انجذبت نظراتي إلى الجوهرة الزرقاء كما لو كنتُ مسحورة.
لم يكن الأمر لأني مهتمةٌ بعرض بروتور، أو لأنني أرغب في الحصول على الجوهرة. بل فقط لأنها “تلك السوارة” التي أمامي.
كلما نظرت إليها، شعرتُ وكأنني عدت إلى الماضي. إلى ذلك الوقت الذي، رغم أن حياتي لم تكن مستقرة أو مريحة، كان قلبي مليئًا بالدفء.
ذلك الوقت الذي كنت فيه مع ذلك الشخص.
“هل أنتِ بخير؟ هل استعدتِ وعيكِ؟”
عندما فتحت عينيّ في هذا العالم لأول مرة، أي عندما دخلت جسد “ريكا”، كانت هناك امرأةٌ أمامي.
امرأة بشعر بني طويل مربوطٍ للأعلى، وعينين ذهبيتين لامعتين. كان اسمها “أوديا ستوريدج”.
قالت إنها مرتزقة جوالة لا تنتمي لأي نقابة. و قالت أنها وجدتني ملقاةً في الشارع، فأخذتني إلى مكانها وبدأت بعلاجي.
لم أكن قد تحدثت معها بعد، لكني كنت أعرفها حتى قبل أن تعرّفني على نفسها. لأن أوديا ستوريدج كانت شخصية غير قابلة للّعب في <عالم الفانتازيا>.
بل وكانت من الشخصيات المهمة في بداية اللعبة، حيث تعطي اللاعب العديد من المعلومات والمهام ليسهل عليه التأقلم.
“هل ترغبين في الذهاب معي؟”
وبحكم طبيعتها الطيبة وميلها لمساعدة الآخرين، مدت أوديا يدها نحوي دون تردد، رغم أنني لم يكن لدي أي مكانٍ أذهب إليه.
ولم أتردد لحظة في الإمساك بتلك اليد. ليس فقط لأنها كانت طيبة. بل لأن أوديا……
‘كانت تعرف أن هذا العالم يتأثر بلعبة <عالم الفانتازيا>.’
ثلاثة شخصيات غير قابلة للعب أخبرني بهم النظام. وكانت أوديا واحدةً منهم.
لكنها لم تعد……موجودةً في هذا العالم.
“ريكا، أنا بخير. لذا توقفي عن هذا.”
“لا داعي لأن تفعلي كل هذا بسببي. لنرتح قليلًا الآن. لقد كنتِ تعملين مؤخرًا بلا نوم تقريبًا، أليس كذلك؟”
“حتى لو كان لدينا الدواء، هذه الإصابة لم تكن لتُشفى به.”
قالت أوديا تلك الكلمات قبل أن تموت، عندما كنتُ أغرق في اليأس بعد أن سُلبت مني كلفة الدواء على يد الشخصية الأصلية.
وكانت محقةً في كلامها. فرسالة المعبد التي وصلت في ذلك الوقت أخبرتني بذلك.
أوديا ستوريدج تموت في القصة الرئيسية للعبة <عالم الفانتازيا>، بعد أن تصاب بجروحٍ قاتلة أثناء محاربة أحد أعوان ملك الشياطين إلى جانب اللاعب.
وكانت أوديا في هذا العالم لا تختلف عن تلك. ورغم ذلك، كنت أُكافح لإنقاذها بأي وسيلة.
لأنني تمسّكت بذلك الاحتمال، مهما بدا ضئيلًا. بأن هذا العالم لا يسير تمامًا كما تعمل لعبة <عالم الفانتازيا>، وكان ذلك بصيص أملٍ صغير.
والحقيقة أن أوديا في هذا العالم كانت تختلف عن نظيرتها في اللعبة، فقد كان بجانبها فتاةٌ تُدعى “ريكا”.
لذا لم تكن تلك الفكرة مجرد وهم.
ربما أستطيع إنقاذها. كنت أؤمن بذلك بصدق. ولهذا بذلت كل ما في وسعي.
لكن ذلك الأمل تحطم دون حتى أن أتمكن من المحاولة.
‘بسبب هذا الرجل بالذات.’
