جُذب جسدي الذي كان معلقًا نصفه على فوق السور إلى الخلف.
وفي لحظة، وجدت نفسي واقفةً مجددًا على الشرفة وكأن شيئًا لم يحدث. وأمام عيني مباشرةً كان–
“ما الذي كنتِ تفعلينه؟”
هاوارد واقفاً بوجهٍ متجمد بالكامل.
كانت يداه الكبيرتان تمسكان بكتفيّ بقوة. و صرخ بي وهو يحدق فيّ.
“هل جننتِ؟! كنتِ تحاولين السقوط والموت؟!”
حدّقت فيه بعينين متسعتين دون أن أنطق بكلمة.
لم أستطع الرد مطلقًا. فلم أتخيل قط أن هاوارد سيتفاعل بهذا الشكل.
يبدو أنه قد صُدم بشدة. و ربما ركض إليّ من بعيد بسرعة، فقد بدا وكأنه يلهث.
‘لم أره يفقد أعصابه هكذا من قبل.’
وجهه الذي كان يبدو دائمًا هادئًا، كان الآن مشوشًا وقلقًا بشكلٍ واضح.
حتى أنه لم ينتبه إلى أنني كنت أحدق به مباشرةً.
كم كان مشوش الذهن ليصل إلى هذه الحالة؟
“هاوارد، أنا فقط-”
“لا تكرري هذا أبدًا. مفهوم؟”
“لكن، أنا لم أقصد-”
“مهما كانت الأمور صعبة، لا يجوز أبدًا أن تختاري هذا الطريق. أبدًا.”
وفوق ذلك، يبدو أنه وقع في وهمٍ غريب أيضًا.
و شعرت بأن قبضته على كتفيّ تزداد قوة، وكأنه لا ينوي تركي أبدًا.
لا يمكنني ترك الأمر يستمر هكذا. يجب أن أشرح له قبل أن يتضخم الموقف أكثر.
“هاوارد!”
ناديت عليه بصوت عالٍ، فارتعش جسده قليلًا. ولم أضيّع الفرصة، فسارعت إلى شرح الموقف بسرعة.
“لم أكن أحاول الموت. فقط…..قد يكون الأمر محرجًا بعض الشيء، لكنني كنت متحمسةً، وتحركت بحماس وحدي، ثم فقدت توازني.”
“….…”
“كان حادثًا، مجرد حادث.”
شددت على كلمة “حادث” بوضوحٍ وبتركيز، عندها فقط، بدأت قبضة هاوارد على كتفيّ تخف قليلًا.
“……حقًا؟”
“نعم، أنا أقول الحقيقة.”
أومأت برأسي، فتنهّد هاوارد بعمق.
“على كل حال، كوني حذرة. كان يمكن أن يحصل أمرٌ خطير.”
نظرت إليه، وشعرت بشعورٍ غريب في داخلي.
‘من الواضح أن هناك شيئًا تغيّر.’
مؤخرًا، هاوارد كان يتصرف بغرابةٍ نوعًا ما. حتى في الأيام التي لا تكون فيها الأمور خطيرة كما حدث اليوم، أصبح يبالغ في ردات فعله كثيرًا.
بات يتلاقى بنظراته معي أكثر، ويزور غرفتي أكثر مما كان يفعل في السابق.
حتى الآن، أليس قد أتى إلى غرفتي بنفسه؟ مع أنه في البداية لم يكن يأتي إلا إذا كان لديه سببٌ محدد.
‘هل أقلقته أكثر من اللازم؟’
فلو لم يكن كذلك، لما كان هاوارد ليتصرف بهذه الطريقة.
بالفعل، كنت مكتئبة جدًا في الآونة الأخيرة.
وبينما كنت أفكر في طريقة أُظهر بها أنني أصبحت بحالٍ أفضل، سألني هاوارد فجأة،
“بالمناسبة، لماذا كنتِ متحمسةً بهذا الشكل؟”
“آه، في الحقيقة…….”
هممت بشرح الأمر بسرعة، لكنني توقفت فجأة.
لأنني أدركت أن هاوارد لا يزال ممسكًا بكتفيّ. وأن المسافة بيننا قريبةٌ جدًا.
“أوه، هاوارد…..كتفي، من فضلك.”
“آه.”
عند كلمتي، سحب هاوارد يديه بسرعة.
