“ماذا؟”
قطبتُ حاجبي دون أن أشعر. فقد كانت كلماته سخيفة جدًا لدرجة أنني لم أفكر حتى في الحفاظ على ملامحي أمام بروتور.
‘يقول أنه يريد أن يكون ماذا بالنسبة لي؟’
لابد أنني سمعت خطأ. فلا يعقل أنه طرح اقتراحًا مجنونًا كهذا. على امرأةٍ لديها حبيبٌ بالفعل.
حاولت إنكار الموقف في داخلي، لكن يبدو أن بروتور لاحظ ذلك، فتحدث وهو ينظر إليّ:
“لم تسمعي خطأ. ما سمعتِه صحيحٌ تمامًا.”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على زاوية شفتيه.
“أنا أُعترف الآن للآنسة إيفريت بحبي.”
“……لماذا؟”
“لأنني وقعتُ في حبكِ من النظرة الأولى.”
سألته بفتورٍ من شدة الذهول، فجاءني الجواب فورًا. وكأنه أمر لا يمكن مقاومته.
كان وجه بروتور جادًا تمامًا كما كان من قبل، خالٍ من أي مزاح. وعيناه الخضراوان لم تكن تنظر إلا إليّ فقط.
رغم أنها كانت أول مرةٍ في حياتي أسمع فيها اعترافًا بالحب، لم أشعر بأي نبضٍ أو ارتباك. وهذا أمرٌ بديهي، أليس كذلك؟
‘هذا غير معقول.’
ففكرة أن يحبني أحدٌ أصلًا، هي بحد ذاتها مستحيلة.
“ما الذي يجعلني مميزةً لدرجة أن تقول بأنكَ وقعت في حبي من النظرة الأولى؟ كل ما أملكه لا يُقارن بذرة مما تملكه أنت يا سيدي الكونت.”
أي شخصٍ يسمع هذا سيتفق معي. فحتى لو لم أكن مجرد “ريكا” التي لا تملك شيئًا، بل كنت بالفعل “ريكا إيفريت” الآنسة النبيلة ابنة البارون إيفريت، فلن يتغير شيء.
ثروته، و شرفه، و مكانته، بل وحتى علاقاته، لا يمكن مقارنتها بشيءٍ مما أملكه.
أنا أعرف قدري. لقد عشت واقعًا قاسيًا جدًا لا يسمح لي حتى بأن أحلم بمواقف تشبه أفلام السينما أو المسلسلات.
كلمات هاوارد حين يقول أنني جميلة ما هي إلا مزحة نصف جادة. فهل يمكن أن يُقارن شكلي بشخصية NPC الأكثر شعبية في <عالم الفنتازيا>؟
“يؤسفني أن أقول أنني لا أصدق مثل هذه الأكاذيب. لقد اخترتَ الشخص الخطأ لتمازحه، يا سيدي الكونت.”
قلت ذلك بنبرةٍ هادئة، وبدأت أتحقق من حالتي الجسدية.
رأسي الذي كان يؤلمني وكأن شيئًا قد تمزق فيه لم يعد يؤلمني أبدًا. و كأن شيئًا لم يحدث من الأساس.
‘……هذا غريبٌ فعلًا.’
هل من الممكن أن أتعافى بهذه السرعة في أقل من يوم؟ لا، بل لم يمضِ حتى يوم كامل. بما أنه لم يحل منتصف الليل بعد، فهذا يعني أن بضع ساعاتٍ فقط قد مرت.
التفتُّ لأتأكد من الوقت. و الساعة كانت قد تجاوزت الحادية عشرة بقليل.
‘هل يمكن أن يكون طبيب عائلة الكونت بارعًا لهذه الدرجة؟’
أم أن السبب في مرضي لم يكن بالأصل شيئًا خطيرًا؟
لكن إن كان كذلك، فكيف أفسر الألم الشديد الذي شعرت به؟ حتى أنني لم أكن أستطيع حتى الوقوف بشكلٍ طبيعي.
في هذه المرحلة، بدأت أتساءل حقًا عن سبب ما حصل. و كنت على وشك أن أسأله عن حالتي، حين تمتم بروتور،
“كذبة، إذًا……”
يبدو أنه كان يردد كلماتي ويتأمل معناها. بينما ظل مطأطئ الرأس للحظة، ثم سألني،
“هل هذا يعني أنكِ لا تصدقين كلامي؟”
صوته بدا أكثر انخفاضًا من ذي قبل، لكن بما أنني لم أكن أرى وجهه، لم أتمكن من معرفة حالته المزاجية.
