“لأن مصيرنا أن نكون معًا.”
تجمدت ملامحي عند سماعي لتلك الجملة التي قالها بروتور. فقد سبق له أن قال لي شيئًا مشابهًا من قبل.
“ربما لم نكن معًا حتى الآن لظروفٍ معينة، لكن يا ريكا، من المفترض أن تكوني إلى جانبي. لقد قُدّر لنا ذلك منذ البداية.”
ها هو مرة أخرى. مرة أخرى يؤكد أن عليّ أن أكون معه.
الغريب أن بروتور بدا متعلقًا بهذا الأمر بشدة، بشكل مفرط. هل السبب فقط أننا الشخصيتان الأصلية والبديلة لبعضنا؟ أم أن هناك سببًا آخر؟
‘هذا…..يثير القشعريرة…..’
تجهمت لا إراديًا وأنا أحدق في بروتور، لكن الباب أُغلق قبل أن يتحرك السائق. و من أغلق باب العربة كان هاوارد.
أبقى يده على المقبض وتحدث إليّ،
“لا تهتمي له، ريكا.”
“لكن..…”
نظرت من طرف عيناي عبر نافذة العربة.
وحينها التقت عيناي بعيني بروتور، الذي كان لا يزال يبتسم لي. ولوّح بيده باتجاهي.
…..كيف يُمكنني ألا أهتم؟
تنهدت دون أن أشعر، وفي تلك اللحظة، بدأت عجلات العربة بالدوران. وغادرنا بوابة قصر إيتنتيا سريعًا.
لقد غادرت قصر الكونت بالكامل، ولم يعد بروتور ظاهرًا في الأفق، لكن رغم ذلك، لم أستطع أن أمحو صورته من ذهني.
وكأنّه قد يظهر في أي لحظة ليبحث عني…..
‘…..لا، كفى. لا تهتمي.’
ما دمت لا أقابله، فالأمر منتهٍ.
لا أرغب في رؤية بروتور مجددًا، ولا يوجد سبب يجعلني مضطرةً لمقابلته. فلم أعد أنوي الانتقام منه أكثر مما فعلت.
لكن هذا لا يعني أنني سامحته. و لو أتيحت لي فرصة للانتقام أكثر، لفعلت. فما فعلته به لم يتجاوز صفعةً على الوجه بعد لقائنا، وهذا لا يكاد يُعدّ انتقامًا، بل إنه أقل بكثير مما يستحق.
ومع ذلك، تراجعت عن فكرة الانتقام، لأن لدي الآن ما هو أهم من الانتقام.
إنه بقائي على قيد الحياة.
‘لعشرة أشهرٍ فقط…..’
خلال تلك الفترة، أخطط لأن أجد طريقةً لأتحرر من مصيري المحدود الأجل.
ورغم أن الأمر يبدو شبه مستحيل إن لم يصدر أمرٌ جديد من النظام، إلا أنني سأبذل كل ما أستطيع.
كنت قد حققت هدفي الأساسي: “العثور على الشخصية الأصلية”، وفوق ذلك، استعدت السوار الذي أعطتني إياه أوديا، لذا لم يعد هناك ما يدعو للقلق في هذا المكان.
كل ما علي فعله الآن هو ألا أُكشَف أمام هاوارد بأني نوكس.
‘بالمناسبة، إلى أين وصلت التحقيقات عني؟’
من ردود فعل هاوارد، يبدو أنه لم يكتشف شيئًا بعد…..
بينما كنت أفكر في ذلك، التفتُّ نحو هاوارد الجالس أمامي. و خلافًا لتوقعي بأنه سيجلس مستقيمًا كعادته،
كان مغمض العينين، مستندًا برأسه إلى الجدار.
هل هو نائم؟
لكن، لم يمضِ وقتٌ طويل منذ ركوبنا العربة.
“هاوارد؟”
ناديتُه بحذر، لكن لم يأتِ أي رد.
يبدو أنه مرهقٌ جدًا. ففي الحقيقة، كانت الأيام الأخيرة مزدحمة فعلًا.
