كان الفجر ساكنًا.
كان وقتًا متأخرًا جدًا، و من الطبيعي أن يكون معظم الناس قد غطّوا في النوم.
في الظروف العادية، كان من المفترض أن يكون هاوارد تشيلستون نائمًا كغيره، لكنه لم يستطع إغلاق عينيه بسهولة.
لم يكن هناك سبب خطير كعادة معاناته من الأرق، أو عودة الصدمة الناتجة عن مآسي الطفولة، أو انفجار القوة المقدسة، أو ظهورٍ مفاجئ لوحش.
لا، سأُصحّح ذلك. بل كان السبب أكثر خطورةً من أي وقتٍ مضى.
على الأقل بالنسبة لهاوارد تشيلستون الآن.
“هاه……”
تنهد هاوارد بعمق.
كان مستلقيًا على السرير محدقًا في السقف. و بجانبه كانت ريكا نائمة.
وبما أن ريكا كانت نائمة، لم يكن هناك داعٍ لأن يبقى في السرير، لكن هاوارد لم يعد إلى الأريكة.
فبعد أن انهزم هزيمةً ساحقة في ما يشبه الشجار مع ريكا واستلقى على السرير، أوصته بشدة. وكأنها تعرف تمامًا ما سيفعله.
“لا تذهب إلى الأريكة فقط لأنني نمت! فهمت؟ لو فعلتَ ذلك، سأنام على الأرض فعلاً.”
قالت ريكا ذلك وهي تتظاهر بالتدحرج عن السرير وعيناها تتوهجان.
كانت تؤكد على كلامها وكأنها جادةٌ تمامًا. لا، بل ريكا كانت حتمًا ستفعل ذلك.
كان هاوارد يعلم أن ريكا ليست من النوع الذي يطلق كلامًا عابرًا عندما يتعلق الأمر بأشياء غريبةٍ كهذه، لذا قرر ألا يفعل شيئًا متهورًا. فإن فعل، فسيواجه مشهدًا مروعًا في الصباح.
تخيل هاوارد ريكا وهي ساقطة على الأرض بجانب السرير، فهزّ رأسه بقوة كأنه يحاول طرد تلك الصورة من ذهنه.
نعم، لا ينبغي له مغادرة السرير. فهو لا يعلم متى قد تستيقظ ريكا.
‘……ما الذي أفعله بحق؟’
تنهد هاوارد مجددًا تنهيدةً طويلة، وهو الذي لم يسبق له أن عانى من الأرق بسبب أمرٍ كهذا.
استدار جسده بشكلٍ طبيعي نحو الجانب. نحو سبب هذا الوضع برمته.
‘أنتِ تنامين جيدًا فعلًا.’
تأمل هاوارد ريكا وهي تغطّ في نومها بهدوء.
ربما كانت منهكةً بشدة، فلم تستيقظ ولا مرة منذ ساعات. و يبدو أنها غرقت في نوم عميق.
لكن هذا لا يعني أنها كانت تتقلب في نومها. بل على العكس، كأنها تفي بوعدها بالنوم بهدوء، فقد بقيت مستلقيةً كما كانت عندما نامت أول مرة.
بشكلٍ مستقيم، دون أن تتجاوز نصف السرير.
“هل تخافُ من أن ألمسكَ بالخطأ؟ إن كان الأمر كذلك، فلا داعي للقلق إطلاقًا! لا توجد لدي أي نيةٍ لفعل شيء كهذا، وسأنام بهدوء قدر الإمكان حتى لا أزعجكَ!”
حتى وهي نائمة، بدا وكأنها شديدة التوتر، حتى أن هاوارد تساءل إن كان جسدها قد تيبّس بهذه الوضعية.
خفض هاوارد بصره قليلًا نحو يد ريكا الموضوعة فوق الغطاء.
كانت يدها البيضاء الصغيرة مضمومةً بإحكام كما لو كانت قد اتخذت قرارًا مصيريًا.
كان وجهها ثابت نحو السقف، ويداها مضمومتان فوق الغطاء، وجبهتها أحيانًا تنكمش كما لو كانت تحلم بشيءٍ ما.
“أوهه. ضربة واحدة فقط بعد..…”
ضحك هاوارد بصوتٍ خافت وهو يراقب كل ذلك.
