منذ ذلك اليوم، راودتني الكوابيس عدة مرات.
كنت أُجرّ إلى ماركوس وهو يقول لي: “سمعت أنكِ وجهتِ لي ضربة، أليس كذلك؟ إذًا دعيني أوجّه لكِ ضربتين.” ثم كان يضربني فعلًا ضربتين.
…..ما هذا الحلم السخيف واللعين؟
“كل هذا بسبب هاوارد.”
طلبت منه لعدة أيام ألّا يخبر أحدًا، ورغم ذلك لم يقل لي حتى جملةً بسيطة تؤكد أنه لن يفعل.
لا أعرف ما الذي كان يُضحكه، لكنه كان يبتسم كلما توسّلت إليه في هذا الموضوع.
كنت أموت من الخوف أن يُقبض عليّ بتهمة إهانة العائلة المالكة، وهو يبتسم بوجهٍ مشرق وكأنه أمرٌ لا يستدعي القلق.
‘حسنًا، ربما هذا أفضل من أن يبدو وكأننا سنُعدم غدًا…..’
لكن، هل يمكنك أن تستجيب لطلبي على الأقل، ثم تبتسم؟ …..لا أريد أن أموت قبل مرور عامٍ على الأقل.
نهضت من السرير أترنح، أسير بخطى متعبة.
بسبب حفلة الشاي التي أقيمت قبل أيام في القصر، ثم حضوري حفلةً أخرى أمس لألتقي بالشخصية الأصلية، بات جسدي في غاية الإنهاك ويصرخ مستغيثًا.
لو كنتُ أعلم أن الأمر سيكون هكذا، لكنت مارست بعض التمارين من قبل.
“…..لكن على الأقل، اليوم يمكنني أن أرتاح تمامًا. لا توجد حفلات اليوم، ولا دروسٌ عليّ حضورها.”
كان هدفي التالي بعد مغادرة السرير هو الأريكة.
سقط جسدي عليها، غارقًا في طراوتها. و شعرت بملمس القماش الناعم يلامس بشرتي. كان شعورًا مرضيًا للغاية.
التنقل من مكان نوم لآخر يعطي طعمًا مختلفًا للراحة.
“ربما أعود للنوم قليلًا الآن.”
رغم أنني لم أستيقظ إلا قرب وقت الظهيرة، فقد عاودني النعاس مجددًا.
يبدو أن التعب المتراكم في الأيام الماضية قد أثقل جسدي، فشعرت بالخمول. وبما أن أمامي وقت طويل قبل عودة هاوارد من المعبد، فكرت أن تخطي وجبة الغداء والنوم بدلًا منها ليس خيارًا سيئًا.
وهكذا بدأت جفوني تُغلق ببطء.
طَرق طَرق-
سمعت صوت طرقٍ واضح على الباب. صوتٌ لا يمكن تجاهله.
“آنستي! هل استيقظتِ؟”
“…….”
“الآنسة ريكا!”
“…..هاه.”
تنهدتُ بصوت خافت ونهضتُ من مكاني. فبما أن صوت الخادمة بدا قلقًا، لم يكن لدي خيارٌ آخر.
“نعم! استيقظت. يمكنكِ الدخول.”
“شكرًا لكِ.”
فتحت الخادمة الباب ودخلت مباشرة. و كما توقعت، كانت ملامح وجهها توحي بتوترٍ واضح، وكأن شيئًا ما قد حدث.
“آنستي، هناك ضيفٌ بالخارج الآن. ويبدو أنكِ بحاجة للاستعداد بسرعة.”
“ضيف؟”
سألتُ وأنا أُميل رأسي باستغراب.
لم يخبرني هاوارد بأن أحدًا سيأتي لرؤيته؟ هل هو أحد النبلاء الذين أرسلوا دعوةً لحفلة؟
“أيًّا كان هذا الضيف، ألا يجدر بنا رفض استقباله بما أن هاو…..أعني، الدوق غير موجودٍ حاليًا؟ في النهاية، أنا لست من عائلة الدوق تشيلستون رسميًا، لذا أعتقد أنه من غير اللائق أن أستقبله بنفسي.”
ها أنا ذا أذكر اسم هاوارد تلقائيًا حتى في غيابه. بالفعل، التكرار يعلّم حتى الحجر.
وبينما كنت أسرح في أفكار لا طائل منها، أجابتني الخادمة بتعبير حرج على وجهها.
