أنها كانت هناك.
“واو، أنت دقيقٌ جدًا بالفعل.”
وبمجرد أن رأى ردّ فعلها، فهم على الفور. أن ريكا لم تأخذ كلامه على محمل الجد.
وهذا طبيعي، فهما كانا “حبيبين مزيفين”. وقد تصرفا حتى الآن وكأنهما “حبيبان حقيقيان” فقط لأجل الآخرين.
عندها فقط بدأ هاوارد يشعر بالخطر، فحاول التعبير عن مشاعره بطريقته، لكن ريكا لم تعتبر تصرفه علامةً على الإعجاب.
كون ريكا الحبيبة المزيفة لهاوارد كان مشكلةً أكثر خطورة مما ظن. فهما مرتبطان حتى بعقد، وبينهما علاقة محقق ومَن يُجري عليه التحقيق.
صحيحٌ أن هاوارد أوقف التحقيق المتعلق بريكا، لكنه لم يخبرها بذلك بعد، لذا لم يكن للأمر أي فائدة.
كان يعلم أنه يجب أن يخبرها بسرعة، ومع ذلك لم يستطع أن ينطق بشيء. والسبب كان بسيطًا.دلأن ذلك يعني زوال السبب الذي يجعل ريكا مضطرةً للبقاء في قصر الدوق تشيلستون.
أن يبقى صامتًا لهذا السبب التافه جعله يشعر بالخزي والضعف تجاه نفسه، لكنه رغم ذلك لم يغير قراره.
هاوارد تشيلستون كان غارقًا في حيرة عميقة.
فكر في أن يعترف لها مباشرة، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان من المقبول أن يُظهر مشاعر لم يدركها إلا مؤخرًا بهذه الطريقة الفجّة.
فهاوارد لم يكن يريد أن يُفسد العلاقة التي بينه وبين ريكا.
إن كانت اعترافاته ستكسر هذا الهدوء الذي حافظا عليه حتى الآن، وإن أصبحت ريكا تشعر بعدم الراحة بسببه. فلن يستطيع هاوارد أن يسامح نفسه.
وفي النهاية، عاد إلى نقطة الصفر.
وهكذا، دون أن يتمكن من فعل أي شيء، جاء يوم المناسبة.
***
“واو، الناس كثيرون حقًا.”
تمتمتُ بإعجابٍ وأنا أتفقد المكان من حولي.
كنت الآن في الساحة الكبرى داخل القصر الإمبراطوري، وتحديدًا في الاحتفال المخصص لتكريم فرقة الفرسان المقدسة.
هاوارد كان قد افترق عني قبل دخول الساحة، وها أنا أتنقل إلى مكاني المخصص برفقة إحدى الخادمات.
فأنا جئت لأهنئ الفرقة، بينما هاوارد كان من ضمن المعنيين بالتكريم، بل وكان أحد الممثلين الرئيسيين، لذا من الطبيعي أن يكون على المنصة لا في مقاعد الحضور.
“يبدو أن هذا هو مكانكِ، آنستي.”
تحدثت الخادمة التي كانت تسبقني بعد أن عثرت على مكاني. فشكرتها وجلست في مقعدي.
‘يا ترى، ما الذي يخططون له الآن حتى أقاموا مناسبةً كهذه؟’
تساءلت وأنا أتابع المسرح الذي ستظهر عليه الفرقة، غير قادرة على نزع الشك من قلبي، وفجأة شعرت بشخصٍ يجلس إلى جانبي.
استدرت بلا وعي، وفوجئت حين وقعت عيني على شخص مألوف.
شعر أحمر مائل للتجعد، وعينان خضراوان. كان بروتور.
بروتور إيتينتيا.
“مر وقتٌ طويل، ريكا.”
قال ذلك بصوتٍ هادئ وهو ينظر إليّ. وقد انحنت عيناه بلطف وهو يبتسم.
لكن لم أستطع أن أبتسم له بالمثل.
‘…..ما هذا؟’
شعرت بالقشعريرة من ابتسامته التي بدت وكأنه يرحب بي حقًا.
لماذا تسير الأمور دائمًا بهذا الشكل؟ لماذا دائمًا، أينما ذهبت، ينتهي بي المطاف بلقاء بروتور؟
لماذا يجب أن أواجه هذا الوغد؟
تحققت من أن الوصيفة كانت تقف على مسافة بعيدة قليلًا، ثم التفت إلى بروتور وفتحت فمي.
“لماذا تجلس بجانبي؟”
“لأن هذا مقعدي.”
“لا تقل أنكَ أنت من نظم توزيع المقاعد اليوم؟ هل تعمدت أن تضع مقعدكَ بجانب مقعدي؟”
“طبعًا. هل تظنين أن هذا مجرد صدفة؟”
“ماذا؟”
ضحكت بسخرية من وقاحته. كيف يمكن أن يكون رد فعله بهذه البرودة؟
“بعد أن افترقنا بتلك الطريقة، هل هذا ما أردت فعله فحسب؟”
“لأنني أعلم أنكِ، لو لم أفعل هذا، فلن تفكري بلقائي من تلقاء نفسكِ، أليس كذلك، ريكا؟”
“طبعًا. وقلت لكَ حينها، لا تناديني باسمي.”
“وأنا قلت لكِ أيضًا، أنني سأظل أبحث عنكِ.”
نظر إليّ بروتور بهدوء. لقد كان يحدق بي بشدة لدرجة شعرت معها أن بشرتي ستخترق من شدة النظرات.
