يا إلهي! هل جننتِ!
ألم يكن ذلك مجرد حلم؟
فتحتُ عيني ووجهي مصدوم. و لأنني كنت لا أزال تحت تأثير النوم، لم أتذكّر كل التفاصيل، لكنني تذكّرت على الأقل ما هو أهم. مثل أنني اندفعت إلى أحضان هاوارد.
أنا عادةً لا أحتمل البرد جيدًا، حتى أثناء النوم لا أتحمل البرودة، لكن لم أتوقع أبدًا أن يؤدي ذلك إلى موقفٍ غير معقول كهذا.
…..لا عجب أنني شعرت بالدفء فجأةً في منتصف الليل.
“أنا آسفةٌ حقًا.”
قدّمت اعتذاري بصوتٍ يكاد لا يُسمع. وانحنى رأسي تلقائيًا إلى الأسفل.
لقد تعدّيتُ على حق في النوم، وهو لا يقل أهميةً عن حق الأكل.
حتى لو اعتذرت مئة مرة، فلن يكون كافيًا. خصوصًا أن من قدمت له هذه الإهانة هو الشخص الذي يوفر لي الطعام والمأوى.
“لن أطلب حتى دفع تكاليف العلاج، ولن أقول شيئًا.”
أضفت سريعًا، فضحك هاوارد ضحكةً عريضة.
“لا بأس، كنتُ أمزح فقط.”
وضع يده بخفة على مؤخرة رأسي المنحنية ثم سحبها، وأطلق سعالًا خفيفًا.
فرفعت رأسي بهدوء بعد كلماته.
في الحقيقة، بمجرد أن قلت أنني لن أطلب منه دفع تكاليف العلاج شعرت ببعض الندم.
نعم، فتكاليف العلاج ليست قليلة.
“مع ذلك، يبدو أنني أستطيع الإفلات من تأثير النظام حتى بهذه الطريقة.”
شعرت بالارتياح والسعادة لأن هاوارد قال أنه لا بأس، لكنني تفاجأت قليلًا، فقد كنت أعتقد دائمًا أن العقوبات على خرق الإعدادات ستكون شديدةً للغاية.
يبدو أن النظام مليءٌ بالثغرات أكثر مما ظننت؟
لكن إن كان بهذا المستوى، فلا بد أن هناك سببًا ما يجعل هاوارد يلتزم بالإعدادات بكل هذا الصرامة حتى الآن…..
“إذاً، هل نعود الآن؟”
قطع هاوارد سلسلة أفكاري فجأة.
لكنني لم أشعر بالحاجة إلى الاستمرار في التفكير. فقد أدركت من كلماته أننا مكثنا في قصر الكونت إيتينتيا وقتًا أطول من اللازم.
في الأصل كان من المفترض أن نعود ليلة البارحة. و لو لم يظهر الوحش فجأةً وخرج هاوارد لمطاردته، ولو لم أسقط أنا في البركة، لعدنا بالتأكيد.
‘…..والآن بعد أن فكرت في الأمر، يبدو أن حظي سيء جدًا.’
لماذا تداخلت الأمور في ذلك التوقيت بالذات؟
وبينما كنت أسترجع ما حدث بالأمس وأنا أعض على داخل فمي من شدة الضيق، بدأت مشاعر الانزعاج تتصاعد بداخلي.
“ريكا؟”
ناداني هاوارد عندما لاحظ أنني لم أجب، وكأنه استغرب من صمتي. عندها فقط تذكّرت أنني كنت في وسط حديثٍ معه، فسارعت بهز رأسي موافقة.
“حسنًا. لنعد بسرعة.”
بما أن هاوارد بدا مرهقًا أيضًا، كان من الأفضل أن نغادر هذا المكان بأسرع ما يمكن.
ابتسم ابتسامةً خفيفة على ردي وتراجع إلى الخلف.
“ستأتي الخادمة قريبًا ومعها فستان لتبديله. استحمي، وسنلتقي في الممر.”
قال ذلك وهو يتجه نحو الباب، ثم أضاف،
“سأذهب للاستحمام في غرفةٍ أخرى.”
“في غرفة أخرى؟”
سألته وأنا أميل برأسي قليلًا.
