استدار رأسي نحوه بشكل طبيعي.
الذي دخل في مجال رؤيتي كان رجلاً. بشعره الذهبي الهادئ وعيناه البنفسجيتان المشابهتان لحجر الجمشت.
ملامحه الحادة بطرفي عينين مائلين نحو الأعلى، توحي بأنه في أواخر الثلاثينيات أو الأربعينيات.
‘آه……’
عرفت من يكون على الفور. ولم يكن ذلك غريبًا، فقد رأيت هذا الرجل مرارًا أثناء لعبي لـ<عالم الفانتازيا>.
“سمعت أنكَ تجاوزت البوابة الرئيسية للقصر الإمبراطوري، وتساءلت لِمَ لم تصل بعد……”
انحنت عيناه البنفسجيتان بلطف.
“كنت تلتقي بفريدريك هنا إذًا. يبدو أن خبر قدومكَ وصل حتى إلى قصر الأمير.”
“……جلالتك.”
هاوارد، الذي كان يبادل فريدريك النظر، وقف مستقيماً. ثم انحنى احترامًا.
“أُحيي جلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية.”
……ماركوس دي لوكولين.
بلعت ريقي وأنا أحدّق في الإمبراطور، ماركوس.
كان لا يزال يبتسم برقةٍ وهو ينظر إلى هاوارد، وكأنه ينظر إلى ابن أخٍ عزيز عليه للغاية.
“يسعدني رؤيتكَ بعد غيابٍ طويل. كان قرارًا صائبًا أن أدعوكَ لوقت شاي. لا بد أن نعيش ونحن نرى وجوه بعضنا البعض هكذا.”
“وقت شاي؟”
فتح فريدريك عينيه على اتساعهما وهو يستمع إلى الحديث. وتألقت عيناه البنفسجيتان بحماس.
“هـ، هل يمكنني الحضور أيضًا، يا جلالة الإمبراطور؟ لم يسبق لي أن شربت الشاي مع الدوق من قبل-”
“فريدريك.”
قاطع ماركوس حديثه الذي كان يتدفق بسلاسة. و كان صوته ناعمًا، لكن فيه حزمٌ واضح.
“أليس هذا وقت ذهابكَ إلى درس المبارزة؟ هيا، اذهب إلى ساحة التدريب.”
“لـ، لكن……”
“أنت من سيتحمل مسؤولية هذا البلد مستقبلًا، فلا يصح أن تُهمل دروسكَ بهذه الطريقة. أفراد العائلة الإمبراطورية من لوكولين لا يجوز أن يُظهروا أي مظهرٍ من مظاهر التراخي.”
“……نعم، فهمت.”
أجاب فريدريك وهو يطأطئ رأسه تمامًا. ثم استدار ومشى ببطءٍ نحو ساحة التدريب. وتبعته الخادمات اللواتي كنّ خلفه.
كان جسده الصغير المنكمش يبدو مثقلًا من الخلف.
‘أليس هذا قاسيًا بعض الشيء على طفل؟’
يبدو أنه لا يزال صغيرًا على سماع مثل هذه الكلمات. ففي مثل هذا العمر، من الطبيعي أن يكون مدللًا، لكن رؤيته وهو ينصاع فورًا لكلمات ماركوس دون تذمر أثار في نفسي شيئًا من الحزن.
شعرت أنني أستطيع أن أتخيل كيف يعيش فريدريك يومه دون الحاجة لرؤيته. يبدو أن ماركوس لا يُظهر الكثير من العطف حتى تجاه ابنه.
وما كان غريبًا أيضًا……
‘كأنه لا يريد أن يمنح فريدريك فرصةً للتحدث مع هاوارد.’
كنت أراقب ظهر فريدريك يبتعد شيئًا فشيئًا، حين شعرت فجأةً بنظرات موجهة نحوي من مكان ما. وحين أدرت رأسي، كان ماركوس يحدّق بي بثبات، كما لو كان يخترقني بنظره.
ارتعشت قليلاً حين التقت أعيننا.
‘آه، الآن تذكرت أنني لم أُلقِ التحية بعد.’
“أُحيي جلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية. اسمي ريكا إيفريت.”
