بعد قليل، وصلت الخادمة إلى الغرفة.
ولحسن الحظ، كنت قد خلعت ملابسي تمامًا ولففت نفسي بالبطانية، لذا تمكنت من تفادي موقفٍ محرج قد يجعل الخادمة تنظر إليّ بغرابة.
وعندما سألتني الخادمة لماذا أنا على هذه الحال، تبرع هاوارد بالرد بدلًا عني قائلًا أن الطقس بارد وإنه خاف أن أُصاب بالبرد إن بقيتُ بملابس مبتلة.
لم تكن كذبةً تمامًا. فقد كنت أشعر فعلًا بقليل من القشعريرة في جسدي.
‘الآن وأنا أفكر في الأمر، هاوارد أيضًا ابتلّ بالكامل أثناء إنقاذي.’
ترى، ألا يشعر بالبرد؟ لا أريده أن يصاب بالبرد بسببي.
وبينما كنت أتلقى دعم الخادمة وأمشي، نظرت خلسةً نحو هاوارد، ويبدو أنه فهِم نظرتي بطريقته، ففتح فمه بسرعة ليطمئنني.
“سأنتظركِ هنا، فلا تقلقي، اذهبي واغتسلي براحتكِ.”
“هاه؟ وماذا عنكَ يا هاوارد؟”
“أنا يمكنني الاستحمام لاحقًا.”
رفع هاوارد زاوية شفتيه بابتسامةٍ خفيفة. فتوقفت لوهلة بينما كنت أمشي بمساعدة الخادمة، وألقيت نظرة بطيئةً عليه.
بسبب دخوله إلى البركة، كانت ملابسه لا تزال مبللةً تمامًا. وكذلك شعره.
كان واضحًا أنه صفّف شعره بعناية قبل الحفلة، لكنه الآن انساب إلى الأسفل وقد فقد شكله.
بالطبع، وبما أن شكله جذابٌ من الأساس، حتى بهذا المظهر كان يبدو مناسبًا له……
“ملابسكَ مبللة تمامًا، ألا تشعر بالانزعاج؟ وإن بقيتَ هكذا، ستصاب بالبرد. أثناء استحمامي، لماذا لا تذهب إلى غرفة أخرى لتغتسل أنتَ أيضًا-”
“هذا لا يمكن.”
قطع هاوارد كلامي على الفور.
كنت على وشك سؤاله عن السبب، لكنني صمت عندما سمعت رده التالي.
“من يدري ما الذي قد يحدث مرةً أخرى إن تركت المكان. هذا ليس قصر الدوق، لذا علينا أن نكون حذرين.”
“…….”
“بسبب أنني لم أكن بجانبكِ طوال الوقت، سقطتِ في البركة وتعرضتِ لإصابةٍ في ساقكِ.”
صوته الذي تبِع ذلك بدا منخفضًا جدًا. ووجهه أيضًا بدا مظلمًا. وكأنه يرى أن كل ما حدث كان خطأه، ويجب عليه بأي طريقة أن يعوّض عن ذلك.
‘لكن هذا ليس خطأ هاوارد.’
السقوط في البركة، والإصابة في الساق، كل ذلك كان نتيجة محاولتي الهرب من بروتور، أليس كذلك؟
لقد حدث كل شيءٍ بإرادتي الكاملة، ولم يكن هناك أحدٌ ألومه. وإن كان لا بد من تحديد المسؤول، فهو بروتور وليس هاوارد.
“ولكن……”
نظرت مرةً أخرى إلى هاوارد. وللأسف، لم يبدو عليه أي نية للتحرك من مكانه.
عناده في مثل هذه الأمور……لا أدري كيف أصفه. هل علي أن أقول أن هذا تمامًا ما يميز هاوارد تشيلستون؟
‘صحيح، لو شعر بأنني في خطر، و حتى لو كان في منتصف الاستحمام، لكان خرج مسرعًا نحوي.’
لا مفر إذًا.
تنهدت بخفةٍ وتوقفت عن محاولة إقناعه. فالأفضل الآن هو أن أستحم بسرعة وأعود، فهذا سيكون أفضل ما يمكنني فعله لأجله.
“سأغتسل وأعود بسرعة.”
أومأ هاوارد برأسه قليلًا. و كان على شفتيه ابتسامة، لكن من السهل ملاحظة أنه لا يزال يراقب محيطه بحذر.
‘……في هذه المرحلة، يمكنني القول إن هاوارد قد أدرك الأمر هو أيضًا.’
