‘أناس الأرض الجديدة.’ كان يُقصد بهم سكان القارة الجديدة التي فُتحت مؤخرًا.
ورغم أن هاوارد لم يغادر قصر دوقية تشيلستون طيلة ثلاث سنوات، إلا أنه ظل يتلقى تقارير منتظمة عن رسائل المعبد، وذلك بدافع أملٍ صغير في أن تكون أفعاله خلال تلك الفترة قد تركت أثرًا ملحوظًا داخل اللعبة.
رغم أن الأمر لم يكن ذا فائدة تُذكر في الحقيقة.
‘يجب أن أعود سريعًا……’
رفع هاوارد رأسه نحو السماء الزرقاء الصافية. لكن على عكس المشهد الجميل والساطع أمامه، كان جسده كله ينبض بالألم، بلا توقف.
كانت هذه عقوبةٌ تفاقمت بسبب خرقه المتكرر لقوانين اللعبة.
والألم الذي تراكم على مدى وقتٍ طويل، بات الآن يعذبه لدرجةٍ لا يمكن تجاهلها.
ومع ذلك، لم يكن ذلك الألم هو ما يؤلمه أكثر. فالألم في قلبه، الذي يشعر به دومًا، كان أشد وأقسى.
كان الألم النفسي أعمق بكثير من الجسدي. وكان يتمنى بصدق، حتى لو تألم أكثر من هذا، لو أمكنه فقط محو هذا الإحساس بالفَقد.
لكن لا، ليس هذا ما يريده حقًا.
سرعان ما أدرك هاوارد أن تفكيره كان خاطئًا. فهو لا يريد محو هذا الشعور بالخسارة.
بل هو فقط……يفتقد ريكا.
ولهذا، فكل هذا لا يُعد شيئًا.
حقًا، لا شيء.
“لننطلق.”
نظر هاوارد مرةً أخيرة إلى القصر الإمبراطوري خلفه، ثم أخبر السائق بتغيير الوجهة، وصعد إلى العربة.
دَقْ دَقْ دَقْ…
بدأت العربة تتحرك بسرعةٍ نحو الميناء. و من المرجّح أن تصل بعد ثلاث أو أربع ساعات.
وبما أن الوقت الآن هو وقت الظهيرة تقريبًا، فسيكون بإمكانه الوصول قبل وصول “الضيوف” القادمين من القارة الجديدة.
لم يكن يعرف بالضبط ما نوع الأحاديث التي ستُتبادل في ذلك اللقاء بعد ساعات، لكن لم يكن ذلك مهمًا.
فالسبب الحقيقي الذي جعل فريدريك يطلب منه الحضور لم يكن لأنه يريده أن يتولى مهمة الترحيب بالناس القادمين من القارة الجديدة. بل لأن فريدريك، باستخدام هذا العذر، كان يريد فقط أن يخرج هاوارد إلى العالم الخارجي.
فهو يقلق عليه، لأنه يعرف أنه شخصٌ آخر ذاق نفس مرارة الفقدان في نفس الوقت تقريبًا.
وعلى عكس فريدريك، الذي لا يزال شابًا لكنه يُجاهد بقدميه ليثبت نفسه كإمبراطور، كان هاوارد لا يزال عالقًا في ذلك اليوم، وتلك اللحظة، لا يتزحزح عنها.
لم يكن هاوارد يريد أن يشغَل فريدريك قلبه بالقلق عليه. ولم يكن متأكدًا إن كان من الصواب أن يظهر في موقف رسمي وهو بهذه الحالة.
ومع ذلك، قرر أن يفعل هذا. لأن ريكا، لو كانت موجودة، لقالت له أن يفعل هذا بالتحديد.
“……ريكا.”
همس هاوارد باسم من يفتقدها بشدة.
لطالما افتقدها، لكن اليوم بالذات، كان الشوق مضاعفًا.
ربما لأن ضوء الشمس الساطع اليوم يشبه ذلك اليوم الذي أدرك فيه مشاعره تجاهها……ذلك اليوم الذي كانت فيه الشمس مشرقةً بشدة، تمامًا كما هي الآن.
رغم أن الفصل الآن هو الربيع، بخلاف ذلك اليوم.
……سأراقب الموقف قليلًا، ثم أعود.
اجتاحته مشاعرٌ لا يمكن وصفها بالكلمات.
شعورٌ بالمهانة، بالوحدة، بالخسارة……مشاعرٌ متراكمة أثقلت قلب هاوارد وجعلته ينهار من الداخل.
أصبح جسده كله ثقيلاً على نحو لا يُحتمل. و شعر أن عليه العودة بسرعة إلى مكتبته، فربما يهدأ قليلاً هناك.
ثم قمع توتره ونظر من نافذة العربة.
وبينما كان شاردًا، ظهرت أمامه وجهته، الميناء. البحر الواسع والسفن الضخمة بدأت تتضح معالمها.
ويبدو أن فريدريك قد أخبرهم مسبقًا بإمكانية قدوم هاوارد، فبعض الأشخاص الذين كانوا في الانتظار بدأوا يقتربون منه من بعيد.
نزل هاوارد من العربة وسار باتجاههم. فمرت رائحة البحر برفق عند أنفه.
كان يرد ببرودٍ على ترحيب الناس من حوله، ثم أدار رأسه ونظر ببطء حول المكان. و فجأة خطرت بباله أنه لم يسبق له أن زار البحر مع ريكا.
