‘تُرى……هل أصبحت بخيرٍ الآن؟’
تذكّر هاوارد تلك العينين الزرقاوين التي رآها قبل مغادرته قصر إيتينتيا. ورغم أن الفوضى كانت تهدأ شيئًا فشيئًا، إلا أن شعور القلق داخله كان يتزايد أكثر.
‘هل لأنه لم يتبقَ الكثير حتى منتصف الليل؟’
لا، ليس ذلك السبب. كان هناك شيءٌ مختلف……
فيليب، الذي كان يراقب هاوارد بصمت، تحدث،
“اذهب الآن سيدي القائد. سأقود عملية المطاردة بنفسي.”
في العادة، كان هاوارد سيلومه ويُصر على الذهاب معه، لكنه لم يشعر بذلك هذه المرة.
وفي النهاية، تنهد تنهدةً خفيفة وأومأ برأسه.
“أعتمد عليكَ.”
وبعد أن تأكد من مغادرة فيليب مع الفرسان المقدسين، أسرع هاوارد على صهوة حصانه.
و ربما لأنه كان يركض بعجلةٍ أكثر من المعتاد، لم يستغرق وقتًا طويلًا للوصول من مكان ظهور الوحوش إلى قصر إيتينتيا.
ولحسن الحظ، وصل قبل منتصف الليل بقليل، وكان أول ما فعله هو التأكد من أن عربة دوقية تشيلستون لا تزال في مكانها.
فبما أنه لم يكن يعلم متى سيعود، ظن أن ريكا قد تكون عادت على متن العربة قبل حلول منتصف الليل.
لكن، وعلى عكس توقعاته، كانت العربة لا تزال هناك.
انحنى هاوارد قليلًا وهو يترجّل من على الحصان. وحين رآه السائق، نزل على عجل من مقعد القيادة.
سلم هاوارد زمام الحصان للسائق وسأله،
“ألا تزال ريكا في القصر؟”
“نعم، يبدو ذلك. فحتى بعد انتهاء الحفلة، لم تخرج بعد.”
‘……هل حالتها الصحية سيئةٌ جدًا؟’
فهي تلك التي تخلّت عن التحقق الأمني سابقًا لمجرد أن الوقت اقترب من منتصف الليل. و في الأوقات العادية، كان من المفترض أن تكون قد خرجت إلى العربة منذ فترة.
ألقى هاوارد نظرةً على ساعته، وكانت تشير إلى بقاء عشرين دقيقة فقط حتى منتصف الليل، فانكمش وجهه قليلًا.
من المؤكد أن هناك أمرًا ما يحدث. يجب أن يلتقي بريكا فورًا.
ولتحقيق ذلك، عليه أولًا أن يجد صاحب هذا القصر. لأنه الوحيد الذي قد يعرف مكانها.
“أين هو الكونت إيتينتيا……”
وبينما كان هاوارد يتلفّت باحثًا عن بروتور صاحب الشعر الأحمر الذي خطر في باله، سمع اسماً مألوفًا عند أذنه.
“أوه، أليست تلك الآنسة إيفيريت؟”
“صحيح، ماذا تفعل مع الكونت إيتينتيا؟”
استدار بسرعة نحو مصدر الأصوات. وكان الأشخاص الذين يتهامسون جميعهم يحدقون في نفس الاتجاه.
وحين تبعهم بنظره، سرعان ما وجد الشخص الذي كان يبحث عنه في شرفةٍ بالطابق الثاني.
رغم أن المرأة ذات الشعر الأبيض لم تكن تظهر سوى من الخلف، إلا أن هاوارد عرف فورًا أنها ريكا.
المشكلة كانت في أنها كانت مع بروتور.
لماذا يكون منظم الحفلة معها هناك؟ هل ذهب ليتفقد حالتها بعد انتهاء الحفلة؟
لكن الجو بدا غريبًا، ولم يكن ذلك تفسيرًا كافيًا لوجودهما معًا على الشرفة، ولا لغياب خادمة الدوقية عنها.