أن بروتور إيتينتيا هو الشخصية الأصلية.
فقد سقطت من الشرفة أثناء مواجهتي مع بروتور، واستعدت السوار الذي كان قد سُلب مني من قبل الشخصية الأصلية……لذا من غير المستغرب أن يكون قد استنتج الأمر بذكاء.
‘يبدو أن عليّ التحدث إليه عن الأمر قبل النوم.’
نظرت إلى هاوارد بقلق، ثم دخلت إلى الحمام بمساعدة الخادمة.
يبدو أنني سأحتاج إلى بعض الوقت قبل أن أتمكن من النوم.
***
خرج هاوارد من الحمام بعد الساعة الواحدة بقليل. بمعنى آخر، بعد وقتٍ قصير من خروجي أنا.
سرعة خروجه المفاجئة لم تفاجئني أنا فقط، بل أربكت الخادمة التي كانت قد قررت البقاء حتى يخرج هاوارد أيضًا.
ولها كل الحق، فقد كان من الواضح أنه خرج على عجل، إذ كانت قطرات الماء لا تزال تتساقط من شعره الأشقر، وكأنه لم يجد وقتًا حتى لتجفيفه.
شخصٌ كهذا، لم يكن غريبًا أن يوصيني قبل دخولي الحمام بأن أصرخ بأعلى صوتي إن حصل شيء.
‘إنه قلقٌ إلى درجة لا توصف.’
لكن الآن، هناك خادمة معي، والضيوف الآخرون أيضًا يقيمون في الغرف المجاورة، لذا لا بأس.
وفوق ذلك، جميع هؤلاء الضيوف حضروا الحفلة اليوم، ثم قرروا المبيت هنا بسبب تأخر الوقت. أي أنهم جميعًا شهدوا ما حدث بيني وبين هاوارد وبروتور.
ومهما كان بروتور شخصًا بلا خجل يحاول سرقة من يرتبط بعلاقةٍ رسمية، فلن يُقدم على تصرف متهور في مثل هذا الظرف……على الأقل أرجو ذلك.
تنهدت بخفة، ونظرت إلى هاوارد الذي بدّل ملابسه إلى ملابس مريحة كما فعلتُ أنا.
لم تكن ملابس نوم، بل ملابس أحضرناها احتياطًا لأن الحفلة قد تنتهي في وقتٍ متأخر.
ملابسي كانت فستانًا أبيض بسيط التصميم، أما ملابس هاوارد فكانت قميصًا أبيض وسروالًا أسود طويلًا.
‘……بسبب شعره، لقد تبَلّلت ياقة القميص تمامًا.’
بهذا الشكل، تبديل الملابس يكاد لا يكون له فائدة.
وبعد أن خرجت الخادمة من الغرفة قائلةً إنها ستنصرف الآن بما أن هاوارد خرج، ألقيتُ نظرةً أخرى عليه.
كنت أنوي أن أبدأ بالتوبيخ مباشرة، لكنه فتح فمه قبلي وتحدث أولًا.
“هل حدث أي شيءٌ أثناء وجودي في الحمام؟”
“كما ترى، لم يحدث شيء على الإطلاق.”
رفعت كتفي بخفة وأنا جالسة وسط السرير، وعندها فقط ارتسمت على وجه هاوارد علامات ارتياحٍ واضحة.
يبدو حقًا أنه كان قلقًا للغاية.
“وأنتَ؟ كنت قد قلت أنكَ ستذهب مع نائب القائد للتعامل مع وحش ما، هل انتهى الأمر بخير؟”
“نعم، بفضل التعامل السريع لم تحدث أية مشاكل كبيرة.”
“هذا مطمئن.”
رغم أنني غيّرت الموضوع، فإن ملامح هاوارد لم تزل عنها الجدية.
لا أدري لماذا يصرّ على التصرف وكأن ما حدث كان بسببه، مع أنه لم يكن مخطئًا في شيء.
“أنتَ تلوم نفسكَ بلا سببٍ واضح.’
ترددت للحظة، ثم فتحت فمي،
“هاوارد، أنا بخير.”
لم أرد أن أزيد هموم شخصٍ متعب أصلًا. فمنذ الصباح وحتى المساء كان يعمل في المعبد، ثم ذهب مباشرة لحضور الحفلة.
وفوق كل ذلك، خرج في منتصف الحفلة للتعامل مع وحش، ثم عاد وألقى بنفسه في البركة بسببي.
