“هلّا أخبرته أنني سأنطلق غدًا؟”
‘……ماذا؟’
اتّسعت عينا هاوارد بذهول.
إلى مملكة بيآتي؟ وغدًا؟
نظر بسرعة إلى ريكا، لكنها كانت تحدّق فقط في الخادم الذي تتحادث معه.
“كنت أنوي الانطلاق بعد أن يتعافى هـ……أعني، الدوق. لكن لحسن الحظ يبدو أنه بخير الآن……أنتَ بخير، أليس كذلك؟”
استدارت ريكا نحو هاوارد وسألته أثناء حديثها مع الخادم. و في عينيها الزرقاوين كان القلق يلوح بوضوح.
وما إن رأى تلك النظرة، حتى أدرك هاوارد. هو لا يعرف لماذا قررت ريكا أن تغادر إلى المملكة بهذه العجلة، لكن إن أحسن التصرف، فربما يستطيع إيقافها.
فهي طيبةٌ للغاية، ولو تظاهر بالمرض فلن تتركه وترحل.
لكن خطته تلك انهارت حتى قبل أن تبدأ بسبب إجابة كبير الخدم التي تلت مباشرة.
“سيدتي، الدوق بخيرٍ تمامًا. لا داعي للقلق. الطبيب الخاص قال أنه سيشفى تمامًا من دون أي أثر إن استراح لبضعة أيام.”
فخرجت تنهيدةٌ من بين شفتي هاوارد. ولأول مرة شعر بالامتعاض من كبير الخدم.
“آه، حقًا؟ كنتُ قلقة، لكن هذا مطمئن.”
صفّقت ريكا بفرح ووجهها يشع سرورًا.
كيف تضحك بذلك الصفاء؟
بدأ القلق يتسلل إلى عيني هاوارد.
صحيحٌ أنه قد مرّ ثلاثة أسابيع منذ عودة الوفد، وربما من الأفضل لريكا أن تعود الآن.
فحتى لو عاد باقي أفراد الوفد، فإن الممثلة الرسمية كانت ريكا فيليشا. وكان من الصواب، شكليًا على الأقل، أن تعود وتقدّم تقريرها لملك مملكة بيآتي بنفسها.
عقله كان يدرك ذلك تمامًا.
لكن……
‘لقد تمكنا اليوم فقط من اللقاء من جديد.’
هل سيكون الأمر بخير إن افترقنا مجددًا؟
إن مضت بهذه الطريقة، فمتى ستعود مرة أخرى؟
لا أحد يعلم متى وكيف ستُحدَّثُ لعبة <عالم الفانتازيا>، ولا أحد يعلم ما هي الأزمات التي قد تواجهها ريكا أو هو في المستقبل.
“في أي ساعة أخبرهم إذًا؟”
“أظن أن الساعة الثالثة عصرًا ستكون مناسبة.”
نظر هاوارد إلى ريكا و كبير الخدم وهما يتحادثان بمرح، ثم أطلق تنهيدةً من جديد.
“دوق، سترى. أنا من ستفوز في النهاية، صدقني.”
انظر إليها. هل قال بأنها تفوز؟ بأي شيء؟
‘قلتُ لكِ، لا أحد يمكنه أن يحبّكِ أكثر مني.’
أخفى هاوارد مشاعره الطفولية تلك، ولم يستطع حتى الاعتراض، بل اكتفى بالابتسام نحو ريكا.
وفي تلك الليلة، حين تأخر الوقت وتوجّه كلٌّ إلى غرفته للنوم، رأى هاوارد حلمًا واحدًا.
كان حلمًا كفيلًا بأن يطير معه كل قلقه القديم.
***
في الفجر، قبل أن تشرق الشمس بالكامل. كنت جالسةً أحدّق أمامي بعينين مفتوحتين.
ولم أكن في الغرفة المخصصة لي، بل في المكتبة. على تلك الأريكة تحديدًا، التي كان هاوارد يجلس عليها دائمًا.
