“..…الآنسة إيفريت؟”
رفعت رأسي فجأةً بسبب الإحساس المفاجئ. و كان هناك فتى واقفٌ أمامي.
ربما في منتصف سن المراهقة تقريبًا. و رغم أنه كان يضع غطاء رأس عباءته، إلا أن المسافة كانت قريبة جدًا بحيث استطعت تمييز ملامحه بوضوح.
كانت عيناه بنفسجيتان متألقتان حتى وسط الظلام، وبشعره الأشقر المجعد…..كانت ملامحه مألوفةً بشكل غريب، وبدأت أفكر في السبب، لكنه سبقني بالكلام.
“أنتِ الآنسة إيفريت، أليس كذلك؟”
كان صوته يرتجف بشدة. ونظراته الموجهة إلي كانت مضطربةً ومتخبطة بلا اتجاه.
أملت رأسي قليلًا باستغراب، ثم أنزلت حاجبيّ بلطف.
لم يكن من الصعب فهم الوضع. فقد واجهت موقفًا مشابهًا قبل شهر فقط.
“أعتقد أنكَ تخلط بيني وبين شخص آخر.”
“…..أخلط؟”
“نعم، يا صاحب الجلالة.”
همست بذلك بأخفض صوت ممكن. فتوسعت عينا الفتى فجأة بدهشة.
كما توقعت، إنه هو. فريدريك فون لوكولين. إمبراطور فيدوس الشاب.
‘من السهل التعرف عليه. كنت أعلم مسبقًا ملامحه العامة، فوهو يشبه هاوارد بشكل واضح.’
لم تكن تلك الملامح من النوع الشائع.
استحضرتُ وجه هاوارد الغائب مؤقتًا، وأومأت برأسي بخفة.
نعم، لا شك في الأمر.
“أنا ريكا فيليشا من مملكة بيآتي. يشرفني لقاؤكَ.”
وقفت من مكاني وانحنيت بتحية رسمية. لكن يبدو أن تحيتي لم تكن مهمةً بالنسبة لفريدريك في تلك اللحظة.
فقد استقبل التحية ببرود وكأنها لم تكن، ثم تمتم مجددًا وكأن شيئًا لم يحدث.
“فيليشا…..إذا فأنتِ ممثلة الوفد الدبلوماسي من مملكة بيآتي…..إذًا، لستِ الآنسة إيفريت حقًا..…”
“…….”
“أنا…..لقد خرجت في جولة تفقدية، وبينما كنت أمر، رأيتكِ مع الدوق…..و للحظة، ظننت أنكِ الآنسة إيفريت. آسف. أعتذر بصدق.”
الآنسة إيفريت.
الاسم الذي تكرّر أكثر من مرة بدأ يثير فضولي. من تكون تلك الفتاة التي تم الخلط بيني وبينها؟
ومن حديثه، يبدو أن هاوارد يعرفها أيضًا.
ويبدو أن الشخص الذي تم الخلط بيني وبينه منذ البداية…..كانت هي أيضًا.
“أيمكنني أن أسأل…..من تكون الآنسة إيفريت؟ يبدو أن معظم من قابلتهم في إمبراطورية فيدوس يخطئون في الظن ويعتقدون أنني هي، وقد أثار ذلك فضولي قليلًا.”
سألت بسلاسة وحذر. لكن الرد لم يأتِ منه، بل من مكان آخر تمامًا.
خدم عائلة الدوق تشيلستون، الذين كانوا لا يزالون بجانبي، ارتجفوا بشكل واضح. و تبادلوا نظراتٍ متوترة، ثم خفضوا رؤوسهم وهم يراقبونني.
عندها فقط ازداد عزمي.
يجب أن أعرف. من تكون تلك الفتاة؟
“هلا تخبرني، جلالتك؟ الأمر مهمٌ بالنسبة لي.”
“ذلك هو…….”
“إذا كنتَ حقًا تشعر بالأسف تجاهي.”
نظرتُ إلى معصمي الذي لا يزال فريدريك يمسكه بقوة، وأضفت هذه الكلمات. عندها، ارتجف فريدريك فجأةً وأفلت يدي.
