‘ما، ما هذا الذي يحدث……’
لم أستطع الرد مباشرة، وكل ما فعلته هو أن حركت شفتي بصمت.
كان في داخلي الكثير مما أود قوله، لكنني كنت مصدومة جداً لدرجة أن الكلمات لم تخرج من فمي.
“أ-أعني……”
حتى تلك الكلمات القليلة خرجت بتلعثم شديد. ثم شعرت أن الأفضل هو أن أصمت، فأغلقت فمي مجدداً.
و لا أعلم كيف فسّر هاوارد حالتي تلك، لكنه اقترب مني أكثر.
“همم؟”
مال برأسه قليلاً وهو ينظر إليّ، وكأنه يطلب مني أن أجيبه.
منظره كان مثيراً بصرياً بشكلٍ لا يُحتمل، فارتجفت جفناي ثم أغمضت عيني تماماً.
لماذا……لماذا يتصرف هكذا تجاهي؟!
“أ-أعتقد أن الأنظار كلها علينا الآن……هل يمكنكَ أن تبتعد قليلاً؟”
“إن أجبتِ فقط.”
“سأجيب……فقط ابتعد قليلاً……”
قلت ذلك بصوتٍ خافت بالكاد يُسمع. ثم سمعت صوت ضحكةٍ خفيفة، وبعدها شعرت به يبتعد عني استجابةً لطلبي.
ورغم ذلك، لم أفتح عيني فوراً. فقد شعرت أنه من الأفضل أن أتأكد أولاً، ففتحت عيني ببطء، و أنا أنظر من طرفها للتأكد من أنه ابتعد فعلاً، ثم فتحتها تماماً.
كل ما فعله هو مجرد الابتعاد قليلاً، ومع ذلك بدا عليه سعادةٌ كبيرة، وكان يبتسم بوضوح. وفي عينيه الحمراوين، ومض ضوءٌ بدا وكأنه عزيمة لا تلين.
كأنه مصممٌ على الحصول على إجابةٍ مني مهما حصل.
“إ-إن كنتَ تود مناداتي بهذا الشكل، فافعل ما شئت……فمناداة الاسم ليست أمراً كبيراً أو معقداً……”
“حقاً؟”
سأل هاوارد مجدداً بوجه أكثر إشراقاً. فشعرت بخديّ يحترقان من شدة الاحمرار.
آه، ما الذي يحدث لي اليوم؟
‘أنا لستُ شخصاً سهل الانجراف هكذا!’
صحيحٌ أن هاوارد تشيلستون وسيمٌ بشكل موضوعي، وصحيح أن ملامحه تماماً على ذوقي……لكن، مع ذلك، أنا لستُ شخصاً بسيطاً ينجرف بهذا الشكل لمجرد أنني التقيت به بالأمس فقط.
منصب ممثلة الوفد الدبلوماسي ليس شيئاً يُعطى لأي شخص عشوائياً.
حين كنت في مملكة بيآتي، كنت أُوصف دوماً بأنني حازمةٌ وعاقلة، وكان يُقال ذلك لي مراراً كل يوم، فلماذا أتصرف الآن وكأنني فقدت كل رصانتي؟
كأن سبب رغبتي في المجيء إلى هنا……كان هو.
وكأنني كنت أحبه من طرف واحد منذ وقتٍ طويل……
‘حقاً، هذا غريبٌ جداً.’
ما هذا الشعور؟
أملت رأسي قليلاً بسبب هذا الإحساس الغريب بالديچاڤو، وفي تلك اللحظة تحدث هاوارد مجدداً.
“ريكا، ما هو جدول عمل الوفد الدبلوماسي؟”
“آه، حسنًا……سنقوم خلال هذا الأسبوع بإقامة ندواتٍ تعريفية مثل اليوم، وفي اليوم الأخير سيكون هناك حفل عشاء جماعي، ثم نعود إلى مملكة بيآتي. الهدف الأول هو أن نتعرّف على بعضنا البعض، لذا الجدول وُضع بهذا الشكل، وسنحدد الباقي لاحقاً.”
“أسبوعٌ واحد فقط……هذا قصيرٌ جداً.”
تمتم هاوارد بشيء بصوت منخفض. ثم بدت عليه علامات التفكير قليلاً، قبل أن ينظر إليّ مباشرة،
“أود أن أقدم لكِ اقتراحاً، وآمل أن تنظري إليه بإيجابيةٍ قدر الإمكان.”
“اقتراح؟”
“عندما يعود الوفد الدبلوماسي، ما رأيكِ ألا تعودي معهم، بل تبقي في إمبراطورية فيدوس لمدة شهر إضافي؟ سأقوم بترتيب وسيلة عودة خاصة لكِ لاحقاً.”
“ماذا؟”
شهر كامل؟ وأكون وحدي من بين أعضاء الوفد؟
“ولماذا هذا الاقتراح……؟”
“لقد أعجبتني طريقتكِ في الشرح اليوم. أرغب في معرفة المزيد عن مملكة بيآتي، وأظن أن بإمكانكِ مساعدتي في ذلك.”
“أفهم مقصدكَ، لكن……أن أبقى وحدي، هذا يبدو كثيراً. كما أن الأمر مفاجئٌ جداً.”
“لستُ أطلب مساعدتكِ مجاناً. بالطبع سأعطيكِ مقابلاً عادلاً. مثلاً، بقدر ما تخبرينني عن مملكة بيآتي، سأعرّفك أنا أيضاً على إمبراطورية فيدوس. في النهاية، كلانا لا يعرف الكثير عن بلد الآخر، أليس كذلك؟”
أن يُعرّفني هو على إمبراطورية فيدوس؟ كان اقتراحاً مغرياً جعل قلبي يميل نحوه.
