“الآن، هل أنا مضحكة؟”
نظرت ريكا إلى هاوارد بنظرةٍ حادة قليلاً. و كان واضحًا أنها تشعر ببعض الاستياء.
بما أنه لاحظ مزاج ريكا، حاول هاوارد جاهدًا كبح ضحكته، لكن الأمر لم يكن سهلاً كما توقع.
‘منذ متى أصبح بإمكاني الضحكُ بهذا الشكل الجامح؟’
حتى هو شعر بالدهشة من نفسه.
في النهاية، نفى هاوارد بصوت يحمل نبرةً مرحة،
“لا.”
“كاذب. وجهكَ يقول أنكَ تجدني مضحكةً تمامًا!”
أصبح وجه ريكا أكثر عبوسًا مما كان عليه.
مدت يدها وأمسكت بيد هاوارد، ثم جذبته نحوها.
بصراحة، كانت قوتها ضعيفةً لدرجة أنها بالكاد تُعتبر قوة، لكن هاوارد استجاب لها ونهض متابعًا إياها. و سرعان ما خرج تمامًا من الخزانة.
بعد تحقيق الهدف، كان من المفترض أن يترك يدها الآن. لكن هاوارد لم يفعل. فقط لأنه أراد ذلك.
ريكا، التي كانت الآن تغمض عينيها نصف إغلاق، بدت وكأنها لا تدرك حتى أنهما لا يزالان ممسكين بأيدي بعضهما.
“صاحب السمو……يقول أنه لن ينام إذا لم يأتِ الدوق. طاقة الأطفال صعبة التتبع حقًا. يبدو أنه مستعدٌ للعب أكثر!”
“بالطبع، كان ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.”
“أنا الآن حقًا……لا أستطيع المواصلة. تعال وساعدني!”
“حسنًا، فهمت. سأتولى الأمر……يمكنكِ النوم الآن.”
عند هذه الجملة التي تمتم بها بخفوت، أغلقت ريكا عينيها تمامًا. فتلقّى هاوارد جسدها المتهاوي برفق ورفعها بحذر بين ذراعيه. ثم خرج من الغرفة باحثًا عن إحدى الخادمات.
ويبدو أنها كانت متعبة، إذ لم تستيقظ ريكا طوال ذلك الوقت.
“يا إلهي، آنستي!”
أسرعن بعض الخادمات إليه وتسلّمن ريكا بسرعة.
سلّمها هاوارد إليهن ثم استدار متجهًا إلى فريدريك الذي كان في انتظاره. وهو يشعر بقليلٍ من الأسف لسببٍ ما.
***
غادر فريدريك في صباح اليوم التالي.
كان يبدو عليه الأسف لاضطراره مغادرة قصر الدوق، لكنه لم يكن يملك خيارًا بسبب جدول أعمال اليوم التالي.
لكن عندما سمع دعوةً بالقدوم مجددًا في المرة القادمة، بدا أن مزاجه تحسّن قليلًا، وهذا كان كافيًا.
بعد ذلك، حضرتُ عدة حفلاتٍ أخرى. و كلها كانت وفقًا لما تم التخطيط له مسبقًا، حفلات أقامها نبلاء ذُكروا في قائمة الحضور لحفلة الكونت آفلز.
لكن للأسف، منذ حادثة السوار، لم يُعثر على أي خيطٍ يتعلق بالشخصية الأصلية. ولم تَرِد أي أخبارٍ عنه كذلك.
‘هاه……ما هذا بحق؟’
جلستُ إلى جانب هاوارد الذي أنهى عمله في المعبد، على أريكة مكتبه، وأمسكت رأسي بيديّ.
ولم يكن لدي خيار آخر. ففي حفلة الكونت آفلز، ألم تكن الشخصية الأصلية قد أظهرت وجودها بطريقة غير طبيعية لكل من كان هناك؟
وكأنها تتوسل أن يلاحظها أحد بأسرع وقتٍ ممكن.
لكن على عكس ما توقعتُ، لم تظهر الشخصية الأصلية بعد ذلك أبدًا. و لولا أن هاوارد كان معي ذلك اليوم ورأى السوار أيضًا، لكدت أظن أن كل ما حدث كان مجرد حلم.