ومع ذلك، لم يأتِ الرد مباشرة.
كان يبدو وكأنه غير متأكد مما إذا كان ينبغي أن يقول لي هذا الكلام.
لكن في اللحظة التي التقت فيها أعيننا، ربما لأنه شعر بأنه لا مفر من الأمر، فتح فمه أخيرًا.
“لا أعرف التفاصيل، لذا سأخبركِ باختصار فقط.”
بدأ فريدريك يتحدث بصوت خافت. و مع جملةٍ أولى لم أتوقعها إطلاقًا.
“الآنسة إيفريت كانت عشيقة الدوق.”
***
ربما لم يكن يعرف الكثير فعلًا، إذ إن شرحه لم يطل.
ثم انتهى الحديث، وبعد أن غادر مع الحراس الملكيين وقد ارتسمت على وجهه ملامح حرج، لم يعد هاوارد بعد.
أظن أن ما يقارب العشرين دقيقة قد مضت.
جلستُ هناك أتأمل ما سمعته مرارًا وتكرارًا. بينما كان خدم منزل الدوق يرمقونني بوجوه متوترة لا تعرف ما تفعل.
‘……كانت عشيقته.’
وكان ذلك أمرًا يعرفه كل سكان إمبراطورية فادوس.
حتى أنها فقدت حياتها أثناء قتالها إلى جانبه ضد ملك الشياطين.
‘لقد كنتِ تشبهينها تمامًا، فاختلط عليّ الأمر للحظة، أنا آسفٌ حقًا.’
عندما قال فريدريك ذلك بعد أن شرح لي كل شيء، كان أول شعور انتابني هو…..الخذلان.
نعم، خذلانٌ كامل.
فشخص مثل هاوارد تشيلستون لا يمكن أن يتصرف بهذه الطريقة لمجرد أنه رأى أحدًا يشبه امرأةً رآها من قبل.
كنت أشعر بالخزي من نفسي، لأني انجذبت دون أن أعرف شيئًا. و كنت أشعر بالغباء، لأن قلبي مال إليه بهذه السرعة.
‘كنت أعتقد حقًا…..أنه يحبني.’
لو كانت مجرد امرأةٍ تشبه حبيبته الراحلة إلى حدٍ مخيف، فربما من الطبيعي أن ينجذب إليها.
قال أنه أحبها إلى ذلك الحد.
بل وحتى نملك الاسم نفسه.
“هاها…….”
ضحكتُ بخفة.
لا أعلم، لكن الوضع الحالي بدا لي مثيرًا للسخرية.
أن ألتقي بفريدريك في اللحظة التي كنتُ أشعر فيها بأفضل حالاتي، لأسمع منه هذه القصة البائسة، وأن أرتجف الآن من الصدمة حتى ترتعش يداي بهذا الشكل.
‘إلى متى كان هاوارد ينوي إخفاء هذا عني؟’
كنت أشعر ببعض الغضب تجاهه، لكن رغم ذلك، لم أظن للحظة أنه استغلني عمدًا.
هاوارد تشيلستون لم يكن من هذا النوع من الرجال.
ربما أكون مخطئةً في هذا أيضًا، لكن، على الأقل، لم أكن أعتقد أنه فعل ذلك بقصد.
لابد أن الأمر حدث دون أن يشعر به حتى. لأنه كان يفتقد تلك الحبيبة الراحلة بشدة.
وإلا، لما أغلق على نفسه أبواب القصر، معتزلًا كل مهامه في المعبد وسائر أنشطته الخارجية، لثلاث سنوات كاملة.
أنا أتفهم هاوارد، إلى حدٍ ما. لكن المشكلة أنني كنت أنا من وقع في حبه.
‘ماذا كنت أفعل طوال هذا الشهر هنا؟’
تنهدتُ بعمق.
كان رأسي مشوشًا، وكدت أنفجر بالبكاء من الحزن، ومع ذلك، خرجت بخلاصةٍ واضحة.
‘……لنعد إلى المملكة.’
