هل قال إنه سيساعدني في الانتقام؟ هل سمعتُ ذلك جيدًا حقًا؟
رغم أنه قالها أمامي مباشرة، الا أنني لم أستطع تصديق أذنيّ.
ربما بسبب البكاء الشديد، فقد بدت رؤيتي ضبابية وسمعي مشوشًا كما لو أن أذنيّ أيضًا لم تعودا تعملان بشكل صحيح.
حين لم أردّ، كرر هاوارد كلامه مجددًا.
“أنا لا أمزح.”
“….…”
“إذا كنتِ ترغبين في الانتقام من الكونت إيتينتيا، فقوليها في أي وقت.”
…..إذًا لم أكن أتوهم. لقد قالها بالفعل.
هاوارد، الذي يُعدّ نموذجًا للفارس المقدس، يعرض مساعدتي في الانتقام؟
من بين الجميع، لم أتخيل أبدًا أن يكون هو من يقول شيئًا كهذا.
‘لقد بدأت أراه بشكلٍ مختلف منذ المرة السابقة.’
شخصية “هاوارد تشيلستون” في لعبة عالم الفانتازيا، والشخص الواقف أمامي الآن يشبهه كثيرًا، لكن في ذات الوقت يختلف عنه في أشياء كثيرة.
وبينما قضيت وقتًا أطول برفقة هاوارد، بدأت ألاحظ تلك الاختلافات واحدةً تلو الأخرى، حتى بدأت أدرك تمامًا أن هذا الشخص ليس مجرد شخصيةِ لعبة.
صحيحٌ أنني بدأت أعتقد ذلك منذ زمن بعيد، لكن الآن لم يعد هناك مجالٌ للشك.
‘لكن هل هو جادٌ حقًا؟’
عرضه لمساعدتي على الانتقام…..
الشخص الذي أكنّ له كل هذا الحقد لم يكن شخصًا عاديًا أبدًا. إنه الكونت إيتينتيا، أحد أبرز داعمي الإمبراطور.
أما هاوارد، فهو ابن شقيق الإمبراطور ماكوس، وابن أخيه الوحيد.
وإذا ساعدني شخصٌ مثله في النَيل من بروتور إيتينتيا، فلا شك أن الشائعات والتكهنات ستبدأ بالظهور من كل صوب.
كأن يقال أن ذلك تصرّف يهدف إلى إضعاف سلطة الإمبراطور، أو أنه يخطط لبناء أساسٍ يزيح به ابن عمه الصغير ويأخذ مكانه.
صحيح أن هاوارد ليس من ذلك النوع من الأشخاص أبدًا، كما أن صورته العامة بين الناس ممتازة، لكن لا أحد يعرف ما قد يحدث في هذا العالم.
فمن كان يتصور أنني سأُمسك فجأةً في داخل لعبة؟ أو أنني سألتقي هنا بشخصٍ يصبح أعزّ علي من نفسي ثم أفقده؟ أو أنني سأصبح على حين غرّة محدودة الوقت؟
لا أحد كان يعلم ما يخبئه له المستقبل.
‘هاوارد بالتأكيد يدرك ذلك جيدًا…..’
أنا أعلم أن هاوارد لا يُكنّ مشاعر طيبة لعمه، لكن الأمر أكبر من مجرد مشاعر شخصية. لا يمكن اتخاذ خطوةٍ كهذه لمجرد تلك الأسباب.
من أكون أنا حتى يخاطر بشيءٍ كهذا من أجلي؟
“…..لا، لا بأس.”
همست بهذه الكلمات وأنا أهز رأسي ببطء.
على أي حال، لم أعد أرغب في الانتقام. شعرت بأنني بائسةٌ وضعيفة إلى درجة جعلتني لا أرغب بفعل أي شيء.
حين بقيت صامتة أحدّق في الفراغ، فتح هاوارد فمه مجددًا وهو يرمقني بنظرة قلقة.
و لسببٍ ما، بدا على وجهه بعض التوتر.
“إن كنتِ ترفضين لأنكِ قلقةٌ بشأني، فلا داعي لذلك. أنا بخير. في الواقع، كنتُ أظن منذ فترة أن هناك شيئًا مريبًا بشأن الكونت إيتينتيا. حتى قبل بضع سنوات، كان بالكاد يغادر إقطاعيته، ثم فجأة بدأ في توسيع نفوذه بهذا الشكل، بل وأصبح أحد الأعمدة الأساسية في فصيل الإمبراطور. لذا، فكّري بالأمر على أنه مجرد توافق بين أهدافي وأهدافكِ-”
“لكن رغم ذلك، لم تقترب منه حتى الآن.”
قاطعتُ كلام هاوارد.
