عرفت ذلك بغريزتي. أن ما لامس شفتي الآن……لم يكن خد هاوارد. بل كان أكثر دفئًا……
‘……لا يمكن.’
تجمدت في مكاني وأنا أحاول جاهدةً أن أنكر ما حدث، لكن في تلك اللحظة، دوّى تصفيق فريدريك بجانبي عاليًا.
تصفيق-تصفيق-تصفيق-
“واو! الدوق والآنسة قبّلا بعضهما الآن، صحيح؟”
“لـ، لا! الأمر ليس هكذا!”
أسرعت ألوّح بيدي وأبتعد عن هاوارد.
‘قبلة؟! هذا الطفل يتحدث بكلمات قد تودي بي!’
ما حدث مجرد تصادم شفاهٍ لا أكثر!
هكذا حاولت أن أبرر لنفسي داخليًا، دون أن أستطيع قولها بصوت عالٍ. لكن وجهي اشتعل حمرة. و أدركتُ كم أن ما فكرت به كان غبيًا.
‘يا للحماقة.…..تصادم الشفاه، هو قبلةٌ أصلًا.’
نظرت سريعًا إلى هاوارد بطرف عيني. و كان لا يزال في وضعه، منحنٍ قليلًا ناحيتي، ومتجمدًا في مكانه.
في الواقع، بدا وكأنه لا يستطيع حتى أن يتحرك. و تساءلت في داخلي إن كان ما يزال يتنفس أصلًا.
على ما يبدو، كان هو أيضاً يفكر مثلي وتصرف بناءً على ذلك لكن بما أننا لم نتفق على حركة المسار، حدث هذا الموقف……
حين تذكرت الإحساس الذي لامس شفتي بشكلٍ طبيعي، شعرت بحرارةٍ تتصاعد إلى وجنتي مرة أخرى
و لحسن الحظ، لم نصدر صوتاً عندما اصطدمت شفاهنا.
على ما يبدو، حتى وأنا مصدومة، شعرت لا شعوريًا أنه لا ينبغي أن يحدث ذلك.
“ألم تتبادلا القبل؟”
أمال فريدريك رأسه وكأنه مستغرب. و كان وجهه يقول: “ألستما في علاقةٍ عاطفية؟”
بالطبع، لا أظن أن فريدريك قصد ذلك حرفياً، لكنني شعرت وكأنه كذلك، فسرعان ما غيرت موقفي.
“……لا! لقد كانت قبلة فعلاً! القبلة تكون بين العشاق فقط. والدوق وأنا عشاق، أليس كذلك؟”
رفعت بصري قليلًا نحو هاوارد طلبًا لموافقته. حينها، تلاقت أعيننا في الهواء.
“……صحيح.”
أجاب هاوارد وهو يشيح ببصره بعد أن اعتدل في جلسته، وكانت أذنه مشتعلةً بالاحمرار.
حين يكون هكذا، يجعلني أشعر بإحراجٍ أكبر.
“لكن لماذا قلتِ قبل قليل أنها ليست قبلة؟”
“لـ…لأنني شعرت بالإحراج. في الأساس، لا يجب أن يقبّل الناس بعضهم أمام الجميع.”
“لا يجب أن تقبلوا بعضكم أمام الناس؟ أوه! إذًا الدوق والآنسة لا يتبادلان القبل إلا عندما يكونان بمفردهما.”
“بالضبط! أنا والدوق لا نقبل بعضنا إلا عندما نكون وحدنا……”
لا، ما الذي أقوله الآن؟
كلما تكلمت أكثر، بدا أن الوضع يزداد غرابة.
“أعني، فقط عندما لا يكون هناك أحدٌ آخر……”
ومع ذلك، لم أستطع أن أتوقف عن الكلام.
واصلت التلعثم والتشويش، ويبدو أن هاوارد لم يحتمل أكثر فقرر التدخل.
“سموك، إذا تأخرنا أكثر، فلن نتمكن من لعب الغميضة.”
“آه، صحيح!”
اتسعت عينا فريدريك دهشة. و أدار رأسه نحو النافذة ليتأكد من الظلام في السماء، وبدأ يخطو بقلق على الأرض.