“كنا نفكر في ذلك أيضًا، لكن الضيف…..ضيفٌ من نوع لا يمكننا ببساطة أن نرده. كما قال أنه جاء لرؤية كلٍ من الدوق والآنسة معًا.”
“جاء لرؤيتي أنا أيضًا؟ من يكون؟”
“آه، أنا آسفة. جئتُ على عجل ولم أسمع التفاصيل…..لكن..…”
بدأت الخادمة تفتش في ذاكرتها بعينيها، ثم أكملت بكلمات كانت كالصاعقة.
“قال أنه جاء من القصر الإمبراطوري، سمعت ذلك من قِبل كبيرة الخادمات.”
دووم-
سمعت كأن شيئًا قد انهار في أذني.
…..ماذا؟ القصر الإمبراطوري؟
‘هل ماركوس هو من أرسله؟’
ليقبضوا عليّ بتهمة إهانة العائلة الإمبراطورية؟
بسبب الكوابيس التي راودتني في الأيام الماضية، لم أستطع التفكير في أي شيء آخر.
وعندما أعود الآن للتفكير في ذلك اليوم، ربما أكون قد تصرفت بقسوةٍ فعلًا في حفلة الشاي. بالطبع، مقارنة بما فعله مع هاوارد، لم يكن تصرفي بهذا السوء، ولم أندم عليه بالطبع…..
‘هاه، الهروب الآن سيكون أمرًا مستحيلًا.’
لو كان لديّ بعض المهارات، ربما كنت سأحاول القفز من النافذة، لكن للأسف، هذه الغرفة لم تكن في الطابق الأول، ولم يكن لدي القدرةُ على فعل شيء من هذا القبيل.
في النهاية، قررت أن أقبل الوضع بكل تواضع. و على الأقل إذا نزلت واعتذرت، قد يحدث شيء.
لكن عندما قمت بالتحضير بسرعة ونزلت، كانت المفاجأة أنني واجهت مشهدًا مختلفًا قليلاً عن توقعاتي.
ذلك لأن الصغير، الذي لا يزال لم يفقد براءة الطفل، كان جالسًا على الأريكة في غرفة الاستقبال.
“صاحب السمو؟”
عندما ناديت عليه، رفع فريدريك رأسه. و وجهه امتلأ بالفرح عند رؤيتي.
“آنسة إيفريت!”
قفز فريدريك بسرعة من الأريكة. ثم اقترب مني بخطواتٍ سريعة.
“لقد مضى وقتٌ طويل! كيف كنتِ؟”
“…..آه، نعم. بخير بالطبع.”
استغرق الأمر بعض الوقت كي أتمكن من الرد على ترحيبه المفاجئ.
ما الذي يحدث هنا؟
رد فعله مختلفٌ عن المرة السابقة.
‘ثم، ظننتُ أن ماركوس لن يسمح له بالذهاب إلى دوقية تشيلستون.’
رغم شعوري بالاستغراب، لم يكن من اللائق أن أسأل الطفل الذي يبدو سعيدًا، لذلك ظللت مبتسمةً وأبقيت على صمتي.
و لحسن الحظ، لم تستمر تساؤلاتي طويلاً.
“كنت ممتنًا حقًا في ذلك الوقت! هل أخبرتِ الدوق بذلك؟ أنني أود اللعب معه؟ بفضل ذلك، حصلت على إذنٍ من جلالة الملك وجئت لزيارة دوقية تشيلستون، وأنا سعيدٌ جدًا.”
كان فريدريك يهمس كما لو كان سرًا، ولكن يبدو أنه قد لاحظ الجو المحيط به وفهمه.
لا يجب أن نستهين بالأطفال، فهم يعرفون الكثير رغم صغر سنهم.
‘على كل حال، هل ماركوس سمح بذلك؟’
كان الأمر مفاجئًا. لم أكن أظن أنه سيفعل. خصوصًا بعد كل ما حدث من ضجةٍ في ذلك اليوم.
شعرت بشيءٍ غير مريح وعبست، وفجأة شعرت بنظراتٍ موجهة إليّ من مكان ما. عندها أدركت أن هناك أشخاصًا آخرين في غرفة الاستقبال بجانبي وفريدريك.
‘رجلان؟ هل هما من الخدم؟’
فحصت الرجلين الواقفين بالقرب من جدار غرفة الاستقبال. لكن، بالنظر إلى عيونهما، بدا أنهما ليسا مجرد خدمٍ عاديين.