“سأستمر في القدوم إليكِ كلما سنحت لي الفرصة. لأن هذا هو السبيل الوحيد لتعودي إليّ.”
“…….”
“لأنكِ ستدركين في النهاية أن مكانكِ ليس بجانب هاوارد تشيلستون، بل بجانبي.”
“…..أنت أحمق أكثر مما كنت أظن.”
رفعت يدي وأمسكت جبهتي.
كلما التقيت بروتور، شعرت بصداعٍ فوري.
كيف يستطيع أن يسبب لي هذا الكم من التوتر فور لقائنا؟
“هل أغادر فحسب؟”
راودتني هذه الفكرة للحظة، لكن فجأة تعالت هتافات كبيرة من حولي. يبدو أن المناسبة قد بدأت.
وبالفعل، ظهرت فرقة الفرسان المقدسة بقيادة هاوارد، وهم يسيرون باتجاه المنصة.
بدلاتهم البيضاء بالكامل كانت تلمع تحت أشعة الشمس بشكلٍ يخطف الأبصار.
وأنا أحدّق بهم بصمت، التقت عيناي بعيني هاوارد الذي كان ينظر ناحيتي مبتسمًا. لكنه سرعان ما نظر إلى جانبي، وتصلبت ملامحه في الحال.
يبدو أنه لمح بروتور.
لوّحت له بيدي كأنني أطمئنه، وابتسمت. فرأى بروتور ابتسامتي وقال شيئًا بجانبي، لكني تجاهلته مركزةً بصري نحو الأمام.
وبعد انتهاء الفرقة من المسير، صعد الإمبراطور، ماركوس، إلى المنصة وبدأ كلمته لتهنئتهم.
بينما كنت أحدق في ذلك الوجه الذي يشبه هاوارد من جهة ويختلف عنه تمامًا من جهةٍ أخرى، غمرتني أفكار كثيرة.
‘ما السبب الذي يدفع ماركوس للقيام بكل هذا؟’
أليس هو من يواصل تسهيل لقاء بروتور بي؟ حتى لو أردت التظاهر بعدم الملاحظة، فالوضع فاق الحد.
مهما كان من أنصار الإمبراطور، فهذا كثيرٌ جدًا.
ما الفائدة التي يجنيها ماركوس من لقائي ببروتور حتى يذهب إلى هذا الحد؟
تصفيق. تصفيق. تصفيق.
انتهى ماركوس من كلمته التكريمية، لتتبعها موجةٌ من التصفيق.
يبدو أننا في منتصف الكلمة الافتتاحية تقريبًا. فعدت أبحث بعيني عن هاوارد، وعندها تمتم بروتور بجانبي بصوت منخفض،
“لم يتبق الكثير، ريكا.”
“ماذا؟”
كلمته المليئة بالمعاني جعلتني أنسى أنني كنت أتجاهله، فاستدرت إليه. وفي تلك اللحظة تمامًا، اندفع أحد الفرسان المتدربين إلى داخل الساحة.
كان وجهه شاحبًا وهو يصرخ بيأس،
“هـ، هناك هجوم!”
في اللحظة نفسها، دوّى صوت عواء وحشٍ من قلب الساحة. و وجوه الناس المملوءة بالسعادة قبل لحظات تحولت جميعها إلى بياض كأوراق الكتابة من شدة الرعب.
“آآآاه!”
“ا، اهربوا!”
تعالى صراخ الناس من كل الجهات.
‘ما الذي يحدث فجأة؟’
وحش يظهر فجأة في وسط أوفلين؟
كنت واقفةً مذهولة، غير مصدقة ما يجري، قبل أن أستعيد وعيي.
حاولت الفرار فورًا، لكن بسبب وجود كل نبلاء أوفلين في هذا المكان، كان الحشد كثيفًا للغاية، بالكاد أستطيع التحرك. والخادمة التي كانت برفقتي اختفت من نظري دون أن أشعر.
تباً. لو كان كاحلي بخيرٍ فقط…..
وجدت نفسي عالقةً، لا قادرة على الهرب ولا على التحرك، وفجأة، سمعت صوت هاوارد من بعيدٍ يناديني.
“ريكا!”
رفعت رأسي، فرأيته يركض نحوي. لحاولت الاقتراب منه،
لكن فجأة، أمسكت يدٌ بمعصمي.
كان بروتور.
أمسكني بإحكام وتحدث،
“إذا ذهبتِ إلى هناك الآن، سيكون الأمر خطيرًا.”
“وما شأنكَ بذلك..…”
“هاوارد تشيلستون لن يستطيع البقاء إلى جانبكِ طوال الوقت.”
أشار بروتور بذقنه نحو المنصة. ااتّبعتُ إشاراته ونظرت، فرأيت هاوارد يحاول الوصول إليّ، لكنه كان مشتبكًا مع فيليب الذي منعه من التقدم.
صحيح، لا بد أن وجود قائد فرقة الفرسان ضروري في مثل هذا الهجوم.
هاوارد سيكون بخير، حاولت إقناع نفسي بذلك،
لكن فجأة—
بوووم!
دوى صوت انهيار، وسقط أحد جدران الساحة الكبرى.
_____________________
ياحمار يابروتور ياقاتل المتعه
هو اكيد متعاقد مع ملك الشياطين مافيه الا ذا التفسير
المهم هاوارد ياعمري عليه حاول يلمح بس مابه فايده😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 58"