ترددت قليلًا، ثم أجبت،
“نعم.”
“هاها……”
عندها ضحك بروتور. ضحكةً خافتة ترددت في أرجاء المكان، لكنها حملت معها شعورًا غريبًا بعدم الانسجام.
كان يضحك، لكن لم يكن يبدو عليه الفرح أبدًا.
توقفت ضحكته عندما رفع رأسه ببطء.
“لكن، هل تصدقين كلام هاوارد تشيلستون؟”
وفي اللحظة نفسها، انكشف وجه بروتور الذي كان مخفيًا. تلك الابتسامة التي ارتسمت عليه قبل قليل اختفت، وكأنها لم تكن موجودة أصلًا.
بالطبع، لم أكن بحاجةٍ لرؤية وجهه لأدرك ذلك. من الواضح أن هناك شيئًا غير طبيعي في حالة بروتور الآن.
طريقة كلامه تغيرت فجأة. و هواء الغرفة أصبح باردًا في لحظة واحدة. و عرق بارد انساب على ظهري.
لم أستطع قول أي شيء، وكأن لساني انعقد، فبقيت متيبسةً أكتفي بالتحديق في بروتور. وهو أيضًا كان يحدق بي، ثم تحدق ببطء،
“آه، يبدو أنني أخطأت في الكلام. بما أن كل شيءٍ مجرد كذبة من البداية، فلا معنى للسؤال إن كنتِ تصدقين هاوارد تشيلستون أو لا.”
“……ماذا تقصد؟”
“أنتِ لستِ في علاقةٍ حقيقية مع هاوارد تشيلستون أصلًا، أليس كذلك؟”
……ماذا؟ كيف عرف بروتور ذلك؟
عضضت شفتي من الداخل لأمنع نفسي من إظهار أي ارتباك، لكن يدي الموضوعة على اللحاف كانت ترتجف قليلًا رغمًا عني.
ويبدو أن بروتور قد لاحظ هذا الارتجاف الطفيف. فعينيه الخضراوان كانتا تتجهان نحو ظاهر يدي.
“هل كنتِ تظنين أنني لن أكتشف الأمر؟ حسنًا، بذلتِ مجهودًا لا بأس به. ألفتِ قصةً عن لقائكما لأول مرةٍ في الشمال، وزيفتِ هويتكِ على أنكِ الآنسة ريكا إيفريت، ابنة البارون إيفريت……”
كان يعدد أسرارًا مروعة وكأنها لا تعني شيئًا، ثم فجأة توقف عن الكلام. و وجهه بدا مشوهًا بالغضب.
وكأنه لم يكن مرتاحًا لما كان على وشك قوله. ربما لهذا السبب لم يفتح شفتيه إلا بعد مرور لحظة من الصمت.
“……وقمتما بتبادل القُبل أمام الآخرين أيضًا.”
تمتم بروتور بكلماتٍ وكأنه يمضغها بمرارة. فلم أستطع إلا أن أفتح عينيّ على وسعهما. لأنني عرفت تمامًا ما الذي كان يشير إليه.
في تلك اللحظة……
‘كان حولنا فقط أتباع ماركوس وفريدريك.’
وهذا يعني أن الشخص الذي نقل هذا الكلام لبروتور لا يمكن أن يكون سوى ماركوس أو أحد رجاله.
رغم أن بروتور إيتينتيا من أنصار الإمبراطور، لم أكن أتخيل أنه يتم تبادل معلومات بهذه التفاصيل الدقيقة.
لماذا يذهب إلى هذا الحد؟
حاولت بكل جهدي أن أخفي ارتباكي وتحدثت،
“لا أعلم كيف عرفَ الكونت بتلك التفاصيل، لكن إن كنتَ قد سمعت أننا تبادلنا القبل، فلا يمكن أن تشك في أنني والدوق على علاقة حبٍ حقيقية.”
“ساذجة كما عهدتكِ، ريكا.”
قال بروتور ذلك وهو يرفع زاوية عينيه بابتسامةٍ ناعمة. وبمجرد أن رأيت تعبيره، فهمت فورًا.
كذبتي لن تنطلِ عليه على الإطلاق.
