عندما استعدت وعيي، وجدت نفسي بين أحضان هاوارد. و كان صدره ظاهرًا أمامي مباشرة.
دق-
دق-
قلبي المضطرب نبض بقوة من هول الموقف المفاجئ. فالدفء الذي غمر جسدي بالكامل كان غريبًا علي.
‘……مـ، ما هذا؟’
ماذا يحدث الآن بالضبط؟
حاولت أن أفكر جاهدة، لكن وكأن أحدهم محا ذهني بممحاة، فلم تخطر ببالي أي فكرة.
لم أعرف أين يجب أن أوجه نظري، فاخترت أن أغمض عيني بقوة. وفي ظلمةٍ أغلقتُ عليها عينيّ، سمعت صوتًا غريبًا.
“آنسة إيفريت، أنتِ هنا حقًا……أه؟”
عندما أنصتُّ جيدًا، بدا لي وكأنه صوت سيرديا. ثم اختلطت أصواتٌ أخرى متفرقة، ويبدو أن الحاضرين في الحفلة قد احتشدوا هنا بالفعل.
عندها فقط أدركت أن هاوارد كان يحاول أن يحجب مظهري الفوضوي عن أعينهم.
‘لم يكن هناك وقتٌ كافٍ للعودة إلى داخل الخزانة، لذا لم يكن أمامه خيار آخر.’
فتحت عيني ببطء.
كما شعرت سابقًا حين تظاهرت بأنني هرطقة أمام فرسان الهيكل، كان حضن هاوارد واسعًا للغاية، كما أن قامته كانت طويلةً جدًا.
و بسبب الفرق الواضح بيني وبينه في الطول والحجم، بدا أن جسدي بالكاد يظهر من جهة الباب.
‘هذا على الأقل مطمئن.’
تنفست الصعداء بخفة. لقد كدت أتعرض لموقف محرج على مرأى من الجميع.
“……ماذا تفعلون هنا بالضبط؟”
وأثناء استعادة هدوئي، فتحت سيرديا فمها من جديد. و كان يبدو عليها الذهول الشديد مما رأته.
وبالطبع، لم أرَ وجهها مباشرة لأن هاوارد كان يحجب الرؤية، لكن كان من السهل تخمين ذلك. كنت أعلم كم يبدو المشهد مثيرًا للريبة من وجهة نظر الآخرين.
وجود حبيبين بمفردهما في غرفة مقفلةٍ يكفي لإثارة الشكوك، فكيف وهما لا يزالان متعانقين حتى أمام أنظار الناس.
‘واو، لم أكن لأتخيل أن شيئًا كهذا سيحدث.’
وخاصةً مع هاوارد تشيلستون تحديدًا.
و بدأت أدرك للتو مدى الثقل الحقيقي لدور “الحبيبة المزيفة” لهاوارد.
“كـ، كيف حدث هذا……”
تمتمت سيرديا مجددًا بصوتٍ مرتجف.
لكنني لم أستطع أن أرد عليها.
خشخش-
بدأت أصابع هاوارد تلامس ظهري بخفةٍ وعلى فترات منتظمة. كان يزرر أزرار فستاني الخلفية بينما لا يزال يحتضنني.
كما قال سابقًا، كان يساعدني على ترتيب ملابسي بسرعة، لا أكثر. ومع ذلك، لم أستطع التنفس بشكل طبيعي. و كل حواسي تركزت على ظهري.
‘هذا……هذا محرجٌ للغاية.’
و بسبب الدفء الذي لمس ظهري، أصبحت وجنتيّ أحمر أكثر و أكثر.
عندما ارتجف جسدي لا إراديًا، توقف هاوارد للحظة وهمس بخفة في أذني. بصوتٍ منخفض لا يكاد يسمعه أحد خلفنا.
“……آسف، الأمر صعبٌ قليلًا دون أن أنظر.”
“لا، لا بأس.”
“حقًا، أنا آسف……”
اعتذر هاوارد مجددًا وهو يلمس ظهري مرة أخرى.
كنت أظن أنني الوحيدة المحرجة، لكن عندما لاحظت حرارة بشرته التي تلامسني، أدركت أنه أيضًا لم يكن أفضل حالًا مني. حتى عنقه كان قد احمر خجلًا.