على الرغم من أنني لا أفهم تمامًا الوضع، إلا أنني أدركت أن ماركوس لم يرسل فريدريك إلى دوقية تشيلستون من أجل أن يلعب بحرية، بل ربما من أجل إرسال هذين الشخصين.
‘ربما جاءوا للبحث عن شيء يتعلق بما فعلته من قبل.’
تنهدت بهدوءٍ وأدرت رأسي.
كان هذا شعورًا عميقًا بالارتياح. فقط حقيقة أنهم لم يأتوا لأخذي بتهمة إهانة العائلة المالكة كانت كافيةً لجعل كل القلق الذي شعرت به خلال الأيام الماضية يختفي.
بفضل ذلك، استطعت أن أبتسم أكثر لفريدريك.
“لا داعي للشكر. لم أفعل شيئًا كبيرًا. الدوق أيضًا يريد أن يلعب مع الأمير، لكنه لم يستطع أن يتكلم بسبب خجله.”
“حقًا؟”
“بالطبع. فهو ابن عمّكَ الوحيد.”
عندما قلت ذلك بالكلمات التي قالها فريدريك منذ أيام، ابتسم بشكلٍ واسع حتى كادت عيناه تختفيان من شدة سعادته.
“صحيح. الدوق هو ابن عمي الوحيد.”
هز رأسه بشكلٍ مبالغ فيه. و قد كان يبدو لطيفًا جدًا.
راقبته للحظة، وعندما شعرت أنه أصبح أفضل قليلًا، قررت أن أتحدث.
فقد كان هناك شيءٌ يجب علي قوله.
“لكن، صاحب السمو، أنا آسفة لإخباركَ بهذا بعد أن وصلت إلى هنا، لكن في الحقيقة الدوق ليس هنا الآن. إنه مشغولٌ في المعبد.”
“الدوق ليس هنا؟”
عيون فريدريك اهتزت كما لو كان هناك زلزال. كان متحمسًا لزيارة دوقية تشيلستون، لكنه لم يفكر في هذا الجانب.
أكملت كلامي بصوتٍ ناعم قدر الإمكان.
“نعم. ربما من الأفضل أن تحدد موعدًا آخر للزيارة.”
“.……”
“هناك الكثير من الأيام التي يمكنك فيها المجيء للزيارة، أليس كذلك؟”
لم يقل فريدريك أي كلمة. فشعرت بألم خفيف في قلبي، لكنني كنت أعرف أن هذا هو الخيار الأفضل.
لم يكن من الممكن أن أطلب من هاوارد الذي كان يعمل في المعبد أن يعود إلى المنزل ويلعب مع فريدريك.
في البداية، لم أكن متأكدةً من أن النظام سيقبل طلبه كجزءٍ من عمله. و لم أكن أرغب في أن أضع عبئًا إضافيًا على هاوارد من خلال طرح الموضوع معه.
بعد لحظة، همس فريدريك بصوتٍ خافت.
“جئت فقط بعد أن ألغيتُ دروسي.”
“….…”
“أنا لا أمانع اللعب معكِ، ولكن إذا انتظرت حتى يأتي الدوق، سيكون هذا مزعجًا.”
“….…”
“لقد سمح لي الإمبراطور بالنوم والخروج في أي وقت.”
سقطت دمعةٌ من عينيه البنفسجيتين.
“لا أعرف متى سيسمح لي الإمبراطور بالخروج للعب مجددًا…..”
…..يا إلهي.
هذا غير عادل!
وضعت يدي على جبهتي وتنهدت بسرعة بينما كنت أحاول تهدئته.
“حسنًا، سأبقى معكَ وألعب حتى يأتي الدوق. هل هذا مناسب؟”
عند سماع ذلك، ابتسم فريدريك كما لو أنه لم يكن يبكي أبدًا.
هل يفعل هذا عن عمد؟
“رائع! هل تعرفين كيف تلعبين لعبة الإشارة؟ دعينا نلعبها!”
قفز فريدريك بحماس.
شاهدت تلك الحركات، و خفضتُ كتفي بتعب.
…..كنت أريد أن أرتاح اليوم حقًا.
نعم، هذا هو واقع حياتي.
______________________
صدق فريدريك مب سهل احسه يمثل ولا وش؟😭
وماركوس شكله متعمد يوافق عشان يزعج ريكا اقولكم حركات بزران
المهم ابي هاوارد يدخل ويشوف ريكا وهي تلعب مع ذا الورع عشان يعرف انها زوجة رايعة🙂↕️
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 24"