“سيدي القائد، أنا فيليب. هل أنتَ بالداخل؟”
تردّد الصوت الذي لم أرغب في سماعه على الإطلاق.
فنبض قلبي بسرعة.
فيليب؟ نائب قائد الكتيبة؟
لا، ولماذا الآن تحديدًا؟
‘……هذا مستحيل، أليس كذلك؟’
كيف يحدث أن يظهر بالضبط في اللحظة التي كنت أتمنى فيها ألّا ألتقي به؟
في هذا الوضع غير المعقول، تجمّدتُ في مكاني.
حتى هاوارد لم يكن يتوقع أن ألتقي بفيليب بهذه السرعة، فنظر إليّ وفمه مفتوحٌ قليلاً.
و عندما لم يُجب أحد، سُمِع صوت طرقٍ ثانٍ على الباب.
“سيدي القائد؟”
عندها فقط استفاق هاوارد ونهض من مقعده.
“آه، نعم. ما الأمر؟”
وفي الوقت الذي أجاب فيه فيليب، أمسك بالبطانية القريبة وألقاها نحوي.
آه، فهمت. يريدني أن أتظاهر بالنوم.
صحيح، فأنا مريضة، ومن الطبيعي أن أكون نائمة.
فهمت قصد هاوارد بسرعة، فغطيت نفسي بالبطانية واستلقيت على الأريكة.
لم تكن البطانية طويلة بما يكفي لتغطية وجهي، لكن لا بأس. يمكنني أن أستلقي على جانبي وأخفي وجهي بشعري.
‘هاه، أشعر ببعض الارتياح الآن.’
لم أشعر ببعض الطمأنينة إلا بعدما غطيت وجهي بالكامل بشعري.
ربما قد يظن البعض أنني أبالغ بهذا التصرف. فعندما كنت أعبر بوابة أوفلين في حضن هاوارد، لم يظهر وجهي، وحتى في الحفلة السابقة مرّ الأمر بسلاسة.
لكن الحذر لا يضر. ما مرّ بسلام سابقًا، قد لا يكون كذلك هذه المرة.
الآن لا يوجد شيء يشتت الانتباه كما في الحفلة، وقدمي المصابة تمنعني من الهرب إلى مكانٍ آخر، لذا لم أرغب في خوض مغامرةٍ غير محسوبة.
كنت أتفقد للمرة الأخيرة إن كان هناك أي جزءٍ من وجهي قد انكشف، حين عاود صوت فيليب الظهور.
“أتيت لأقدّم تقريرًا.”
“حسنًا، ادخل.”
مع سماح هاوارد له، سُمِع صوت فتح الباب.
بدا أن فيليب بدأ يتقدّم داخل المكتب. وعندما يبدو أنه لمحني، توقفت خطواته بالقرب من الأريكة. و لم أكن بحاجة لأن أراه لأعرف أنه ينظر إليّ.
“من هذه……؟”
سأل فيليب بصوتٍ مرتجف. أجل، أتفهمه. لا بد أنه مرتبك.
ما إن دخل فيليب إلى مكتب قائده حتى رأى امرأةً ممددة على الأريكة، وقد أسدلت شعرها على وجهها، فلا عجب أن يشعر بالارتباك.
وبينما بدأت أشعر ببعض الذنب تجاه فيليب، سارع هاوارد بالكلام.
“ريكا إيفريت. قدّمتها لكَ في حفلة عائلة إيتينتيا البارحة، أليس كذلك؟ كانت هناك ظروفٌ اضطرتنا للمجيء معًا إلى المعبد. سنبقى هنا حتى الليلة ثم نعود معًا.”
توقف هاوارد للحظة وسعل سعالًا خفيفًا. وقد أصبحت أعرفه بما فيه الكفاية الآن لأدرك على الفور أنه كان يكتم ضحكةً كادت تفلت منه.
لا بد أن وضعي الآن يبدو مضحكًا فعلًا.
هاه، كيف انتهى بي الحال إلى هذا الشكل؟
“حالها الصحي ليس جيدًا، فطلبتُ منها أن ترتاح هنا قليلًا. فوجودها مع الفرسان الآخرين سيكون غير مريحٍ بالنسبة لها.”
“مفهوم. إذًا، كيف أقدّم التقرير؟”
شعرت مجددًا بنظراته تتجه نحوي.