سأعود، وأتظاهر أن كل ما حدث لم يكن سوى لا شيء. و كل ما جرى في الإمبراطورية…..كان مجرد حلم.
لا زال يعجبني التواجد مع هاوارد، لكن إن كان يراني من خلال صورة امرأة ماتت منذ زمن، وإن لم يستطع بعد التحرر من آثارها، فالأجدر بي أن أختفي من أمام عينيه، لأجله هو.
و لم يكن بوسعي الاستمرار على هذا النحو.
‘على أي حال، كنتُ سأعود بعد أسبوع، أليس كذلك؟’
سأطلب منه أن يؤمِّن لي سفينةً للعودة مسبقًا.
على الأقل هذا ما يمكنه فعله. وإن لم يكن، فلا بأس، سأجد وسيلةً أخرى.
فريدريك نفسه قال منذ قليل أنه يمكنني طلب العودة الفورية إلى مملكة بيآتي من القصر إن رغبت.
بعد أن أنهيت قراري، تنفستُ بعمق وبهدوء. وفي تلك اللحظة تمامًا، سمعت صوت خطواتٍ مسرعة تتجه نحوي.
رفعت رأسي، فرأيت هاوارد يقترب من غير مسافة بعيدة. و حين التقت أعيننا، لوّح لي بيده وابتسم بخفة.
فابتسمتُ بدوري بتكلف، لكن يبدو أن ابتسامتي تلك أقلقته، فبدا على وجهه الارتباك وهو يسرع نحوي.
ثم توقف أمامي مباشرة، وانخفضت حواجبه بحرج.
“أنا آسف، ريكا. كنتُ أودّ العودة بسرعة…..لكن الصيدلية كانت أبعد مما توقعت.”
لهاثه الخفيف أظهر كم كان مسرعًا ليعود في أقرب وقت.
كنت أعلم أنه يفعل ذلك من أجلي، لكن، على عكس ما شعرت به قبل قليل، لم يعد ذلك يسعدني.
فحاولت أن أتحكم بتعابير وجهي، لكن ربما لم أنجح كفاية، إذ إنه راح يتفحصني وسأل بحذر،
“هل انتظرتِ طويلًا؟ لا بد أن الوقت كان مملًا وأنتِ وحدكِ.”
“لا، لا بأس. صادف أنني التقيت بأحدهم، وتحدثنا قليلًا.”
“حقًا؟”
هاوارد الذي كان يحمل الدواء والضمادات، انحنى بجسده. ثم جثا على ركبة واحدة أمامي.
وكان يبدو وكأنه ينوي علاج كاحلي بيده مباشرة، فأسرعتُ برفع يدي لأمنعه.
“سأقوم بذلك بنفسي.”
“……آه، حسنًا.”
ناولني هاوارد ما كان يحمله بسلاسة، دون تردد. وأثناء انشغالي بعلاج كاحلي، كان ينظر تارةً إلى وجهي وتارةً إلى قدمي، مواصلًا الحديث.
“بما أن كاحلكِ ليس بحالة جيدة، ربما من الصعب أن نتجول قرب البحيرة. هل ترغبين في شيء آخر؟”
“شيء آخر؟”
“نعم. سأضبط البرنامج حسب ما ترغبين.”
قال هاوارد ذلك بينما كنتُ قد انتهيت لتوي من لف الضماد ورفعت رأسي. و عيناه الحمراوان لم تريا في تلك اللحظة سوى وجهي فقط.
“أخبريني بما ترغبين في فعله، أي شيء.”
في نظرته كان هناك حب، لكن…..لم أكن أنا المقصودة به.
فأخذتُ نفسًا عميقًا، ثم نطقت ببطء’
“……إذاً، ماذا لو نفترق الآن؟”
لقد حان وقت الاستيقاظ من هذا الحلم.
“أريد العودة إلى المملكة، يا دوق.”
___________________
لااااااااااااااع
طيب هي شخصية غير قابلة للعب يعني تدري ان ذا العالم لعبه صح؟ يعني يمدي تقولها يختي اللعبه رجعتس انت نفسها وخلاص 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 144"