بعد أن أخرج هاوارد ريكا من البركة، عاد السكون ليسود المكان، لكنه سرعان ما انقلب إلى ضجيج.
“الآن بعد أن فكرت في الأمر، يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء. لماذا كان الكونت إيتينتيا مع الآنسة إيفيريت؟”
“بل وكانا بمفردهما. وفي هذا الوقت المتأخر من الليل.”
“صحيح. أذكر أن إحدى خادمات الدوق كانت برفقتهما، فأين هي الآن……؟”
بدأ الحاضرون يتهامسون. وما لبثت الهمسات الخافتة الى أن ارتفعت شيئًا فشيئًا.
“هل من الممكن أن تكون هناك علاقةٌ بين الاثنين……”
“يا إلهي. ما هذا الكلام! الآنسة إيفيريت على علاقة غرامية بدوق تشيلستون!”
“لكن، عندما سقطت الآنسة إيفيريت قبل قليل، كان وجه الكونت إيتينتيا يبدو غير عادي. ألم تسمعوه؟ عندما سقطت، ناداها الكونت بلقبٍ مؤثر. قال بوضوح ‘ريكا’.”
“حقًا؟ يا للعجب……”
بدأ الناس ينظرون إلى ريكا وبروتور بالتناوب. و حتى أكثر الناس غفلة لا بد أن يلاحظ ما تعنيه تلك النظرات.
ضاقت عينا هاوارد ببطء.
‘ناداها بريكا؟’
هذا أمرٌ لا يُصدق.
من المؤكد أن بروتور و ريككا التقيا اليوم لأول مرة. وهاوارد، أكثر من يعرف، كان يعلم جيدًا أن ريكا لم تكن تملك أي معلومات تقريبًا عن “بروتور إيتينتيا”.
ورغم ذلك، فقد ناداها بتلك الألفة الشديدة.
خطر في بال هاوارد مشهدٌ مرّ أمامه قبل قليل، حينما مدّت ريكا يدها لتستعيد السوار الذي سُرق منها من قبل الشخصية الأصلية.
هل يُعقل……
‘هل من الممكن أن يكون الكونت إيتينتيا هو الشخصية الأصلية؟’
لو كان الأمر كذلك، فكل شيء سيصبح منطقيًا.
نظر هاوارد بسرعة إلى بروتور. وسط كل هذا الاضطراب، و كانت عينا بروتور مركّزتين على ريكا. كما لو أن لا شيء آخر يهمه في هذا العالم سواها.
‘……مزعج.’
هذا الرجل، ونظرته إلى لوكا، كان كل ذلك يزعجه بشدة.
قطب هاوارد جبينه وأنزل رأسه. و كانت ريكا، المبتلة تمامًا، بين ذراعيه، بعينيها نصف المغلقتين، ساكنة وكأنها لا تملك طاقةً للاهتمام بكل ما يحدث من ضجة.
وكانت كتفاها ترتجفان. فقد كانت مبللة، والجو بارد، مما زاد شعورها بالبرد.
حاول هاوارد جاهدًا كبت انزعاجه. و لم يكن يعلم لماذا يشعر بهذه الطريقة، أو كيف يمكنه التخلص من هذا الإحساس الثقيل والمزعج، لكنه قرر ألّا يفكر في ذلك الآن.
فالشيء المهم الآن لم يكن مشاعره التافهة.
‘أولًا، يجب أن آخذ ريكا إلى مكانٍ دافئ.’
أما معرفة سبب هذه الفوضى، فذلك يأتي لاحقًا.
ضم هاوارد ريكا بذراعيه بقوةٍ أكبر. ويبدو أنها، من شدة البرد، اقتربت منه بشكلٍ طبيعي أكثر.
كانت ريكا قد أغمضت عينيها دون أن يشعر أحد. و يبدو أنها فقدت وعيها من شدة الإرهاق دون أن تدري.
نظر هاوارد إليها للحظة، ثم طبع قبلةً خفيفة على جبهتها المستديرة التي برزت من بين خصلات شعرها.
ربما كان ذلك تصرفًا طفوليًا، لكنه كان بمثابة تحذيرٍ لبروتور. ‘لا تلمسها، فهي تخصني الآن.’
وانفجر الحضور من حولهم بهتافاتٍ تعلوها الدهشة والتسلية. لكن هاوارد لم يلقِ لهم بالًا، واتجه نحو بروتور. ثم تحدث بصوتٍ منخفض،
“صحيح، كونت. لقد كنت بجانب ريكا تمامًا قبل أن تسقط. وأعتقد أن الجميع هنا قد رأى ذلك.”