“لا بد أن لديكَ أسبابًا واضحةً لذلك.”
حتى دون أن أسأله، يمكنني أن أتخيل عشرات الأسباب.
فبروتور إيتينتيا لم يكن شخصًا سهل المساس به، لا من ناحية نفوذه ولا من مكانته.
وخاصة بالنسبة لهاوارد، الذي يمتلك حقًا في وراثة العرش، فالأمر أعقد بكثير.
“لستُ بحاجة لأن تُحمّل نفسكَ كل هذا العناء بسببي. حقًا.”
رفعت يدي ومسحت مجددًا دموعي التي تجمّعت في طرف عينيّ.
عندها، وبينما كان هاوارد على وشك قول شيء ما، تنهد بهدوء، ثم مد يده وجذب الصينية الموضوعة على السرير بالقرب منه.
كانت هناك منشفةٌ مبلّلة بالثلج، يبدو أن الخادمات قد وضعنها مسبقًا لتُستخدم كمُبردٍ على الكاحل.
رفع هاوارد المنشفة ووضعها بلطف فوق راحة يدي التي كانت قد ابتعدت عن طرف عينيّ للتو.
“فهمت، لكن ضعي هذه المنشفة على عينيكِ أولًا. وسأطلب منشفةً جديدة لتبريد كاحلك.”
“شكرًا لكَ.”
“وبالنسبة لجدول اليوم، سألغيه مؤقتًا. يمكننا تأجيله. لا يبدو أنكِ في حالةٍ تسمح بذلك الآن.”
“…..الجدول؟”
أملت رأسي بتساؤل، فنهض هاوارد من مكانه،
“قلتُ لكِ أننا استدعينا صائغ المجوهرات اليوم، أليس كذلك؟”
“آه.”
صحيح، كنا سنقابل صائغ المجوهرات بعد مغادرة فريدريك. كان من الضروري إصلاح السوار الذي أعطتني إياه أوديا.
كنت أتذكر ذلك حتى لحظة لقائي بفريدريك، لكن زيارة بروتور المفاجئة جعلتني أنسى تمامًا.
“هل صائغ المجوهرات موجودٌ الآن؟”
“نعم، أتى برفقتي. هو ينتظر في الأسفل حاليًا، لكن لا بأس إن قابلتِه غدًا. ولأني خشيت ألا يكفي الوقت إن تأخرنا، فقد حجزت له ليومين متتاليين.”
“إذًا فلنقابله الآن.”
وحين هززت رأسي بالإيجاب، ارتسمت على وجه هاوارد ملامح قلق.
“هل أنتِ متأكدة؟ لا داعي لأن تضغطي على نفسكِ.”
“لا، الأمر أنني أريد فعل ذلك بنفسي.”
شعرت أنني سأكون حزينةً جدًا إذا نمت هكذا الآن.
كما أنني أردت إصلاح السوار بأسرع وقتٍ ممكن.
هاوارد، الذي كان على وشك أن يثنيني أكثر، بدا وكأنه فهم مشاعري فأومأ برأسه.
“حسنًا، لنفعل ذلك إذًا. سأطلب منهم أن يصعدوا إلى الأعلى.”
استدار هاوارد وكأنه سيغادر الغرفة. لكن بينما كان يخطو مبتعدًا، استدار فجأةً وأشار بعينيه إلى شيء وكأن شيئًا ما لم يعجبه.
“قلت لكِ أن تضعيه على عينيكِ.”
كان منشفة الثلج التي في يدي.
اهتمامه بي أكثر مني بنفسي، لا أدري كيف أصفه…..كان ذلك يشبه هاوارد تشيلستون كثيرًا، ما جعلني أبتسم قليلًا.
“نعم، فهمت.”
وضعت المنشفة على عيني وابتسمت بخفة.
و بفضله، شعرت أن مزاجي قد تحسن قليلًا.
***
انتهى اللقاء مع الصائغ، وكان الوقت الآن قد تجاوز منتصف الليل بكثير.
كان هاوارد يحدّق بصمتٍ من النافذة إلى الخارج.
السبب في بقائه مستيقظًا في هذا الوقت المتأخر، حين غطّ الجميع في النوم، هو أنه لم يستطع النوم بسهولة. لأن المشهد الذي رآه في غرفة الاستقبال ظل يتكرر في ذهنه باستمرار.
“ما الأمر؟”
كانت هذه أولى كلمات هاوارد عند عودته من المعبد.
ولم يكن ذلك غريبًا، إذ أن قصر الدوق بدا في حالة فوضى على غير العادة. وكأن شيئًا ما قد حدث بالفعل.
كان الخدم جميعهم يتهامسون بوجوهٍ متوترة وقلقة، وبدأ صوت أحدهم يعلو وكأنه يصرخ.