“من هذا الذي يضع حبيبته في منزله ثم يخصص لها غرفةً منفصلة؟ لقد قلبتم الدنيا بأكملها في إمبراطورية فيدوس وكأنها قصة الحب العظيمة في القرن، ومع ذلك هذا لا يُعقل.”
“……لا أفهم ما الذي تقصده، يا كونت.”
“إن واصلتِ التظاهر بهذا الشكل، فالأمر سيصبح مملاً، ريكا.”
قال بروتور ذلك وهو يميل برأسه قليلًا ويتمتم.
[أعرف حقيقتكِ.]
وفي اللحظة نفسها، عادت تلك الملاحظة إلى ذهني مجددًا.
شعرت وكأن إنذارًا صاخبًا يقرع في أذني. أن عليّ أن أهرب من هنا فورًا، و أنه لا يجب أن أبقى أكثر من ذلك.
وحين أعدت التفكير في الأمر، وجدت الكثير من الأمور التي لا تبدو طبيعية.
بدءًا من الرسالة التي أُرسلت إليّ، ومرورًا بكون بروتور بنفسه تفقد حالتي يوم أغمي عليّ، وحتى تلك الخادمة التي أوكل إليها هاوارد العناية بي والتي غفت فجأة.
كان لابد لي من مغادرة هذا المكان فورًا.
رغم أنني لم أسأل بعد عن الرسالة ولا عن سبب مرضي……لكن هاوارد ليس هنا، ولم يتبقَ سوى ساعة واحدة حتى منتصف الليل، لذا فتح هذا الموضوع الآن سيكون بمثابة مقامرةٍ خطيرة.
أما عن حالتي الصحية، فيمكنني طلب فحصٍ من طبيب دوقية تشيلستون عن طريق هاوارد لاحقًا، وأما الرسالة، فسأجد طريقة ما لسؤال أحدٍ عنها في وقت لاحق.
تظاهرت بعدم سماع ما قاله بروتور، ونهضت من السرير بسرعة. ثم بدأت أرتب ملابسي.
“يبدو أنني أصبحت بخيرٍ الآن، لذا سأعود. شكرًا لمساعدتكَ.”
قلت ذلك على عجلٍ ثم تحركت باتجاه الخادمة لأوقظها. لكنني توقفت حين سمعت صوت بروتور من خلفي.
“إن خرجتِ هكذا، ستندمين.”
تجمدت قدماي على الفور. و استدرت بنصف جسدي بشكلٍ طبيعي، فرأيته يبتسم وهو ينظر إليّ.
رفع ذراعه اليمنى قليلًا وسأل بنبرة كأنها تكمّل الحديث،
“ألا ترغبين بالحصول على هذا؟”
عندها فقط لاحظت ما في يده.
ضيقّت عينيّ لأنظر بتمعن، وعندما أدركت ما هو، فتحت فمي قليلًا وارتجفت جفوني. و عينيّ اهتزتا بذهول لا يمكن السيطرة عليه.
“هذا……سوارِي……”
لم تكتمل الجملة و تاهت في الهواء.
ورغم أن نطقي كان غامضًا، بدا أن بروتور فهم تمامًا ما كنت سأقوله. فابتسامته ازدادت اتساعًا.
وبينما كنت أحدّق فيه، اجتاحتني صدمةٌ كالصاعقة.
بروتور الذي يحمل السوار الخاص بـ”شخصيتي الأصلية”، بروتور الذي حضر حفل عائلة آفلز النبيلة، بروتور الذي باعتباره من أنصار الإمبراطور، لا بد أن له علاقة بسيرديا آفلز، وبروتور نفسه من أرسل لي الدعوة، وليس لهاوارد……
“لا يمكن……”
“بلى. أنا هو الـ‘شخصية الأصلية’.”
قال بروتور ذلك ببساطة، وهو يقترب مني بخطى ثابتة. و في لحظة تقلّصت المسافة التي تفصل بيننا.
وعندما بقي بيننا خطوة واحدة فقط،
“ريكا، أنا الشخص الذي كنتِ تبحثين عنه بيأسٍ منذ زمن.”
_______________________
المجنوووووون مهووس فيها ليه طيب؟ كان تقربت لها من زمان ان كانك صدق تبيها
وهاوارد ياخي وينك 😭
بعدين داه كيف عرف ريكا؟ لايكون بعد هو يستعمل النظام؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 31"