هاوارد كان يحدّق بشرودٍ في زهرة شقائق النعمان.
شقائق النعمان البيضاء لم تكن تشعّ وهجًا كما كانت تلك التي نثرت طاقتها المقدسة. بل كانت فقط بيضاء تمامًا دون شائبة.
لكن هاوارد رأى أن الزهرة التي أمامه الآن أجمل بأضعاف، بل بملايين المرات. و ربما كان ذلك بسبب المعاني التي تنطوي عليها.
استرجع هاوارد معنى زهرة شقائق النعمان البيضاء.
الأمل، الترقّب، الصدق……
أشياءٌ تاق لها دومًا من أعماق قلبه.
‘هل يمكن……أن يكون هذا حلمًا؟’
هل هو وهمٌ سُمح له به مؤقتًا، لأجل معاناته؟
كان سعيدًا لدرجة أن تلك الفكرة راودته فعلًا.
ربما هذا ما يحدث بالفعل. ربما فقد وعيه ولم يستيقظ بعد، وربما كانت ريكا قد رحلت، وهو الآن وحيد.
أغلق هاوارد عينيه بقوة دون أن يشعر، ثم فتحهما. لكن المشهد أمامه لم يتغيّر.
ومع إدراكه أن كل ما يراه حقيقي، أدرك هاوارد تشيلستون السبب “الحقيقي” لكون زهرة شقائق النعمان البيضاء اليوم أكثر جمالًا.
كان السبب هو ريكا.
كان متأكدًا من ذلك. فقد سُحر لا بجمال الزهور التي ملأت نظره، بل بعينيها الزرقاوين اللتين تنظران إليه بلطف.
لهذا أجاب هاوارد بصوتٍ مرتجف.
“……بكل سرور.”
ثم قال جملةً تبدو وكأنها ستجعل ريكا تضحك إن سمعتها.
“ألا يوجد شرطٌ في العقد هذه المرة؟”
و كما توقّع، كانت عينا ريكا تلمعان بدموعٍ توشك أن تسقط، ثم اتسعتا قليلًا، وسرعان ما انحنتا بنعومة.
ثم قهقهت ضاحكةً بصوت نقي،
“همم……يوجد واحدٌ فقط.”
“ما هو؟”
“الحب.”
قالت ذلك بصوتٍ مفعم بالمودّة.
صوتٌ قادرٌ على تبديد كل القلق المتبقي في القلب، صوتٌ يجلب ابتسامةً لا إرادية عند سماعه.
“أرجو أن تحبّني كثيرًا.”
“….…”
“وسأمنحكَ حبًا يفوق ما تلقيتُه. سأجعل هاوارد تشيلستون سعيدًا، مهما كلف الأمر.”
في تلك اللحظة، فكّر هاوارد.
ربما كان يعيش طوال حياته من أجل هذه اللحظة. و ربما تحمل كل تلك المحن فقط من أجل هذا اليوم.
“هذا ليس صعبًا. لا حاجة لوضعه كشرط عقد. لقد كنت أفعل ذلك دومًا، كما أتنفس.”
“إذًا……”
“لكنكِ أنتِ، من ستجد الأمر صعبًا.”
“هاه؟”
أمالت ريكا رأسها بتعجّب، وعلامات الاستفهام تملأ ملامحها.
فنظر إليها هاوارد بابتسامةٍ لا تزال تزيّن وجهه، ثم مدّ يده ببطء. و أخذ منها باقة الزهور.
“ما رأيكِ أن نعدّل الشرط قليلًا؟ سيكون من الصعب عليكِ أن تحبيني أكثر مما أحبكِ.”
“……آه.”
“ألستُ محقًا؟”
“آه، حقًا! ظننت أن الأمر خطير! لقد أرعبتني!”
عينَا ريكا أصبحتا على شكل مثلث. و نفخت خديها وهي تتخذ تعبيرًا غاضبًا، ثم واصلت كلامها بصوتٍ واثق،
“حضرة الدوق، سترى! أنا متأكدةٌ من أنني سأفوز!”
“أتطلّع لذلك، آنسة فيليشيا. رغم أني لا أظن أنكِ ستنجحين.”