جدول مزدحم ومُرهق لمجرد تخيله. لو كنت مكانه، لكنت فقدت وعيي قبل أن أفكر حتى في الاستحمام.
“صحيح أنني سقطت في البركة، لكنني خرجتُ منها بسلام بفضل إنقاذكَ، أليس كذلك؟ لا يوجد ما يدعو للقلق.”
تعمدت أن أقول ذلك بنبرةٍ مفعمة بالحيوية، لكن هاوارد لم ينظر إلى وجهي، بل كان ينظر إلى مكانٍ آخر.
اتّبعت نظراته بخفض رأسي، وسرعان ما انتفض جسدي بخفة. فما كان يحدّق به لم يكن سوى كاحلي.
“……وتقولين بأنكِ بخير.”
تنهد هاوارد بعمق.
وهو جالس على طرف السرير، راح يتفحص كاحلي الذي بدأ يتغير لونه من أثر الرضّة.
كان حاجباه معقودين قليلًا، وبالنظر إلى وجهه، لوهلةٍ شعرت وكأن المصاب هو هو، وليس أنا.
“ألا يؤلمكِ؟”
“ما دمت لا أحرّكه، يمكنني تحمّله. لا أعرف حتى الآن ما الذي ارتطم به، لكن يبدو أن الصدمة لم تكن قوية جدًا. فالكدمة ليست كبيرة، لذا لا تقلق، ستشفى بسرعة.”
“كلامكِ دائمًا……حقًا……”
كان هاوارد على وشك أن يقول شيئًا، لكنه هز رأسه وكأنه عدل عن الفكرة. بل بدا وكأن القلق في عينيه ازداد عن ذي قبل.
لكنني لا يمكنني التذمر من الألم في مثل هذا الوضع. ولا أرغب بتلقي العلاج من طبيب عائلة إيتينتيا، فالأمر سيكون مزعجًا.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن استدعاء طبيب دوقية تشيلستون إلى هذا المكان الآن، فهذا ليس عمله.
ولأن هاوارد يعلم هذا جيدًا، فهو لا يفتح الموضوع من الأساس، على الأرجح. و ربما حين نعود إلى قصر الدوق صباحًا، سأتلقى العلاج حينها.
على أي حال، لا بد من التحقق أيضًا من سبب ذلك الألم الشديد في الرأس، لذا هذا سيكون مناسبًا.
‘لذا، لا داعي لأن تشعر بالذنب.’
“هاوارد، شكرًا على ما فعلته في وقتٍ سابق.”
“على ماذا؟”
“على إنقاذي من السقوط في البركة، وعلى حملي إلى هنا، وأيضًا……”
استحضرت ما أتذكره قبل أن أغفو وأضفت،
“وعلى قبلة الجبهة.”
“……ماذا؟”
بدت على هاوارد ملامح ارتباكٍ نادرة. بدا وكأنه شخص كُشف عنه أمرٌ كان عليه ألّا يُكشف.
“هل……كنتِ مستيقظةً حينها؟”
……ما به؟
أجبت وأنا أميل برأسي قليلاً باستغراب،
“نعم. لم أكن في كامل وعيي طبعًا، فقد كنت على وشك النوم، لكنها كانت آخر لحظةٍ أتذكرها.”
“…….”
“على أية حال، أتذكّر الوضع عمومًا. الناس كانوا يشكّون في الموقف لأنني كنت وحدي مع الكونت إيتينتيا، أليس كذلك؟ ظنّوا أن بيني وبينه علاقة ما، وأنتَ أردت مساعدتي لتجنّب سوء الفهم، لذلك فعلت ما فعلت، أليس كذلك؟”
“…….”
“حسنًا، لو لم يكن لذلك السبب، لما كان هناك دافعٌ آخر لفعل ذلك.”
لمّا لم أتلقّ أي رد، فأعَدْت السؤال مستغربة، ومع ذلك لم يُبدِ هاوارد أي ردة فعل.
ومع طول الصمت، بدأ شعورٌ غريب يتسلل إليّ.
مهلًا……ما الأمر؟ هل يمكن أن……يكون هناك سببٌ آخر؟
____________________
انكشفت غيرته بالغلط هاهاهاهاهاهااهاهاهاعااهاها
ريكا يختي زوجس شعره مبلول امسحيه له وربتي على راسه بالمره🤏🏻
المهم اذا لقيتوا غابه خضرا اكثر من هاوارد علموني
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 38"