والسبب الوحيد لوجودي هنا في مثل هذا الوقت هو شيءٌ واحد فقط.
اللوحة المعلّقة على جدار المكتبة، التي تجمعني بهاوارد.
أردت أن أطبعها في قلبي مرةً أخرى قبل أن أرحل إلى المملكة. فبحسب ما قاله هاوارد، فإن السبب الذي مكّنني من العودة إلى هذا العالم من جديد……كان تلك اللوحة.
‘بل لأكون أدق، الفضل في ذلك يعود لجهود هاوارد.’
على أي حال، أليست شيئًا يحمل معنى؟
حدّقتُ مطولًا في تلك اللوحة بإحساس يصعب وصفه.
‘خصوصًا أن هناك ما يجعلني أستيقظ مبكرًا هذا اليوم……’
دوّي-!
و فجأة، قاطع ضجيجٌ كبير أفكاري. فالتفتُّ برعب، فرأيت هاوارد واقفًا أمام باب المكتبة، يلهث بأنفاس متقطعة.
كان يسند إحدى يديه على الباب، وعيناه الحمراوان المرتجفتان سرعان ما استقرتا حين وقعتا عليّ.
“هاه، ظننتُ……ظننتُ أنكِ قد غادرتِ بالفعل……”
“ها؟ لماذا فكّرت بهذا؟ قلت لكَ البارحة، سأغادر حوالي الساعة الثالثة.”
“استيقظتُ باكرًا وخرجت، فرأيتُ باب غرفتكِ مفتوحًا……ولم يكن فيها أحد.”
“آه، آسفة. كنت مشوشةً ونسيت أن أُغلقه.”
اعتذرتُ وأنا أقطب حاجبيّ بأسف. فلوّح هاوارد بيده وكأنه يقول لا بأس.
ثم اقترب منّي ببطء وجلس بجانبي. نظر إلي وسأل بصوتٍ منخفض،
“إذاً، ما الأمر؟”
“أي أمر؟”
“أقصد، ما الذي أتى بكِ إلى المكتبة وأنتِ بهذا الحال، وفي هذا الوقت المبكر؟ أنتِ تحبين النوم صباحًا.”
“آه، هذا……”
كنت على وشك الإجابة، لكن تردّدت للحظة. فلا أعلم كيف أشرح له الأمر.
“هممم……أعلم أن هذا قد يبدو غريبًا، لكن……رأيت حلمًا عجيبًا. سأحكيه كما هو، فلا تقل أنه حلمٌ بلا معنى، اتفقنا؟”
“……حلم، إذًا؟”
اتسعت عينا هاوارد قليلًا. وما إن رأيتُ ذلك التعبير على وجهه، حتى شعرت بشيء غريب.
لا يمكن……
“هل من الممكن……أنكَ حلمت أيضًا؟ بحلمٍ يظهر فيه مدير <عالم الفانتازيا>؟”
“وأنتِ أيضًا؟”
يا إلهي……كيف يمكن أن تحدث صدفةٌ كهذه؟
كنت أندهش بصدق، لكن لم يمر وقت طويل حتى عدت إلى رشدي.
لا، لا يمكن أن تكون صدفة.
شخصان يحلمان بنفس الحلم، وفي نفس التوقيت تقريبًا، لا يمكن أن يكون ذلك بلا سبب.
“ماذا قال المدير في حلمكَ؟ بدا وكأنه يعتقد أيضًا أنه مجرد حلم، لكن……هذا ليس المهم. المهم أنه قال لي مؤخرًا إن هناك خطأ جسيمًا في <عالم الفانتازيا>.”
تذكرتُ وجه المدير المرهق في الحلم. كان واضحًا أنه يعاني بشدة بسبب هذه المشكلة.
“قال أن هاوارد لا يبقى في الموقع المخصص له، ويظل يذهب إلى المكتبة، و أنه مهما حاولوا إصلاح ذلك، لم ينجحوا.”