وبعد لحظة صمت، انفجر هاوارد و ريكا بالضحك في الوقت نفسه، دون أن يسبق أحدهما الآخر.
ضحكٌ لم يعرف التوقّف، واستمر بلا نهاية.
حتى كبير خدم القصر الذي كان يسير بتوتر جيئةً وذهابًا أمام غرفة هاوارد شعر أخيرًا بالراحة وتراجع.
و حتى اختفى ضوء الغروب، وحلّ الليل، وظهر القمر والنجوم في السماء.
و حتى تلاشى تمامًا الألم الذي كان يعانيه هاوارد نتيجة بقائه بعيدًا عن المعبد طوال هذه الفترة.
وكأنهما كانا يحاولان تعويض كل لحظةٍ من الزمن الذي قضياه بعيدين عن بعضهما.
هكذا……
***
ولم يتمكّنا من إجراء حديثٍ حقيقي إلا في وقتٍ متأخر من الليل.
بعد أن أنهيا العشاء، وعادا إلى غرفة هاوارد حيث بقيا وحدهما، بدأت ريكا بسرد ما حدث لها منذ أن وُلدت من جديد.
اتّضح أن تحديث “القارة الجديدة” في لعبة <عالم الفانتازيا> ترافق معه ظهور أشخاص من تلك القارة في هذا العالم أيضًا، وتشكّلت لهم ذكرياتٌ كما لو أنهم وُجدوا منذ البداية.
تمامًا كما لو كانوا دائمًا جزءًا من هذا العالم.
ولذلك، حين تحدثت ريكا في السابق بشكل طبيعي عن طفولة “ريكا فيليشيا”، بدا الأمر غريبًا بعض الشيء، لكن السبب كان ما اكتشفه الآن.
قالت ريكا مازحةً وهي ترتجف بخفة أن الذكريات كانت واضحة جدًا في رأسها لدرجة أنها أصابتها بالقشعريرة.
ثم تواصل الحديث بينهما في مواضيع كثيرة.
مثل أنها استغرقت وقتًا طويلًا في البحث عن محل الزهور الذي يبيع زهرة شقائق النعمان البيضاء، ولم تعد إلى قصر الدوق إلا بعد غروب الشمس، أو أنها تشعر وكأنها أصبحت حقاً شخصيةً غير قابلة للعب جديدة، أو أن الأشياء التي تملكها لم تعد تختفي عند منتصف الليل كما كانت في السابق، أو أن لديها الآن ثروةٌ لا بأس بها.
وتحدثا أيضًا عن النظام.
“……على أي حال، لم أعد قادرةً على استخدام النظام. لا أعرف لماذا حدث هذا. لقد استعدت كل ذكرياتي، وحتى أنني أصبحت شخصيةً غير قابلة للعب بنوعٍ ما.”
قالت ريكا ذلك وهي ترفع فنجان الشاي الموضوع أمامها. و رغم كل محاولاتها للتفكير، لم تتمكن من الوصول إلى جواب.
‘النظام……كان مريحًا إلى حدٍ ما.’
“هل وصلت أي رسالةٍ من المعبد؟”
“رسالة؟ لا أعلم……و بالنسبة للنظام، لا شيء مميز……”
توقف هاوارد عن الكلام فجأة. و فكر قليلًا، ثم شعر أن هناك شيئًا غريبًا.
الرسالة.
‘الرسالة، فعلاً……’
“……لم تصل.”
“عفوًا؟ ما الذي لم يصل؟”
“الرسالة. منذ أن عدتِ، لم تصل أي رسالة. مضى عدة أسابيع ولم يصل أي شيء.”
“……لا يمكن. هل يعقل هذا؟”
الرسالة في هذا العالم هي نفس إشعارات لعبة <عالم الفانتازيا>. و فكرة عدم صدور أي إشعار من اللعبة لعدة أسابيع كانت غير معقولة، خاصةً في ظل التحديث الضخم المنتظر من اللاعبين، والمسمى بـ”القارة الجديدة”.
