“تشرفت بلقائكَ لأول مرة، يا دوق تشيلستون.”
قلت ذلك وأنا أبتسم بخفةٍ للرجل الواقف أمامي.
كان أول مرة أرى فيها رجلاً بهذه الوسامة اللافتة، لكنني كنت قد سمعت بعض المعلومات البسيطة عنه قبل مجيئي إلى إمبراطورية فيدوس.
“هاوارد تشيلستون.” ابن عم الإمبراطور الحالي لإمبراطورية فيدوس، “فريدريك فون لوكولين”، والوحيد من أقاربه، وقائد فرقة الفرسان المقدسة.
بطلٌ أنقذ إمبراطورية فيدوس من بين أنياب ملك الشياطين.
مع كل تلك الألقاب اللامعة، كنت قد فكرت أنني سأرغب برؤيته ولو لمرة عند وصولي إلى الإمبراطورية،
لكنني لم أكن أتوقع أنني سأراه اليوم بهذا الشكل. فقد سمعت مؤخراً أنه بالكاد يظهر علناً، ويأخذ قسطاً من الراحة في قصر الدوق.
“أنا حالياً أمثل وفد البعثة الرسمية. كنت شديدة الفضول لمعرفة كيف تبدو إمبراطورية فيدوس، لذا ترجّيتهم أن يسمحوا لي بالمجيء.”
كان الوضع محرجاً بسبب نظرات هاوارد الثابتة عليّ، فبدأت أتكلم دون توقف.
ومع ذلك، لم يردّ عليّ. حتى شعرت أنا بالحرج الشديد.
“على ما يبدو، أنا أشبه كثيراً شخصاً يعرفه الدوق. هاهاها.”
“…….”
“دوق؟”
أملت رأسي باستغراب، وعندها فقط فتح هاوارد فاه. و كان وجهه كمن استيقظ للتو من حلمٍ طويل.
“لأول مرة……تقولين.”
“عفواً؟ نعم……”
ما خطب هذا الرجل؟ كان يبدو شاحب الوجه، فهل يعاني من وعكةٍ ما؟
‘ربما……ربما كان سبب استراحته طوال الفترة الماضية هو أنه لم يكن على ما يرام فعلاً.’
فكرت بذلك بينما أنزلت يدي ببطء.
لكن في تلك اللحظة. أمسك هاوارد بيدي، بعد أن ظل ساكناً طوال الوقت.
كانت طريقته في مدّ يده نحوي توحي بالعجلة والتوتر، وكأن فوات هذه اللحظة سيؤدي إلى كارثة ما.
“تشرفت……بلقائكِ لأول مرةٍ أنا أيضاً.”
شدّ قليلاً على يدي المصافحة. لكن لم يكن الضغط مؤلماً، لذا لم أُبدِ أي ردة فعل واكتفيت بابتسامة خفيفة بطرف عيني.
عندما بدأت أتساءل في داخلي إلى متى سنبقى على هذا الحال، تدخّل الكونت هاسين بذكاء ملاحظ.
“حسناً، ما رأيكم أن ننتقل الآن إلى مقر الإقامة الذي أعددناه؟ لا بد أنكم متعبون من الرحلة الطويلة، من الأفضل أن تستريحوا قليلاً. حتى تسير محادثات الغد بسلاسة.”
مدّ الكونت هاسين يده مشيراً نحو العربة. فأدرت رأسي نحو الاتجاه الذي أشار إليه وأجبت، وعندها تلاشت الحرارة التي كانت تصل بيننا بشكل طبيعي.
وعندما التفتّ سريعاً بنظرة جانبية، كان وجه هاوارد يبدو مشوشاً للغاية. بدا سعيداً……لكن في نفس الوقت خائب الأمل قليلاً……
اختلط شعورٌ معقد على وجهه. و أثار ذلك شيئاً في نفسي دون قصد.
‘حسناً، لا علاقة لي بالأمر على أية حال.’
ما كان يهم الآن هو أن تنجح المحادثات.