“قال لي الأمر نفسه. بل وأضاف أن وجود اللوحة المفاجئ هو السبب في تحويلكِ إلى شخصية غير قابلة للعب جديدة.”
“نعم! قال إن تلك اللوحة ظهرت داخل <عالم الفانتازيا>! وفي نفس المكان بالضبط! ولهذا السبب جنّ جنون اللاعبين هناك.”
“بما أنه ذكر اللوحة، فهل قال لكِ أيضًا ذلك الأمر؟”
توقف هاوارد عن الكلام وكأنه كان على وشك طرح سؤال، لكنه تردد.
وبمجرد أن رأيت ملامحه المترددة، عرفت فورًا عمّا كان ينوي الحديث.
“آه، تقصد أنه……أراد أن يجعلنا في الحقيقة شقيقان؟”
ما إن نطقتُ بالكلام حتى انفجرتُ بالضحك. فنظر إليّ هاوارد بنظرة جانبية وهو يُخرج تنهيدةً طويلة، ثم ردّ بصوت منخفض،
“……رجاءً انتبهي لما تقولينه. نحن لسنا أشقاء حقًا، بل مجرد إعداد داخل <عالم الفانتازيا> فقط.”
“طبعًا، أعلم ذلك. هاها. لكن، أليس الأمر مضحكًا فعلًا؟ بما أنكَ كنت شخصيةً غير قابلة للعب شديدة الشعبية، لم يجرؤوا على وضع حبيبةٍ لكَ. فقد خافوا أن يترك الجميع اللعبة!”
“لا أوافقكِ الرأي، لكن……لا أنكر أنني ممتنٌ للمدير. لقد جعل الأمور أسهل بكثير.”
أسهل؟
لم أفهم ما يقصده، فملتُ رأسي باستغراب.
عندها استدار هاوارد بالكامل ناحيتي، وأكمل حديثه بنبرةٍ هادئة،
“لقد فهمت الآن فقط. لماذا لم تصل أي رسائل جديدة مؤخرًا، ولماذا لم تعودي قادرةً على استخدام النظام.”
عيناه الحمراوان كانتا تلمعان على نحو مختلف عن قبل.
“ذلك لأن هذا العالم و عالم لعبة <عالم الفانتازيا>، قد بدآ بالسير في طريقين مختلفين. منذ اللحظة التي التقينا فيها مجددًا.”
“….…”
“أو لأكون أكثر دقة، منذ أن قضينا على بروتور إيتينتيا بدأت الشروخ تظهر. لا يمكن للعبة <عالم الفانتازيا> أن تفقد ‘ملك الظلام’، الذي يُفترض أنه الهدف النهائي فيها، بهذه السرعة.”
ابتسم هاوارد بخفة بعد أن أنهى كلامه.
ولم أستطع أن أنطق بكلمة واحدة وأنا أنظر إليه. فكلماته تلك، جعلت قلبي يغمره شعورٌ لا يوصف.
“هذا يعني أن……هذا العالم قد يتحرر تمامًا من تأثير لعبة <عالم الفانتازيا>؟”
هل هذا يعني أن حياتي لم تعُد مرهونةً بلعبة؟
سألته بعينين تملؤهما الرجاء، فهز هاوارد رأسه مؤكدًا، وكأنه أراد أن يمنحني يقينًا لا جدال فيه.
“نعم. لكن، هناك أمرٌ واحد فقط علينا فعله.”
“ما هو……؟”
“أن نحب بعضنا البعض بكل ما أوتينا من قوة. حتى يعلم العالم بأسره. وكي لا يكون أمام اللعبة خيارٌ سوى أن تتخلّى عن هذا العالم، حين يُعلن أننا ‘عاشقان’، وهو الأمر الوحيد الذي تريد منعه بكل وسيلة.”
أضاف هاوارد ذلك بهدوء، ثم لمس معصمي.
