“يعرف حقيقتكِ؟”
قال هاوارد ذلك وهو يراقبني أفتح الظرف. فانعقد حاجباه قليلًا.
“كنت أتوقع أن يكون هناك شيء، لكن لم أظن أبدًا أن يحتوي على رسالة تهديدٍ كهذه.”
“…….”
“هل من الممكن أن يكون المقصود أنه يعرف بأنك قد تلبّستِ هذا الجسد؟”
“……لستُ متأكدة.”
أجبت بصوتٍ خافت، وكان ذلك أقصى ما استطعت قوله.
هاوارد ظن أن الرسالة تشير إلى معرفتهم بأني شخصٌ متلبّس، لكنني كنت أفكر في شيء مختلف تمامًا.
ماذا لو……ماذا لو كان المقصود هو أنهم يعرفون أنني نوكس؟
في لحظة، اجتاحتني موجةٌ من الذعر. و اهتزت يدي التي كانت تمسك بالدعوة كما لو كنت أرتجف بردًا.
‘هل يقصد أنه سيخبر هاوارد؟’
إرسال ورقةٍ كهذه إلى قصر الدوق تشيلستون لا يمكن أن يكون عبثًا.
ربما يظن أن وجودي هناك يبرر الأمر، لكن لا أحد يرسل تهديدًا دون أن يدرك أنه قد يُفتح من طرفٍ آخر.
‘لا، لقد فعلها عن قصد، وهو يعلم تمامًا ما يفعل.’
عضضت باطن خدي من التوتر. و كأن هناك من يهمس في أذني: هذا السلام الذي نلته عن طريق الحظ، سينتهي قريبًا.
وإن اكتشف هاوارد الحقيقة التي أخفيتها طوال هذا الوقت، فربما يكون ذلك بالفعل نهاية كل شيء.
لأنه لن يتركني وشأني أبدًا. ففي هذا العالم، “نوكس” هو شخصٌ منبوذ من المعبد، أي هرطقي، وهاوارد تشيلستون يكره الهراطقة من أعماق قلبه.
لقد اكتشفت ذلك مؤخرًا، من دون قصد. و عرفت لماذا يكره هاوارد الهراطقة وملك الشياطين إلى هذا الحد.
‘قال أنه فقد كل من كان عزيزًا عليه.’
عائلته، ومن أنقذ حياته. فكيف لي أن أطلب منه أن يتفهمني ويقبل بوجودي قربه؟
خصوصًا و أنا من جربت فقدان من أحب، لا يمكنني أن أطلب شيئًا كهذا منه.
“ريكا، هل أنتِ بخير؟”
سأل هاوارد وهو يتفحصني بقلق. و يبدو أن حالتي كانت سيئةً إلى درجة ظاهرة.
“لا تضعي كلامي السابق في بالكِ كثيرًا. قلتها فقط كاحتمال. هل تعتقدين أن هناك أحدًا يعرف بوجود المتلبّسين؟ حتى أنا، كشخصيةٍ غير لاعبة، لم أكن أعلم بذلك.”
“…….”
“لا تقلقي، قد يكون الأمر مجرد تهديدٍ بسبب تزوير الهوية. وإن كان كذلك، فأنا قادرٌ على معالجة الأمر.”
ظل هاوارد يطمئنني بلطف. و كنت أعلم أنه يفعل ذلك بدافع القلق عليّ.
هاوارد تشيلستون كان شخصًا طيبًا منذ لقائنا الأول وحتى الآن، لم يتغير. لكن لو اكتشف سري……
‘لن تنظر إليّ بعد الآن بهذا الوجه أبدًا.’
لسببٍ ما، شعرت بوخزٍ في أحد جانبي صدري.
من المؤكد أن إثبات فائدتي لهاوارد كان يجب أن يكون أولويتي، ومع ذلك وجدتُ نفسي أقلق أولًا من أن يكرهني.
يبدو أنني تعلقت به دون أن أشعر. يا لسخافة الأمر حقًا.
‘……ألا يمكنني عدم الذهاب إلى الحفلة؟’
ترددتُ بصدق.
ألا يمكنني فقط الاستمرار في عيش هذه الحياة السعيدة كما هي؟ فلم يتبقَ لي حتى عامٌ واحد من الوقت، أليس ذلك وقتًا يمكنني تحمّله؟
راودتني أفكارٌ كثيرة في رأسي. و تأملت بصمت لبرهة ثم تنهدت. ففي النهاية، لم يكن ممكنًا أن أفعل ذلك.
