“……ماذا؟”
اتّسعت عيناي بدهشة.
ما الذي سمعته للتو؟ ماذا، ماذا يريدني أن أخلع؟
“ماذا قلتَ؟”
تظاهرت بأنني لم أسمع شيئًا. لأن الطلب كان غير معقول لدرجة جعلتني أظن أنني ربما سمعت خطأ.
لم يكن أي شخصٍ عادي، بل هاوارد تشيلستون هو من قال ذلك. أليس هذا انهيارًا لشخصيته؟
لكن هاوارد حطّم توقعاتي على الفور.
“قلت لكِ، اخلعي تلكَ الملابس.”
“تطلب مني أن أخلعها؟”
سألت بدهشة، وقد تجمّدت ملامحي.
بما أن هاوارد هو من قال ذلك، ظننت أن هناك سببًا آخر، لكن كلما فكرت بالأمر، لم يسر تفكيري سوى في اتجاهٍ واحد……
هل أنا منحرفة إلى هذه الدرجة؟ لا، أليس هذا موقفًا يمكن لأي أحد أن يسيء فهمه؟
“ولماذا؟”
سألت أخيرًا بحذر، ففتح هاوارد فمه ليرد. و على عكسي تمامًا، بدا وجهه وكأنه لا يرى في الأمر أي مشكلة.
“لقد سقطتِ في البركة ثم خرجتِ منها، لذا يجب أن تغتسلي أولًا. لكنكِ مصابةٌ في ساقكِ الآن ولا تستطيعين الاغتسال بمفردكِ، أليس كذلك؟”
“…….”
“يجب أن يساعدكِ أحدهم في الاستحمام، لكن إن بقيتِ مرتديةً لتلك الملابس، ألن يكون الوضع غريبًا بعض الشيء؟”
……أشعر أن كلامه يزداد غرابة شيئًا فشيئًا.
‘يريد مساعدتي في الاستحمام؟’
حتى لو كان كذلك، أليس هذا مبالغًا فيه؟
شعرت بحرارةٍ تتصاعد إلى وجنتيّ، فبدأت أهوي بيدي بسرعة وكأنني أروّح عن نفسي.
لمجرد تخيل الأمر شعرت أن رأسي سينفجر.
“أنا بخـ، بخير! أستطيع فعلها لوحدي!”
“لا داعي لأن تتكبّدي عناء ذلك. أنتِ متعبةٌ ويجب أن تغتسلي بسرعة ثم تستريحي.”
“لم أصب في يدي، فقط سأجلس وأغتسل، هذا كل شيء!”
“الآن فقط شعرتِ بالحرج؟ لو كنتِ ستنزعجين، لقلتِ ذلك من البداية. لم أتوقع أنكِ ستأخذين الأمر على هذا النحو.”
ماذا لم تتوقع؟ أنا من لا أفهم لماذا تتصرف هكذا.
صرخة حبيسة كادت تخرج من حلقي، لكنني كتمتها.
“صحيح أنني قد أظهرت لك أسوأ حالاتي سابقًا، لكن ليس إلى هذا الحد! هذا غير معقول!”
ارتبكت لدرجة أنني لم أعد أعرف أين أنظر. وفي النهاية، ركّزت بصري على مقدمة حذائه.
عندها جثا هاوارد على إحدى ركبتيه أمامي محاولًا النظر في عينيّ.
دون أن أتمكن من تفاديه، التقت نظراتنا من مسافةٍ قريبة جدًا.
“إن لم تكوني مرتاحة، فلن أُجبركِ طبعًا، لكن هل ستكونين بخيرٍ فعلًا؟ سيبدو الأمر غريبًا بالتأكيد.”
فجأة، تذكرت ما قاله بروتور ذات مرة. ذلك السبب الحاسم الذي جعله يدرك أنني وهاوارد لسنا حبيبين حقيقيين.
“يا لكِ من بريئة، ريكا. من ذا الذي يترك حبيبه في بيته ثم ينام في غرفةٍ منفصلة؟”
……هل من المفترض أن يستحم الأحباء معًا أيضًا؟ هل أوفلين مكانٌ منفتح إلى هذه الدرجة؟
رغم أنني قلت أنني سأبذل جهدي للقيام بدور الحبيبة المزيفة لهاوارد، لكن مهما فكّرت بالأمر، فهذا ليس معقولًا.
‘لا، لا يمكن!’
