“هل تظن أنني سأستطيع الذهاب إلى الجبل الثلجي في ذلك الوقت؟”
ساد الصمت للحظة في المكتب. و لم ينبس بروتور ببنت شفة فجأة، لكنني لم أندهش من ذلك.
كنت أتوقع ردة فعله. فلو كان يعلم معنى ما قلته منذ البداية، فلا بد أن يتصرف هكذا.
‘إن لم أجد طريقةً للنجاة، فلن أكون هنا الشتاء القادم، ناهيك عن الذهاب إلى الجبل الثلجي.’
هل كنتُ واضحةً أكثر من اللازم؟
شعرت ببعض الندم بعد لحظة، لكن ما حدث قد حدث. كما أنني لم أستطع التفكير في طريقةٍ أخرى.
كنت أترقب إجابة بروتور بصمت، لكن شعور التوتر جعل فمي يجف.
ثم عاد صوته بعد برهةٍ من الزمن.
“…..آه.”
تنهد بروتور بخفة.
“آسف، ريكا. لقد ارتكبت خطأ.”
“خطأ؟”
“أنتِ لا تتحملين البرد، أليس كذلك؟ الشتاء بحد ذاته قارس، وطلبت منكِ الذهاب إلى الجبل الثلجي أيضاً، كنت متهوراً.”
‘من أين سمع بأنني لا أتحمل البرد؟’
قال إنه كان يراقبني باستمرار، فهل لاحظ ذلك حينها؟ أم أنه رآني ذات مرة وأنا أنام بجانب هاوارد في قصر الكونت؟
‘لا، ليس هذا هو المهم الآن.’
المشكلة أن رد فعل بروتور لم يكن كما توقعت. والسبب واضح، فقد بدا أنه ركز في إجابته على “الجبل الثلجي” وليس على “في ذلك الوقت” من كلامي.
لم يكن هذا وقت الحديث عن البرد أو الجبال الثلجية.
لو كان قد فهم كلامي كما يجب، ولو كان يعلم أنني نوكس، لكان عليه أن يتحدث بطريقةٍ مختلفة تمامًا.
مثلاً، كان من المفترض أن يعرض عليّ طريقةً للنجاة، ويطلب مني أن أترك هاوارد وآتي إليه.
‘ومع ذلك، هو يقول هذا الكلام الغريب…..’
هذا إما يعني أنه لا يعلم أنني معرضة للموت، أي أنني نوكس، أو أنه يعلم ومع ذلك لا ينوي إنقاذي إطلاقًا.
وحين وصلت بتفكيري إلى تلك النقطة، شعرت وكأن الدم في جسدي كله قد تجمد. و يداي الموضوعتان على ركبتيّ بدأتا ترتجفان بشدة.
بما أنه يعلم أنني شخصيته البديلة، فلا يمكن أن يكون الاحتمال الأول صحيحًا.
إذاً لا شك أن الأمر هو الاحتمال الثاني، وأنه يسخر مني، أنا التي لن أكون موجودةً في هذا العالم الشتاء القادم.
قلبي سقط بصوت عالٍ، و كأنه خفق بعنف ثم توقف.
ما هذا بحق؟ إن كان سيعاملني هكذا، فلماذا ظهر أمامي من الأساس؟
لماذا الآن، وأنا قد تلقيت بالفعل حُكْم موتي…..
“ما الذي تحاول فعله الآن بالضبط؟”
“عمّ تتحدثين؟”
“لماذا تقول لي كلامًا مثل لنبقَ معًا أو لنذهب في رحلة سويًا؟”
“لأنكِ لي.”
أجاب بروتور بنبرة هادئة، وكأن ذلك أمرٌ بديهي لا جدال فيه. لزادني رده غضبًا واشتعالًا.
“لكَ؟ لو كنتَ تعتقد أنني مميزةٌ إلى هذه الدرجة، ألم يكن من المفترض أن تأتي إليّ منذ زمن؟ لم تكن تبالي إن كنت أعاني أو لا، والآن فقط، بعد أن بدأتُ أعيش بسلام إلى جانب هاوارد، قررت أن تظهر؟”
“قلت لكِ، كانت هناك ظروف.”