وحين نظرت إليه بعينيّ لأشكره، حول نظره بعيدًا بخفة وتراجع خطوةً إلى الوراء.
أرأيتم؟ ألم أقل أنه أصبح يتصرف بغرابة؟
“أحم، على أي حال، ما كنت أفعله هنا ليس أمرًا كبيرًا…..فقط كنت أتخيل أنني أرسل القذارة إلى بروتور إيتينتيا.”
لا، ربما الغريبة في الأمر هي أنا. عندما أقولها بهذا الشكل، أبدو كشخصٍ مجنون فعلًا.
‘لكن لا يمكنني أن أتكلم مع هاوارد عن أي شيء يخص النوكس.’
آه، يا لي من حمقاء. كيف انتهى بي الأمر مرتبطةً بقائد الفرسان المقدسين؟
نظرت إلى هاوارد بصمت، وقد اعتراني شعورْ غريب.
وفجأة خطرت ببالي فكرة.
كيف سيكون شكله إن علم أنني نوكس و أعيش بوقتٍ محدود؟
‘…..سيكون واضحًا. سيحتقرني، لأني كذبت عليه طوال هذا الوقت.’
أنا أعلم جيدًا كم يكره هاوارد تشيلستون الهراطقة،
وأعرف ما الذي مرّ به في طفولته. لذا، عليّ أن أخفي هذا السر حتى موتي.
من أجلي، ومن أجل هاوارد، الذي يمكن أن ينعم ببعض الراحة بفضل قدرتي.
لكن بدأت أشعر أنني سأُستهلك بهذه المشاعر السلبية،
فقررت التوقف عن التفكير، وانتظرت بصمت رد فعل هاوارد.
في الحقيقة، كنت أعرف مسبقًا ما الذي سيقوله. فهو لم يكن مرتاحًا من قبل عندما حاولت إرسال القذارة إلى بروتور، لذا هذه المرة أيضًا، من المؤكد أنه سيقول-
“كان من الطبيعي أن تتحمسي. أحسنتِ.”
بالضبط، كنت أعلم أنه سيقـ—ماذا؟
فتحت عينَيّ على وسعهما وحدّقت في هاوارد. لكنه تابع حديثه بوجهٍ عادي تمامًا، وكأنه لا يلاحظ نظرتي المذهولة.
“وإذا أردتِ إرسال شيءٍ غير القذارة، فقط قولي لي. أستطيع أن أخبركِ بما يكرهه الكونت إيتينتيا.”
“وكيف تعرف أنتَ ذلك؟”
“لأني أراقبه حاليًا. أرسلت أحد رجالي ليتحرى عنه في الخفاء.”
…..ماذا؟ تحقيقٌ سري؟
اتسعت عيناي حتى شعرت أنها ستخرج من مكانها من شدة الصدمة.
ما هذا؟ من أنت؟ أنت لست هاوارد تشيلستون، أليس كذلك؟
“أوه، منذ متى؟ متى بدأتَ بهذا؟”
“منذ فترة. منذ زيارة الأمير.”
إذا كانت زيارة فريدريك، فهي نفس اليوم الذي قابلت فيه بروتور في قاعة الاستقبال.
هل من الممكن أنه بدأ يتتبع بروتور بسببي؟
شعرت بالقلق، فرفعت عينيّ على هاوارد، وكأنه علم بما يدور في ذهني، ففتح فمه فوراً،
“ليس بسببكِ فقط. قلت لكِ من قبل أنني كنت أظن أن هناكَ شيئًا مريبًا.”
إذاً، يبدو أنني السبب بعد كل شيء.
شعرت بعدم ارتياح قليلًا، لأنني كنت أعتقد أن هذه كانت مشكلةً كان على هاوارد أن يهتم بها.
على الرغم من أنني سمعت أن فرسان المملكة أصبحوا أكثر انشغالًا في الفترة الأخيرة بسبب تزايد ظهور الوحوش.
‘ظهور وحوشٍ واحدة أو اثنتين أصبح أمرًا يصعب عدّه الآن، أما ظهورها في مجموعات…..دعني أفكر.’
ظهرت مجموعة واحدة في قصر إيتينتيا، وظهرت أخرى في يوم زيارة فريدريك. إذًا كان هناك مرتين.