‘ألم يكت تحاول لفت الانتباه إليه؟’
هل كان الأمر مجرد خطأ؟
هل شعر بالخطر فجأة فاختبأ من جديد في مكانٍ ما؟
‘لا، مستحيل، كيف يكون ذلك خطأ؟ هذا غير منطقي.’
……أم أنه. ربما كان خطأً بالفعل.
تنهدت من بين شفتيّ دون أن أشعر.
سأواصل حضور الحفلات في الوقت الراهن، لكن لا أعلم إن كنت سأتمكن من الحصول على دليل ذي قيمةٍ من هناك.
رفعت يدي عن رأسي وفتحت فمي،
“أي من هذه الحفلات ينبغي أن نحضرها تاليًا؟ أيها تبدو أكثر احتمالًا برأيكَ؟”
سؤالي لهاوارد لم يكن فقط لأنه يعرف النبلاء أكثر مني، بل كان هناك سببٌ أكبر. فالحفلة القادمة ستكون الحفلة العاشرة التي نحضرها معًا، حسب ما اتفقنا عليه مسبقًا.
أي أن هذه الحفلة ستكون مفصليةً في تحديد إن كنا سنواصل حضور المزيد من الحفلات سويًا أم لا.
‘من الآن فصاعدًا، سيكون حضور هاوارد للحفلات من أجلي فقط.’
في البداية، كنا نحضر الحفلات لنُظهر بوضوحٍ أننا على علاقة. لكن الآن تغيّر الهدف، قليلًا……لا، بل كثيرًا.
لقد تحقق ذلك الهدف إلى حدٍّ ما منذ أول حفلة حضرناها، ثم مع حضورنا لحفلات أخرى، بما فيها حفلة الشاي التي نظمها ماركوس، ترسّخت تلك الصورة في أذهان النبلاء.
هذا يعني أنه لم يعد من الضروري أن يقتطع هاوارد وقتًا من جدول أعماله المزدحم لحضور المزيد من الحفلات.
ومع ذلك، لم يبدِ أي تذمر وظل يرافقني. من أجلي. لذلك عليّ أن أراعي ظروف هاوارد قدر الإمكان.
“هل تعتقد أن حفلة عائلة الكونت هاميل ستكون خيارًا جيدًا؟ أعلم أنها ليست بنفس نفوذ عائلة الكونت آفلز، لكن سمعت أنها ليست سيئة أيضًا.”
“كلامكِ صحيح، لكن……”
تردد هاوارد قليلًا وهو جالس قبالتي، ثم هزّ رأسه ببطء.
“ريكا، متى وصلتكِ دعوة هذه الحفلة؟”
“أم……تقريبًا في نفس وقت دعوة عائلة الكونت آفلز.”
“إذًا من الأفضل أن نضع تلك الدعوة جانبًا، ونركّز على الدعوات التي وصلتنا بعد زيارة سمو الأمير.”
“لماذا؟”
أملت رأسي باستغراب، فأوضح هاوارد.
“أمر جلالة الإمبراطور المفاجئ لا يفارق تفكيري. رغم أنه علم بالفعل بعلاقتنا، إلا أنه أرسل شخصًا إلى قصر الدوق ليتأكد مرة أخرى، ألا يبدو هذا غريبًا؟”
“بلى، معكَ حق.”
“فكرت في الأمر كثيرًا. لا أستطيع الجزم، لكن من المحتمل أن يكون سبب تصرف جلالته مرتبطًا بالشخصية الأصلية.”
“جلالته مرتبطٌ بالشخصية الأصلية؟”
كان ذلك احتمالًا لم يخطر ببالي من قبل.
عند كلامي، رفع هاوارد كتفيه قليلًا باستخفاف.
“كان مجرد تخمين. إن كان جلالة الملك قد غيّر موقفه فجأة، فربما يكون السبب ظهور تلك الشخصية الجديدة. وبما أننا مضطرون لحضور الحفلات على أي حال، فلا بأس بأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار عند اختيار الحفلة التالية.”
“سأفعل ذلك.”
أسرعت بتفقّد الدعوات. ومنذ أن بدأت تتوافد بكثرة، قامت خادمات قصر الدوق بفرزها بحسب التاريخ، لذلك لم يكن من الصعب التحقق منها.
كان عدد الدعوات التي وصلت بعد مغادرة فريدريك عشر دعوات. قسمناها إلى نصفين، وأخذ كلٌّ منا خمسًا.
