عاد الهدوء مجددًا إلى داخل المكتب. و بدا هاوارد مرتبكًا من السؤال المفاجئ.
كان الموقف مثالًا واضحًا لتعبير “عقدت الدهشة لسانه.”
على الأرجح، لو كنت مكانه، لكنت تصرفت بالمثل، لذا لم أشعر أن الأمر مضحكٌ أو مزعج. بل شعرت بالارتياح لكوني أتظاهر بالنوم ولا أحتاج للرد على ذلك الكلام.
لكن، لماذا أصبحَ فضولياً فجأة؟ كانا يتحدثان عن ملك الشياطين حتى الآن، أليس كذلك؟
“…..من هذا؟”
تحدث هاوارد بعد لحظة. و يبدو أنه قرر التظاهر بعدم المعرفة.
‘لا يبدو أن هذا الخيار جيدٌ جدًا.’
على الأقل كان يجب أن يتحكم في تعابير وجهه.
‘من الواضح أنكَ تتصرف بغرابة، لا تهرب بنظرك.’
“آه، ألا تتذكره؟”
أمال فيليب رأسه باستغراب. و المفاجئ أنه لم يلاحظ تصرفات هاوارد المريبة.
على ما يبدو، كانت المناقشة السابقة صادمة فعلًا.
“قبل حوالي شهرين؟ لقد مررتَ عبر البوابة وأنتَ تلفّ أحدهم بسترة الفارس، أليس كذلك؟ وقلتَ أنكَ ستتولى التحقيق بنفسكَ.”
“…….”
“لم أتمكن من التأكد لأن جسد الشخص كان مغطًى بالكامل، لكنني أذكر أنها كانت امرأةً ذات بنيةٍ صغيرة. أو ربما كان فتى لم يكتمل نموه بعد. كانت المرة الأولى التي يتصرف فيها القائد بهذه الطريقة، لذا أتذكر ذلك جيدًا. أظن أن كل من كان في نقطة التفتيش في ذلك اليوم يتذكر الأمر أيضًا.”
…..ما الذي يجعله يتذكر بهذه الدقة؟
كتمت تنهيدةً كانت على وشك الخروج وحدّقت مجددًا في هاوارد. الذي تنهد هو طويلاً.
يبدو أنه قرر أن التظاهر بعدم المعرفة لم يعد يجدي نفعًا.
“آه، الآن بعد أن ذكرتني، تذكرت. كانت هناك الكثير من الأمور مؤخرًا فنسيت تمامًا.”
“هكذا إذًا. في الحقيقة، لأن القائد تصرف بشكلٍ مختلف عن المعتاد في ذلك الوقت، بدأنا نقلق من أن يكون الشخص الذي جلبته أحد قادة المهرطقين المهمين ممن يحملون أدلةً لا يمكن مشاركتها معنا. ولأننا كنا نتحدث عن ملك الشياطين قبل قليل، شعرت أن هذه هي الفرصة الوحيدة للسؤال. إن كنتَ تحملُ عبئًا ثقيلاً وحدكَ، فنحن على استعداد دائم لدعمكَ، يا قائدنا!”
الآن لم أعد مجرد هرطقية، بل أصبحت قائدةً لهم أيضًا؟
أمر لا يُصدّق لدرجة أنني لم أستطع حتى الرد.
أطلقت ضحكةً صغيرة من غير قصد. و ربما سمع هاوارد ضحكتي، فوجّه نظره نحوي.
ثم حرّك رأسه قليلًا وكأنه يطلب مني التوقف من دون أن يلفت الانتباه.
“لقد حققتُ معه على انفراد، ولم يكن هرطقياً.”
“لم يكن كذلك؟ لكن تصرفاته كانت مريبةً للغاية. لا يمكن حتى تفسير سبب خروجه المفاجئ من الصف.”
“الأمر هو..…”
توقف هاوارد عن الكلام ونظر إليّ.
هل يقلق من أن أكون غاضبةً لدرجة أنني قد أنهض فجأة؟
أومأت برأسي بخفة لأشير إلى أنني سأبقى هادئةً……و لو كنت أعلم ما الذي تعنيه تلك النظرة، لما فعلتُ ذلك أبدًا.
“قال أنه كان مضطرًا للذهاب إلى دورة المياه.”
“كح.”
ما إن أنهى هاوارد كذبته، حتى خرج صوتٌ من بين شفتيّ دون قصد. فشعرت بنظرات فيليب تتجه نحوي في اللحظة نفسها، لكنني لم أندم.
كيف يمكن أن أبقى صامتةً بعد سماع شيءٍ كهذا؟
لكن هاوارد لم يكتفِ بذلك، بل أكمل ليقضي تمامًا على الموقف. و يبدو أنه ظن أنني أعطيته الإذن بالكلام.
“قال أن الأمر كان طارئًا لدرجة أنه لم يكن يستطيع انتظار دوره. فركض بحثًا عن أقرب دورة مياه.”