‘تجاهل دعوةٍ مريبة كهذه يجعلني أشعر بعدم الارتياح.’
لا أعرف كيف سيردُّ إن رفضت. وفوق ذلك، فإن بروتور إيتينتيا كان من بين الذين حضروا حفلة الكونت آفلز، وربما يكون أحد من أعطوا السوار لسيرديا.
يجب أن أذهب لأتأكد. و على الأقل يجب أن أستعيد السوار.
“إن كنتِ قلقة حقًا، فلا بأس في عدم الذهاب. يمكنني الاستفسار عن الأمر عبر شخصٍ آخر.”
“لا، سأذهب.”
قلت ذلك بوجهٍ حازم. وأنا أشد قبضتي على بطاقة الدعوة.
“سأذهب وأسأل بنفسي، ما الذي كان يقصد بكلامه.”
كان قلبي كان ينبض بعنف. لكنني قررت ألا أهرب، كما أفعل دائمًا.
***
حضرتَ حفلة الكونت إيتينتيا وأنا أشعر بتوترٍ شديد.
ولأن بطاقة الدعوة كانت موجهةً إليّ هذه المرة، فقد كان توقيت بداية الحفلة في المساء دون مراعاةٍ لظروف هاوارد، مما جعلني أصل متأخرة بعض الشيء مقارنةً بالآخرين.
لو أن هاوارد تلقى دعوةً هو الآخر، لكان قد قبلها بسهولة متحررًا من قيود النظام، لكن وعلى غير المتوقع، لم تصله دعوة، لذا لم يكن ذلك ممكنًا.
ولحسن الحظ، جاء هاوارد من المعبد مباشرة إلى الحفل، وكانت الحفلة لا تزال نشطةً حتى في الليل.
وبما أن العائلة معروفةٌ بولائها الشديد للإمبراطور، كان هناك الكثير من المؤيدين للعرش في قاعة الحفل.
وكانت سيرديا آفلز واحدةٌ منهم.
‘قالوا أنها ذهبت لأخذ فترة نقاهة، لذا كنت أظن أنها لن تحضر.’
لم أكن أتوقع أن أصادفها هنا، فشعرت بالارتباك، لكنها اكتفت بالنظر إلي من بعيد بنظراتٍ حادة دون أن تقترب.
وكان ذلك للحظة قصيرة فقط. فقد اختفت من مجال رؤيتي بشكلٍ طبيعي بعد ذلك.
ربما كان السبب وجود هاوارد بجانبي. فبفضله، تمكنت من التركيز أكثر على وضعي.
“أين يمكن أن يكون الكونت إيتينتيا؟”
سألت وأنا أتلفت حولي، فأجابني هاوارد وهو يشير بعينيه خفيةً إلى جهةٍ ما دون أن يلاحظه الآخرون.
“ها هو قادمٌ من هناك.”
اتبعت نظراتهِ فاستدرت تلقائيًا في ذلك الاتجاه.
كان هناك رجلٌ يقترب منا. و أول ما لفت نظري هو شعره الأحمر المتوهج كالنار. وبما أن خصلاته كانت مموجةً قليلاً، فقد أعطى انطباعًا وكأنه لهبٌ حي.
وعلى النقيض من ذلك، كانت عيناه الخضراوان تحت ذلك الشعر تبعثان هدوءًا غريبًا.
رغم دفء لونهما، شعرت بأنهما تبثان برودًا غامضاً، وما إن بدأت أتأمل ذلك، حتى كان الرجل قد وصل أمامي وأمام هاوارد.
ابتسم بلطفٍ وحياني بخفة،
“مرحبًا آنسة إيفريت. أشكركِ على تلبية الدعوة المفاجئة. أنا بروتور إيتينتيا. سعدتُ بلقائكِ حقًا.”
“……بل الشكر لكَ على دعوتكَ.”
انحنيتُ قليلًا لتحيته. وحين اعتدلت، التقت عيناي بعيني الرجل—بروتور إيتينتيا.
وعلى عكس ما توقعت، لم يظهر أي عداء. بمعنى آخر، لم يبدو أنه الشخص الذي أرسل تلك الرسالة التهديدية.
بل إن نظرة سيرديا الحادة السابقة جعلتني أشعر وكأنها هي المذنبة.