حدقتُ في بروتور بصمت. و كانت قبضتي ترتجف بقوة وأنا أشدّ عليها بكل ما أوتيت من قوة.
وعندما لم أُجب، هزّ بروتور كتفيه، وما زال يمد يده نحوي.
“لا أفهم ما الذي يدعو للتردد في أمرٍ كهذا.”
“…….”
“ألم تأتِ إلى أوفلين منذ البداية لتبحثي عني؟ وها قد وجدتِني أخيرًا، وأنا بدوري أريدكِ بجانبي. الإجابة واضحة، أليس كذلك؟ فهل الأمر بهذه الصعوبة؟”
“وماذا عن رغبتي أنا؟”
سألت بهدوء، محاوِلةً أن أبدو متماسكةً قدر الإمكان. رغم أنني، في داخلي، كنت أود أن أصرخ في وجهه، أن أشتمه أو أبصق عليه.
لكن……
‘أنا لا أعلم بعد لماذا أرسل إليّ هذا الرجل تلك الورقة.’
الكلام الذي قاله بروتور عن حقيقتي. كان لابد من أن أعرف بالضبط ما الذي يعنيه.
وكان عليّ أيضًا أن أستعيد السوار. ولهذا، لم يكن الوقت مناسبًا لإغضابه بعد.
“أنا لم أقل أبدًا أنني أريد أن أكون معكِ يا كونت. فلماذا تتحدث وكأن ذلك أمر مفروغٌ منه؟”
“لأني أستطيع أن أقدم لكِ كل ما تحتاجينه. المشكلة التي تعانين منها كل ليلةٍ عند منتصف الليل، أنا الوحيد القادر على حلها. فلماذا تبقين إلى جانب شخصٍ آخر، مضطرةٍ لتبرير كل شيء؟ أم أن……”
فجأة، أنزل بروتور يده التي كان يمدها إليّ. وفي اللحظة ذاتها، اختفى السوار من أمام عيني.
“هل تحبين الدوق تشيلستون حقًا؟ هل ترغبين في البقاء بجانب هاوارد تشيلستون؟”
“وإذا كان كذلك؟”
……مجنونة. ما هذا الذي قلته لتوّي؟
أنا نفسي كنت الأكثر ذهولًا من هذا الرد الذي خرج من فمي وكأن أحدهم دفعني لقوله.
رغم أنني حاولت الحفاظ على ملامحي، إلا أن قلبي كان ينبض بعنف. هل يُعقل أنني أحب هاوارد؟
حاولت التفكير بسرعة، لكنني لم أتوصل لشيءٍ واضح. فلم أفكر بهذا الأمر يومًا. ولم أكن أعرف حتى إن كنت أملك الحق لأفكر فيه.
كنت في حيرة، لكن هناك شيءٌ واحد كنت واثقةً منه.
لا أريد أن يتألم هاوارد. على الأقل، في الأوقات التي يكون فيها معي، لا أريد أن يعاني من انفجار طاقته المقدسة.
وأنا أريد أن أفعل كل ما بوسعي لأبقيه كذلك. ولأجل ذلك، يجب أن أكون بجانبه.
لذلك لم أقم بتصحيح كلامي. فأنا بالفعل أُكنّ له مشاعر إنسانية، لذا لم يكن كلامي خاطئًا تمامًا.
وبما أن هاوارد لن يحبني أبدًا، فمجرد التفكير في هذا يبدو سخيفًا بحد ذاته.
وعندما وصلت إلى هذه الفكرة، بدا لي كل شيءٍ تافهًا وسخيفًا إلى درجة أنني ابتسمتُ قليلًا.
عندها، ضحك بروتور بسخرية.
“لا تستفزيني عبثًا يا ريكا. أعلم جيدًا أن الأمر ليس كذلك.”
بدأ وجهه يتشوه تدريجيًا. وصوته المنخفض، الذي خرج وكأنه يطحن كلماته، تسلل إلى أذنيّ.
“بدأت فعلاً أشعر بالانزعاج. يكفيني أنك قبّلتِ ذلك الوغد لأفقد أعصابي.”
“…….”