عمل حتى وقت متأخر في المعبد، ثم حضر حفلة بعد عودته من العمل، ثم خرج لمطاردة الوحوش، ثم أنقذني من الغرق في البحيرة، ثم دخل في حرب أعصابٍ مع بروتور، وبعد كل هذا، لم يستطع النوم جيدًا بسبب عادات نومي…..
‘…..توقفِي عن التفكير بذلك.’
هززت رأسي بقوة، إذ بدأت ذكرياتٌ محرجة من الماضي تعود إليّ من جديد.
على أية حال، كنت مدينةً لهاوارد بالكثير هذه المرة. ولذلك، فكرت أنه من الأفضل أن أتركه يرتاح على الأقل حتى نصل إلى قصر الدوق.
‘نعم. سأتركه ينام بهدوء.’
اتخذت قراري، ثم وجهت نظري إلى خارج النافذة. و لو استمرت العربة في السير بسلاسة، لبقيت أراقب المنظر طويلاً.
لكن، يبدو أن العجلة داست على حجر على جانب الطريق، فاهتزت العربة فجأةً وبقوةٍ جعلتني أمد يدي لأمسك بشيء ما كي لا أفقد توازني.
ومع ذلك، لم يفتح هاوارد عينيه. و كان جسده فقط هو من تأرجح قليلاً بسبب الاهتزاز.
كان الأمر غريبًا. فعادةً، كان ليستيقظ فورًا.
“هاوارد؟”
ناديتُه من جديد.
وهذه المرة بصوتٍ عالٍ بما يكفي ليوقظه حتى لو كان نائمًا بعمق. ومع ذلك، لم يتحرك. و لم يستيقظ.
أدركت أن هناك أمرًا غير طبيعي بعدما ناديت اسمه ثلاث مرات أخرى ولم يبدِ أي ردة فعل.
“هاوارد!”
انتهزت لحظة هدوءٍ في حركة العربة، وعبرت بسرعة إلى الجهة المقابلة حيث كان يجلس.
نظرًا لإصابتي في ساقي، لم يكن من الدقيق القول أنني “انتقلت” إلى جانب هاوارد، بل الأصح أنني “انهرت” إلى جانبه.
‘…..أوه، ساقي.’
يبدو أن المشي بشكلٍ طبيعي سيكون مستحيلًا لبعض الوقت.
وضعت يدي على كاحلي الذي بدأ يؤلمني أكثر من قبل،
ثم جلست إلى جانب هاوارد.
وفقط حينها أدركت الحقيقة. لقد كان يتصبب عرقًا باردًا.
‘وجهه شاحبٌ جدًا..…’
بل إن وصفه بالشاحب لا يكفي. فلم يكن هناك أي لون في وجهه.
وسرعان ما تنهد أنينًا مكتومًا من الألم.
هاوارد لم يكن من النوع الذي يُظهر ضعفه أمام الآخرين. وإذا كان هو لا يستطيع احتمال هذا الألم،
فمن المؤكد أن حالته خطيرة للغاية.
‘يبدو تمامًا كما لو كان في نوبة من انفجار القوة المقدسة…..’
لكن لم يكن هذا انفجارًا للقوة المقدسة. فعندما يحدث ذلك، يظهر لديّ دومًا إشعار من النظام،
ولم يظهر شيءٌ هذه المرة.
لا بد أنه بسبب شيء آخر.
‘وإذا كان الألم بهذا المستوى من الشدة، مثل ألم انفجار القوة المقدسة…..’
ارتعش جسدي لا إراديًا عند تلك الفكرة. بسبب احتمال واحد خطير خطر ببالي.
عقوبة خرق إعدادات النظام!
‘كان عليه أن يذهب إلى المعبد هذا الصباح، مهما كلّفه الأمر…..’
ومع ذلك، بقي بجانبي دون أن يغادر حتى استيقظت، بل وكذب قائلاً أنه أنهى كل مهامه جيدًا.
لم يكن من الصعب أن أفهم أن هاوارد فعل ذلك من أجلي. فلم يرغب في إيقاظي بالقوة وأنا لست بخير، كما لم يشأ أن يتركني وحدي في قصر الكونت.
