‘لا أعرف إن كنت أستحق ذلك.’
هزّ هاوارد رأسه قليلًا محاولًا طرد ذكرى غامضة بدأت تطفو في ذهنه.
على أي حال، لم يكن يتذكرها جيدًا. فبعد الكارثة التي وقعت في منزل الدوق تشيلستون، بدأت ملامح تلك الفتاة تتلاشى من ذاكرته.
وليس غريبًا، فتلك الفتاة كانت……
“ستة! خمسة! أربعة!”
في تلك اللحظة، سمع صوت فريدريك يرتفع من بعيد، وكأنه ينبههم بأن الوقت أوشك على الانتهاء. فقطع هاوارد شروده ودخل بسرعة إلى إحدى الغرف القريبة.
فتح باب خزانةٍ في أحد الزوايا وحشر جسده داخلها.
كانت غير مريحةٍ بعض الشيء، لكنها لم تكن تحتوي على أي ملابس، وكانت واسعةً إلى حدٍّ ما، فكان الوضع قابلًا للاحتمال.
بالمجمل، لم يكن مكانًا سيئًا للاختباء.
مدّ هاوارد يده وأغلق باب الخزانة المفتوح. وقبل أن يُغلق تمامًا، سمع صوت فريدريك قادمًا من بعيد وهو يصرخ،
“انتهى الوقت! سأبدأ البحث الآن!”
‘خزانةٌ كهذه لن يستغرق العثور عليها وقتًا طويلًا.’
كان ينوي إنهاء اللعبة بأسرع ما يمكن ثم إقناع فريدريك بالنوم، حتى تتمكن ريكا من الحصول على بعض الراحة.
فمنذ لحظة وصوله إلى قصر الدوق ورؤيته لوجهها، فهم على الفور كم كانت متعبةً طوال اليوم. وكان يعلم أنها مرهقة في الآونة الأخيرة، لذا لم يكن بإمكانه أن يدعها تتعب أكثر من ذلك.
أسند هاوارد جبهته بلطف إلى جدار الخزانة. و مع حلول الظلام، عادت الأفكار التي شتّتها سابقًا لتتسلل مجددًا إلى ذهنه.
كانت تدور حول طفولته البائسة.
قطّب هاوارد حاجبيه.
‘فكر بشيءٍ آخر……’
وللمفاجأة، جاءه شيءٌ آخر ليفكر فيه بسهولة. لكن المشكلة أنه كان نفس الشيء الذي كان يشغل باله قبل أن يعود لتلك الذكريات القديمة.
“لا! لقد كانت قبلةً فعلًا! والقبلات تكون بين العشاق، أليس كذلك؟ أنا والدوق عاشقان، صحيح؟”
“ذاك فقط لأني شعرت بالإحراج……من المفترض ألا نتبادل القبلات أمام الناس……”
“نعم! أنا والدوق لا نفعل شيئًا كهذا إلا عندما نكون وحدنا……”
“……سأجن فعلًا.”
تمتم هاوارد دون أن يشعر. فالذكريات التي ملأت رأسه كلها كانت من النوع الذي لا ينبغي استرجاعه، وهذا أزعجه بشدة.
ثم تنهد بعمق.
وبصراحة، لم يكن الأمر خارجًا عن المتوقع. فكما قلنَ جميع النساء اللواتي ابتعدن عنه، هو لم يسبق له أن قبّل أحدًا من قبل.
حتى حدث ما جرى اليوم.
“رغم أن ريكل……مختلفةٌ على الأرجح.”
تذكّر ريكا التي لم تتردد في التقدم بعرض زواج وهي تمسك بباقة ورد، لمجرد أنها رأت رجلًا لأول مرة.
بما أن شخصيتها مندفعـة إلى هذه الدرجة، فلا بد أنها خاضت سابقًا علاقة حبٍ نابضة بالحيوية تناسبها تمامًا. وربما كانت القبلات والعناق أمرًا طبيعيًا بينها وبين من أحبت، مثل أي عاشقين.
عندما وصل تفكيره إلى هذه النقطة، ضيّق هاوارد عينيه قليلًا. و لسببٍ ما، لم يرغب في مواصلة التفكير بذلك.