“وهل يجب أن أقبل كل شيءٍ لمجرد أنكَ تقول أن هناك ظروفًا؟ وماذا عني؟ ألا تظن أنني أيضًا كانت لدي ظروفي؟”
آه، ما الذي أفعله الآن؟
تسلل هذا السؤال إلى رأسي بينما كنت أصرخ عليه وكأنني أعاتبه. و شعرت وكأنني أهوي بلا وجهةٍ في ظلمة لا نهاية لها، ساقطة في مكان مهجور لا أحد فيه.
كيف فكرت في الحديث مع شخصٍ مثله أصلًا؟
“لقد أرسلتُ لكَ حتى تلك الورقة التي أطلب فيها استرجاع ما أخذته، وأرفقت بها عنواني أيضاً. قلتَ أنكَ كنت تراقبني طوال الوقت، أليس كذلك؟ إذاً لا بد أنكَ كنت ترى كل شيءٍ يحدث. على الأقل، في ذلك الوقت، كان عليكَ أن تعيد أموالي إليّ.”
إنه شخصٌ لم يكتفِ بعدم حمايتي، بل سلب مني حتى محاولتي لحماية من أحب.
“حتى لو لم أكن ملككَ، أنت تملك الكثير. أشياءَ لم تكن تحتاجها حقًا. فلماذا تطمع في ما هو لي؟ حتى في تلك الأشياء الصغيرة؟”
“….…”
“ما الخطأ الكبير الذي ارتكبته بحقكَ؟”
“……ريكا.”
ناداني بروتور بنبرةٍ ممتعضة، وقد بدا على وجهه، على خلاف ما كان عليه قبل قليل، الاضطراب والارتباك.
عندها أدركت أنني قد انفعلت أكثر من اللازم، لكن لم أستطع أن أهدأ.
لماذا يعاملني هذا العالم بكل هذا القسوة؟
كأن الغضب المتراكم داخلي منذ أن علمتُ بأنني معرضة للموت القريب قد انفجر دفعةً واحدة.
بل منذ أن جئت إلى هذا العالم أصلًا.
وجدت نفسي أعيش في هذا الجسد دون أن أعرف السبب، ومهما حاولت لم أستطع أن أجد طريقةً للعودة.
امتلكتُ جسداً لا يمكنني أن أملك فيه شيئًا كاملًا، ومع ذلك، حاولت أن أعيش بطريقتي، قدر المستطاع.
ثم فجأة، قيل لي أنني على وشك الموت.
مهما حاولت، يبدو أنني لن أجد سبيلًا للنجاة، وحتى العيش بسلام في الأيام القليلة المتبقية صار أمرًا بعيد المنال.
فماذا يُفترض بي أن أفعل إذًا؟ هل عليّ فقط أن أظل أعاني حتى أموت؟
‘هل هناك شيء يمكنني فعله أصلًا؟’
حتى حين ماتت أوديا، لم أستطع أن أفعل شيئ.
“هل تعرف كم تعبتُ في جمع ذلك المال؟ كان لأجل شراء الدواء…..لقد كانت فرصتي الأخيرة فعلاً.”
“ريكا..…”
“لقد ماتت بسببكَ. أنت من قتلها. كانت عائلتي الوحيدة. الشخص الوحيد الذي اعتمدت عليه منذ جئت إلى هذا العالم، وأنتَ..…!”
“ريكا…..”
“لا تناديني باسمي!”
وفي اللحظة التي غطيت فيها أذنيّ بكلتا يديّ لأني لم أعد أحتمل سماع صوته،
“ريكا!”
سمعت صوت منادٍ باسمي يأتي من جانبي لا من الأمام، وفي اللحظة نفسها جذب أحدهم ذراعي فجأة.
فسقطت يداي من على أذنيّ دون إرادة مني، والجسد المرتجف احتُضن بين ذراعين واسعتين.
حينها، ذلك العطر المألوف بات يعبق عند أنفي.
“اهدئي، ريكا.”
…هاوارد.
هاوارد تشيلستون.
من دون أن أدري، وجدت نفسي في أحضانه، بينما كان إلى جواري.
متى عاد؟
هل حان وقت عودته أصلًا؟ ما الذي قلته تحديدًا؟ من أين بدأت، وأين توقفت؟
هل من الممكن أنني، دون أن أشعر، ذكرت أنني نوكس؟
ماذا لو اتُّهمت بالهرطقة بسبب هذا؟ هل سأنهي أيامي في زنزانةٍ تحت الأرض؟ أم أنه سيتم إعدامي قبل ذلك…..؟
“لا بأس.”