أمسكت بحافة فستاني وانحنيت بسرعة. وحين رفعت رأسي، كان ماركوس يبتسم بلطف، وكأن النظرة السابقة لم تكن موجودةً من الأساس.
“أنتِ آنسة إيفريت إذاً. لقد سمعت الكثير عنكِ. يُقال أنكِ أول امرأةٍ تخطف قلب هاوارد، الذي لم يسمح لأحدٍ من قبل بالاقتراب منه.”
“آه……”
……في مثل هذه المواقف، ما الذي يُفترض بي أن أقوله؟
ابتسمتُ ابتسامةً محرجة محاوِلةً كبت شعور الإحراج. ولحسن الحظ، تابع ماركوس حديثه دون أي تعليق إضافي.
“كنت أرغب في التحدث معكِ منذ مدة، أشكركِ على تلبية الدعوة.”
بالنسبة لي، كان الأمر وكأن كارثةً ستحصل إن لم آتِ.
حتى الآن، بالكاد أتمالك نفسي من النعاس، لذا لم أستطع حتى قول مجاملةٍ بسيطة مثل: “بل الشكر لكَ على الدعوة”.
‘ولماذا يُحدق بي هكذا منذ قليل؟’
وكأنني قطعةٌ معروضة في متحف……
بمجرد أن خطر لي هذا التشبيه، سرَت قشعريرةٌ في جسدي فجأة.
هل هو يقيم إن كنت مناسبةً لتكون شريكة هاوارد؟ لكونه واحداً من القلائل ذوي الدم الإمبراطوري؟
لكن، حتى وإن كان الأمر كذلك، لا يمكنني أن أفهم نظراته بذلك الشكل.
‘الشعور غريب.’
رفعت يدي لاشعوريًا وأمسكت بذراعيّ، كأنني أزيل عن جسدي شيئًا غير مرئي.
ويبدو أن هاوارد لاحظ حالتي، فتقدم ووقف بيني وبين ماركوس، محاولًا حجب نظراته عني.
“أشكركَ على دعوتنا إلى هذه الجلسة، يا جلالة الإمبراطور.”
عندها فقط انصرفت نظرات ماركوس عني.
وبعد أن ظل واقفًا بلا حراك للحظة، استدار بهدوء.
“إذاً، لنذهب الآن. تم إعداد جلسة الشاي في حديقة القصر الإمبراطوري.”
تحرك ماركوس أولًا بخطواته. وحين ابتعد عنا قليلًا، سألني هاوارد،
“هل أنتِ بخير؟ بدوتِ متوترة.”
“……نعم. أنا بخير.”
أومأتُ برأسي بهدوء، محاوِلةً إقناع نفسي بأنها كانت مجرد أوهام.
***
وقت الشاي مع الإمبراطور لم يكن مميزًا.
ماركوس سألني بعض الأسئلة المتنوعة. كيف التقيت بهاوارد، و كيف وقعت في حبه، ولماذا قررت السفر من الشمال حيث تقع أراضي عائلة إيفريت حتى أوفلين……
كانت أسئلةً نمطية جدًا. من النوع الذي يطرحه عمٌ متحمّس بعدما علم بعلاقة حب تجمع ابن أخيه المقرّب.
كنت أظن أن دعوة ماركوس لي إلى القصر الإمبراطوري لم تكن لهذا النوع من الأسباب، لذا شعرت بالحيرة.
‘وخاصة أن هناك أمرًا يثير الشك.’
منذ دخولنا إلى حديقة القصر وحتى الآن، لم يتوجه ماركوس بالكلام سوى إليّ. مع أن هاوارد كان معنا، ومع أنه قال بنفسه أنه لم يره منذ مدةٍ طويلة.
فلم يكن يُسمع في الحديقة سوى صوتي وصوت ماركوس يتبادلان الحديث.
صحيح أن الأسئلة لم تكن مفاجئةً لدرجة أن تزعجني، لذا لم يكن يهمني أن أكون المتحدثة الوحيدة، لكن……
‘أليس هذا مبالغًا فيه قليلًا؟ حتى لو كان فضوليًا بشأن حبيبة ابن أخيه، الا آنه في النهاية، هاوارد موجودٌ هنا أيضًا.’
الأغرب من ذلك كان هاوارد نفسه.