رغبتي في زيارة إمبراطورية فيدوس لم تكن مجرد كلام فارغ. فمنذ أن سمعت أن هناك قارة جديدة بعيدة، اجتاحتني رغبةٌ قوية وغريبة لم أستطع تفسيرها.
كنت أريد بشدة أن تطأ قدماي تلك الأرض. لذلك، عندما جاء وقت اختيار وجه يمثل مملكة بيآتي من بين أفراد العائلة الملكية، بذلت كل جهدي لأُختار، وفي النهاية تم اختياري بفضل إصراري القوي.
لهذا السبب بالذات، لم يكن هناك مجالٌ للخطأ.
‘صحيح، عليّ أن أتماسك.’
هززت رأسي بخفة وصعدت إلى العربة التي تم تجهيزها. متجاهلةً النظرات التي كانت تطاردني باستمرار.
***
في اليوم التالي، في ظهيرة مشمسة دافئة.
“هذا كل ما كنت قد أعددته.”
وضعت مجموعة الأوراق التي كنت أحملها. وانهمرت التصفيقات من كل الجهات.
انتهى ما سُمِّي بـ”ندوة مملكة بيآتي التعريفية”، التي أُقيمت بعد جلسة مبسطة من المحادثات في القاعة القريب من القصر الإمبراطوري، بنجاح كبير.
وقد أبدى شعب الإمبراطورية اهتماماً بالغاً بمملكة بيآتي. سواءً من حيث المناخ الحار نسبياً، أو أنواع الطعام التي تُحضَّر، أو المعادن التي تُستخرج، أو حتى اختلاف الكائنات الحية من نباتات وحيوانات.
وبالنظر إلى هدف مملكة بيآتي من إرسال بعثة دبلوماسية إلى إمبراطورية فيدوس، فقد كان إنجازاً عظيماً.
“ابذلوا كل ما بوسعكم حتى تهتم الإمبراطورية بمملكتنا.”
فمنذ أن علم الملك بوجود “فرقة الفرسان المقدسة” التي تضم فرساناً يمتلكون قوى مقدسة داخل الإمبراطورية، وهو يرى أنهم يتفوقون عسكرياً، وأصبح يسعى بشتى الطرق لبناء علاقة ودية معهم.
علاقةً عميقة، وطويلة قدر الإمكان.
ومن خلال ذلك، تعرّفتُ على شخص يُدعى هاوارد تشيلستون، قائد فرقة الفرسان تلك.
‘……لم أكن أتوقع أن يأتي اليوم أيضاً.’
وأنا أرتّب المنصة، ألقيت نظرةً خاطفة.
كان هاوارد، ذو الشعر الذهبي، جالساً في مقعد يتوسط القاعة الكبرى في الداخل.
بينما بدأ الحضور يغادرون واحداً تلو الآخر بعد انتهاء الندوة، وحتى من تبقى منهم قد وقف استعداداً للرحيل، هو وحده كان جالساً.
‘سمعتُ أنه مرّ مروراً سريعاً البارحة، لذا ظننتُ أنه من الطبيعي ألا يأتي اليوم.’
لكن لا أعلم ما الذي حدث خلال الليل، فـهاوارد تشيلستون بدا مختلفاً تماماً عن الأمس.
إن كان هاوارد الذي رأيته بالأمس يشبه شجرةً شاحبة في الشتاء، قد تساقطت أوراقها بالكامل، فإن الذي أمامي الآن يشبه……
‘……برعماً جديداً.’
قد لا تكون هذه عبارةً مناسبة لرجل ضخم البنية مثله، لكن هذا ما شعرت به فعلاً.
كان كمن حصل للتو على أملٍ في الحياة، وكأن أمامه طريقاً طويلاً ليخطوه للأمام.
ربما يكون الطقس هنا هو السبب. فقد كنت أرى مشهداً مشرقاً كهذا لأول مرة.
‘رغم أن الأجواء في المساء تبدو باردةً بعض الشيء……’
ارتجفت قليلاً وأنا أتذكر برودة ليالي الإمبراطورية، المختلفة عن دفء مملكة بيآتي، وفركت ذراعي برفق.