“…..…”
“كل شيءٍ سيكون بخير، ريكا.”
همس هاوارد بصوتٍ خافت، كأنما يتمتم بتهويدة. وبدأ يربّت على ظهري بيده الكبيرة ببطء.
كانت حركته حانية، وكأنه يحاول تهدئتي. ولم يتوقف همسه المتكرر عند أذني، “سيكون كل شيءٍ بخير”.
بينما كنت أستمع إلى تلك الكلمات، شعرت بحرارةٍ تتصاعد في عيني. ليس لأنني شعرت أن كل شيء بات سهلًا أو بسيطًا. بل على العكس، لم يكن هناك شيء على ما يرام.
كنت أعلم جيدًا مدى سوء وضعي. ومع ذلك، تمكنت من استجماع نفسي قليلًا فقط بفضل هاوارد. لأن جسده كان يرتجف كما لو أن مشاعري انتقلت إليه.
ومن ذلك الارتجاف الذي وصلني من حيث تلامس جسدانا، شعرت برغبته الصادقة في أن أكون بخير.
ارتميتُ في أحضان هاوارد وانفجرت في البكاء.
ربما لأنه شعر أن الوضع لا يحتمل، نظر إلي بصمت للحظة، ثم رفعني بين ذراعيه برفق.
وحتى لا يُرى وجهي الباكي، أسند رأسي إلى صدره، محيطًا مؤخرة رأسي بذراعه، ثم وجّه كلامه نحو بروتور.
“أظن أنه من الأفضل أن تعود الآن، يا كونت.”
“….…”
“سأغادر أولًا، المعذرة.”
بروتور لم يُجب. بدا وكأنه قد تلقى صدمة.
أما هاوارد، فلم يعره اهتمامًا، وبدأ يمشي بي بين ذراعيه متجهًا نحو الباب.
وحين كاد يخرج عبر الباب المفتوح بالفعل—
“…..كل هذا كان من أجلكِ.”
قال ذلك بروتور بصوتٍ منخفض، وكأن هاوارد غير موجود أصلًا، وكأننا نحن الاثنان فقط في المكان.
“ستفهمين كل شيءٍ لاحقًا.”
…..ما زال يبرر حتى النهاية.
لكنني لم أجد في كلامه ما يستحق الرد. فحتى لو لم يتصرف بتلك الطريقة، لما كنت سأتابع الحديث معه على أي حال.
لقد عقدت العزم، مهما حدث، ألا أعود إلى جانبه أبدًا. حتى وإن أدى ذلك إلى موتي.
تعلّقت بشدة بطرف معطف هاوارد. وعندها، بدأ هاوارد يمشي من جديد.
وبما أنه اتجه مباشرةً نحو الدرج، بدا واضحًا أنه يقصد الذهاب إلى غرفتي.
وما إن اختفت غرفة الجلوس التي كنت فيها مع بروتور تمامًا من مجال رؤيتي، حتى شعرت بشيءٍ من الهدوء يتسلل إلى قلبي.
لم يستغرق الوصول إلى الغرفة وقتًا طويلًا. ثم أجلسني هاوارد على السرير، و جلس على الأرض، جاثيًا على إحدى ركبتيه.
رفع رأسه ونظر إلي،
“ريكا، هل ترغبين في الانتقام؟”
“ماذا؟”
كنت أمسح دموعي حين توقفت فجأة عن الحركة بسبب سؤاله المفاجئ، ونظرت إليه.
وبشكلٍ طبيعي، التقت أعيننا في الفراغ بيننا.
وفي تلك اللحظة، علمت. هاوارد سمع كل ما قيل قبل قليل.
“يمكنني أن أساعدكِ.”
_____________________
اهخخخ بكيت الله ياخذ بروتور
يوم جا هاوارد وشمها دمعت اكثر ياناس زوجوه😔😔😔🫂🫂🫂🫂🫂🫂
المهم وناسه ايه بالله خليه يساعدس ثم شوي شوي تكتشفون انها هي البنت ام شعر وترا ترااااااا جا العرس
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 51"