وبينما بدأ القلق يتسلل إليه، أسرع هاوارد للدخول إلى القصر، لكن فجأة، جلست ريكا على حافة الدرابزين. وبدا الموقف خطيرًا، فانطلقت صرخاتٌ من هنا وهناك.
“ما الذي تفعله بحق؟”
وبينما بدت وكأنها على وشك السقوط، غيّر هاوارد اتجاهه نحو أسفل الشرفة. وتسارعت خطواته شيئًا فشيئًا، حتى وجد نفسه يركض بأقصى سرعته.
وفي اللحظة التي فقد فيها جسد ريكا توازنه، لم يكن يفصله عن البركة التي تقع أسفل الشرفة سوى بضع خطوات.
“ريكا—!”
تعالى صراخه اليائس في الأرجاء. و لم يكن يرى شيئًا بوضوح. فكل حواسه كانت مركّزةً على ريكا التي سقطت بلا حولٍ في البركة.
وفي اللحظة التي سقطت فيها، قفز هاوارد نحوها دون أدنى تردد.
كانت البركة أعمق مما بدا، و ريكا كانت تحاول أن تخرج، لكن ثقل الفستان الذي ترتديه جعل الأمر صعبًا للغاية.
وفي النهاية، بدأ جسدها يترهل بلا مقاومة.
أسرع هاوارد باحتضانها وصعد بها إلى السطح. وما إن خرج تمامًا من البركة وهو يحملها، حتى سقطت على ركبتيها وأخذت تسعل بعنف.
“كح……كح……!”
جلس هاوارد بجانبها وبدأ يربت على ظهرها برفق دون أن يؤلمها.
واستمر السعال لبرهة قبل أن يهدأ أخيرًا، كما بدأت أنفاسها تهدأ شيئًا فشيئًا.
“هل أنتِ بخير، ريكا؟”
هزّت لوكا رأسها بخفة دون أن تلتفت إليه.
وبينما كان ينظر إلى جسدها المبتل بالكامل، خطرت في ذهنه صورتها المليئة بالحيوية المعتادة. فتجعد جبينه بشدة.
شعورْ بالغضب المغلّف بالقلق انبثق من أعماق صدره. ولم يعرف بالضبط ما السبب.
“ما الذي حدث؟ لماذا فعلتِ شيئًا بهذا القدر من الخطورة؟”
“….…”
“ألم تقولي أنكِ ستبقين لترتاحي بهدوء……”
“هاوارد.”
صوتٌ ضعيف بالكاد يُسمع وصل إلى أذنه.
هاوارد، الذي كان يصرخ من دون أن يشعر، أغلق فمه سريعًا خشية أن تفوته تلك الهمسة الصغيرة.
رغم أن الضوضاء تعالت قليلًا بسبب اقتراب الناس منهم، إلا أن وجوده بالقرب من ريكا جعله يسمعها بوضوح.
“هاوارد.”
“نعم، ريكا. أنا أسمعكِ.”
“من فضلك……أمسك بهذا.”
“هذا؟”
سأل هاوارد بوجهٍ تملؤه الحيرة.
عندها رفعت ريكا رأسها ببطء. و التقت نظراتهما في مسافةٍ قصيرة لدرجة أن أنفيهما كادا أن يتلامسا.
مدّت يدها وهي تُكمل،
“هذا السوار.”
أنزل هاوارد نظره قليلًا. ومن بين قبضتها البيضاء المشدودة، برز حجرٌ أزرق. وعرف على الفور ما الذي كانت تمسك به.
لقد رآه مرةً واحدة فقط في قصر الكونت آفلز، وحتى تلك المرة كانت للحظةٍ قصيرة جدًا، لكن الذكرى كانت قوية لدرجة أنه لم يستطع نسيان السوار.