‘لا يبدو أن هناك مشكلةٌ تُذكر.’
نظرت إلى بروتور لبرهة ثم حولت بصري عنه.
وعندما نظرت حولي، لم أتمالك نفسي من الصدمة. فقد كانت أنظار جميع الحاضرين في قاعة الحفل متجهةً نحونا دون أن أشعر.
‘لماذا؟ هل فعلت شيئًا خاطئًا؟’
كنت متوترة بالفعل، فبدأ قلبي يخفق بسرعة. و حاولت التماسك قدر الإمكان، وركّزت في أحاديث الناس من حولي.
وما سمعته بعد لحظات كان بعيدًا كل البعد عما توقعت.
“أنظر هناك، انظر إلى من يقفان سويًا.”
“إنه الدوق تشيلستون والكونت إيتينتيا، أليس كذلك؟”
“حتى حين أنظر إليهما مجددًا……إنهما وسيمان بحق……”
“أليست هذه أول مرة نراهما معًا هكذا؟”
آه، إذًا الأمر هكذا. لحظة اجتماع أشهر شخصيتين في إمبراطورية فيدوس في مكانٍ واحد.
‘كنت أعلم أن هاوارد يحظى بشعبية، لكن لم أكن أعلم أن بروتور كذلك.’
ولأنني كنت مشغولةً بالسعي لكسب قوت يومي، لم أكن أعير الشائعات أي اهتمام، ولم يُذكر اسم “بروتور إيتينتيا” في رواية <عالم الفنتازيا> من الأساس.
وبوجود هذين الرجلين المحبوبين، ومع انضمام “ريكا إيفريت” التي اشتهرت مؤخرًا كعشيقة الدوق تشيلستون، فمن الطبيعي أن يتجمع الناس للمشاهدة.
‘ربما كنت سأتصرف مثلهم لو لم يكن هذا شأني.’
تمتمت بهذه الفكرة غير الضرورية في داخلي، وفي تلك الأثناء التفت إلي بروتور بعد أن أنهى تحيته مع هاوارد.
كان لا يزال يبتسم بلطف. بوجهٍ بدا وكأنه مليءٌ بالمودة لسببٍ ما.
و حين التقت عيناي بوجهه، شعرت بصداعٍ مفاجئ.
“آه……”
أغمضت عيني دون وعيٍ من شدة الألم. ولأنني فقدت توازني في اللحظة ذاتها، اصطدم كتفي بكتف أحد المارة بجانبي، فتأرجح جسدي وكدت أسقط.
“ريكا!”
ناداني هاوارد بسرعة، واحتضن كتفي بقلق. وبفضله، لم أتعرض للإحراج بالسقوط في وسط قاعة الحفل.
انحنى هاوارد قليلًا لينظر في وجهي وسألني بقلق،
“هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين بألمٍ في مكان ما؟”
“لا أعلم……فجأة رأسي بدأ يؤلمني……”
ما الذي يحدث؟ كان ألمًا لم أشعر به في حياتي من قبل، لذا لم أتمكن من تحديد سببه.
لم أستطع رفع رأسي، واكتفيت بالبقاء ساكنةً بين ذراعي هاوارد. وفي تلك اللحظة، تحدث بروتور الذي كان ينظر إلي.
“يبدو أن الآنسة إيفريت ليست على ما يرام. ما رأيكِ أن تصعدي إلى الأعلى وتستريحي قليلًا بعد أن يفحصكِ الطبيب؟”
“……إذاً، أرجو أن تعتني بها.”
أجاب هاوارد بتردد. فقد بدا أن حالتي كانت سيئةً للغاية. وبالطبع، لم أكن أستطيع حتى فتح عينيّ جيدًا، فلا عجب في ذلك.
“ريكا، هل تستطيعين المشي؟”
كنت على وشك الإيماء برأسي بصعوبة، حين دوى صوتٌ مرتفع من مكان ما.
كان صوتًا مألوفًا، سمعته من قبل.
“القائد!”
شعرت بقلقٍ ينبض في صدري.
فأن يُنادى هاوارد بذلك اللقب وسط الحفل، وبنبرةٍ ملؤها الاستعجال، لا يعني سوى أن أمرًا خطيرًا قد وقع.
________________________
بروتو الحمار متعمد يبعدهم عن بعض!
شكله هو الشخصية الأصلية دامها ماتذكرت انه موجود في اللعبه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 29"