طلع صباح اليوم التالي.
كان قصر الدوق تشيلستون يعج بالحركة منذ الصباح الباكر. وذلك لأن موعد حفلة الشاي التي دعا إليها الإمبراطور كان وقت الغداء من هذا اليوم بالذات.
فحتى لو كان هاوارد من سلالة الإمبراطورية، فإن ذهابي أنا إلى القصر الإمبراطوري كان يتطلب الكثير من التحضيرات، ولهذا كان الجميع منشغلين للغاية.
وليس الخدم فقط، بل حتى أنا. فقد اضطررت إلى حضور دورةٍ مكثفة عن آداب القصر الإمبراطوري حتى وقت متأخر من الفجر.
كان الأمر أصعب بمرتين من التحضيرات لحفلة الكونت آفلز السابقة. وبالطبع، لم يكن هناك وقت كافٍ.
‘هاه، سأموت فعلاً.’
تنهدت وأنا أتعرض لإزعاجٍ من عدد من الخادمات يفوق ما واجهته في الحفلة السابقة بمرتين.
وبما أنني بالكاد نمت، فقد اجتاحتني موجةٌ من التوتر لم أتمكن من كبحها. ولم يكن التوتر موجهاً إلى هاوارد أو الخادمات، بالطبع.
بل كان بسبب منظم هذه الحفلة.
‘وكأنني لست مشغولةً بما يكفي في البحث عن الشخصية الأصلية.’
فهاوارد أعطاني حتى قائمة النبلاء الذين حضروا حفلة الكونت آفلز، وكل ما علي فعله الآن هو التحقق منهم واحداً تلو الآخر، لكن ظهر هذا العائق في طريقي.
في أعماقي، كنت أرغب فقط في الرفض وعدم الذهاب. لكن لم يكن بوسعي فعل ذلك.
لم أكن أجهل أن رسالة الإمبراطور التي قال فيها “سيسعدني كثيرًا أن ترافق،َ الآنسة إيفريت أيضًا” تعني في الواقع “أحضر الآنسة إيفريت معكَ مهما كان الأمر”.
فمن الأفضل الذهاب ببساطة بدلًا من معاندة أمرٍ إمبراطوري لا أحد يعلم ما العواقب المترتبة على مخالفته. ولهذا السبب بالتحديد، اعتذر لي هاوارد بدلًا من اتخاذ أي إجراء.
‘……حتى عندما قلت له أن الأمر لا بأس به، ظل وجهه عابسًا.’
مع أننا قد اتفقنا أصلًا على لعب دور العاشقين المزيفين، وأنا أتلقى ما يكفي من المقابل لقاء ذلك، فلا داعي لكل هذا القلق.
‘الشخص الذي ينبغي أن يعتذر حقًا هو شخصٌ آخر تمامًا.’
ماركوس دي لوكولين.
الرجل الذي أصبح إمبراطورًا متجاوزًا أخاه غير الشقيق، الدوق تشيلستون السابق، الذي كان يحظى بدعم شعبي كبير بصفته الابن الوحيد للإمبراطورة.
لم أره شخصيًا من قبل، وحتى أثناء لعبي لـ<عالم الفانتازيا>، لم ألتقِ به سوى في عدد قليل من الأحداث، لكنني استطعت أن أستشف طباعه بسهولة.
‘من النظرة الأولى، من الواضح أنه لا يملك ذرةً من الذوق أو اللباقة.’
من يرسل بطاقة دعوة في مساء اليوم السابق؟ وليس لأي أحد، بل لهاوارد تحديدًا؟
هل لأنه ابن أخيه فشعر بالراحة؟ هل يظن أنه يدعوه إلى بيت عائلةٍ لزيارة عادية؟ أو ربما ليجلسا ويتحدثا عن كيفية حصوله على حبيبة؟
هذا هراء. هذا العالم ليس من النوع الذي يسوده دفء العلاقات العائلية إلى هذا الحد.
‘……ما الذي كان يدور في ذهن ماركوس عندما استدعاني؟’
يجب أن أعرف ما الذي يخطط له حتى أتمكن من الاستعداد له بأي شكلٍ من الأشكال. فأنا الآن في وضع حرج على عدة أصعدة.
لقد زوّرت هويتي، وعلاقتي مع هاوارد في الحقيقة ليست إلا علاقةً تعاقدية. والأهم من ذلك، هاوارد لا يعلم أنني في الحقيقة “نوكس”.
