“هاوارد؟”
ناديتُه بحذر. عندها توجهت إليّ عيناه الحمراوان المتذبذبتان بلا وِجهة. بدا وكأنه يفكر في شيء للحظة، ثم تنحنح.
“كحم. نعم، لهذا فعلتُ ذلك. وإلا لكان الجميع سيفهم الأمور بشكلٍ خاطئ. لا أعلم إن كان ذلك مجرد وهم مني، لكن بدا أن الكونت إيتينتيا يرحب بذلك الالتباس.”
‘كما توقعت.’
أجبت وأنا أومئ برأسي بخفة.
“ربما توقعكَ كان صحيحاً. لقد طلب مني أن أكون حبيبته.”
“ماذا؟”
ارتفع صوت هاوارد بدرجة. و عيناه عادت للاهتزاز كما لو أنه لم يهدأ من قبل. فقد بدا مصدوماً من الحديث المفاجئ.
‘آه، لقد بدأت الحكاية من المنتصف.’
كان يجب أن أبدأ بكون بروتور إيتينتيا هو الشخصية الأصلية. صحيحٌ أن هاوارد يبدو وكأنه يعرف مسبقاً، لكن سماع الأمر من الشخص المعني يختلف.
شرحت له بهدوء ما حدث بيني وبين بروتور.
عندما أخبرته أن بروتور هو الشخصية الأصلية، بدا على هاوارد أنه كان يتوقع ذلك، لكن عندما اعترفت بكشف “العلاقة المزيفة”، ارتبك قليلاً، وفي النهاية، عندما أخبرته أنني تعرضت للتهديد بواسطة السوار، تجهم وجهه.
ثم سأل بوجهٍ بدا عليه قليلٌ من الظُلمة.
“إذاً، وماذا قلتِ بعد ذلك؟”
“لم يكن هناك ما يُقال تحديداً……”
ترددتُ قليلاً ثم تابعتُ الكلام بخجل.
“……صفعته على وجهه.”
“……كح كح.”
هاوارد، الذي كان يستمع بجدية، أخذ يسعل فجأةً وكأن شيئاً دخل حلقه.
يبدو أنه تفاجأ كثيراً بتصرفي. و على الأرجح، صفعهٌ في تلك اللحظة لم يكن التصرف الأمثل.
وإن كنت لا أشعر بأي ندمٍ حيالها.
“لماذا فعلتِ ذلك؟ كان من الأفضل لو لم تفعلي.”
تنهد هاوارد بصوتٍ منخفض. ثم بدا وكأنه أدرك وجود مشكلةٍ في ما قاله، فسارع لتصحيح كلامه.
“أعني، ليس قصدي أن تصرفكِ بضرب الكونت كان خاطئاً……لكن إن قمتِ باستفزازه، فقد يُعرضك ذلك للخطر……”
“أفهم ما تعنيه.”
لم يكن حكم هاوارد خاطئاً. ففي الواقع، كان بروتور إيتينتيا يبدو خطيراً.
“لكن في الأساس، هذا هو سبب قدومي إلى أوفلين. الانتقام من الشخصية الأصلية. والآن أخيراً وجدته، إنه أمام عيني، فكيف يمكنني كبح نفسي؟”
“وهل شعرتِ بالراحة بعد ذلك؟”
“لا. ربما لأنني ضربته مرةً واحدة فقط، لذلك لا زلت لا أشعر بالرضا.”
“….…”
“آه، كان يجب أن أضربه خمس مراتٍ على الأقل. لم أكن أتصور أن الضرب يحتاج إلى كل هذا الجهد. يبدو أنني بحاجةٍ إلى ممارسة بعض التمارين. أشعر بندمٍ شديد.”
وعندما بدأت أدفع قبضتيّ إلى الأمام كأنني أمارس الملاكمة، تنهد هاوارد وهو يضحك وكأن الهواء قد خرج منه.
“أنتِ فعلاً تقومين بأشياء غير متوقعةٍ كثيراً.”
“أسمع ذلك كثيراً.”
“ألستِ قلقة؟ مما حدث اليوم، قد يحمل الكونت مشاعر كراهيةٍ تجاهكِ.”