حين شعرت بإحساسٍ غريب، نظرت إلى أسفل، فرأيت شيئًا يزيّن معصمي لم يكن موجودًا من قبل.
كان السوار الذي أعطتني إياه أوديا. ذلك الذي أودعته عنده قبل رحيلي.
“ريكا، هلّا تبقين هنا بدلًا من الرحيل؟”
“هاه؟”
“في الخزنة يوجد الكثير من المال باسمكِ، أكثر مما تحبين. وإن لم يكن كافيًا، يمكنني أن أقدّم لكِ أي شيءٍ آخر. فأنا أملك أكثر مما تتصورين.”
آه، يقصد المال الذي تلقّيته مقابل العلاج.
أنا أملك بالفعل ثروةً كبيرة من عائلة فيليشا، لكن يبدو أنه يملك مالًا آخر فوق ذلك.
إنه خبرٌ سار فعلًا……لكن، لماذا يقول هذا فجأة؟
كنت أستغرب كلامه، لكن سرعان ما أدركت. لقد فهم كلامي السابق بشكل خاطئ.
“هاوارد، هل تعرف لماذا كنتُ أريد العودة إلى مملكة بيآتي بهذه العجلة؟”
“لأنكِ مررتِ بالكثير من الأوقات الصعبة هنا، فربما أحببتِ مملكة بيآتي أكثر……”
“أحمق. كيف يمكنني أن أحب المملكة أكثر من هذا المكان؟”
وضعتُ يديّ بلطف على وجنتي هاوارد، ثم ابتسمت له بصفاء،
“أعزّ ما لدي موجودٌ هنا.”
فتجمّد وجه هاوارد في لحظة. وكانت حتى تلك الملامح، في نظري، محبّبةً للغاية.
“كنت أريد فقط أن أنهي حياتي في المملكة بأسرع ما يمكن، وأعود. كي أستطيع أن أبقى معكَ هنا، في إمبراطورية فيدوس، دون أي عائق، ولأطول وقتٍ ممكن.”
“…….”
“كما قلتَ أنت، علينا أن نحب بعضنا بكل ما أوتينا من قوة، أليس كذلك؟”
وما إن أنهيت كلامي، حتى سُحبت إلى أحضان دافئة. و وصل صوتٌ مرتجف همس في أذني،
“……أحبكِ. أنا أحبكِ، ريكا.”
همس بهذه الكلمات مرارًا، فأجبته بابتسامة،
“وأنا أيضًا أحبكَ.”
رفعت يدي واحتضنت ذلك الدفء الذي أحاط بي.
بينما أشرقت الشمس خارج النافذة. و كانت أشعتها تغمر المكتبة بلونها القرمزي،
فحدّقت فيها و أنا أفكر،
‘كان من حسن حظي أنني التقيتكَ في ذلك اليوم، على ذلك التل.’
أنا كنتُ خلاصكَ، وأنتَ كنت خلاصي.
كنا، حقًا، خلاصًا لبعضنا البعض.
✧ النهاية ✧
_________________
انتهت 😔
عيالي ريكا وهاوارد اخيرا هم مع بعض بعد كل التصفيق الي جاهم😭
المؤلفه بتاخذ استراحه ثم تنزل الفصول الاضافيه ان شاء الله اول ماتنزل ترجمتها😘
النهاية مره هاديه وضمتهم تجننننن احب الضمات ضموني معكم ااااااااااااااااااا
هاوارد وريكا لازم يحبون بعض اكثر عشان ماعاد يصير لهم الشي
الشركة: فلوس حق انا رجعع
بيفلسون بس عسا فيهم من قالهم يسوون بروتور
اعترف ان احداث بروتور كانت تحمس وصياح بس حمار سوا لريكا تعذيب نفسي مجنون
المهم شكرا لكم كانت من احلا رواياتي يارب الفصول الاضافيه كثيره ووافيه😔🫂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 150"