…..لا، هذا جنون. أين حقوقي؟
ابتلعت بصمتٍ حزني على مستقبلي، حين سأُعرف داخل فرقة الفرسان المقدسة على أنني “ذلك الشخص الذي خرج من الصف أثناء التفتيش لأنه كان مضطرًا للذهاب إلى دورة المياه.”
لكن ما كان أكثر بؤسًا من ذلك، هو أنني اضطررت مجددًا للتظاهر بالنوم حتى أتجنب شكوك فيليب، الذي بدأ ينظر إليّ بنظراتٍ غريبة.
“كح…..كح..…”
لحسن الحظ، بعد أن أصدرت بضع سعلات، ظن أنني أسعل أثناء النوم، فحوّل نظره مرة أخرى.
حقًا…..إنه لأمر محزن. محزنٌ للغاية.
“…بالفعل، في مثل هذه الحالات قد يكون الأمر طارئًا ولا يمكن الانتظار. يا إلهي، لقد اشتبهت بشخصٍ بريء دون سبب. من المريح أن الأمر لم يكن كما كنا نخشاه.”
قال فيليب ذلك وهو يحك مؤخرة رأسه بحرج، ثم سأل بسرية،
“إذًا…..هل تمكن من الوصول إلى دورة المياه في الوقت المناسب؟”
‘توقف، أرجوك.’
“بالطبع. عندما وصلتُ، كان قد انتهى بالفعل. لكنه شعر بإحراجٍ شديد من أن يُساء فهمه على أنه هرطقي فقط لأنه ذهب إلى الحمام، لذا لم أجد حلاً إلا من تغطية وجهه. فحتى لو انتهى التحقيق في مكانه، كان لا بد له من عبور البوابة، أليس كذلك؟ أشعر بالأسف لأنه أُسيء الظن به دون قصد.”
‘توقف!’
أظهرتُ احتجاجي بطريقتي، فسعلتُ هذه المرة بقوة أكبر. عندها فقط انتهت أخيرًا قصة دورة المياه التي كانت تثير الغضب لمجرد سماعها.
لو استمر الحديث أكثر من ذلك، لكنت انفجرت فعلاً.
“حسناً، هذا كل ما لدي. بعد قليل تبدأ حصة التدريب الجماعي، هل ستحضر؟”
“بالطبع، لقد تغيبتُ أيضًا عن تدريب الصباح.”
“إذًا فلنخرج معًا. كنت أنوي الذهاب حالًا.”
استدار فيليب فجأةً بجسده. فأوقفت نظراتي الخفية وأغلقت عينيّ فورًا.
ثم سمعت صوت هاوارد،
“حسنًا، انتظر لحظة فقط.”
سمعت صوت حركةٍ خفيفة، ثم شعرت به يقترب نحوي.
يبدو أنه وضع شيئًا على الطاولة أمام الأريكة، ثم خرج من المكتب مع فيليب.
لم أفتح عينيّ وأتحرك إلا بعد أن اختفى صوت خطواتهما تمامًا. و كان هناك ورقةٌ صغيرة موضوعة على الطاولة.
[سأذهب للتدريب قليلًا. و سيستغرق الأمر حوالي ساعتين.]
يبدو أنه كتب المذكرة قبل خروجه بشيءٍ من الحرص.
بما أنه يعرف أنني مستيقظة، لم يكن مضطرًا لفعل كل ذلك. لكنها كانت مذكرةً مهذبة ومليئة بالاهتمام، تمامًا كما هو هاوارد تشيلستون.
ابتسمت ابتسامةً قصيرة وأنا أتأمل خطه الأنيق.
ساعتان قبل أن ينتهي التدريب.
‘وقتٌ ليس سيئًا للبحث عن معلومات.’
فهذا ليس مكتب أي أحد، بل مكتب قائد الفرسان المقدسين، فلا بد أن فيه معلوماتٍ ذات قيمة.
أمسكت بالعكاز الذي تركه الطبيب بجانب الأريكة، ونهضت ببطء.
أشعر بالأسف تجاه هاوارد الذي خرج وهو يثق بي بطريقته الخاصة، لكنني كنت أنوي خلال الساعتين القادمتين أن أفتّش مكتبه بدقة. فالبقاء على قيد الحياة هو الأولوية الآن.
‘من أين أبدأ البحث؟’
سرت نحو مكتبه بينما ألقيت نظرةً سريعة على رفوف الكتب والملفات المتعددة.
كانت العناوين مكتوبةٌ على أغلفة الوثائق، لذا قررت أن أبدأ بالملاحظة البصرية فقط، ولا أتعامل إلا مع الملفات التي تبدو مهمة فعلًا.
وبالطبع، لم يكن المقصود أن ألمسها فعليًا.
‘بفضل النظام، يمكنني معرفة محتوى المستند دون الحاجة لفتحه.’