مع أن ماركوس يتجاهله تمامًا وكأنه غير موجود، إلا أن هاوارد ظل يشرب الشاي بهدوء وكأن الأمر لا يعنيه. وكأن هذا المشهد طبيعيٌ بالنسبة له.
“أفهم، إذًا تبعتِ هاوارد حتى أوفلين لأنكِ تحبينه كثيرًا. لا بد أن اتخاذ قرار كهذا لم يكن سهلًا، فمغادرة المكان الذي عشتِ فيه طوال حياتكِ ليس أمرًا بسيطًا……”
قال ماركوس ذلك بابتسامةٍ خفيفة بعد أن استمع لحديثي.ثم نظرتُ إلى هاوارد بطرف عيني و ابتسمت مجددًا وأجبته،
“هاها، أردتُ البقاء إلى جانب هاوارد لدرجة أنني اتخذت هذا القرار. هل يبدو الأمر متسرعًا برأيكَ، جلالتك؟”
“لا، لم أقصد ذلك أبدًا. على العكس، أراه أمرًا رائعًا. لم أعد أرى كثيرًا من الناس بهذه الروح المبادِرة وهذا الإقدام في هذه الأيام.”
“حقًا؟ كنت أظن أن هناك الكثير من هذا النوع من الناس في أوفلين.”
“لا، حتى الآن مثلًا……”
أدار ماركوس رأسه وهو يكمل كلامه.
“أليس هاوارد بجانبكِ الآن؟”
كانت هذه أول مرة يتوجه فيها ماركوس بنظره نحو هلوارد منذ بداية حفلة الشاي. ثم تابع بنبرة يبدو فيها بعض المزاح،
“هاوارد، على عكس ما يبدو، هو شخصٌ انطوائي. لا يذهب إلى الحفلات، ولا يخرج من المعبد تقريبًا. و لولا مهامه كقائد فرسان الهيكل، لما غادر قصر الدوق أصلًا.”
“آه……”
“وليس ذلك فقط، بل إنه خجولٌ أيضًا. لا أعلم إن كنتِ على درايةٍ بذلك، آنسة، لكن سبق أن مرت عائلة الدوق تشيلستون بواقعةٍ سيئة. كان ذلك قبل حوالي عشر سنوات.”
واقعةٌ سيئة حدثت لعائلة الدوق تشيلستون قبل نحو عشر سنوات. لا بد أنه يقصد الحادثة التي أُبيدت فيها العائلة بأكملها.
‘……هل سيكون بخير؟’
نظرت مجددًا إلى هاوارد. لأنني كنت أتذكر جيدًا من خلال <عالم الفانتازيا> كم كان يتضايق عندما يسأله أحدٌ عن ماضيه.
لم أكن أرغب في سماع قصة ماضيه بهذه الطريقة. لا أقول إنني لست فضوليةً إطلاقًا، لكنني كنت أفضّل أن يخبرني هو بها، في الوقت الذي يريده وبصوته هو.
لكن هاوارد لم ينظر ناحيتي. ولا ظهر أي تغييرٍ على ملامحه.
وفي تلك الأثناء، استمر ماركوس في الحديث.
“في ذلك الوقت، كان الدوق تشيلستون – أي شقيقي – يُعد عبقريًا لا يظهر مثله إلا مرةً كل مئة عام، وكان يتمتع بمهاراتٍ مذهلة كقائد لفرسان الهيكل، لكن حتى قوته لم تكن كافية.”
“جلالتك……”
ناديت ماركوس بترددٍ بعد لحظة من التردد. فقد شعرت أن ما يُقال الآن لا يجب أن يُقال أكثر من ذلك.
لكن ماركوس، سواء تجاهلني أو لم يسمعني، تابع حديثه دون توقف.
ثم سُمعتُ منه كلماتً صادمة،
“في ذلك اليوم……من هاجم قصر الدوق لم يكن سوى ملك الشياطين.”
________________________
تسذوب واضح انه هو شلون ملك الشياطين قال السلام بهاجمكم انتم بس في قصركم ويوم خلص قال باي لباقي الامبراطورية؟ مجنون؟
هاوارد ياقلبي عليه ياخي ليه ماتقوم قل عندي شغل واجد 😔 الله ياخذ ذا الامبراطور
ريكا حتى ماتقدر تقول شي ولا بيطير راسها😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 21"