“أعني……أنا ممتنةٌ لرغبتك في مساعدتي، لكن……أن أدخل الحمّام مع هاوارد، لا أظن أن هذا مناسب……”
“ماذا؟”
ظهرت على وجه هاوارد ملامح الذهول. و ربما لأنه لم يستوعب ما قلته، فحولتُ بصري إلى الجانب لأتفادى عينيه، ثم تابعت كلامي.
حتى صوتي كان بالكاد يُسمع.
“حتى لو كنا حبيبين حقيقيين، فلا يمكنني……الأمر محرجٌ جدًا……”
“….…”
“……أنا أعتذر حقًا.”
لم يقل هاوارد أي شيء. وبحكم أنني التزمت الصمت أيضًا، ساد الغرفة صمتٌ ثقيل.
كان الهدوء شديدًا لدرجة أنني استطعت سماع صوت الريح وهي تحرك أوراق الشجر، رغم أن النوافذ كانت كلها مغلقة.
‘أكاد أختنق.’
قل شيئًا، أي شيء.
لم أستطع أن أفهم ما الذي يفكر فيه هاوارد الآن. لو كنت أستطيع رؤية تعابير وجهه على الأقل، لكن للأسف، كنت قد أدرت وجهي عنه لأتفادى نظراته.
نظرت إليه بطرف عيني بحذر، ثم تنحنحت بخفة. ولحسن الحظ، فتح هاوارد فمه أخيرًا.
“لا، لحظة، ريكا.”
كانت نبرته مفعمة بالارتباك، وهذا ما زاد الطين بلة.
“ولِمَ سأدخل الحمّام معكِ أصلاً؟”
“لأنكَ قلت إنك ستساعدني أثناء الاستحمام……لأنني مصابةٌ في ساقي ولن أتمكن من فعل ذلك وحدي……”
“الخادمة ستأتي وتساعدكِ……”
ماذا؟
ردّه غير المتوقع جعلني ألتفت إليه. وفورًا التقت عيناي بعيني هاوارد الذي كان يحدّق بي مباشرة.
نسيت أنني كنت أتجنّب النظر إليه وسألته بسرعة،
“إذًا، لِمَ طلبتَ مني خلع الملابس الآن؟ ألم يكن من الممكن أن أطلب من الخادمة مساعدتي حين تصل؟”
“لا يمكنكِ الظهور أمام الخادمة بهذا الزي. في هذا العالم، هذه الملابس غريبة، وقد تثير الريبة. لذلك قلت لكِ أن تخلعيها أولًا.”
انزلقت نظراتي تلقائيًا إلى الأسفل.
قميصٍ أبيض بنصف كم، وسروالٌ قصير.
صحيح، في عالم خيالي كهذا، لا بد أن هذا المظهر يبدو غريبًا، بل ومحرجًا للغاية.
ما قاله منطقي……ولكن……
‘إذًا، إلى أن تصل الخادمة، ماذا من المفترض أن أرتدي؟’
بحسب تفسير هاوارد، فإن الفستان الذي سأبدل به ملابسي ستجلبه الخادمة معها. وهذا يعني أنه لا توجد أي ملابس متاحةٍ لي الآن. أليس هذا غريبًا؟
……أليس كذلك؟
نظرت إليه برجاءٍ صامت، متوسّلة أن يقول أنني مخطئة. وإلا، فسأبدو وكأنني إنسانةٌ غريبة الأطوار تمامًا.
“آه، في الواقع……”
بدا أن هاوارد، الذي التقى بنظراتي المتوسّلة، قد أدرك ما كنت أفكر فيه، فلم يستطع قول شيء، واكتفى بتحريك شفتيه بصمت.
إنها لمسة من رقي هاوارد تشيلستون المعتادة. لكن، ولسوء حظ هذا اللطف، لم أتمكن من تجاهل ما رأيته.
كانت هناك بطانيةٌ بين يديه، التي لم أنتبه متى أمسك بها.
بطانيةٌ كبيرة بما يكفي لتغطية جسدي بالكامل، بل وتفيض.
وأخيرًا، أدركت ما كان يفكر فيه هاوارد.
‘إذًا، كان يقصد أن أخلع ملابسي، وألفّ نفسي بالبطانية، وأنتظر حتى تأتي الخادمة، ثم أستحم وأرتدي الملابس الجديدة.’
هكذا إذًا. فكرة طبيعية تمامًا، لا غبار عليها.…..بعكس أفكاري.