‘لماذا عاد هذا السوار إلى ريكا؟’
ألم يُنتزع منها عند منتصف الليل من قبل شخصيتها الأصلية؟
بينما كان هاوارد مترددًا دون وعي بسبب ارتباكه، بدا أن ريكا لاحظت حيرته، فتابعت كلامها على عجل.
“أعلم أن هناك أشياء لا يمكنكَ فهمها الآن. سأشرح لكَ كل شيءٍ لاحقًا، لذلك، أرجوكَ، لا تسألني شيئًا الآن. فقط……خذ هذا السوار أولاً……أرجوكَ……”
صوتها بدأ يتلاشى وسط نحيبها. و كان من السهل الشعور بمدى يأسها في تلك اللحظة.
ربّت هاوارد بهدوء على كتفها محاولًا تهدئتها.
“فهمت، ريكا. سأحتفظ به.”
“…….”
“لذا، ارخي يدكِ قليلًا. حتى أتمكن من أخذه.”
“آه……”
وكأنها أدركت ذلك للتو، فتحت ريكا قبضتها.
كانت قد قبضت عليه بقوة شديدة حتى أن شكل السوار ترك علامةً حمراء في كف يدها الصغيرة.
“أحسنتِ.”
ابتسم هاوارد بخفة وأخذ السوار منها. ثم بعد أن وضعه في جيبه، نهض أولًا وأحاط كتف ريكا بلطف ليساعدها على الوقوف ببطء.
كانت ريكا متكئةً على هاوارد وتقف مستقيمة، لكنها لم تلبث أن ترنحت قليلًا. و سقط جسدها الصغير مرة أخرى بين أحضانه.
“آه……”
خرج أنينٌ خافت من بين شفتي ريكا. فسارع هاوارد إلى تفقدها.
“ما الأمر؟ هل تتألمين في مكانٍ ما؟”
“في الواقع……كاحلي يؤلمني قليلًا……”
عندما نظر إلى الأسفل، رأى أن كاحلها الأيسر متورمٌ قليلًا. و يبدو أنها ارتطمت بشيء أثناء سقوطها.
كان من الواضح أن المشي وحدها سيكون صعبًا.
“ريكا، اسندي نفسكِ إليّ. سأحملكِ.”
“……أنا آسفة.”
ويبدو أن ريكا أيقنت أنه لا خيار آخر، فلم تعارض.
هزّ هاوارد رأسه بخفة ليشير بأن لا داعي للاعتذار، ثم مرر ذراعيه تحت خصرها وخلف ركبتيها ورفعها بين ذراعيه.
بعدها بدأ بالسير نحو مكان وجود عربة دوقية تشيلستون. إلى أن قاطعه صوتٌ منخفض من الخلف.
“هل تنوي المغادرة بهذه الطريقة؟”
استدار هاوارد عند سماع الصوت البارد القاسي. و وراءه، كان بروتور واقفًا.
“لمَ لا تمكثان هنا لهذه الليلة؟ أنتما الاثنان مبللان تمامًا، أليس كذلك؟”
أدار هاوارد عينيه قليلًا ليتفقد الوقت.
لم يتبقَ سوى عشر دقائق حتى منتصف الليل. و لم يعد بالإمكان البقاء في هذا المكان أكثر من ذلك.
لو تردد للحظة إضافية، فبلا شك ستقع ريكا في مأزق.
“لا، لا داعي لذلك.”
قال هاوارد ذلك وهو يهز رأسه.
كانت إجابته حاسمة، لكن بروتور لم يتراجع. و واصل الإلحاح بإصرار.
“لا داعي للتحفظ. إن كان الأمر من أجل الآنسة إيفريت، يمكنني توفير غرفةٍ بأي وقت.”
قال ذلك بطريقةٍ قد تثير الشك وسوء الفهم لدى أي أحد يسمعه.
“فهي كانت معي حين وقعت الحادثة.”
____________________
هاوارد تكفى عطه كف مقد اتحمللللل
ريكا ياعمري اخيرا السوار معها😭
هاوارد يجنن انفدا الرجال الخايف 🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 35"