“اختاري الآن. هل ستبقين بجانبي أم لا؟”
اقترب بروتور مني بخطواتٍ واسعة. و كان قريبًا إلى درجة أن صورتي انعكست في عينيه الخضراوين، فخطوتُ خطوةً إلى الوراء لزيادة المسافة بيننا.
ثم، قبل أن يقترب مجددًا، سألته،
“بخصوص الورقة التي أرسلتها لي……ماذا كنتَ تقصد بها؟”
ربما بدا سؤالي غريبًا من وجهة نظر بروتور، لكن كان لا بد لي من طرحه.
لأنني لأتخذ “ذلك القرار” الذي تكلم عنه، كنت أحتاج أن أفهم أولًا.
“هل كنت تقصد بها أنكَ تعرف أنني شخصية بديلة؟”
“طبعًا. توقعت أنكِ ستفهمين فورًا.”
أجاب بروتور بنبرةٍ عادية، وكأنه أمر بديهي.
وهذا يعني……أنه لا يعرف أنني نوكس.
راقبته في حذر، أتساءل في داخلي إن كان يكذب، لكن على الأقل، لم أقرأ في وجهه أي نيةٍ لخداعي.
حسنًا، في النهاية، وبغض النظر عن السبب، بروتور يريدني الآن، أليس كذلك؟ ولو كان يعلم أنني نوكس، لما ظل هادئًا هكذا.
لأن “نوكس” لا يعني فقط كوني هرطقة، بل يعني أيضًا أن ما تبقّى من عمري لا يصل إلى عامٍ واحد.
واو، حقًا……لم يتبقَّ حتى عام.
تنهدتُ وأنا أعدّ ما تبقّى لي من وقت.
كنت دائمًا أفكر بها على أنها “سنة” وحسب، لكن بعد أن حسبتها بدقة، لم تكن إلا عشرة أشهر.
عشرة أشهر……قصيرةٌ جدًا.
ماذا سيحدث لي بعد مرور تلك الأشهر؟ هل سأختفي تمامًا من هذا العالم بلا أثر؟
أم أنني، كغيري من البشر، سأتوقف ببساطة عن التنفس؟
بينما كنت أتأمل هذا المستقبل القريب البعيد، اتخذت قراري.
لا يمكنني قضاء ما تبقى من أيامي مع بروتور. فالوقت أثمن من أن يُهدر بهذا الشكل.
ربما كان بروتور محقًا في أن البقاء بجانبه سيمنحني بعض الراحة. فلن أقلق على السوار بعد الآن، ولن أضطر للانشغال بأمر منتصف الليل.
لكن تلك المكاسب الصغيرة لم تعد تعني لي شيئًا بعد أن قضيت عشرة أعوامٍ كاملة أعيش دونها.
حالتي الآن جيدة بما يكفي، فقط لأنني لست في أسوأ سيناريوهات الخوف. فهو لا يعرف أنني نوكس، في النهاية.
أخذت نفسًا عميقًا، ببطء. ثم نظرتُ مباشرة إلى بروتور، الذي كان يحدق بي وكأنه يطالبني بإجابة.
“……قبل أن أختار، كان هناك شيءٌ أردت فعله بشدة منذ وقت طويل، شيءٌ لطالما تمنّيتُ أن أفعله عندما ألتقي بالشخصية الأصلية.”
“وما هو؟ تقولين أنكِ أردتِ فعله معي؟ هذا مثيرٌ للحماس.”
عينيه الخضراوان انحنتا بلطف، وكأن مزاجه السيئ تبخر تمامًا. و كان وجهه يعكس بوضوح الترقب والفرح.
‘نعم، تشوّق للأمر كما تشاء.’
فأنت لن تتخيل أبدًا ما هو هذا الشيء.
ابتسمت وأنا ألوّح بيدي، ثم وجّهتها بأقصى ما أملك من قوة.
وليس على أي شيءٍ سوى……خد بروتور.
صفعة-!
ثم دوى الصوت القوي في أرجاء الشرفة.
_____________________
احلا كف 😭
بردت خاطري كان بأصرخ مره ثانيه وين هاوارد بس ضحكتتت😭
تدرون وش؟ الحين مب مشغلني الا ردة فعل هاوارد اذا عرف ان باقي لها عشر شهور 😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 33"