ثم فجأة، مدّ هاوارد يده نحوي بدعوةٍ واحدة.
“هنا، انظري إلى هذه.”
وضعتُ الدعوة التي كنت أقرأها جانبًا وأخذت التي ناولني إياها.
كانت الدعوة مزينةً بالكامل باللون الأزرق. وعندما أنزلت نظري إلى أسفل الظرف، وجدت اسم المرسل.
[بروتور إيتينتيا.]
“إيتينتيا؟ هل هو الكونت إيتينتيا؟”
سألت وأنا أسترجع قائمة الأسماء التي كنت قد حفظتها بسرعة قبل الحفلات، فأومأ هاوارد برأسه.
“صحيح. إنها دعوةٌ من الكونت إيتينتيا. عائلة الكونت إيتينتيا برزت بشكل كبير خلال السنوات الماضية. لا نعرف إن كان السبب اكتشاف منجم في أراضيهم أو أمر آخر، لكن هذا ليس المهم. الأهم هو أن عائلة الكونت إيتينتيا معروفةٌ بولائها الشديد للإمبراطور.”
“……صحيح، إن كان لجلالته علاقةٌ بالشخصية الأصلية، فالأرجح أن العلاقة تكون من هذا النوع.”
بدأ رأسي يزداد ارتباكًا وتعقيدًا.
كل ما أردته هو أن أعثر على الشخصية الأصلية وأنتقم منها فحسب، لكن الآن أصبح الأمر يتضمن الإمبراطور نفسه؟
لم أكن أتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحجم.
“هل أريتني هذه الدعوة لأن الكونت إيتينتيا من أنصار الإمبراطور؟”
“ليس لهذا السبب فقط. انظري إلى اسم المُرسل إليه.”
نظرت مجددًا إلى الظرف الورقي، ثم اكتشفت الأمر.
“……ريكا إيفيريت؟ هذا اسمي!”
“صحيح، إنه اسمكِ.”
“يعني، هذه الدعوة أُرسلت إليّ، وليس إلى هاوارد؟”
“نعم.”
حدّقت في الدعوة بوجهٍ مليء بالارتباك.
“لم يسبق أن وصلت أي دعوةٍ باسمي من قبل……”
كل الدعوات التي وصلت إلى قصر الدوق تشيلستون حتى الآن كانت موجّهةً إلى هاوارد تشيلستون فقط.
حتى لو أُرسلت لاختباري وللتأكد من هويتي مع وجود شرط اصطحاب شريك، فإنها كانت على الأقل تُوجَّه لهاوارد من الناحية الشكلية.
لأن ذلك يبدو أفضل من الناحية الاجتماعية. فإرسال دعوة إلى الآنسة إيفيريت، ثم تلقي الرفض، فيه مساسٌ بالكبرياء. أما تلقي الرفض من الدوق تشيلستون، فهو أمرٌ يمكن تقبّله.
لا شك أن الأمر كان كذلك.
“لماذا أرسلها لي أنا تحديدًا؟ لم يسبق لي حتى أن تبادلت التحية مع الكونت إيتينتيا في أي من الحفلات السابقة.”
“لم لا تفتحيها وترين؟ أنا نفسي لم أطلع عليها بعد، لأنها موجّهةٌ إليكِ.”
ابتلعت ريقي بصعوبة بينما بدأت أفتح الظرف.
رغم أنها مجرد دعوة، شعرت بتوتر غريب. وكأن شيئًا خطيرًا ينتظرني بداخلها.
“أرجو أن لا يكون أمرًا مهمًا……”
تمتمت بهذا، ثم سحبت الدعوة من الظرف.
لكن، وكما هو الحال دائمًا، الحظ السيئ لم يكن ليتجاوزني. فداخل الظرف، إلى جانب بطاقة الدعوة، وجدت ورقةً صغيرة.
وكانت تحتوي على عبارةٍ تقشعر لها الأبدان،
[أنا أعرف حقيقتكِ.]
__________________________
هو الشخصية الأصلية؟😃 انكشف بسرعه ماتوقعت
او انه يعرف الشخصية الاصلية او يعرف ماضيها او يعرف انها نوكس؟ مدري
المهم هاوارد يجنن يوم شالها وحس شوي بالأسف لأنه خلاها😭😭😭😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 28"