“….…”
“ربما فقدت ريكا توازنها فجأة بسبب حالتها الصحية السيئة……لا بد أنك شعرت بالذعر أيضًا. أعتذر لك.”
قال هاوارد ذلك وهو يخفض حاجبيه بأسف. فأمال بروتور رأسه مستغربًا من هذا الرد غير المتوقع.
ثم عبس قليلًا وهو يرد،
“ما الذي تقصده……؟”
“ألم تكن بجانب ريكا لأنني طلبت منكَ أن تراقب حالتها؟ لا أظن أن منظم الحفلة كان ليكترث لهذا الحد، لذلك أنا ممتنٌ لك فعلًا.”
قال هاوارد ذلك وهو يشدد على كلمة “طلبت”. فاتسعت أعين الحاضرين وهم يسمعون ذلك.
وسُمع بين الحشود بعض الهمسات مثل: “إذًا، كان الأمر هكذا……”
ويبدو أن بروتور، الذي التقط تلك الأحاديث بين المتفرجين، كان على وشك أن يعترض، لكن هاوارد سبقه بالكلام.
“والآن بعد أن فكرت في الأمر، من الأفضل أن أفعل كما قال الكونت. الوقت قد تأخر كثيرًا، لذا سأبقى هذه الليلة وأغادر صباحًا.”
“…….”
“أليس الوقت يقترب من منتصف الليل؟”
قال هاوارد ذلك وهو يثبت عينيه في عيني بروتور مباشرة. وإن كان بروتور هو الشخصية الأصلية فعلًا، كما خمّن منذ قليل، فلا شك أنه سيفهم المقصود من كلامه.
ولم يمض وقتٌ طويل حتى تأكد هاوارد أن بروتور إيتينتيا هو بالفعل “الشخصية الأصلية” التي لطالما تحدثت عنها ريكا.
فما كان من بروتور إلا أن يردّ،
“منتصف الليل……إذاً؟”
وكان وجهه قد تشوّه تمامًا وكأنه سمع أمرًا لا يُغتفر.
“سيكون ذلك خطيرًا جدًا. من الأفضل أن تدخلوا إلى الداخل أولًا. الآنسة يمكنها استخدام الغرفة التي كانت فيها، أما أنت، حضرة الدوق……فيمكنكَ اختيار أي غرفةٍ من الطابق الثاني، وسأخبر الخدم بذلك.”
قال بروتور ذلك بنبرةٍ مهذبة، لكن بعينين حادتين توحيان بشيء مرعب.
كان من الواضح أن لديه ما يريد قوله بعيدًا عن أعين الآخرين. مثلًا، كأن يسأله: كيف يعرف هاوارد مثل هذا السر؟
لكن بدلًا من الإجابة، اكتفى هاوارد بابتسامةٍ خفيفة.
“شكرًا لك. آه، وإذا رأيتَ خادمة قصر الدوق، فبلغها أن تحضر لي ولريكا ملابسنا إلى الغرفة.”
قال ذلك وهو يمر بجانب بروتور حاملاً ريكا بين ذراعيه.
“وبالمناسبة، كونت……شكرًا على كرمكَ، لكن……”
كانت نبرته خافتة لدرجة أن الآخرين لم يسمعوها.
“غرفةٌ واحدة تكفينا.”
***
“أهمم……”
تنهدتُ بصوتٍ خافت وأنا أفتح عيني. و يبدو أنني غفوت دون أن أشعر، فقد انقطع وعيي في منتصف كل شيء.
رغم أنني حاولت المقاومة بسبب الموقف، فإن حالتي الجسدية لم تكن جيدةً بعد أن كدت أغرق، ولم يكن هناك ما أستطيع فعله.
فضلًا عن الصدمة النفسية التي تلقيتها قبل ذلك.
‘الآن، أين أنا بالضبط؟’
أدرت رأسي لأنظر حولي، لكن صوتًا منخفضًا جاء من فوق رأسي.
“آه، هل استيقظتِ؟”
رفعت رأسي باتجاه مصدر الصوت. وكانت هناك عينان حمراوان تنظران إليّ من أعلى وكأنها تتفحصني.
وفهمت حينها. كنت في طريقٍ ما بين ذراعي هاوارد.
“أعتقد أنني أيقظتكِ. آسف، كنت أحاول أن أكون حذرًا، لكن لأن منتصف الليل اقترب، فشعرت ببعض العجلة……”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"