“لنبدأ من الآن! بسرعة، بسرعة! سأغمض عيني هنا وأعدّ لدقيقة، وخلالها تختبئون! بما أن قصر الدوق واسعٌ جدًا، فلتختبئوا في هذا الطابق فقط! مفهوم؟”
“نعم، مفهوم.”
درت بعيني وأنا أحاول تبريد وجنتي المحترقة بكفي.
كان ذلك لأتفقد الرجال الذين رافقوا فريدريك. وبدا أنهم توقفوا عن الهمس منذ قليل. على الأرجح، كان للحادث الذي حصل بيني وبين هاوارد تأثيرٌ كبير.
‘في الواقع، حتى لو كنت أنا من رأى شيئًا كهذا……’
……توقفي عن التذكر. وإلا سأظل أمشي ووجهي محمرٌ طوال الوقت.
أومأت برأسي نافيةً و سعلت سعالًا صغيرًا.
على أي حال، من خلال هذا الموقف، بات الأمر واضحًا تمامًا. هؤلاء الرجال جاؤوا إلى قصر الدوق فعلاً ليتأكدوا مما إذا كنا أنا وهاوارد على علاقةٍ عاطفية حقاً.
‘حقًا أمرٌ مثير للسخرية.’
هل يزعجهُ أمر هاوارد إلى هذه الدرجة؟
لا، بل على العكس. إن كنت أواعده حقًا، فلا ينبغي أن يقلقوا أصلاً. فأنا مجرد ابنةٍ وحيدة لبارون إيفريت الذي يملك أرضًا صغيرةً في الشمال.
‘لو كنتُ سيرديا آفلز، لكان الأمر مختلفًا. أما ريكا إيفريت، فهي ليست شخصًا بحاجة إلى هذا النوع من الحذر.’
بصراحة، إنه شخصٌ يثير فيّ الاستياء من كل الجهات.
قطبت حاجبي وأنا أفكر في ماركوس، وفجأةً سمعت صوت فريدريك يصرخ وهو مغمض العينين.
“آنسة! دوق! أنتما فعلاً ذهبتما لتختبئا، صحيح؟ أنا بدأت العد! حتى لو طلبتما الانتظار، سأفتح عيني فور انتهاء الدقيقة! سبعة وأربعون، ستة وأربعون……”
“آه! نـ-نعم نعم!”
تحركت على عجل. وتقابلت عيناي بعيني هاوارد الذي كان يهمّ بالخروج مثلي.
سادت لحظةٌ من التوتر الغريب بيننا. وكان هاوارد هو من كسر الصمت أولًا.
“أمم، ذاك……”
نظر إليّ للحظة ثم أشاح ببصره وتكلم. و كان صوته خافتًا بالكاد يُسمع وكأنه موجهٌ إليّ وحدي.
“……بخصوص ما حدث قبل قليل، أنا آسف. أعتذر.”
فتحتُ فمي لأرد عليه ثم هززت رأسي بسرعة.
‘ولماذا تعتذر أنت؟’
هكذا سيزداد الموقف غرابة.
“لا! أنا من يجب أن يعتذر. أنا من تصرفت باندفاع، ولهذا حدث ما حدث. على الأقل كان عليّ أن أخبركَ مسبقًا قبل أن أتحرك……”
“لا، حتى أنا كذلك……”
كنا أنا وهوارد عند باب الغرفة، نعتذر لبعضنا بخفوت، حين دوى صوت فريدريك مجددًا من الخلف.
لكن هذه المرة بدا صوته ممتعضًا.
“الدوق والآنسة، ما زلتما في الغرفة، أليس كذلك؟ قلت لكما أن تخرجا بسرعة! قلتها بوضوح، لن أنتظر أكثر!”
“….…”
“خمسة وثلاثون، أربعة وثلاثون……”
نظرنا لبعضنا للحظة، ثم ومع تناقص الأرقام، خرجنا من الغرفة على عجل.
وما إن رأيت هاوارد يتجه يسارًا حتى اندفعتُ تلقائيًا نحو اليمين. و لا أعلم لماذا، لكن شعرت أن البقاء معه في تلك اللحظة سيخنقني.