كنت أعتقد بطبيعة الحال أنه سيستحم في حمام هذه الغرفة بعدي. ليس لأنني ظننت أنه مضطرٌ لفعل ذلك، بل لأن سلوكه في الفجر جعل هذا الاستنتاج يبدو منطقيًا.
غريب. حينها كان يتصرف وكأن بقائي وحدي قد يؤدي إلى كارثة في أي لحظة.
“نعم. بهذه الطريقة سنعود بشكل أسرع، أليس كذلك؟”
لكن هاوارد أجاب ببساطة، وكأن تساؤلاتي لا معنى لها. وبتعبيره الهادئ وكأنه لا يوجد ما يدعو للقلق، تلاشت شكوكي بشكلٍ طبيعي.
‘يبدو أنه يريد فقط العودة بسرعة.’
أدرت رأسي قليلًا ونظرت من النافذة. و دخل إلى مجال رؤيتي مشهد النهار الساطع، لدرجة أن ما وراء الزجاج كان واضحًا تمامًا.
لو كان الوقت فجرًا متأخرًا، لكان هناك احتمالٌ لحدوث شيء، أما الآن ففرص حدوث أي طارئ قليلة.
من المؤكد أن هاوارد يعرف ذلك أيضًا.
‘صحيح، لقد كنتُ أبالغ في رد فعلي.’
اطمأن قلبي، وسمحت لهاوارد بالانصراف.
لكن، كان عليّ أن أفكر مرة أخرى في شخصية هاوارد تشيلستون، وفي ملامحه حينها.
***
خرجت أنا وهاوارد بعد أن أنهينا استعداداتنا. و بما أننا أرسلنا الخادمة مسبقًا لتجهز العربة، لم يكن علينا سوى الانتظار بهدوء.
تنهدت بارتياح وأنا واقفةٌ متكئة على ذراع هاوارد.
‘أخيرًا، سأعود إلى قصر الدوق.’
كان هناك بعض النبلاء الآخرين عند البوابة وكأنهم يستعدون للرحيل أيضًا، لذا كنا سننتظر قليلًا حتى نمر عبر المدخل، لكن على أي حال، شعرت أن العودة أصبحت وشيكة.
لولا أن صاحب هذا القصر خرج خلفنا.
“هل أنتما عائدان؟”
كنت على وشك الصعود إلى العربة بمساعدة هاوارد بعد لحظاتٍ من الانتظار، لكنني التفتّ عندما سمعت صوتًا من خلفي.
كان بروتور واقفًا هناك، على بُعدٍ غير بعيد. و انعكست نظرات عينيه الخضراوين بلين وهدوء.
“مؤسفٌ حقًا. كنت أتمنى لو مكثتما قليلًا بعد.”
“…..لستُ شخصًا يملك هذا القدر من الفراغ.”
رد هاوارد وهو يلقي نظرةً جانبية على بروتور. حينها اتسعت عينا بروتور قليلًا، قبل أن يطلق ضحكة خافتة.
و كان وجهه يوحي وكأنه سمع شيئًا مضحكًا للغاية.
“لم أكن أتخيل أن لدى الدوق هذا الجانب. لا بد أنكَ تعرف من الذي أتحدث إليه الآن.”
“لا أفهم ما الذي تعنيه.”
“إن لم تفهم، فسأوضح لكَ بنفسي.”
هز بروتور كتفيه بخفة، ثم بدأ يسير نحونا ببطء. وخلال اقترابه، ظلت عيناه مثبتتين عليّ وحدي.
نظرةٌ واضحة ومباشرة لدرجة أن من حولنا جميعًا لاحظوها.
وعندما وقف أمامي أنا وهاوارد تمامًا،
“أنا معجبٌ الآنسة إيفريت.”
صرّحَ بتصريحٍ صريح للغاية.
ولم أكن الوحيدة التي شعرت بذلك، إذ انطلقت همهمات من المحيطين بنا. و تخللتها بعض الهمسات الخافتة. وكأن الأمر امتداد لما جرى الليلة الماضية.
‘…..لقد تعمّد ذلك وهو يعرف تمامًا ماسيحدث.’
كان واضحًا أنه يعرف تمامًا كيف سيرد الناس على تصريحه.
ورغم أن الأمر كان مزعجًا للغاية، لم يكن أمامي خيارٌ سوى ضبط تعابير وجهي بسبب أنظار المحيطين بنا.