ثم رفعت رأسي مجدداً، وتصادف أن التقت عيناي بعيني هاوارد، الذي كان ينظر إليّ مباشرة.
هاه……منذ متى وهو يحدق بي؟
ارتبكت فجأةً ولم أعرف كيف أتصرف، وبينما أنا في حالتي تلك، بدأ هاوارد يتحرك ببطء وتقدّم نحوي.
عندها فقط أدركت. أنه بقي جالساً في مكانه كل ذلك الوقت لأنه كان ينتظر أن يغادر الجميع، ليقترب مني.
“نلتقي مجدداً، آنسة فيليشا.”
توقف هاوارد تماماً أمام المنصة. و نظر إليّ بابتسامةٍ خفيفة، وانحنت زوايا عينيه بابتسامة دافئة جميلة.
لم أكن أتخيل أنني سأرى هذا الوجه منه، فاضطرب قلبي وشعرتُ بالتشوش.
لم تكن مجرد أوهام. فهاوارد تشيلستون لم يكن كما كان بالأمس. وعندما رأيته عن قرب، تأكدت أكثر.
عينيه الحمراوين بدتا وكأنهما تطوّقاني وتحاصراني.
“آه……”
و بلا وعي، ظللت أحدّق فيه مشوشة الإحساس.
في تلك اللحظة، تحدث هاوارد من جديد.
“أعتذر عن تصرفاتي البارحة. كان لديّ جدولٌ طارئ، فلم أكن في حالة مناسبة. أعتذر.”
وانحنى برأسه ليعتذر لي بلطف.
عندما رأيت ذلك المشهد، مرّ بخاطري محادثة الأمس.
“……ريكا؟”
“قلتِ أنها المرة الأولى……”
“تشرفت بلقائكِ لأول مرةٍ أنا أيضاً.”
“آه، لا! لا داعي للاعتذار، لا يُعقل ذلك! وبالمناسبة، لا داعي لأن تتحدث إليّ بهذه الرسمية!”
لم أكن أتوقع هذا الموقف، فلوّحت بيدي على عجل.
صحيحٌ أن في عروقي يجري دم العائلة المالكة لمملكة بيآتي، لكن هذا لا يجعل منزلتي عالية لدرجة أن يتحدث إليّ أحد كبار شخصيات الإمبراطورية الرسمية بتلك الطريقة، وهو ابن عم الإمبراطور الوحيد وقائد فرقة الفرسان المقدسة.
في الأمس، كنت قد وصلت للتو، ولم أكن في حالة تسمح لي بتوضيح الأمر.
“حقاً؟”
“نعم! تكلّم معي بشكلٍ عادي!”
في الحقيقة، طريقة كلامه الرسمية كانت تُشعرني بالحرج أكثر.
أومأت برأسي بشدة، معبّرةً عن رغبتي الحقيقية. عندها، انحنى هاوارد قليلاً وهو لا يزال ينظر إليّ بتلك الابتسامة.
وقبل أن أشعر بالاستغراب من تصرفه، همس لي وكأنه يبوح بسر.
“إذاً سأفعل ذلك.”
وفي اللحظة التي سمعت فيها ما قاله بعد ذلك، أدركت أنني كنت مخطئة تماماً.
“ريكا.”
……ماذا؟ ماذا قال؟ هل ناداني باسمي؟
فتحت عيناي على وسعهما من الصدمة، لكنه بدا هادئاً تماماً، غير مبالٍ بردة فعلي.
ثم تحدث بصوت منخفض،
“أنتِ التي طلبتِ أن أتكلم معكِ بشكل غير رسمي. أم أنه لا يجوز لي ذلك؟”
وانحنت عيناه الحمراوان كالهلال، بابتسامةٍ تشبه القمر في منتصف الليل.
____________________
يارب ترجع ذكرياتها بسرعه الوضع ذاه يقهر بس شوي حلو شكل هاوارد قرر يخليها تحبه مره ثانيه😭
ريكا اميره بس شكلها اميره مالها حس ولا هيبه شقومها تقول انها مب لذيك الدرجة مدري وش
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 141"