بل ويمكنني استخدام خاصية البحث أيضًا. ففي مثل هذا العالم المبني على لعبة، هناك أمور كثيرة مفيدة.
العبث بالمحتويات مباشرةً قد يُعرّضني لكشف أمري من قبل هاوارد، كما أنه سيستغرق وقتًا أطول. لذا هذا الأسلوب أكثر كفاءةً من جميع النواحي.
‘لنبدأ إذًا بالمستندات الموضوعة على المكتب.’
سرتُ ببطء نحو المكتب، لكنني توقفت فجأةً بتوتر.
لم ألحظ ذلك من قبل، لكنني الآن رأيت مزهريةً على المكتب تحتوي على زهرةٍ مألوفة. كانت زهرة شقائق النعمان الحمراء التي أهديتها لهاوارد.
‘متى أحضرها إلى هنا؟’
حسنًا، بما أن هاوارد يمضي وقتًا أطول في المعبد، فمن المنطقي أن يضعها هنا لتبدو علاقتنا أكثر واقعيةً كحبيبين.
شعرت بقليلٍ من الإحراج، فسعلت بخفة، ثم أملت جسدي قليلًا على المكتب وبدأت بتفحصه.
كان هناك عددٌ لا بأس به من المستندات فوق المكتب.
أشياءٌ مثل: أن الزنزانة لم تُفتح حتى الطابق الأعلى بعد، أو أن آخر ظهورٍ معروف لملك الشياطين كان في كارثة عائلة الدوق تشيلستون.
لكن من بين كل ذلك، لم يكن هناك أي شيء يتعلق بـ”النوكس”.
‘بما أن النوكس تم ذكره مؤخرًا، كنت أظن أنني سأجد شيئًا، لكن هذا غير متوقع.’
هل لأنه مهمٌ جدًا فلم يُترك على المكتب؟
ترددت قليلًا، ثم انحنيت بجسدي قليلًا نحو أدراج المكتب بينما أبقيت النظام مفعلًا.
ربما وُضعت المستندات هناك.
‘كنت أفضل عدم العبث بالأدراج لاحتمال احتوائها على أشياء شخصية، لكن لا خيار آخر.’
أشعر بالأسف يا هاوارد.
اعتذرت له في داخلي، ثم بدأت أفتش الأدراج باستخدام النظام. لكن على عكس ما توقعت، لم أجد في الدرج الذي فتحته سوى أدوات كتابة تُستخدم لإعداد المستندات، دون أي وثائق أو معلومات.
كان الأمر نفسه مع الدرج التالي، والذي يليه أيضًا.
‘ألا يوجد شيء في الأدراج أيضًا؟’
عبستُ وأنا أفتح الدرج الأخير في الأسفل. لكن ما إن رأيت ما بداخله، أي ما ظهر في نافذة النظام، حتى لم أتمالك نفسي من إمالة رأسي باستغراب.
كان هذا الدرج مختلفًا عن الأدراج السابقة.
‘ما هذا؟’
كانت هناك ورقةٌ واحدة فقط داخل الدرج. لا شيء آخر، ورقة موضوعة في منتصف الدرج تمامًا.
‘ما الذي كُتب فيها؟’
بسبب الألم المتزايد في كاحلي، جلستُ على الأرض وأسندت ظهري، وبدأت أقرأ الورقة من خلال نافذة النظام.
ثم وضعت العكاز مستندًا إلى جانب المكتب.
كانت الورقة مليئةً بكلماتٍ متفرقة. ومن شكل الخط، بدا واضحًا أن هاوارد هو من كتبها.
[فتاةٌ ذات شعر أسود طويل. في مثل سني تقريبًا.
تلة.
مهرجان.
فارسُ حراسة عائلة الدوق.]
لم تكن هذه الورقة كمستندات المعلومات التي رُتبت بعناية، بل أقرب إلى ملاحظةٍ كتبها هاوارد لتسجيل أفكار كانت تدور في ذهنه.
رغم محاولاتي المستمرة، لم أتمكن من فهم معنى ما كتب.
فحصت الورقة حتى آخر كلمة، وفي النهاية توقفت عند “تأكيد الوفاة” التي كانت مكتوبةً أسفل عبارة “فارس حراسة عائلة الدوق”، ثم أغلقت نافذة النظام.
كنت أشعر بشيءٍ من القلق، كأنني ربما رأيت سرًا كان هاوارد يحاول إخفاءه، مما جعلني أشعر بالذنب.
‘كان يجب عليّ فحص الرفوف بدلاً من ذلك.’
يجب أن أسرع. هناك الكثير لأراه قبل أن يعود هاوارد.
تنهدت وأنا أحاول النهوض.
لكن قبل أن أتمكن من فعل ذلك، سمعت صوت طرق على الباب فجأة.
_________________
البنت الي للحين مايتذكرها هاوارد😔
ريكا معها حق وهي تتحمد انها متغطيه مع ذا الاحراج ضحكت😭😭😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 47"