“قائد الفرقة، هل أنتَ هنا؟”
كان صوتًا غريبًا لم أسمعه من قبل. وبالطبع، هذا يعني أنه لم يكن هاوارد أو فيليب.
‘من هذا فجأة؟’
ألا يعرف هؤلاء أن لديهم تدريبًا جماعيًا اليوم؟
لو كان فارسًا مقدسًا رسميًا، لكان قد شارك بالتأكيد.
لم أستطع حتى الوقوف، فبقيت منكمشةً، محتبسةَ الأنفاس.
فكرت أن هاوارد أيضًا خرج الآن إلى التدريب، وإذا لم أُحدث أي صوت، فسيظن من بالخارج أن لا أحد هنا، ويرحل ببساطة.
لكن، بالطبع، تلك الفكرة تحطمت تمامًا في اللحظة التي سقطت فيها العكازة المستندة إلى المكتب.
كـونغ-
نظرت بعجزٍ إلى العكازة التي سقطت على الأرض مُحدثة صوتًا صاخبًا.
…..تبًا لهذا. لماذا لا يسير أي شيء كما أريد؟
“ما هذا، ما كان ذلك الصوت؟”
“هل سقط أحدهم؟”
“ماذا؟ القائد؟ هل أنتَ بخير؟”
جاءت أصواتُ حوارٍ مرتبك ومذعور من خلف الباب.
كان الأمر يبعث على اليأس. فكون هناك حوار يجري يعني أن هنالك على الأقل شخصين خارج الباب.
ليس واحدًا فقط، بل عليّ أن أُظهر نفسي بهذا الشكل أمام عدة أشخاص.
“قائد الفرقة!”
“….…”
“قائد الفرقة! هل أنتَ بخير؟”
كان عليّ أن أقول شيئًا، لكن يبدو أنني كنت في حالةٍ من الارتباك الشديد لدرجة أن صوتي لم يخرج.
ربما كان تسللي خفيةً إلى مكتب هاوارد وتفتيشي له يشكل عبئًا نفسيًا أكبر مما توقعت.
حتى لو كان ذلك من أجل البقاء، فإن الأمر في النهاية كان خداعًا لهاوارد.
وبينما كنت في تلك الفوضى والارتباك، بدا أن من في الخارج شعر بأن هنالك أمرًا غير طبيعي، فسمعت صوتًا حازمًا ينادي من الخارج.
“قائد الفرقة، أستأذن بالدخول مؤقتًا.”
وفي اللحظة نفسها، سُمِع صوت فتح الباب.
قبل أن يدخل الأشخاص الذين لا أعرف هويتهم إلى المكتب، زحفت ودخلت أسفل المكتب لأختبئ. وبالطبع، أخذت العكاز معي أيضًا.
لكن، انتظر لحظة.
‘….لماذا اختبأت أصلًا؟’
لو قلت فقط إنني تفاجأت من صوت الطرق المفاجئ فلم أستطع الرد، لكان بإمكانهم تفهم الأمر إلى حدٍ ما.
هذا يجعلني أبدو مريبةً حقًا.
‘حسنًا، لو أردنا الدقة، فقد كنت أقوم بشيء مريب فعلًا.’
على أي حال، لم يعد من الممكن أن أظهر أمامهم الآن.
حبست أنفاسي قدر الإمكان، راجيةً أن تمر هذه الأزمة بسلام.
ويبدو أن من فتح الباب فوجئ بعدم وجود أحد في المكتب، فبدأت أصواتهم تملأ المكان بحيرة.
“هاه؟ القائد غير موجود؟”
“أجل، أين ذهب؟ هل خرج في مهمة تطهير؟”
“لم ترد تقارير عن ظهور وحوش اليوم. ربما ذهب فقط إلى دورة المياه؟”
“إذًا ما كان ذلك الصوت قبل قليل؟”
“ربما سُمِع من الطابق العلوي أو السفلي.”
“ربما.”
ما هذا؟ ما هذه المحادثة الساذجة؟
بالنسبة لفرسان مقدسين يقاتلون الوحوش، كانوا مليئين بالثغرات والتصرفات الطائشة.
وفوق كل ذلك، حتى لو كانوا مرتبكين، كيف يعجز فارس مدرب عن تمييز مصدر صوت؟
شعرت بالارتياح إلى درجة جعلت توتري السابق يبدو مبالغًا فيه. وبقليلٍ من الشجاعة التي نبتت بداخلي، أخرجت رأسي قليلاً من جانب المكتب بحذر لأتفقد الوضع دون أن يُكشف أمري.