‘لا أدري لماذا أشعر هكذا. هل لأني مرهق؟’
في النهاية، اختار هاوارد أن يغمض عينيه. وبقي على حاله، و جبهته تستند إلى الجدار، إلى أن بدأت أصواتٌ مألوفة تصل إلى أذنه.
“آنسة إيفريت! وجدتكِ! كنتِ هنا إذًا!”
“يا إلهي! لقد كشفني سموّ الأمير!”
كان واضحًا من صوتها أنها تتصنّع. فضحك هاوارد بخفوت.
على ما يبدو، تعمّدت ريكل أن تختبئ في مكانٍ سهل حتى يعثر عليها فريدريك سريعًا. رغم أنه ليس واثقًا مما إن كان فريدريك قد فهم ذلك بالفعل.
‘الآن سيبحثان عني معًا، لذا ستنتهي اللعبة بسرعة.’
هكذا فكّر هاوارد، ثم أسند جسده إلى الجدار بارتخاءٍ أكبر دون أن يشعر.
وبينما كان ينصت إلى ثرثرتهما سويًا، انقطع وعيه فجأة.
***
“هاوارد، أفق.”
“إياك أن تُصدر صوتًا.”
عندما سمع الصوت قرب أذنه، فتح هاوارد عينيه ببطء.
رمش عدة مرات. وكانت يده التي رآها أمامه أصغر من المعتاد. فقبضها وبسطها عدة مرات بقوة، لكنه لم يشعر بشيء.
وهكذا أدرك الأمر.
‘آه، إنه حُلم.’
على ما يبدو، غلبه النوم داخل خزانة الملابس، فبدأ يحلم.
حين هاجم ملك الشياطين قصر الدوق، كان هاوارد مختبئًا داخل خزانةٍ أيضًا.
“أتفهّم أنكَ خائف. لا يمكنني تخيل كم كان الأمر صادمًا لكَ. لكن……لكن عليكَ أن تبقى هادئًا.”
استمر صوتٌ بجانبه في الحديث. و رغم أن المتحدث كان يرتجف من الخوف أيضًا، إلا أنه كان يحاول تهدئته بأي طريقة.
نظر هاوارد إلى خصلات الشعر السوداء الطويلة التي أمامه.
في الواقع، لم يكن يُفترض أن يرى شيئًا داخل خزانة مظلمة، لكن هذه كانت رؤية حلم، لذا بدت الأمور مختلفة.
وربما لأن مظهر تلك الفتاة، التي نسيها تمامًا بفعل صدمةِ ما حدث، لم يتبقّ له في ذاكرته سوى هذا الجزء فقط.
بينما كان يحبس أنفاسه، فجأة صدر صوتٌ من الخارج.
“……ما هذا؟”
همست الفتاة بصوتٍ مرتجف،
“ما هذا الصوت؟”
طقّ-
طقّ-
طقّ-
كانت خطوات واضحة، لا يمكن أن تكون لبشر.
“هنا……قوى….مُقدسة……قوية……”
صوتٌ ثقيل وبطيء تسلّل من خلف باب الخزانة. و كان من الواضح أنه ليس صوت إنسان، بل كأنه كائنٌ يحاول تقليد صوت البشر.
“تخلّص….منهم…..أمر…..”
تمتم ذلك “الشيء” الذي يقف خارجًا. ثم، فجأة، دوّى صوتٌ قوي حين ضرب شيءٌ ثقيل باب الخزانة.
تكرر الطرق العنيف عدة مرات، حتى بدأت أجزاءٌ من الباب الخشبي تتكسر وتتطاير. ولم تمضِ سوى لحظات حتى أصبح من في الداخل يرى ما بالخارج، والعكس كذلك.
“آآه……”
وما رآه هاوارد كان عيونًا حمراء متوهجة.
كان مخلوقًا يُعرف بـ”ملك الشياطين” واقفًا أمامه بطريقةٍ مهدِّدة.
رِجلُه الضخمة التي كان يضرب بها الباب قبل قليل ارتفعت عاليًا، و لمعت منها مخالب حادة وخطيرة.
“آآه……آآه……”
أطلق الوحش صوتًا غريبًا ورفع قدمه للأعلى. حينها، الفتاة التي كانت تراقبه بهدوء رفعت جسدها قليلًا.