‘لهذا ذهب إلى غرفةٍ أخرى ليغتسل قبل قليل…..’
لأنه إن بقي إلى جانبي، فقد تظهر عليه علامات المرض.
وبمعرفتي بشخصيته، كان واضحًا أنه لا يريد أن أراه على تلك الحالة.
‘….يا له من أحمق.’
لم أكن مستعدة لمثل هذه اللفتة، فشعرت بصداع مفاجئ. صم أخذت نفسًا عميقًا، و مددت يدي وفتحت نافذة العربة.
وأخرجت رأسي من النافذة لأصرخ نحو السائق،
“ارجع فورًا إلى المعبد!”
“عفوًا؟! لكن الدوق أمرني بالتوجه إلى القصر..…”
“هيا بسرعة! القائد لديه أمرٌ عاجل!”
تردد السائق قليلًا، لكن ما إن سمع كلمة “القائد” و”أمر عاجل” حتى بدأ في تدوير العربة بسرعة.
كان من الطبيعي أن يتفاعل بهذا الشكل، فأي أمر عاجل يخص قائد فرسان الهيكل لا بد أن يكون خطيرًا.
أشعر بالأسف لأنه ربما يظن أن الأمر يتعلق بكائن هرطقي أو ملك الشياطين، لكن ما كنت لأقنعه إن لم أقل ذلك.
فرغم أنني أعيش في قصر الدوق تشيلستون كحبيبة لهاوارد، إلا أنني ما زلت غريبة تمامًا بالنسبة لأهل القصر.
حين غيرت العربة وجهتها أخيرًا نحو المعبد، تنفست الصعداء وعُدت إلى الجلوس داخل العربة.
وفي تلك اللحظة تمامًا، شعرت بيدٍ تمسك بمعصمي.
“لا…..تفعلي.”
كانت همسةً ضعيفة ومنخفضة. و لو لم أكن بجانبه تمامًا، لما سمعتها.
فطريًا، أدرت رأسي نحو هاوارد، فتلاقت نظراتي بعينيه الحمراوين المتعبتين، وتابع حديثه بصعوبة وهو يحدق بي.
“قلتُ….أننا سنذهب إلى القصر أولًا..…”
“…..هل ما زال بإمكانكَ قول هذا وأنت تتألم حتى فقدتَ وعيك؟ أنت مريضٌ لأنك لم تذهب إلى المعبد.”
“قلت لكِ…..أنا فقط متعب، هذا كل شيء.”
ابتسم هاوارد ابتسامةً خفيفة، ثم استقام في جلسته.
من الواضح أنه يحاول بكل جهده إخفاء مرضه. لكنني لست غبية، كيف لي أن أصدق ذلك؟ فحتى الآن، وجهه لا يتوقف عن الانقباض من الألم.
“كاذب. هذه المرة، لن أستمع لكَ يا هاوارد.”
“……ريكا.”
تنهد هاوارد بصوتٍ خافت. و يبدو أنه أدرك أنني لا أقول ذلك لمجرد المجاملة.
لكن هاوارد لم يصحح ما قلته للسائق. و لو كان بكامل قوته، لأمره على الفور بتغيير وجهة العربة، وعدم فعله ذلك يعني على الأرجح أنه لم يعد يملك حتى القوة للصراخ.
‘كما توقعت. علينا الوصول إلى المعبد بسرعة.’
“لا، اذهبي إلى القصر.”
وكأنه يرد على أفكاري، قال هاوارد ذلك.
“عليكِ أن تذهبي فورًا لتفحصي كاحلكِ أولًا. كان يجب أن يتم فحصه منذ البارحة، لكنكِ أهملته طويلًا.”
“هل كاحلي أهم الآن؟ وأنتَ..…”
“إنه أهم.”
قاطعني على الفور. لكن هذه المرة، كان صوته أوضح وأشدّ حزمًا من قبل.
“على الأقل، هو أهم بكثيرٍ من حالتي.”
____________________
ياخي يالجنتل انفداك😔
بروتور مجنون معصب ويحسب الدنيا على كيفه واذا شاف ريكا ابتسم كأن ولا شي صار✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 44"