“بفت…..”
بصراحة، لا يمكن أن يشعر بالملل وهي موجودة.
منذ البداية كانت ذات طبعٍ حيوي يصعب التنبؤ بتصرفاتها، فكيف له أن يشعر بالضجر؟
“……لقد صفعتُه.”
“لا، ربما لأنني ضربته مرةً واحدة فقط، لم أشعر بالرضى.”
ابتسم هاوارد مجددًا وهو يستعيد كلمات ريكا.
لكن هذه المرة، أغلق فمه وكتم ضحكته قدر الإمكان خشية أن تستيقظ.
وسرعان ما تنحنح بخفة ليهدئ ضحكته، ثم نظر نحو ريكا بحذر. فقد بدت وكأنها نائمة بوضعية غير مريحة أبدًا مهما تأمل فيها.
“……كان بإمكانكِ النوم براحة أكثر قليلًا.”
تمتم هاوارد بلا قصد. وفي تلك اللحظة، وكأنها سمعته، أصدرت ريكا أنينًا خافتًا واستدارت بجسدها نحو الجانب.
وبتلك الحركة، اقتربت المسافة بينها وبين هاوارد فجأةً وبشكل كبير.
عندما استعاد وعيه، وجد وجه ريكا قريبًا لدرجة أن أنفهما يكاد يتلامس.
في اللحظة التي تفاجأ فيها هاوارد وحاول التراجع دون وعي، اندفعت ريكا المنكمشة مباشرةً إلى أحضانه.
ثم أسندت رأسها إلى صدره، وفركت خدها به.
“أشعر بالبرد..…”
خرج صوت نومٍ صغير من بين شفتيها الزهريتين.
ارتجف هاوارد وهو يمسك بكتفيها محاولًا إبعادها عنه. و تجمدت كل حركته في تلك اللحظة.
…..تشعر بالبرد؟
حرّك هاوارد عينيه قليلًا نحو المدفأة.
لقد مر بعض الوقت منذ أن اشتعلت، لذا أصبحت حرارة الغرفة الآن أكثر بكثيرٍ مما كانت عليه عند دخولهما.
لكنها مريضة. و كاحلها مصاب، وكادت أن تغرق في البركة اليوم. بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت هوية الشخصية الأصلية التي كانت تبحث عنها، بل وتعرضت للتهديد منه.
من الغريب ألا تنهار بعد كل هذا. و ربما أُصيبت بالزكام.
الآن بعد أن فكر في الأمر، بدا وكأن جسدها ينبعث منه بعض الحرارة. أو ربما كانت حرارة جسده هو.
‘آه، لا أدري.’
شعر وكأن قدرته على اتخاذ القرار بدأت تضعف. فكتم هاوارد تنهيدةً كادت تفلت منه، وألقى نظرةً خاطفة إلى ريكا التي كانت تدفن وجهها في حضنه.
ربما لأن جسدها أصبح دافئًا قليلًا من حرارة جسده، بدا على وجهها رضا كبير. بل بدت سعيدة. أما هاوارد، فقد جفّ فمه تمامًا.
…..قالت أنها ستنام دون أن تزعجه قدر الإمكان.
‘كاذبة.’
لم يزدد انزعاجه فقط، بل طار عنه النوم تمامًا.
ماذا قال لها قبل قليل؟
“…..يمكنكِ النوم براحة قليلًا إن أردتِ.”
يجب عليه تصحيح كلامه. فلم يكن الأمر مريحًا على الإطلاق.
كان يشعر بالقلق من قولها أنها تشعر بالبرد، كما أنه لم يرغب في لمس جسدٍ نائم بلا مبالاة، لذا اختار في النهاية أن يبقى متجمدًا في مكانه.
بينما أذناه تكادان تحترقان من شدة الحرارة.
‘سأجن.’
ولزيادة الطين بلّة، بدا أن ريكا أُعجبت بالوضعية الجديدة، فلم تتحرك حتى سطع ضوء النهار من خلف النافذة.
وبفضل ذلك، اضطر هاوارد أن يظل مستيقظًا طوال الليل بعينين مفتوحتين. قلقًا من أن يُسمع صوت دقات قلبه المتسارعة.