كان الرجلان اللذان رأيتهما أمامي هما نفسهما مصدر الصوتين الذين سمعتهما منذ قليل، ولم يكن هناك أحدٌ سواهما.
اختفى التوتر من داخلي بدرجة أكبر.
‘لكن، ما هذا؟ ملابسهم ليست زي فرسان الهيكل.’
نظرت إلى الثياب البنية التي كان يرتديها الرجلان.
ملابس فرسان الهيكل لم تكن هكذا. كانت كما ارتداها فيليب قبل قليل، بخلفية بيضاء ناصعة وزخارف ذهبية.
ومع ذلك، ها هما شخصان لا يرتديان زي الفرسان، يدخلان إلى المعبد، بل إلى مكتب قائد الفرقة المقدسة تحديدًا.
كان هناك شيءٌ مريب.
‘لا، الشيء الأكثر ريبة هو أنا.’
لماذا تبدو تلك الملابس مألوفةً لي؟ كأنني رأيتها من قبل.
واصلت التحديق في ثيابهما، ولم يكن أي منهما قد أدرك وجودي بعد.
وظللتُ أحدق فيهما خلسةً، حتى تذكرت أخيرًا أين رأيت تلك الملابس من قبل.
إنها ملابس المتدربين!
الفرسان الذين لا يزالون في مرحلة التعلم، قبل أن يصبحوا فرسانًا رسميين!
‘الآن تذكرت، رأيتهم في لعبة <عالم الفانتازيا>.’
كنت قد انضممت إلى الطائفة المقدسة أثناء لعبي من أجل تطوير القوة المقدسة، لذا عرفت الأمر.
ولأن من الطبيعي أن يمر اللاعب بمرحلة التدريب قبل أن يصبح فارسًا رسميًا، فقد ارتدت شخصيتي أيضًا تلك الملابس ذات مرة.
لا أذكر تمامًا أي شخصيةٍ كانت، لكن على الأرجح كانت الشخصية الرئيسية “بروتور”.
أما “ريكا”، الشخصية الفرعية، فقد استخدمتها فقط لدعم بروتور في نموه.
لذا أنا الآن في هذا الوضع البائس…..
‘…..هاه. هذا كله من سوء كارمتي. إنه جزاء أفعالي.’
طردت الأفكار الكئيبة من رأسي، وركّزت مجددًا على الوضع أمامي.
بعد أن عرفت هويتهما، أصبح من المفهوم أنهما لم يتلقيا خبر التدريب الجماعي اليوم.
وأيضًا لماذا جاءا إلى هنا للقاء هاوارد.
‘على ما يبدو، كان من التقاليد أن يذهب المتدربون الجدد إلى القائد لتحيته عند انضمامهم.’
في الأصل، كانت تقام مراسم رسمية في يوم محدد للقاء وجهًا لوجه، لكن ذلك تغيّر حين تولى قائد الفرقة السابق، الدوق تشيلستون السابق، منصب القائد.
قيل إنه، نظرًا لانشغاله بمطاردة الهراطقة، رأى أن من غير المجدي تضييع الوقت على طقوس كهذه، فطالب بأن يتعرفوا على القائد عندما تتاح لهم الفرصة فحسب.
وقد أثار ذلك ضجةً كبيرة في القصر الإمبراطوري وفي المعبد، لأنه أراد إلغاء تقليدٍ لطالما استمر.
ويقال إنه لو لم يتدخل الإمبراطور السابق ليوقف الشائعات، قلقًا على صورة ابنه البكر، لكان وقع الأمر أسوأ بكثير…..
‘هاه؟’
لكن لماذا أعرف كل هذا بالتفصيل؟
الأمور المتعلقة بالدوق تشيلستون السابق تُعد من ماضي هاوارد، وأظن أنها لم تُذكر حتى في اللعبة.
أملت رأسي بحيرة، وفي تلك اللحظة، مرت همسةٌ غريبة لا أعرف مصدرها بجوار أذني.
“أتحب أن أخبركَ قصةً مضحكة؟”
“هذا سر، لذا يجب أن تبقيه لنفسكَ فقط. مفهوم؟”
ما هذا؟ كان الصوت أشبه بصوت طفل.