وهاوارد، الذي لم يكن يعرف ما الذي يحدث، عقد حاجبيه في حيرة.
عندها ركضت كبيرة الخادمات نحوه وأبلغته بأن بروتور إيتنتيا قد زار القصر فجأة. وأنه يجلس حاليًا في غرفة الاستقبال مع ريكا وحدهما، ولا أحد يعلم ما الذي يجري، لكن الأجواء توحي بأن الوضع غير طبيعي.
وما إن سمع هاوارد ذلك، حتى توجّه فورًا إلى غرفة الاستقبال.
وما إن فتح الباب المغلق بعنف حتى رأى المشهد التالي—
“ما الذي فعلتهُ لكَ لتعاملني هكذا؟!”
كانت ريكا تصرخ في وجه بروتور. وكأن شيئًا متراكمًا قد انفجر فجأة، ووجهها بدا وكأنها على وشك البكاء.
كانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها هاوارد ريكا بهذا الشكل.
كانت ريكا أمامه دائمًا شخصًا مشرِقًا ومليئًا بالحيوية. صحيحٌ أن حياتها لم تكن مليئةً بالأمور السعيدة فقط، لذا لم تكن تضحك طوال الوقت، لكنها لم تُظهر يومًا تعابير مشوهةً كهذه.
وبدا أن بروتور كان كذلك مذهولًا، فقد ارتبك وتوقف عن الكلام.
لكن ريكا واصلت الصراخ في وجهه دون توقف.
“هل تعرف ما كان ذلك المال؟ كم تعبتُ لأجمعه من أجل شراء الدواء. كانت تلك آخر فرصةٍ متبقية لي.”
“لقد ماتت بسبَبك. أنت الذي قتلتها. كانت عائلتي الوحيدة.”
…..آه.
حين سمع هاوارد صراخ ريكا، أدرك أن سؤالًا قديمًا طالما شغله قد وجد إجابته أخيرًا.
ذلك الشخص الذي تحدثت عنه ريكا، من كان يعتني بها عندما كانت صغيرة، لماذا لم يعد موجودًا بجانبها الآن؟
لم يكن “غير موجود” بل “لم يعد بإمكانه أن يكون موجودًا”.
…..لأنه مات.
وحين أدرك تلك الحقيقة، شعر أن قلبه سقط من مكانه. لأن مظهر ريكا الآن يشبه كثيرًا مظهره قبل عشر سنوات. إلى درجة أنه شعر بأنه سيموت من الألم.
“كانت الشخص الوحيد الذي اعتمدت عليها في هذا العالم…..وأنتَ..…”
تحركت قدما هاوارد من تلقاء نفسيهما. وحين عاد إلى وعيه، وجد نفسه ينادي اسم ريكا مجددًا.
أمسك بذراعها وسحبها إلى صدره. ثم أخذ يهمس في أذنها بلا توقف. يطلب منها أن تهدأ، ويقول لها أن كل شيء سيكون على ما يرام.
لم يكن السبب فقط أنه أراد مواساة ريكا. بل، وبصراحة، كان يشعر بالخوف.
خوفًا من أن تختفي هذه الشخصة التي أمامه فجأةً من هذا العالم. لذلك، قال كلماتٍ لم يكن ليتفوه بها في الظروف العادية.
“ريكا، هل ترغبين في الانتقام؟”
“أستطيع مساعدتكِ.”
لو أنها انتقمت، لو كان هناك شيء تتشبث به، فلربما وجدت دافعًا للاستمرار في الحياة.
كما عاش هو حتى الآن بدافع الانتقام من ملك الشياطين.
لكن، في النهاية، قالت ريكا أنها بخير، لذا لم يكن لأي من ذلك فائدة.
“هاه…..”
تنهد هاوارد بهدوء. وخطر في ذهنه وجه بروتور.
‘…..يبدو أنه لا يمكن أن أترك الأمر يمر هكذا.’
“ليون.”
“هل ناديتني، سيدي؟”
ظهر ليون، تابعه المخلص، فجأةً كما لو كان موجودًا في الغرفة منذ البداية.
وقف أمام هاوارد مباشرةً بكل طبيعية. و عندها فقط، صرف هاوارد نظره عن النافذة.
“تحقق لي من أمر الكونت إيتنتيا.”
____________________
ليتها وافقت على الانتقام
انفدا المؤلفه تجنن على طول جابت لما وش صار من وجهة نظر هاوارد 😔
مشاعره تجنن ويوم قال احسها بتختفي بغيت اصيح كيف ردة فعله لادرا انها نوكس؟😭
وريكا تجنن روقت عشان لطف هاوارد؟ ياناس زوجووهممم
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 52"