“همم، لا بد أنه يكرهني الآن، أليس كذلك؟ فقد صفعتُه، وأخبرته أنني أحب رجلاً آخر، وقلت له أنه لا توجد أي فرصةٍ لأن نكون معاً.”
“رجلٌ آخر؟”
مال هاوارد برأسه مستغرباً. فأشرت إليه بإصبعي السبابة.
“أنتَ، هاوارد.”
“……أنا؟”
“نعم. لأنني حالياً حبيبة هاوارد.”
“….…”
“عند التفكير في الأمر، من الغريب فعلاً أن أصبح فجأةً حبيبة الكونت إيتينتيا بينما أنا معروفةٌ بالفعل كحبيبة الدوق تشيلستون.”
“….…”
“هذا غير منطقيٍ تماماً. هل كان ينوي أن يظهرني وكأنني امرأةٌ خائنة؟”
لسببٍ ما، بقي هاوارد صامتاً. بينما تابعتُ حديثي بنبرة مرحة دون أن أولي صمته اهتماماً.
“لذا، لا يهم إن كرهني. كل ما يهمني هو أن أبدو جيدةً في نظر هاوارد.”
“كحم. هذا صحيح.”
رفع هاوارد يده ليغطي فمه.
……ما هذا؟ بدا وكأنه يبتسم، أم أنني أتخيل؟
حين كنت على وشك قول شيءٍ بسبب تعبيره الغريب، لفت نظري عنقه. وتحديداً، ياقة قميصه التي أصبحت مبللة تماماً.
هل هذا الشخص جاد؟
هذا ليس وقت الحديث عن بروتور.
“هاوارد، أين المنشفة؟”
نظرت حولي وسألت.
عندما خرجت من الحمّام، كانت المنشفة موجودة، لكن الآن لا أراها، لا أعلم أين وضعتها. فشعرت فجأة بتوترٍ غريب.
لكن هاوارد، وكأنه غير مبالٍ، لم يرد على سؤالي بل طرح سؤالاً غريباً تماماً.
“ريكا، لو لم يكن الناس يظنون أننا على علاقة……هل كنتِ ستقبلين عرض الكونت؟”
يا هذا، أنا أسألكَ عن المنشفة.
ورؤية قطرات الماء لا تزال تتساقط من أطراف شعره كانت تخنقني. فملابسه ستبتل بالكامل فعلاً.
‘ماذا لو أصيب بالبرد بسبب هذا؟’
أنا بالفعل مشغولةُ البال لأنه دخل البركة لينقذني، ولا أستطيع تركه هكذا.
ترددت لوهلة، ثم غيّرت وضعيتي بحذر حتى لا أؤلم كاحلي، وجثوتُ على ركبتي. بعد ذلك التقطت المنشفة الموضوعة بجانبي ومددت يدي نحو هاوارد.
ولأن المسافة بيننا كانت قريبةً منذ البداية، لم يكن من الصعب أن أصل إلى شعره رغم إصابتي.
شط شط—
صوت المنشفة وهي تمس شعره سُمع بوضوح.
“هذه منشفةٌ نظيفة، لا تقلق. شعري كان قد جف تقريباً، لكنني أخذتها معي احتياطاً.”
“……كان يمكنني أن أفعل ذلك بنفسي.”
“أعلم. لكنني لم أحتمل رؤيتكَ هكذا.”
عندما شعرتُ أنني قد أفرطت في الأمر قليلاً، هممت بسحب يدي التي تمسك بالمنشفة، لكن فجأة أمسك هاوارد بمعصمي.
“……لا، من الأفضل أن تكملي هكذا.”
أملت رأسي باستغراب، فأضاف هاوارد سريعاً،
“عند التفكير، قد يكون أحد رجال الكونت يراقبنا من مكانٍ ما. علينا أن نبدو كحبيبين قدر الإمكان. ويبدو أن الكونت لم يقتنع تماماً بعد بأن علاقتنا مزيفة.”
“آه.”
تنهدت بخفة وأومأت برأسي.
صحيح، فأنا بالفعل تصرفت وكأنني أجهل الأمر أمام بروتور طوال الوقت. لذا من المنطقي أن نواصل التمثيل.
