صاحب الصوت العالي كان فيليب. الذي كان يقترب من هاوارد بسرعة وملامحه تنطق بوضوحٍ أن أمرًا خطيرًا قد وقع.
لقد كان مشهدًا مألوفًا بشكلٍ مرعب.
“القائد! لدينا مشكلةٌ كبيرة، الأمر هو……”
ثم بدا أنه أدرك أن الأنظار كلها متجهةٌ نحونا، فاقترب من هاوارد وهمس له بصوتٍ منخفض.
رغم أن صوته بالكاد كان مسموعًا، إلا أنني، وأنا متكئةٌ على هاوارد، استطعت أن أسمع بعض كلماته. و كان يبدو أنها أنباءٌ عاجلة عن ظهور جماعاتٍ من الوحوش في أوبولين.
“فرسان الهيكل الذين كانوا متمركزين بالقرب يحاولون السيطرة على الوضع، لكن عدد الوحوش كبيرٌ جدًا، والمشكلة أنهم ظهروا في وسط أوبولين، لذا هناك صعوباتٌ كثيرة. لا أحد سوى القائد يستطيع تقليل الأضرار إلى الحد الأدنى.”
“ولِم الآن بالتحديد……”
تمتم هاوارد بنبرة مليئةٍ بالغضب والقهر.
شعرت أنه التفت إلي ليتفقد حالي. لكنني لم أتمكن من رفع رأسي. فالألم ازداد سوءًا، وكأن جمجمتي ستتحطم.
بلغ بي الأمر أنني اضطررت لعض شفتي حتى لا أصرخ، فشد هاوارد قبضته على كتفي.
“فيليب، انطلق أولًا. سأوصِل ريكا إلى الطابق العلوي ثم……”
“سيدي القائد، أعتذر، لكن عليكَ المغادرة فورًا.”
قاطع فيليب حديثه بصوتٍ صارم. وكان ذلك أمرًا غير مألوف، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مكانة هاوارد بين فرسان الهيكل.
‘……هذا يعني أن الوضع عاجلٌ جدًا.’
وإن كان كذلك، فلا ينبغي لهاوارد أن يبقى هنا.
تنفست بعمقٍ عدة مرات، ثم دفعت هاوارد بعيدًا عني. فقد كنت أحاول أن أبتعد عنه.
لكن مع حركتي، شدّني هاوارد نحوه أكثر بدلًا من أن يتركني. فأصبح دفعي له بلا جدوى. وهكذا وجدت نفسي بين ذراعيه تمامًا.
وعندما التصق جسدي به، شعرت بأشياء لم ألحظها عندما كان يقف بجانبي فقط. كمدى اضطراب دقات قلبه، وكم كان جسده يرتجف.
“……هاوارد.”
“…….“
“هاوارد.”
رفعت رأسي بصعوبةٍ وناديته. فالتقت أعيننا من مسافةٍ قريبة.
“سأصعد لأتلقى الفحص وأستريح في الأعلى، اذهب الآن.”
أنا أعلم كم يشغلكَ أمر ظهور الوحوش هناك. وأعلم أيضًا أنكَ لست الشخص الذي يمكنه تجاهل أمرٍ مرعب كهذا.
ويبدو أنه فهم ما أفكر به، إذ عبس وجهه فجأةً بعنف و تحدث بصوتٍ مبحوح،
“لا، هذا ليس شيئًا عليكِ أن تقلقي بشأنه……”
“اذهب الآن. وإلا ستندم لاحقًا.”
دفعته مجددًا بصدره. وهذه المرة، ابتعد عني بسهولةٍ أكبر مما سبق.
“هناك من سيساعدني، لذا لا تقلق.”
وبالطبع لم أكن أقصد بروتور إيتينتيا. بل كنت أعني خادمة دوقية تشيلستون التي جاءت معي.
ويبدو أن هاوارد فهم ما أرمي إليه، إذ تنهد بخفةٍ بعد لحظة من التردد واستسلم للأمر.
“فهمت، سأعود بأسرع ما يمكن. ارتاحي في هذه الأثناء.”
أومأتُ برأسي، فنادى هاوارد على خادمة الدوقية التي كانت تنتظر في الزاوية. وبعد أن أوصاها بي، تحرك بسرعة خلف فيليب.