‘يا إلهي، ماذا أفعل الآن؟’
لو كنت سأفكر بشيءٍ غريب، كان عليّ أن أحتفظ به في رأسي فقط. لماذا اضطررت إلى سؤاله وأخلق كل هذه الفوضى؟
ولم أترك لنفسي حتى مجالًا للتمويه أو التظاهر. و اجتاحني الخجل حتى تمنيت لو ابتلعتني الأرض.
هل هناك جحر فأرٍ قريب؟ إن وُجد، هل يمكنكَ أن تفسح لي المكان قليلًا؟ آسفة، فقط أريد أن أختبئ للحظة……
دفنت وجهي سريعًا بين كفّي. كان وجهي يحترق خجلًا فلم أستطع البقاء على هذا الحال أكثر.
ظللت على تلك الوضعية بصمت حتى هدأت حرارتي قليلًا، إلى أن سمعت صوت هاوارد قرب أذني.
“ريكا.”
“….…”
“ريكا، انظري إليّ.”
لكنني لم أنزل يدي. و أي شخصٍ غيري كان سيتصرف مثلي.
كيف أعرض وجهي في موقفٍ كهذا؟ وساقي المصابة لا تسمح لي حتى بالهروب.
“ريكا.”
عاد هاوارد وناداني، ثم أمسك بمعصميّ وسحب يدي برفقٍ ليكشف وجهي.
كان يرسم على شفتيه ابتسامةً صغيرة بينما يقطب حاجبيه قليلًا، تعبيرٌ واضح بأن الوضع يضحكه بشدة لكنه يحاول جاهدًا ألا يضحك.
تنحنح عدّة مرات ثم تحدث،
“أنا آسف. هذا خطئي. الآن بعد أن فكرتَ بالأمر، يبدو أنني فعلاً قلت شيئًا يُفهم منه معنى آخر.”
رغم أن نبرة الضحك لم تفارقه تمامًا، كان من السهل أن أفهم أن نيته لم تكن السخرية مني. وربما لهذا السبب تحديدًا، شعرت بخجلٍ أكبر.
عندما تقول ذلك بهذا الشكل……أشعر بخجلٍ أكبر. فالأمر فقط أنني أنا من فهمت الوضع بشكل خاطئ.
‘ما العمل الآن؟ لا ينقصني إلا أن أكون منحرفةً تمامًا.’
تنهدت دون قصد من بين شفتي. ولأن ملامح وجهي لم تكن توحي بأنني سأهدأ قريبًا، تابع هاوارد الحديث بصوتٍ هادئ كما لو كان يطمئنني برفق،
“لو كنتِ حقًا لا تريدين أن تراكِ الخادمة بهذا الشكل، فعلينا أن نتصرف بشأن هذه الملابس أولًا، ريكا. سأقول أنني تكفّلت بأمر الفستان الذي اختفى.”
“…….”
“وسأظل أدير ظهري كما فعلتُ من قبل، حتى تنتهي من تغطية نفسكِ بالبطانية، فلا تقلقي.”
وكأنه يثبت صدق كلماته، وضع هاوارد البطانية أمامي، ثم استدار مبتعدًا. وبعد أن خطا بضع خطوات، توقف في مكانه.
بينما كنت أنظر إلى ظهره، شعرت وكأن الضوء يتلألأ من حوله رغم أن الوقت كان متأخرًا في الليل.
كأن هالةً مقدسة تحيط به.
“إنه حقًا مثالٌ للفارس المقدّس……”
“ماذا قلتِ؟”
“لا شيء على الإطلاق!”
أجبت بسرعة خوفًا من أن يلتفت إلي، وبدأت أخلع ملابسي على عجل.
لأنني كنت مصابةً في ساقي، لم أستطع النهوض من الكرسي، فكان خلع الملابس أصعب من المعتاد. وبينما انشغلت بذلك، تلاشى خجلي شيئًا فشيئًا.
ولهذا السبب، لم أدرك إلا بعد مرور وقتٍ طويل……أن أطراف أذني هاوارد، التي كانت موجهةً لي وهو يدير ظهره، كانت قد احمرّت في ذلك اليوم.
______________________
ببكي من الضحك الفصل يضحك لين جا هاوارد يهديها صار فراشات من ورا التريلات🤏🏻
وهو يهديها شوي شوي والحين اذنه احمرت اااااااااااااااااااااااااااااااااااا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 37"