ابتسمت ابتسامةً خفيفة وأجبت،
“شكرًا لك. بالكاد تبادلنا بعض الكلمات، ومع ذلك تنظر إليّ بهذه النظرة الطيبة، إنه لشرفٌ كبير.”
“لا حاجة للكثير من الحديث. فقد علمت منذ اللحظة الأولى. أنا وأنت متوافقان.”
…..ما به هذا الوغد؟ لماذا يتحدث بهذه الطريقة؟
بهذا الشكل، يبدو الأمر وكأن هناك شيئًا حقيقيًا بيننا، في حين أنه مجرد تفاعل عابر بين الشخصية الأصلية وحسابها البديل.
نظرت إلى بروتور بعينين ضيقتين، مستندةً على هاوارد.
وانتقل بصري تلقائيًا إلى وجنته التي صفعتها بالأمس. لكن بشرته البيضاء لم تحمل أي أثرٍ للضربة. ما يعني أن أثر الصفعة اختفى تمامًا.
وبينما كنت أحدق بذلك، تسللت إليّ مشاعر قلق.
أنا واثقة أن السوار لا يزال مع هاوارد، لكن شعورًا غريبًا انتابني بأنني إن بقيت هنا أكثر، فسوف يُنتزع مني.
بروتور وتصرفاته وكأنه يعرفني جيدًا كان يثير استيائي بشدة. فارتجفت يدي المخفية تحت ذيل الفستان، وعضضت شفتي بعنف دون أن أشعر.
وفجأة، سمعت صوتًا منخفضًا بجانب أذني.
“ريكا.”
رفعت رأسي، فوجدت هاوارد قد صرف نظره عن بروتور وكان ينظر إليّ الآن.
وعندما التقت أعيننا، همس لي بصوتٍ خافت.
“لا بأس.”
يبدو أنه أدرك حالتي. ثم شعرت بيده التي كانت تمسك بكتفي تشد برفق دون أن تؤلمني، فأخذت نفسًا عميقًا ببطء.
نعم، علي أن أتماسك.
لا يجب أن أسمح له بقول شيءٍ أسوأ بسبب ردة فعلي هذه. من أجل راحتي وهناء مستقبلي، لا بد من التزام الهدوء.
نظرت إلى بروتور وابتسمت بخفة، ثم بسرعة أدرت رأسي مجددًا نحو هاوارد.
“دعنا نعود الآن، هاوارد.”
كان لا بد من إنهاء هذا الحديث الممل.
“إلى منزلنا.”
انفتحت عيناه الحمراوان على وسعهما، وكأنه لم يتوقع ما قلته.
ربما بالغت قليلًا. فرغم أنني قلتها فقط لأتخلص من هذا الموقف، إلا أنه قد يراها وقاحةً من شخصيتين مزيفتين تدعيان الارتباط.
كنت على وشك التحقق من رد فعله بنظرة سريعة، لكن هاوارد أطلق ضحكةً خافتة وكأن الهواء قد خرج منه، وابتسم بابتسامةً عذبة طوت زوايا عينيه برقة.
“حسنًا.”
وما إن قال ذلك، حتى انحنى بجسده.
ولأني كنت أعرف ما ينوي فعله، وضعت ذراعي حول عنقه بألفة. فابتسم مجددًا، ثم مرر يده خلف ركبتيّ ورفعني بين ذراعيه كما لو كنت أميرة.
نظر هاوارد مباشرةً إلى بروتور.
“إذًا، سننصرف الآن يا كونت.”
استدار هاوارد وهو ما زال يحملني بين ذراعيه، ثم صعد إلى العربة.
جلست في مكاني ونظرت لا شعوريًا خارج باب العربة، فالتقت عيناي بعيني بروتور الذي لا يزال واقفًا هناك.
ملامحه التي كانت متجهمةً من الضيق، سرعان ما تحولت إلى نعومة وهدوء عندما التقت بنظري.
ثم ابتسم لي بلطف،
“سنلتقي قريبًا يا ريكا.”
بصوتٍ منخفض بالكاد يسمعه غيري أنا وهاوارد.
“لأن مصيرنا أن نكون معًا، ولا مفر من ذلك.”
___________________
ها الله ياخذك قبلها يازفت اشغلتنا
هاوارد يجنن يجنناااااااااااان
وريكا تجنن بعد ياحظس بهاوارد يختي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 43"