في النهاية، لا أحد يمكنه أن يبقى متماسكًا في مثل هذا الموقف.
‘أرجوكَ، انهِ الأمر بسرعة……’
يبدو أن هاوارد قد أنهى الأزرار العلوية، فبدأت يده تنزل إلى الأسفل قليلًا.
تك-تك-
كان صوت الأزرار التي لم يجد موضعها الصحيح يتردد بوضوح. و يبدو أن استعجاله جعله يخطئ أكثر.
“تبًا.”
تمتم هاوارد بحنق بعدما فشل مجددًا. فعضضت شفتي بلطف، معبرةً بذلك عن الكلمات التي كنت أتوق إلى قولها.
كنت أرغب لو أخرج راكضةً وأصرخ بأعلى صوتي، لعلني أستطيع بذلك تفريغ هذا الإحساس الغريب الذي كان يدغدغ قلبي بلا توقف.
“هل تتجاهلاني الآن؟”
صرخت سيرديا بغضب، غير قادرةٍ على كبح نفسها. و عندها فقط ابتعد هاوارد عني قليلًا.
“……أعتقد أنني انتهيت.”
تأملني بسرعة ثم أومأ برأسه بخفة.
يبدو أنه تأكد من أنني ارتديت الفستان كما ينبغي. فقد كانت عيناه الحمراوان تعكسان ارتياحًا عميقًا.
وأنا أيضًا، استرخت عضلاتي التي كنت أشدها دون أن أشعر. و عندها فقط استطعت أن أتنفس براحة.
‘أخيرًا انتهى كل شيء.’
أخذت شهيقًا صغيرًا، وفجأة امتد شيءٌ أمام وجهي.
“في حفلةٍ كهذه، لا يكتمل المظهر بدون هذا.”
همس هاوارد بصوتٍ منخفض.
الشيء الذي ناولني إياه كان طوق شعرٍ من اللؤلؤ وعقدًا من اللؤلؤ، يمكن ارتداؤهما بسهولة حتى دون مهارة كبيرة، وكانا جميلين للغاية. وكانا يليقان تمامًا مع الفستان الأزرق الذي أرتديه الآن.
‘يا له من اهتمامٍ بالتفاصيل.’
كان يكفي لو جلب الفستان فقط.
انحنيت له قليلًا تعبيرًا عن شكري، ثم أخذت الإكسسوارات من يده.
و بعد أن تأكد مرة أخرى من مظهري، استدار ليحجبني عن الأنظار. فبدأت أرتدي الإكسسوارات خلف ظهر هاوارد ببطء.
“……حسب علمي، الغرف هنا مخصصةٌ كأماكن استراحة للمدعوين إلى الحفلة.”
عندما استدار هاوارد فجأة، سُمعت شهقةٌ مفاجئة من جهة الباب.
ولم يكن ذلك غريبًا. لابد أن الجميع كانوا منشغلين بالهمس والثرثرة.
أخرجت رأسي قليلًا بجانب هاوارد بالكاد لتظهر عيناي، وأخذت أراقب الوضع.
حينها، سأل هاوارد مستدركًا.
“أم أنني مخطئ؟”
“لـ، لا، هذا صحيح، لكن……”
ردت سيرديا مترددةً على كلام هاوارد.
كانت تبدو وكأنها انكمشت قليلًا، وكأن حماسها السابق قد اختفى، ويبدو أن تأثير الكحول قد زال إلى حد ما. ربما لأنها كانت أمام الشخص الذي تحبه منذ زمن طويل.
عندما فكرت بذلك، شعرت بشيءً من الأسف تجاه سيرديا.
‘لكن الشعور بالأسف شيء، والحذر شيءٌ آخر. سيرديا على أي حال مرتبطةٌ بالشخصية الأصلية بطريقة ما.’
أعدت تركيزي إلى المشهد أمامي.
أولًا، لم يكن في يد سيرديا أي شيء. لا الفستان، ولا الإكسسوارات، ولا حتى السوار. هل هذا يعني أن سيرديا ليست هي الشخصية الأصلية؟
‘لا، قد تكون تركتهم في غرفةٍ أخرى.’
لكن هذه مسألة لا يمكنني التأكد منها الآن، لذا أجلت التفكير فيها.
وفي تلك الأثناء، واصل هاوارد حديثه.