هاوارد كان يعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك.
‘……لا.’
صرخ محاولًا مد يده.
لكن صوته لم يخرج، وجسده لم يتحرك. وكأن المشهد أمامه يخبره بأنه لا يمكن تغييره.
وضعت الفتاة يدها على باب الخزانة الممزق.
“هاوارد، عندما أدفع هذا الوحش، اهرب فورًا، فهمت؟ سأحاول الإمساك به لأطول وقتٍ ممكن.”
‘لا، لا تفعلي.’
“شكرًا لأنك لعبتَ معي طوال هذا الوقت.”
‘لا تفعلي ذلك.’
“وآسفة.”
‘أرجوكِ، لا تفتحي الباب.’
إذا فُتح الباب، سيهاجم الوحش الفتاة.
تلك الفتاة احتضنت الوحش و قفزت للأمام.
كانت تفعل ذلك لتفي بكلماتها. غير أن هاوارد، دون أن يكون لتضحية الفتاة أي جدوى، تجمد في مكانه غير قادرٍ على الهرب. فلم يستطع ترك تلك الطفلة التي كانت ملقاةً على الأرض تنزف.
لا يجب أن يحدث شيءٌ كهذا. لذا، أرجوكِ، لا تفتحي الباب أبداً.
على عكس الرجاء اليائس، فُتح باب الخزانة في لحظة.
كييييك-
فأغمض هاوارد عينيه بإحكام. و الآن سيبدأ الصوت المروّع……
“-رد.”
“…….”
“هاوارد!”
‘……لا أسمع شيئًا.’
تردد هاوارد للحظة ثم فتح جفنيه ببطء. و نظر إلى الأمام.
كان باب الخزانة مفتوحًا قليلًا، وكان هناك من يمسك الباب بكلتا يديه.
ظهر شعرٌ فضي لامع في مجال رؤيته.
“كنتَ مختبئًا هنا؟”
فُتحت عيناها الزرقاوان بدهشة.
الشخص الذي كانت أمامه هي ريكا. و عندها فقط أدرك هاوارد أنه قد استيقظ من الحلم.
لكن، نظرًا لما كان يعيشه في الحلم قبل لحظات، لم يستطع التخلص من أثره بسهولة.
بينما كان هاوارد ساكنًا، فتحت ريكا فمها من جديد.
“كنت تسترخي هنا بكل راحة؟ هل تعلم كم عانيتُ وحدي؟”
ثم فتحت باب الخزانة على مصراعيه.
حينها فقط بدأ شكل ريكا يظهر بوضوح أمامه.
شعرها مبعثرٌ في كل الاتجاهات، وملابسها بدت أكثر اتساخًا من قبل، ووجهها بدا متعبًا للغاية……
“سموه كان على وشك البكاء لأنه لم يستطع العثور عليكَ في أي مكان. أراهن أنكَ سمعت صوته من هنا، ألم تكن تستطيع الخروج؟ بفضلكَ اضطررت للعب الغميضة عدة مراتٍ إضافية.”
“….…”
“ألأطفال عادةً لا يتعبون بهذه السرعة، أليس كذلك؟ أما أنا، فقد صرت منهكة تمامًا، ومع ذلك استمر في طلب اللعب أكثر. شعرتُ أنني سأموت. أريد النوم. أشعر بالنعاس الشديد.”
قالت ريكا ذلك وهي تمط شفتيها بتذمر. وبينما كان يستمع إلى تذمرها، بدأ ببطء يدرك الواقع من حوله.
نعم، ما حدث قبل قليل كان مجرد حلم. و كان ماضيًا قد مضى بالفعل. لم يكن شيئًا سيقع عليه الآن.
“……هاها.”
ضحك هاوارد وهو ينظر إلى حال ريكا المبعثرة.
لا يعرف لما، لكن ضحكته خرجت بشكلٍ طبيعي فقط.
______________________
يحزن جتني الغصه البنت فطست وهو شاف كل شي 😔💔
يعني فطسة البنت فوقها فطسة اهله
و يوم قال ذاك الفصل يوم اختفت كل الاسوار الي كانت تحميه جتني الغصة💔
بعد كل ذاه شاف ريكا وضحك صدق هي شمسه🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 27"