ومع ذلك، التفت إلي عدة مراتٍ وهو يبتعد.
‘……حقًا، لا يمكن التعامل معه أبدًا.’
ابتسمت بخفة، ثم عبست من شدة الألم الذي عاد مجددًا.
“آنستي، هل أنتِ بخير؟”
سألتني الخادمة بقلقٍ وهي تنظر إلي. وعندما اتكأت على جسدها قليلًا، اقترب بروتور بهدوءٍ مني.
مد يده نحوي و تحدث بلطف،
“سأصطحبكِ بنفسي.”
يده الكبيرة أمسكت بمعصمي. و حينها سارعت الخادمة التي كانت تسندني إلى الاعتراض،
“لـ-لكن……”
“الطابق الثاني يحتوي على الكثير من السلالم. من الأفضل أنني أساعدكِ في الصعود، سيكون أسرع وأسهل. يجب أن تلتقي بالطبيب في أسرع وقت.”
بعد تردد خادمة الدوقية، تراجعت قليلاً أمام حجة بروتور بأننا بحاجةٍ للقاء الطبيب بسرعة.
فأخذ بروتور مكانها على الفور. و رفعني بحرص، داعمًا ظهري وركبتي كما لو كنت أميرةً في حضنه.
شعرت بغريزةٍ أنني يجب أن أرفض، لكن لم يكن لدي القوة لدفعه بعيدًا في تلك اللحظة. وبذلك، وجدت نفسي بين ذراعيه في طريقنا إلى الطابق الثاني. و كانت الخادمة تلاحقنا بسرعة من خلفنا.
أدخلني بروتور إلى إحدى الغرف ووضعني على السرير. و سرعان ما دخل الطبيب، بدا أنه الطبيب الشخصي لعائلة إيتينتيا. ثم بدأ في فحصي بسرعة.
حاولت أن أُبقي نفسي في وعيي، بينما اقتربت الخادمة و تحدثت بلطف،
“آنستي، سأبقى هنا بجانبكِ. استريحي قليلاً.”
شعرت بقليلٍ من الراحة بعد سماع كلماتها. فتراخى التركيز في عينيّ. ثم أغشي عليّ وسقطت في غيبوبة.
***
عندما استعدت وعيي، كان المكان هادئًا من حولي.
قبل أن أفقد الوعي، كان المكان مليئًا بأصوات الخادمة والطبيب، لكن الآن كان الصمت يعمّ كل شيء كما لو أن كل شيءٍ كان مجرد كذبة.
آه، كان هناك صوتٌ واحد فقط استطعت سماعه. صوت شعري وهو يلامس جبيني.
كان هناك من يربّت على رأسي.
‘……من يكون؟’
فكرت في الأمر دون أن أفتح عينيّ. أو بالأحرى، لم أستطع فتحهما. فلم يكن لدي القوة لرفع جفنيّ بعد أن بدأت للتو في استعادة وعيي.
لا أظن أنها الخادمة. إذًا من؟
وبينما أجهد تفكيري، خطر في بالي شخصٌ واحد. وبلا وعي، نطقت باسمه.
“هاوارد؟”
توقفت اليد التي كانت تلامس شعري فجأة. ورغم كل شيء، كنت أفكر بما إذا كان هاوارد قد أنهى مهمة قمع الوحوش وعاد بسلام.
ثم، جاء صوتٌ منخفض،
“……أنا لست الدوق تشيلستون.”
كان صوتًا يحمل شيئًا من الاستياء.
وعندما أدركت أن من أمامي ليس هاوارد ولا الخادمة، فتحت عينيّ ببطء.
في البداية، لم أتمكن من رؤية شيءٍ بسبب الظلام، لكن بعد أن رمشت عدة مرات، بدأت الرؤية تتضح.
رأيت شعرًا أحمر يملأ مجال رؤيتي. وعينين خضراوين تحدقان بي وكأنهما تخترقانني.
“……الكونت إيتينتيا؟”
كان شخصًا لم أتوقعه أبدًا. وليس لأنني نسيت أنني في قصر الكونت إيتينتيا، بل بسبب ما كان يفعله في تلك اللحظة.