“عندما يكون باب غرفة الاستراحة مقفلًا، فهذا يدل بوضوحٍ على أن هناك من يستخدمها. ومع ذلك اقتحمتم الباب بهذه الطريقة. لم أتوقع مثل هذا التصرف من عائلة الكونت آفلز.”
“أ، أنا لم أكن أعلم أن الآنسة إيفريت كانت مع الدوق. لو علمت بوجودكَ، لما تجرأتُ أبدًا……”
“آنسة آفلز.”
قاطع هاوارد أعذار سيرديا. ورغم أنني لم أرَ وجهه، إلا أنني عرفت غريزيًا ما كان شعوره.
آه، هذا الرجل غاضبٌ الآن.
“كلامكِ يعني أنكِ كنتِ تعلمين بوجود ريكا في هذه الغرفة ومع ذلك حاولتِ اقتحامها بالقوة؟”
“أ، هذا……”
شحبت ملامح سيرديا حتى أصبحت بيضاء كالورقة. و دارت بعينيها نحو هاوارد محاولةً أن تراني خلفه.
لكن لم يكن بوسعي مساعدتها. ولا رغبت في ذلك أصلًا.
رغم أنني شعرت ببعض الأسف تجاهها، إلا أن ذلك لا يلغي أنها أخطأت بحقي.
“يبدو أن عائلة آفلز تستقبل ضيوفها بهذه الطريقة. سأضع هذا في اعتباري عند تحديد الحفلات التي سأحضرها لاحقًا.”
“دـ، دوق……”
“هل ستظلين واقفةً هناك؟ أود أن أرتاح الآن، لذا أتمنى أن تغادروا جميعًا.”
بصوته البارد، لم تستطع سيرديا الصمود أكثر وانفجرت بالبكاء.
صوت نشيجها وأصوات تمتماتٍ غير مفهومة بدأت تملأ الغرفة، وحين اشتد بكاؤها، اقترب الآخرون ممن حولها وأخذوها إلى الخارج.
خرجت سيرديا وأُغلق الباب خلفها، لكن الهمسات لا تزال تتردد قرب أذني.
لا شك أنهم يتحدثون بكل أنواع الشائعات الآن.
‘على الأقل، يبدو أنني حققتُ الهدف الذي أتيت من أجله إلى الحفلة.’
الآن، لن يشك أحد في أنني وهاوارد على علاقة حب.
عندما جلست على السرير وأطلقت تنهيدة طويلة، تحدث هاوارد،
“أحسنتِ. عندما يهدأ الوضع قليلًا، دعينا نعود أيضًا.”
ابتسم بلطف، بخلاف ما كان عليه قبل قليل. فأومأت برأسي ببطء.
لا أعرف لماذا، لكن الجزء من ظهري حيث كانت الأزرار كان لا يزال يسبب لي إحساسًا بالوخز.
***
طق.
غادرت العربة قصر للكونت آفلز.
و رغم أن الليل كان قد خيّم والظلام يعمّ الأرجاء بعد منتصف الليل، إلا أن العربة كانت تتحرك بلا تردد. وكأن راكبها لم يكن يبالي بشيء.
“……كنت أجد الأمر غريبًا، فقد أصبحت الأشياء التي تدخل مؤخرًا غالية الثمن للغاية.”
تمدد الرجل فوق مقعد العربة وهو يتمتم وهو ينظر إلى الأشياء الموضوعة أمامه.
كلها أشياء لا تناسبه إطلاقًا. فستان، أقراط، عقد، حذاء……
“ريكا، كنت أظن أنكِ عندما جئتِ إلى أوفلين بدأتِ بالسرقة، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك. مسلٍ حقًا. حبيبة الدوق تشيلستون التي كثرت حولها الشائعات……”
التقط الرجل سوارًا من بين الأشياء. وبينما كان يتأمل الحجر الأزرق المرصع في السوار، ابتسم و تمتم…
“ماذا عساي أن أفعل بكِ؟”
…بصوتٍ بارد للغاية لا يتناسب مع ابتسامته.
______________________
كنت حاسة طلعت شخصيتها الأصلية رجال بس منهو؟ مب على كيفه طق ولاعلمنا
بعدين توني ادري انه يعرف ريكا ويعرف وجهها بعد
شكله طرف ثالث……
المهم انفدا هاوارد وريكا 😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 17"