هاه! لا يمكن..…
‘هل من الممكن أن تلميحاتٍ حول ماضي هاوارد كانت موجودةً في اللعبة، لكنني نسيتها؟’
هاه…..
هل أستطيع أن أُطلق على نفسي من محبي لعبة <عالم الفانتازيا> بعد هذا؟
كنت دائمًا أفتخر بأنني لعبت هذه اللعبة بجد أكثر من أي شخص آخر، لكن الآن اجتاحتني موجةٌ من الإحباط.
كيف يمكن أن أنسى تلميحاتٍ تتعلق بماضي هاوارد تشيلستون؟
‘ولماذا رأسي يؤلمني فجأةً هكذا؟’
هل هو التوتر حقًا؟
وضعت يدي على رأسي الذي بدأ ينبض بالألم.
تمامًا حين بدأت أفكر في أن عليّ أن أخرج فحسب وأذهب إلى غرفة الإسعافات، سمعت اسمًا مألوفًا يمر بجانب أذني.
“بالمناسبة، هل رأيت الآنسة إيفريت؟ سمعت أنها حضرت حفلة عائلة الكونت إيتنتيا بالأمس.”
“نعم، رأيتها. جاءت بصحبة القائد كرفيقته.”
“كيف كانت؟ جميلة؟”
ما هذا؟ ولماذا يتحدث عن شكل الناس بهذه البساطة؟
أزعجني الأمر، لكن بصراحة، كنت فضوليةً أيضًا لمعرفة ما سيقوله، لذا حبست أنفاسي تمامًا وأرهفت السمع باتجاه المتدربين.
وبينما أفعل ذلك، اختفى الصداع الذي كان يوشك على شطر رأسي بشكلٍ طبيعي.
“نعم، كانت جميلة فعلاً، لكن، كيف أقول هذا…..كانت مُفاجأةً بعض الشيء.”
“مُفاجأة؟ من أي ناحية؟”
“فقط…..لم أتخيل أبدًا أن القائد قد يواعد شخصًا مثلها. كان الأمر خارج كل توقعاتي.”
…..هل يجب أن أفرح بهذا الكلام، أم أنزعج؟
قطبت حاجبيّ بانزعاج تجاه هذا التقييم الذي لم أستطع أن أحدد إن كان مدحًا أم انتقادًا.
لكن لم يكن بوسعي فعل شيء. و لم يكن أمامي سوى أن أستمع إلى ما سيقولونه بعد ذلك.
“لماذا؟ كانت شخصيتها سيئة؟”
“لا، ليس ذلك…..فقط كنت أظن أن من ستكون شريكة القائد ستكون امرأةً ناضجة وباردة، بذلك النوع من الهالة. لكن عندما رأيت الآنسة إيفريت بالأمس، بدت بعيدةً كل البعد عن ذلك. لو أردت أن أصفها، فهي أقرب إلى كونها محبوبةً ولطيفة.”
“هاه؟ هل القائد يليق به شخصٌ ناضج؟ لم أفكر في ذلك من قبل. ليس أنني أقول أنهم لا يليقون ببعض، لكن..…”
“لا، ليس هذا ما أعنيه…..آه، هل يعقل أنكَ لا تعرف؟”
“أعرف ماذا؟”
نعم، ماذا؟ أخبروني، أريد أن أعرف أيضًا.
بلغ تركيزي ذروته وسط هذا الحديث المشوّق.
كنت أعلم أن التنصت على الآخرين ليس أمرًا محمودًا، لكنني لم أستطع مقاومة الفضول لمعرفة ما سيقال لاحقًا.
على أي حال، هاوارد ليس مهتمًا كثيرًا بالنساء، لذا لن يكون الموضوع مهمًا على الأرجح.
‘تكلموا بسرعة.’
ركّزت كل انتباهي على صوت المتدرب الذي كان يتحدث.
وحتى هذه اللحظة، لم أكن أدرك بعد أنني على وشك أن أسمع شيئًا سيقلب تمامًا فهمي لشخصية هاوارد حتى الآن.
“كل من واعدهم القائد سابقًا كانوا جميعًا ذوي طابع ناضج. جميعهم هادئون وراقون!”
_________________
صح ريكا ماتدري ان هاوارد قد واعد نسوان😭
المهم كذا تأكدنا إن ريكا هي البنت الي دافعت عن هاوارد بس كيف وشلون؟ هذا ماسنعرفه قريبا✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 48"