“انتظري، ريكا-”
سمعت صوته يناديني من الخلف، لكنني تجاهلته وواصلت الركض.
‘سنتحدث لاحقًا!’
أولًا عليّ أن أجد مكانًا للاختباء فيه! وأن أهدّئ وجهي المحمر أيضًا!
لأنها……
‘……كانت تلك أول مرةٍ في حياتي!’
***
نظر هاوارد إلى مؤخرة رأسها الفضي الذي كان يبتعد بسرعة.
كانت تركض بسرعةٍ مذهلة لدرجة أنه لم يستطع حتى اللحاق بها.
فكر ساخرًا أنه لو كانت قد ركضت بذلك الشكل عندما خرقت صف التفتيش لأول مرة – أي يوم لقائهما الأول – لربما لم يكن ليتمكن من الإمساك بها حينها.
رأى ريكا تدخل إحدى الغرف، فتنهد بهدوء. ثم توجه في الاتجاه الذي كان ينوي الذهاب إليه من البداية، ليبحث عن مكانٍ يختبئ فيه.
كان ذلك جزئيًا من أجل الاستمرار في لعبة الغميضة كما أراد فريدريك، لكن السبب الأكبر هو أنه إن بقي واقفًا دون فعل شيء، فسيواصل تذكّر ما حدث قبل قليل.
كانت شفاهها الوردية، التي اعتادت الحديث بلا توقف وهي تنظر إليه، أكثر دفئًا مما كان يتخيل.
وكانت ناعمةً أيضًا……
“……توقف.”
عبث هاوارد بشعره بقسوة بيده. و كان ذهنه مشوشًا. فلم يعرف متى أصبح بهذا الشكل غير المنضبط.
‘بالتأكيد لم أكن هكذا من قبل.’
وعلى عكس الشائعات المنتشرة، لم يكن هاوارد عديم الخبرة في الحب تمامًا.
لم يكن صاحب تجارب كثيرة، لكن كان لديه عددٌ قليل ممن يمكن اعتبارهن حبيبات.
بعد أن بلغ سن الرشد وتولى منصب قائد فرقة الفرسان المقدسة، بات من الطبيعي أن يلتقي بالكثير من الناس، حتى إن لم يكن يرغب بذلك.
ومع كثرة هذه اللقاءات، سواء من خلال تعارفٍ عن طريق الآخرين أو تلقي اعترافات حب، كانت تنشأ علاقاتٌ تقرّبه من بعض الفتيات.
بالطبع، كانت كل تلك العلاقات تنتهي بنفس الطريقة تقريبًا.
“الدوق لا يبدو وكأنه يحبني حقًا. حين أكون معه أشعر بالوحدة فقط.”
“لم يسبق لكَ حتى أن ضممتني، ناهيك عن قبلة.”
“أنت تمكث في المعبد حتى وقت العشاء. ألا يمكنكَ أن تفرغ ولو يومًا واحدًا لأجلي؟”
كانت النساء اللواتي قلن ذلك يهربن باكيات، وهذا مؤسف لهن.
لكن مع ذلك، لم يشعر هاوارد أبدًا بالحاجة إلى مثل تلك العلاقة الجسدية. فهو لم يكن مستعدًا لتحمل ألم خرق “إعداداته” لمجرد مغادرة المعبد من أجل لقاء أحد.
أحد الفرسان المقدسين الذين كانوا يعرفونه سأله ذات مرة،
“هل من الممكن أنك لم تحب هؤلاء النساء حقًا؟”
وربما كان محقًا في ذلك. لكن حتى لو كان الأمر كذلك، فلا يعني ذلك أن هاوارد لم يفتح قلبه لأحد في حياته.
فحتى في طفولته التي لم يكن يعرف فيها الكثير عن العالم، هاوارد كان قد منح قلبه بالفعل لشخصٍ ما.
“هاوارد؟ اسمٌ جميل.”
قالتها طفلةٌ ذات شعرٍ أسود كالليل.
________________________
اويلاو عنده حب أول ؟ بس عادي بلا بزران
المهم المومنت يجنن ضحكت يوم ركضت صدق انها سندريلا😭😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 26"