صحيح أن هاوارد طمأنني بقوله أنه سيتكفّل بأي موقف يتجاوز الإعدادات المتفق عليها، وأنه لا داعي للقلق،
لكن كيف لي ألا أقلق؟
فنحن نتحدث عن مقابلة الإمبراطور نفسه، لا شخصًا عاديًا.
استحضرت ما قاله هاوارد ذات مرة عن ماركوس.
“لقد توقعتِ أنني إن كُشفت لإحضاري لكِ إلى قصر الدوق، فقد لا يُرضي ذلك جلالة الإمبراطور. لكن لا داعي للقلق كثيرًا بشأن تلك النقطة.”
حين شرح ذلك، كان وجه هاوارد يحمل تعبيرًا معقّدًا. و كأن هناك شيئًا ما يريد إخفاءه.
‘ما الذي كان يخفيه بالضبط؟’
في ذلك الحين، لم أكن أعتبر العلاقة بين ماركوس وهاوارد أمرًا ذا أهمية، فلم أبذل جهدًا لمعرفة المزيد،
لكن من كان يتوقع أن يعود ذلك الإهمال ليتحول إلى مشكلةٍ كهذه.
لو كنت أعلم، لبحثت قليلًا عن ماركوس أثناء محاولتي تتبع الشخصية الأصلية.
‘على الأقل اليوم، سأراقب الأجواء جيدًا. من يدري متى يتكرر موقفٌ كهذا.’
تنهدت بلا وعي من بين شفتيّ، وما إن حرّكت جسدي قليلًا، حتى انطلقت صرخات التنبيه من الخادمات مطالبةً إياي بالبقاء ثابتة تمامًا.
أومأت برأسي وعدّلت جلستي. فمن الطبيعي أن الخادمات يردن أن يبدو كل شيء مثالياً بما أننا سندخل القصر الإمبراطوري.
‘لكنني لم أتوقع أن هاوارد سيتمكن من حضور حفلة الشاي التي تُقام في وضح النهار.’
لقد قال بأنه يستطيع الخروج من المعبد في النهار إذا كانت لديه مهامٌ رسمية، ويبدو أن النظام يعتبر تلقي دعوةً من شخص ما جزءًا من المهام كذلك.
لو كان الأمر كذلك، لكان بإمكانه استغلال ذلك للتحرك بحرية أكبر في النهار، لكنه لم يفعل. و كأنه شخص لا يجوز له أن يفعل ذلك.
لدرجة أنه عندما قيل بأته سيحضر حفلة الكونت آفلز، انتشرت بين النبلاء شائعاتٌ تقول أن الخبر محض هراء.
‘لماذا كان يتصرف هكذا؟’
لم أتمالك نفسي من الميل برأسي قليلًا في حيرة، وعندها تراجعت الخادمات الواقفات بجانبي بسرعة إلى الخلف.
“لقد انتهينا. ما رأيكِ؟”
عندما سمعت الصوت قرب أذني، نظرت إلى المرآة.
في المرآة كانت تجلس امرأةٌ ترتدي فستانًا من الحرير بلون ورديٍ فاتح للغاية. بدا أن فيه بعض الأحجار الصغيرة، فكلما تحركت، انعكس ضوء الشمس عليه وتلألأ بشكلٍ جميل.
أما شعرها، فقد تم تمويجه قليلًا في كامل طوله، بينما جُمعت الأجزاء العلوية من الجانبين إلى الخلف ورُبطت بشرائط وردية اللون تتطابق مع الفستان، مما أعطى مظهرًا منعشًا وأنيقًا.
فتحت فمي قليلاً وأنا أحدق في المرآة.
‘بالفعل، يبدو أن كل هذا الجهد لم يذهب سدى.’
طَرقٌ طفيف-
كنت لا شعوريًا أميل إلى الأمام متفحصةً انعكاسي في المرآة، حين سمعت صوت طرق خفيف على الباب.
ثم فُتح الباب ودخل هاوارد.
كان يرتدي ثيابًا أنيقة للغاية، وبمجرد أن رآني، بدا وكأنه تفاجأ لوهلة وتوقف في مكانه عند المدخل.
سادت لحظةٌ من الصمت في الغرفة.
‘……لماذا ينظر إليّ هكذا؟ إنه يُشعرني بالإحراج.’