صحيح، فمهما قيل أنني نائمة، لا يمكن تقديم تقرير مهم أمام شخص من خارج الدائرة. و حتى في حفلة البارحة، انتقلا لمكان آخر للحديث على انفراد.
في داخلي، تمنّيت لو أنني أستطيع مغادرة المكان بنفسي، لكن في هذا الوضع لا يمكنني ذلك…..
‘هل سيتحدثان في الخارج يا ترى؟’
وجدت نفسي أحبس أنفاسي دون وعي، حينها تحدث هاوارد بصوتٍ عادي تمامًا،
“قدّم تقريركَ هنا. لا بأس.”
“…..آه، حاضر.”
أجاب فيليب بعد تردد، وكأنه فوجئ بالأمر. وأنا أيضًا لم أكن أقل دهشة. فقد كنت أظن أن هاوارد سيخرج مع فيليب من المكتب بالتأكيد.
في النهاية، ما زلت حتى الآن لم أُبرّأ تمامًا من تهمة الهرطقة، لذا من الطبيعي أن يُفترض بي عدم سماع أي شيء حساس.
‘هل يمكنني اعتبار هذا دليلًا على أن هاوارد أصبح يثق بي كثيرًا؟’
ما إن خطرت لي هذه الفكرة حتى شعرت بنوعٍ من الرضا.
وبينما كنت أحرّك يدي تحت البطانية دون قصد، بدأ فيليب بتقديم تقريره ببطء.
“وفقًا لأوامركَ، خرجتُ مع الفرسان بالأمس لتعقب الوحوش، وخلال المهمة قمنا بعملية إبادةٍ إضافية.”
“هل تم القضاء عليها جميعًا؟”
“تركنا نحو عشرة منها. أعتذر. الغريب أن جميع الوحوش حاولت الفرار بدلًا من القتال. كانت سريعةً جدًا، فلم نستطع اللحاق بها. على الأقل، بتتبع آثارها تأكدنا من أنها اتجهت مباشرةً نحو الزنزانة.”
“هل هناك أضرارٌ إضافية؟”
“لا توجد، لكن تحسّبًا لأي طارئ، يخرج الفرسان الآن بالتناوب للمراقبة. سأقدّم باقي التفاصيل في تقريرٍ مكتوب لاحقًا.”
“حسنًا، أحسنت العمل.”
… ..هكذا تسير الأمور إذًا.
راقبت الموقف من بين خصلات شعري بدهشة.
ولم يكن ذلك غريبًا، فهَاوارد الذي كان يتحدث إلى فيليب بدا وكأنه شخصٌ مختلف تمامًا عن المعتاد.
شعرت بشيءٍ من الغرابة، فوجدت نفسي أتابع حديثهما بانتباه دون قصد، حتى تابع هاوارد الكلام بعد قليل.
“فيليب، قلتَ قبل قليل أن حركة الوحوش كانت غريبة.”
كانت ملامحه أكثر جديّة من ذي قبل، وكأنها تصلبت بعض الشيء.
“أنا أظن أن هناك من كان يتحكم في تلك الوحوش.”
“وأنا أوافقك الرأي. من الصعب أن تتحرك الوحوش بهذا التنظيم دون تدخل خارجي. وبما أن أوامر الهرطقة الأعلى تُعتبر مطلقة بالنسبة لها، أعتقد أن مجموعة من الهراطقة تعاونوا لتنفيذ هذا الأمر.”
“لا، ليسوا هراطقة.”
“عفواً؟ ماذا تقصد..…؟”
تردد فيليب للحظة، ثم بدا وكأنه فهم ما يحاول هاوارد قوله. وارتفع صوته قليلًا.
“أتقصد أن من يقف وراء هذا هو ملك الشياطين؟! ملك الشياطين الذي لم يظهر شخصيًا ولو مرةً واحدة طوال العشر سنوات الماضية؟!”
“نعم. منذ المأساة التي وقعت لعائلتنا، لم يظهر على الإطلاق.”
أجاب هاوارد بوجه مشدود وحاد الملامح. ثم ساد الهدوء المكان فجأة.
حرّك فيليب شفتيه قليلًا قبل أن يتكلم. و كان صوته يرتجف بشكلٍ خفيف.