في يوم زيارة فريدريك، لم أكن أعلم بظهور مجموعة الوحوش، وعندما اكتشف ذلك، صدمتُ تمامًا.
لو كانت الوحوش قد ظهرت في طريق فريدريك أثناء عودته، كان من الممكن أن تكون كارثة.
هززت رأسي بقوة وأخرجت تلك الأفكار من ذهني.
“على أي حال، ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟”
“آه، في الحقيقة..…”
توقف هاوارد للحظة ثم أخرج شيئًا من عباءته.
كان ظرفًا فاخرًا مصنوعًا من مادة صلبة. و كان يبدو بوضوح أنه من القصر الإمبراطوري.
كما توقعت، استمر هاوارد في الحديث ببطء.
“إنه خطابٌ رسمي من القصر الإمبراطوري. يقولون أنهم يخططون لتنظيم حفلٍ تكريمي لفرسان المملكة الذين بذلوا جهودًا في القضاء على الوحوش.”
“هل يمكنني فتحه؟”
“بالطبع. في البداية كان موجهًا إليك.”
ماذا؟ حفلة تكريمية لفرسان المملكة، لكن لماذا لي؟
حدقت في هاوارد وأنا في حالة من الحيرة، ثم فتحت ظرف الرسالة.
وبدأت أقرأ الرسالة بتمعن.
“يُطلب من جميع النبلاء في أوفيلين الحضور بلا استثناء. الحفل سيكون بعد أسبوع. إذا كان جميع النبلاء في أوفيلين سيحضرون، فيبدو أنه سيكون حدثًا كبيرًا، أليس سريعًا جدًا؟ هل هذه الطريقة المعتادة؟”
“لا أعرف. هذه المرة الأولى لي أيضًا. فالإمبراطور لم يقم أبدًا بتنظيم مثل هذا الحدث.”
…..هناك شيءٌ مريب في الأمر. من الواضح أن هناك غرضًا آخر وراء هذا.
‘ما الذي يخططون له بحق؟’
حدّقت في الوثيقة الرسمية بعينين شبه مغمضتين.
عندها، تحدث هاوارد بصوتٍ يشبه التمتمة وهو ينظر إليّ.
“إذا لم ترغبي في الذهاب، فلا تذهبي.”
“نعم؟ لكن ألن يضعكَ ذلك في موقفٍ صعب يا هاوارد؟”
“بإمكاني تحمّل ذلك. سأقول أن كاحلكِ لم يشفَ تمامًا بعد. وهذا إلى حدٍ ما صحيح أيضًا.”
“لا داعي، سأذهب. على أي حال، المناسبة هي لتكريم جهودكَ، أليس كذلك؟”
“حتى لو كانت المناسبة من اقتراح الكونت إيتينتيا لجلالة الإمبراطور؟”
ماذا؟ تفاجأت من ذكر اسم لم أكن أتوقعه.
لكن لم يستمر ذلك طويلًا. فكما توقعت. كنت أظن أنه من الغريب أنه كان هادئًا في الآونة الأخيرة.
“سأذهب على أية حال.”
“ريكا.”
“بروتور سيحاول لقائي بأي طريقة. وإذا كنت سأقابله، فالأفضل أن يكون ذلك وسط جمع من الناس. لا يمكنني الاستمرار في الهروب.”
وأنا أيضًا، هناك شيء لا بد أن أعرفه من بروتور.
عندما نظرتُ إلى هاوارد بوجهٍ جاد، تنهد تنهدًا طويلاً وكأنه استسلم.
“حسنًا، فهمت. افعلي ما تشائين.”
“شكرًا لكَ. آه، صحيح، هاوارد.”
“نعم؟”
“قلتَ سابقًا أنكَ تحقق في أمر بروتور، صحيح؟ إذا اكتشفت شيئًا مريبًا، هل يمكنكَ أن تخبرني أيضًا؟”
تحقيق هاوارد بشأن بروتور…..أليست هذه فرصةً مثالية للحصول على معلوماتٍ موثوقة؟ دون أن أضطر للتحرك بنفسي حتى.
لا يمكنني تفويت حظٍ كهذا.
بالطبع لا.
__________________
ياعمري ياهاوارد المفجوع😭
بروتور ذاه مستحيل افهمه
طيب ليه؟ وش تستفيد انت من ذا الحفل؟ مستحيل يكون حفل طبيعي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 54"