“النظام تعطل……والآن حتى الرسالة اختفت. ما الذي يحدث؟ لقد تغيّر كل شيء كثيرًا. أووف……”
تمدّدت ريكا على الأريكة التي كانت جالسةً عليها. ثم وضعت يدها على رأسها، ويبدو من تصرّفها أنها بدأت تشعر بالصداع. فقد كانت ملامح وجهها منقبضةً قليلًا.
هاوارد، الذي أصبح يقلق عليها حتى من مجرد عبوس طفيف، همّ بأن يقول شيئًا، لكن طرقًا على الباب قاطعه.
“سيدي الدوق، أعذرني على الإزعاج في هذا الوقت المتأخر، لكن لدي أمرٌ عاجل أود أن أطرحه، هل لي بالدخول؟”
كان الصوت صوت كبير الخدم.
وبعد أن أذن له هاوارد، فتح كبير الخدم الباب ببطء ودخل إلى الغرفة. و وقع نظره أولًا على ريكا، التي اعتدلت في جلستها، ثم تحوّل نظره مجددًا إلى هاوارد.
“الأمر أن قبطان السفينة التي كان من المفترض أن تغادر اليوم متوجهةً إلى مملكة بيآتي قد جاء للقاء حضرتكَ.”
“القبطان؟”
مال هاوارد برأسه باستغراب من ظهور شخص غير متوقّع.
“نعم، الآنسة فيليشيا مرّت عليه وأخبرته أنها على الأرجح لن تتمكّن من السفر اليوم، لكنه لم يتلقّ أي توجيه بشأن ما سيحدث لاحقًا، لذلك جاء يستفسر عمّا يجب فعله. و قال أنكَ وعدته بإجابة اليوم، لكنه لم يتلقّ شيئًا حتى الآن، فاعتذر على التطفّل وجاء إليك مباشرة.”
“أوه، يا إلهي!”
فاتسعت عينا ريكا بصدمة.
يبدو أن كثرة الأحداث أنستها تمامًا هذه المسألة. وهاوارد أيضًا كان مشوشًا تمامًا.
“سفينة متجهة إلى مملكة بيآتي……”
كان من المفترض أن تُعيد ريكا إلى مملكة بيآتي غدًا.
فحتى قبل أن ينهار، كانت لا تزال لا تتذكّره، وكانت ترغب في العودة إلى موطنها. لكن الوضع الآن تغيّر……بل تغيّر كثيرًا.
“أرجوا أن تحبّني كثيراً.”
“وسأمنحكَ حبًا يفوق ما تلقيتُه. سأجعل هاوارد تشيلستون سعيدًا مهما كلّف الأمر.”
ريكا استعادت كل ذكرياتها. وأصبحت الآن ترغب بالبقاء إلى جانبه.
تذكر هاوارد اعترافها له وسط سماء الغروب، فارتسمت ابتسامةٌ على شفتيه.
ترى، هل تدرك تلك المرأة؟ أن سعادته قد بدأت بالفعل بمجرد اعترافها في ذلك اليوم؟
‘حسنًا، يبدو أننا لن نحتاج لتلك السفينة في الوقت القريب.’
فالآن، هما مشغولان بقضاء الوقت معًا. حتى أن تعويض سنوات الفراق لا يكفيه حتى اليوم الكامل، بل بدأ يشعر أن الوقت يداهمه.
وبينما كان هاوارد يقول ذلك لكبير الخدم،
“أخبره أننا نتحمّل الخطأ، وسنقدّم الأجر المتفق عليه كالمعتاد. أما بخصوص السفينة……”
ثم تحدثت ريكا في اللحظة ذاتها…
“فلتخبره أننا سنُبحر غدًا كما هو مخطّط، من فضلكَ.”
في اتجاهٍ صادم للغاية.
______________________
يا ليل القبطان الباعوص
كنت انتظر صياح بس حتى ضحكتهم حلوه يازين عيالليييييي🤏🏻
وكذا باقي فصل😔 ولا ادري ريكا شقومها تبي تروح
يمكن بتقول للخدامه ارجعي لحالس؟ او بتقول لهاوارد امش معي خل نسافر؟ او بتقول تعال اخطبني يا مال الشحم😘
بس عاد عطيه تلميح شي الولد قلبه طاح اكيد😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 149"