وكان من شروط عقدي مع هاوارد أن أبذل جهدي لأبدو كحبيبته أمام الآخرين.
‘حسناً، طالما أننا بدأنا، فلنفعلها بإتقان.”
سأزيل كل آثار البلل.
بهذه النية بدأتُ بتحريك يدي بنشاطٍ أكبر. ويبدو أن هاوارد شعر بعزيمتي، فابتسم بخفة ،
“بالمناسبة، ريكا، لم تجيبي على سؤالي بعد.”
“آه، صحيح. ماذا كنتَ تقول؟”
“قلتُ، لو لم يعرف الناس أننا على علاقة، هل كنتِ ستقبلين عرض الكونت؟”
أجبتُ بينما واصلتُ تحريك يدي. و كان سؤالاً لا يحتاج إلى تفكير.
“لا.”
“لأنكِ تكرهين الشخصية الأصلية؟”
“هذا جزءٌ من السبب، لكن……ببساطة، يعجبني البقاء في قصر الدوق.”
“لماذا؟”
سألني هاوارد وهو يحدّق إليّ ووجهه لا يزال ملفوفاً بالمنشفة. بينما بدت عيناه الحمراوان أكثر احمراراً من المعتاد.
همم……لماذا يعجبني البقاء في قصر الدوق؟ الأمر واضحٌ جداً، أليس كذلك؟
“لأنني أتقاضى المال من هاوارد. وتعلمت منذ زمن أن من يدفع المال هو شخصٌ جيد.”
“من الذي علّمكِ شيئاً كهذا بالضبط……؟”
تمتم هاوارد وقد بدا مذهولاً تماماً. فلم أتمالك نفسي من الضحك الخافت، إذ كانت تلك أول مرة أرى وجهه بهذا الشكل.
لكن بعد لحظة من الصمت، سألني بنبرة جادةى
“……ريكا، لا يمكن، طوال هذا الوقت هل كنتِ تتبعين أي شخصٍ يعرض عليكِ المال؟”
“لا تقلق.”
أجبت بابتسامةٍ خفيفة ونفيت.
“لم يعرض عليّ أحدٌ حتى الآن مبلغاً يجعلني أرغب في ذلك.”
عندها اتخذ وجه هاوارد تعبيراً يصعب وصفه. ونظراً لتلك الملامح المتجهمة، ضحكتُ مجدداً في داخلي.
آه، هذا ممتعٌ حقاً.
“على أي حال، لم يعد هناك ما يدعو لرؤيته مجدداً. لا أريد حتى الانتقام منه مرة أخرى، وقد وجدت السوار أيضاً.”
“آه، السوار.”
قال هاوارد ذلك وكأنه تذكّره للتو، وبدأ يفتش في جيبه.
“كنت سأتحدث عن ذلك بالفعل. عندما نظرت إليه مرة أخرى……”
تردد قليلاً بوجهٍ حائر، ثم تنهد بهدوء ومدّ يده إليّ. وبشكل أدق، مدّ لي بقايا السوار.
“……لقد أصبح هكذا.”
قال ذلك وهو يضع السوار المحطّم في راحة يده. فتوقفتُ عن تجفيف شعره، وحدّقت في يده بصمت.
السوار، الذي بدا سليماً تماماً حين كان مع بروتور، أصبح مقطوعاً في عدة أماكن.
الحجر الأزرق المهم لا يزال موجوداً، لكن الزخرفة التي تحمل الحروف الأولى اختفت، وبعض الأحجار الأخرى أيضاً فُقدت.
‘متى حدث هذا……؟’
حين حاولت تذكّر الأمر، تجمدت فجأة.
لم يكن من الصعب معرفة متى تحطّم السوار. فلم يكن هناك سوى موقفٍ واحد كان من الممكن أن يتسبب بذلك.
تلك اللحظة.
“إذاً، أعطني إياه. إنه لي.”
حين انتزعته بالقوة من يد بروتور.
____________________
يعني بقايا السوار مع الزفت
هاوارد واضح مستانس على تنشيف شعره وراح يحط اي عذر😭🤏🏻
اصلا قدهو مستانس من اجابات ريكا يضحكون يجنوووووون
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 39"