“لماذا تظن ذلك؟ صحيحٌ أن ما حدث هذه المرة غير معتاد، لكن لم تقع أضرارٌ كبيرة أيضًا. لا أرى أي سبب يدفع ملك الشياطين للتدخل بنفسه، ولا يوجد ما يبرر هذا الاحتمال.”
“أنا أيضًا لا أعرف السبب بعد، لكن تدخله مؤكد. أنت تعرف هذا أيضًا، أليس كذلك؟ لم نشعَر بأي أثر لهراطقة أثناء التعامل مع الوحوش.”
“هذا صحيح، لكن..…”
“لم يكن هناك شعور بأن أحدًا يوجّه الوحوش من مكان قريب. القوة كانت تُمارس عن بعد. ووفقًا لكل ما تم التحقق منه حتى الآن، لا يوجد في هذا العالم من يملك تلك القدرة سوى شخصٍ واحد.”
ساد الصمت لوهلة داخل المكتب.
نظر هاوارد إلى فيليب الذي ظل صامتًا، ثم تقدم نحوه ببطء. ووضع يده على كتفه.
“أودّ أن تتحقّق مما إذا كان هناك أي أثرٍ لملك الشياطين في المنطقة. لا نملك أي دليل قاطع بعد، لذا لا تفصح عن الأمر، واجمع فقط الفرسان الذين يمكنكَ الوثوق بهم.”
“…..مفهوم.”
أجاب فيليب بوجهٍ متجمّد.
وأنا أيضًا شعرت بثقل وجديّة الموقف. و لم يكن السبب فقط هو القوة الهائلة التي يمتلكها ملك الشياطين. بل كان هناك أمرٌ آخر يثير قلقي.
لأن ملك الشياطين هو…..
‘أحد الشخصيات الثلاث التي ذكرها النظام.’
شخصٌ يعرف سر هذا العالم الذي يجهله الجميع.
شخصٌ يدرك ماهية النظام ويعرف كيف يتعامل معه.
لا يمكن أن يكون قد أثار هذه الضجة من دون سبب. لا بد أن هناك هدفًا خفيًا خلف ما حدث.
‘ما الذي يريده يا ترى؟’
أنا مجرد شخصيةٍ جانبية لا قيمة لها، فلا سبب يدعوه للاهتمام بي. لكن قائد فرسان الهيكل، هاوارد…..لا، حتى أنا أصبحت مشكلة.
نسيت للحظة أنني معروفة الآن كحبيبة هاوارد. قد يثير ذلك فضول ملك الشياطين.
‘آه، لماذا تتوالى المصائب فجأة بهذا الشكل؟’
ملك الشياطين الذي بقي ساكنًا لسنين، يبدأ فجأة بالتحرك. والشخصية الأساسية التي يستحق أن أركله في وجهه يظهر فجأةً ويطلب أن ندخل في علاقة حب.
أكاد أُنهكُ فقط من التفكير في كيفية النجاة من مصيري المحتوم، فما الذي يجري بحق؟
‘لن تحدث مشاكل جديدة فوق هذا، صحيح؟’
أرجو ألا تزيد الأمور سوءًا.
على الأقل…..فقط حتى أجد وسيلةً للنجاة.
لقد تحملت حتى الآن كل المصائب الممكنة، فهل من الخطأ أن تتحقق أمنياتي هذه المرة فقط؟ أرجوكَ أيها العالم، فقط هذه المرة.
أغمضت عيني وتمنّيت بصدق من أعماق قلبي. لكن…..العالم لا يسير أبدًا كما نشتهي.
وخاصةً معي.
“آه، تذكرت شيئًا، سيدي القائد. كنت قد نسيت أن أسأل، ماذا حدث لذلك الهرطقي؟”
سأل فيليب بنبرةٍ عادية بعد أن استعاد شيئًا من هدوئه.
“أقصد الشخص الذي عبر البوابة وأنتَ تحمله بنفسك، سيدي.”
__________________
فيليب كأنه يلاحق ريكا يضحك😭😭😭😭
المهم ماتوقعت يكون ملك الشياطين يدري عن ذا العالم احسبه مجنون مايفكر
كذا الثلاث شخصيات هم هاوارد و أوديا وملك الشياطين
بس أوديا فطست يعني فيه ثنين😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 46"