***
استيقظتُ عندما شارف وقت الغداء. و عندما تحققت من الوقت، صُدمت لدرجة أنني نسيت إصابة كاحلي، ونهضت بسرعة من السرير، ففقدت توازني وسقطت للأمام.
لو لم يسرع هاوارد ويمسكني، لتحطم أنفي على الفور.
“يجب أن تكوني حذرة.”
قال هاوارد ذلك وهو يُجلسني على السرير بلطفٍ وكأنه يعاتبني.
‘نعم، أعلم. كان تصرفًا طائشًا.’
لكن كان لدي سبب جعلني أتصرف هكذا. ليس فقط لأنني نمت أكثر من المعتاد.
‘لماذا هاوارد هنا في هذا الوقت؟’
الآن وقت الغداء. أو بدقة أكثر، كانت الساعة قرابة الواحدة ظهرًا. وهذا يعني أن هاوارد من المفترض أن يكون قد ذهب إلى المعبد، وأكمل عمله الصباحي هناك.
لكن، من الواضح تمامًا أنه لم يخرج من الغرفة اليوم. فملابسه لا تزال نفسها التي ارتداها في الفجر.
‘لكن إن كان كذلك، فلا بد أن يتعرض لعقوبة خرق الإعدادات، أليس كذلك؟’
مثل الألم الذي يشعر به عندما تفلت منه القوة المقدسة.
لهذا السبب في بداية علاقتنا المزيفة، كنا لا نخرج في مواعيد إلا ليلًا، عندما يستطيع هاوارد التحرك بحرية.
رفعت نظري إليه وأنا جالسةٌ على السرير، أنظر إليه بريبة، ويبدو أنه فهم ما أفكر فيه، فتحدث.
“لا تقلقي، يمكنني الذهاب إلى المعبد بعد قليل. لقد أنهيت عملي جيدًا مسبقًا. سأوصلكِ إلى قصر الدوق أولًا، ثم أذهب.”
“هل أنتَ متأكدٌ من أنه لا بأس؟”
“بالطبع.”
لكن وجه هاوارد وهو يومئ برأسه لم يكن يبدو بخير. بدا وكأنه مريضٌ أو متألم.
نظرت إليه بقلق وأنا أتمعن في وجهه الشاحب وسألته،
“أنت لا تكذب، صحيح؟ وجهكَ لا يبدو جيدًا.”
“ولمَ أكذب؟ وجهي يبدو هكذا فقط لأنني متعب. كان هناك الكثير من العمل أمس. ثم…..”
انحنى هاوارد نحوي قليلًا. و اقتربت شفتاه من أذني.
“لأنكِ لم تلتزمي بوعدكِ بالنوم بهدوء، فلم أستطع النوم جيدًا.”
“…..نعم؟”
أملتُ رأسي بتعجب من كلماته غير المتوقعة.
لكن…..لم أكن أتحرك كثيرًا أثناء النوم، أليس كذلك؟
لم أسمع شيئًا كهذا من أوديا أو آنا من قبل.
“هل…..هل كنتُ أشخر؟ أو ربما أصرّ على أسناني؟”
سألت بخجل وحرج شديد.
من الصحيح أنني لا أتحرك كثيرًا أثناء النوم، لكن كما قال هاوارد، كانت هناك الكثير من الأحداث بالأمس، لذا بدأت أفكر أنه ربما حصل شيء دون أن أشعر.
لكن هاوارد لم يعطني إجابةً واضحة.
“من يدري.”
وهذا ما زاد من قلقي أكثر.
من تعابير وجهه، لا يبدو أن الأمر يتعلق بمشكلةٍ عادية كما ذكر.
إذاً ماذا؟ ما الذي فعلته في الليلة السابقة؟
‘عادات النوم…..عادات النوم..…’
أغمضت عيني وأخذت أفكر بجدية، وفجأة ومضة ذكرى مرت في ذهني.
“أشعر بالبرد…..”
تلك الذكرى كانت حيةً وواضحة، وكأنها حدثت قبل ساعاتٍ فقط.
___________________
ياعمري ياهاوارد😭😭😭😭
واضح من بيوقع اول ضحكتت
المهم اشوا بروتور ماحا واشغلنا يقول تعالي افطري معي ياروحي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 42"