نظرت إلى هاوارد المنعكس في المرآة، لكنني لم أستطع أن أبادله النظر مباشرة، فحولت عيني إلى مكانٍ آخر بتوتر.
عندها، وبعد لحظة من التردد، فتح فمه،
“أوه……هناك زرٌ في الخلف……”
زر؟
لم أفهم قصده فورًا، فأملت رأسي باستغراب، لكن إحدى الخادمات سارعت بالاقتراب.
“أعتذر يا آنسة، يبدو أن الزر الخلفي انفتح قليلًا ولم ننتبه، لأنه كان محجوبًا بمسند الكرسي.”
“آه……”
إذاً، كان يقصد أن هناك زرًا غير مثبتٍ في الخلف.
ألقيت نظرةً سريعة أخرى على هاوارد من خلال المرآة. وأثناء انشغال الخادمة بإغلاق الزر، كان هو يشيح بنظره إلى مكان آخر، ويفرك مؤخرة عنقه بخجل ظاهر.
عندها فقط أدركت الحقيقة. أنني لست الوحيدة التي شعرت بالقلق حيال هذا اليوم.
‘كنت سأشعر بخيبة أملٍ بلا داعٍ.’
……مهلًا، ولكن، لماذا سأشعر بخيبة أملٍ أصلاً؟
بينما كنت أحاول أن أجد سببًا لهذا الشعور المفاجئ، اقترب هاوارد بخطواتٍ واسعة من مكانه البعيد. ومدّ يده إليّ.
“هل نذهب الآن، ريكا؟”
سعل سعالًا خفيفًا ثم ابتسم ابتسامةً محرجة.
‘لم أكن أعلم أن هذا الشخص يمكنه أن يبتسم بهذه الطريقة.’
حتى عندما قضيت يومًا كاملًا في لعب <عالم الفانتازيا>، لم أرَ مثل هذا التعبير على وجهه من قبل.
لمست طرف شفتي بأطراف أصابعي بخفة. و لسبب ما، شعرت بدغدغةٍ غريبة في ظهري مرة أخرى.
***
لم تستغرق الرحلة من قصر الدوق إلى القصر الإمبراطوري وقتًا طويلًا.
وعندما رأيت من نافذة العربة أننا قد تجاوزنا بوابة القصر الإمبراطوري منذ قليل، أخذت نفسًا عميقًا بصوت خافت.
كان قلبي ينبض بقوة، حتى أنني خشيت أن يقفز خارج صدري، فوضعت يدي على صدري لأهدئه.
عندها، تحدث هاوارد، الجالس مقابلي،
“ريكا.”
كان صوته أخفض من المعتاد. وبشكل تلقائي، استدار رأسي نحوه دون أن أشعر.
“ربما حين تقابلين جلالته اليوم، تسمعين شيئًا غير متوقع، لكن حتى لو حدث ذلك، فقط ابقي هادئة. كما قلتُ لكِ من قبل، سأهتم بكل شيء.”
“….…”
“حسناً؟”
أضاف هاوارد بنبرةٍ منخفضة.
منذ قليل بدا عليه القلق، فظننت أنه متوترٌ مثلي، لكن يبدو أن الأمر مختلف.
و عندما لم أجب بشيء، تحدث مجددًا:
“ولا تفكري برمي أشياءٍ مثل الطين مرة أخرى.”
“……هل تظن أنني لا أفكر إلا في تلك الأمور دائمًا؟”
“طالما أنه ليس كذلك، فلا بأس.”
ابتسم هاوارد ابتسامةً قصيرة.
لماذا يبتسم بهذا الشكل؟ الأمر يربكني أكثر.
‘البكاء أهون من هذه الابتسامة.’
وبينما كنت أفتح فمي لمحاولة قول شيءٍ دون أن أجد الكلمات المناسبة، توقفت العربة بإصدار صوت خافت يشبه الصرير.
ترجّل هاوارد أولًا، ثم مدّ ذراعه لمرافقتي في النزول. بأمسكته بحذر وخطوت نحو الأرض بهدوء.
وكانت في تلك اللحظة بالضبط، عندما سمعت صوتًا غريبًا عند أذني.
“دوق!”
كان صوت خطواتٍ سريعة تقترب نحو هذا الاتجاه.
_________________________
هاوارد ياورع امدح الكشخة طيب 😭
من ذاه؟ لايكون اميره بعد تتلزق ولا الامبراطور؟ 😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 19"