صحيحٌ أنني أتيت إلى هنا بدافع شغفي ورغبتي في رؤية هذه الإمبراطورية، لكن لم يكن من المفترض أن أكون أنا من يتلقى الشرح عنها.
فالوفد الإمبراطوري الموجود الآن في مملكة بيآتي هو الذي يُفترض أن يشرح كل شيء لسكانها. أما أنا، فلم تتح لي الفرصة لسماع تلك المعلومات.
ورغم أنني لا أندم على قدومي، لأنني أؤمن أن رؤيتها بنفسي أفضل، إلا أن شيئاً من الحسرة بقي في قلبي.
وفي وسط ذلك، ها هو شخصٌ موثوق يقدّم لي بنفسه عرضاً للتعلّم منه.
من الطبيعي أن أكون مهتمة. وفوق ذلك، بالنظر إلى موقف الملك عندما قرر إرسال وفد وتبادل العلاقات مع فيدوس، فلا شك أنه سيكون سعيداً بمثل هذا الوضع، وليس منزعجاً.
‘لكن……البقاء شهراً كاملاً في بلد أجنبي، لا يمكنني اتخاذ قرار كهذا وحدي بسهولة.’
يبدو أنني بحاجة إلى التفكير أكثر.
كنت أفكر في ذلك للحظة ثم سألت بشكل عابر.
“لكن، ألست مشغولًا؟ لا أدري إن كان لدى الدوق تشيلستن وقتٌ لي.”
“لستُ مشغولًا.”
رفع هاوارد كتفيه قليلًا.
“ما لدي الآن هو وقتٌ فائض. لست متأكدًا إن كنتِ تعلمين، لكنني حصلتُ على إجازةٍ طويلة حاليًا.”
آه، صحيح. لقد نسيته.
إذًا، لا يبدو أن هناك مشكلةً فعلًا…..
ربما لاحظ هاوارد ترددي، فاقترب مني أكثر وهمس بصوت منخفض.
“آه، نسيت أن أقول هذا. بما أننا في إمبراطورية فيدوس، فليس من السهل عليكِ شرح مملكة بيآتي لي، بعكس العكس.”
“هذا صحيح، نوعًا ما.”
“لذا، أردت إضافة شرط واحد. أشعر أن عليكِ الحصول على مقابل عادل.”
مقابلٍ عادل؟
اقترب من أذني وهمس بصوت خافت. وما إن سمعت ما قاله حتى اتسعت عيناي.
أ…..سيعطيني مالًا؟ بهذا القدر الكبير؟
بهذا المبلغ يمكنني أن لا أعمل لنصف سنة كاملة…..
“متى يمكنني البدء، يا دوق؟”
شهر؟ بل سأبقى شهرين إن أردت.
قلت ذلك بعينين تلمعان من الحماس، فانفجر هاوارد بالضحك وهو ينظر إليّ.
رغم أن عضلات وجهه بدت وكأنها نسيت كيف تضحك من طول الغياب، إلا أن سعادته كانت واضحة تمامًا.
“فلنجعل البداية بعد انتهاء مأدبة اليوم الأخير من جدول البعثة. لقد وعدتِني، ريكا.”
مدّ هاوارد خنصره نحوي. فترددت قليلًا ثم شبكت إصبعي بإصبعه. بينما نبض قلبي بسرعة.
***
مرّ الوقت كلمح البصر. و انتهى العرض التوضيحي بسلاسة.
يبدو أن إمبراطورية فيدوس رأت في مملكة بيآتي فائدةً كبيرة، ولحسن الحظ، بدا أن التبادل بين الدولتين سيسير بسلاسةٍ بعد ذلك.
وبعد انتهاء المأدبة، بدأ لقائي مع هاوارد كما هو مخطط.
حدد هاوارد أحد الأماكن الشهيرة في الإمبراطورية، وجاء ليصطحبني. ثم أخذ يعرفني على المكان، بينما كنت أحكي له عن مملكة بيآتي التي كان فضوليًا بشأنها.
كانت أماكن اللقاء التي اختارها هاوارد متنوعة.
ذهبنا إلى مواقع سياحية مشهورة، وإلى مقاهٍ ذات أجواء لطيفة، وأحيانًا إلى مسارح ضخمة للغاية.
وبسبب طبيعة مناخ مملكة بيآتي، لم يسبق لي رؤية “الثلج”، فذهبنا في رحلة إلى منطقة باردة خصيصًا لأجلي. كان منظر العالم مغطىً بالكامل بالبياض مذهلًا بحق.
كان الوقت الذي أمضيته مع هاوارد ممتعًا أيضًا. فشعرت وكأنني أعيش رفاهيةً لا تستحقها، رغم أنني أتلقى المال مقابلها.
حتى بعد أن نفترق، لم يكن قلبي يهدأ بسهولة.
ولذلك، كان من المعتاد أن أبدأ بسرد ما حصل للخادمة التي بقيت معي في السكن فور عودتي.
ومرت حوالي ثلاثة أسابيع من هذا الوقت الساحر، إلى أن كانت إحدى المرات التي كانت فيها الخادمة تستمع لي بينما تسرّح شعري، ثم توقفت فجأة.
“آنستي، هناك شيءٌ أردت قوله منذ مدة.”
“هم؟ ما هو؟”
ثم خرج الجواب بعد برهة.
“…..أليس هذا مجرد موعدٍ غرامي؟”
_____________________
هاوارد بدا الخطه ب مب مدور كيف ترجع ذاكرتها لا راح يخليها تحبه اول😭😭
وشكله بعد يبي يجرب معها الاشياء ال ماسووها🥲
الشائعات الي بتطلع بعدها: هاوارد انجن ولقى وحده تشبه حبيبه وحبها✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 142"