فبروتور كان يربّت على رأسي طوال الوقت الذي كنت فيه فاقدةً للوعي. كما لو كان شخصًا يفيض حبًا لي.
“لماذا أنتَ هنا؟”
“لأنكِ أغمي عليكِ في الحفلة التي نظّمتها.”
“لا، لم أقصد ذلك. لقد جاءت معي خادمةٌ من قصر الدوق، كان من المفترض أن تكون بجانبي……فلماذا أنتَ من يعتني بي؟”
سألت وأنا أتكلم بنبرةٍ خفيفة من الانزعاج، ثم فجأة ارتجف جسدي قليلًا. لأني أدركت فجأة أنني لا أعرف كم الساعة الآن.
فبما أن الأصوات في الخارج ما تزال صاخبة، فهذا يعني أن الحفلة لم تنتهِ بعد، وبالتالي الوقت ليس متأخرًا كثيرًا……ومع ذلك لا يمكنني التأكد.
أسرعت بالجلوس وتفحصت ملابسي، وعندها تحدث بروتور بصوتٍ منخفض وهو ينظر إليّ:
“لا تقلقي، لم ينتصف الليل بعد.”
“آه، نعم……شكرًا لكَ.”
إذًا ما زال الوقت مبكرًا. وبما أن فستاني ومجوهراتي لم يُمسّا، فلابد أن كلامه صحيح.
زفرت زفرة ارتياح عميق. لكن ذلك لم يدم سوى لحظة. لأنني أدركت شيئًا غريبًا.
‘……انتظري لحظة، كيف عرف هذا الرجل ذلك؟’
هل علم بأنني قلقة من أن منتصف الليل قد حلّ؟
شعرتُ بقشعريرةٍ تسري في جسدي للحظة. فأسرعتُ بتدوير عيني لأبحث عن الخادمة.
كانت تجلس على الكرسي في زاوية الغرفة ورأسها منحنٍ تمامًا. هل يعقل أنها نائمة الآن؟ هنا؟
ولأنني كنت أعلم أنها ليست من النوع الذي يفعل ذلك عادة، ازداد شعوري بالقلق. وساهمت الورقة الصغيرة التي استلمتها مع دعوة الحفل في زيادة توتري.
[أنا أعرف هويتكِ الحقيقية.]
عندما التفتُّ إلى بروتور، ابتسم ابتسامةً خفيفة.
“قبل قليل، ما إن فتحتِ عينيكِ حتى سألتِ عن الدوق تشيلستون، يبدو أن علاقتكما وثيقةٌ جدًا.”
“……نعم، أنا والدوق في علاقة حب.”
قلت ذلك بعد أن ترددت قليلًا. و لقد أصبحت الإجابة الجاهزة تخرج مني بسلاسة الآن.
عندها، تغير تعبير بروتور بشكل طفيف.
كان لا يزال يبتسم، لكنني تمكنت من ملاحظة ذلك لأنني كنت أراقبه بحذرٍ طوال الوقت.
أغمض بروتور عينيه ببطء ثم فتحهما مجددًا. و عيناه الخضراوان اللتان ظهرتا من جديد كانتا تتوهجان ببريقٍ حاد.
“هل يصبح كل الأحبة مقربين إلى هذه الدرجة؟”
“على الأرجح، لأننا نحب بعضنا.”
قلت ذلك بنبرةٍ جامدة محاوِلةً إخفاء توتري. فلم أفهم لماذا لا يتوقف عن قول أشياء لا داعي لها منذ قليل.
ولماذا الجميع مهتمون بعلاقتي مع هاوارد إلى هذا الحد؟
بدأ الغضب يتصاعد بداخلي. لكن ما كان أكثر إزعاجًا من كل ذلك شيء آخر. فبروتور طرح اقتراحًا لا يُعقل.
“في هذه الحالة، ماذا لو كنتُ أنا حبيبكِ؟”
قال ذلك هذه المرة بوجهٍ جاد على عكس ما كان عليه سابقًا.
________________________
مهووس؟🤡
ياكثر المهووسين ذا الايام ديتريون وجوون والحين بروتو هدو شوي
المهم شكل الصداع الي جاها بسبة بروتو ذاه؟ مجنون
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 30"