لا، ليس البحر فقط. بل لم يسبق له أن ذهب في أي رحلةٍ مع ريكا.
الذكريات القليلة التي خطرت بباله كانت تلك التي تظاهرا فيها بأنهما حبيبان في بداية الأمر، ومرّاتٌ قليلة ذهبا فيها إلى المهرجان، وزيارةٌ لمسرحٍ لمشاهدة عرض ما.
القول بأن الظروف لم تكن مناسبة لم يكن سوى عذر واهٍ.
فلو أنه فقط أدرك مشاعره تجاه ريكا في وقتٍ أبكر، و لو أنه فقط استوعب ما يشعر به عندما كانت ريكا لا تزال تجهل كل شيء وتنعم بالسلام، لكان بإمكانهما زيارة أماكن كثيرة سويًا……قبل أن يفوت الأوان.
وفي النهاية، لم يستطع حتى أن يفي بوعده بأن يكون دائمًا إلى جانبها.
هو بهذا القدر من البؤس والحقارة، ومع ذلك، ريكا كانت دائمًا تقول أنها تحبه.
كانت تقول أن كل شيءٍ سيكون بخير طالما هي مع هاوارد.
“السفينة قادمة!”
مرت سنوات، وما زال يشعر بالندم على أشياء كثيرة.
بل إن عدد تلك النداءات التي لم يستجب لها، والفرص التي ضاعت، لا يكفّ عن الازدياد كلما مرّ الزمن.
وسيظل الأمر هكذا، على الأرجح، إلى الأبد.
هل بقي هناك سببٌ……أو معنى لأستمر في العيش؟
فلا يوجد ملك شياطين يهدد الإمبراطورية بعد الآن، وحتى عدد الوحوش المتبقية قد قل بشكل ملحوظ.
لم يعد وجوده ضروريًا……و هذا العالم سيستمر كما هو، حتى من دونه.
نظر هاوارد إلى القادمين الذين بدؤوا ينزلون من السفينة التي وصلت للتو، ثم خفض رأسه. و عاد البحر، المتلألئ بأشعة الشمس، إلى مجال رؤيته.
ذلك البحر الأزرق……لونٌ يشبه لون عيني ريكا.
هل سيكون الأمر مريحًا لو قفز في ذلك اللون الأزرق العميق؟
شرد ذهن هاوارد تمامًا، وبدأت قدماه تتحركان إلى الأمام دون أن يشعر. وفي اللحظة التي كان فيها على وشك أن يخطو تلك الخطوة—
“مرحبًا، هل أنتم من جاؤوا لاستقبالنا من إمبراطورية فيدوس؟”
اخترق صوتهـا النقي أذنه، كأنه يعيده إلى الحياة.
صوتٌ مألوف للغاية……لدرجة أنه لم يستطع إلا أن يتوقف عند سماعه.
“كنتُ على حق! كنت قلقةً من أن أكون مخطئة حتى بعد أن قلت ذلك.”
ضحكتها النقية انتشرت بلطف في الهواء. وهذا أيضًا……مألوفٌ جدًا.
لا يمكن أن تكون……
مستحيل.
بدأت الأفكار السوداء تنهش عقل هاوارد، بل وجسده بأكمله.
لكن رغم ذلك، لم يكن بوسعه إلا أن يرفع رأسه. وكأن القدر ذاته أجبره على فعل ذلك.
وهناك……أخيرًا، واجه هاوارد حياته.
“إذًا دعوني أُقدّم نفسي مجددًا كما يجب. نحن من مملكة بيآتي، الواقعة في القارة الجنوبية من إمبراطورية فيدوس.”
كان الغروب يملأ السماء بألوانه الدافئة. والنسيم كان يهبّ بقوةٍ مثالية، لا قويةً ولا ضعيفة.
طيور النورس قفزت محلقةً في السماء، والأمواج المتلاطمة تحطّمت على الصخور فتطاير رذاذها تحت ضوء الشفق، تتلألأ كحبات الكريستال.
كان المشهد……جميلًا. جميلًا تمامًا كما كان في يوم المهرجان ذاك.
لكن أكثر ما لم يستطع أن يُبعد عينيه عنه، كانت خصلات الشعر الأبيض التي تتطاير أمامه.
“هذه أول مرة أغادر فيها المملكة، لذا قد أكون غير متمرسةٍ في بعض الأمور، لكن أرجو أن أتلقى رعايتكم في الفترة القادمة.”
قالت ذلك بابتسامةٍ واثقة، بخلاف ما قد يوحي به القلق. وانحنت عيناها الزرقاوان برقة.
“أنا ريكا فيليشيا، وسأكون دليلكم للتعرف على مملكة بيآتي.”
كانت تتلألأ أكثر من البحر الذي يملأ الأفق من حولها.
“……ريكا؟”
نطق هاوارد الاسم وكأنه مسحور.
هل يحلم الآن؟ أم أنه……قد فقد صوابه أخيرًا؟
تدافعت التساؤلات في رأسه بلا توقف، حتى خُيّل إليه أنه على وشك أن يفقد وعيه.
كان العالم يدور من حوله. ومع ذلك، وصل إليه صوتها بوضوح.
“نعم؟ هل ناديتني؟”
أجابته الفتاة التي قدّمت نفسها باسم “ريكا فيليشيا”. بينما مالت برأسها مستفسرة، بعفويةٍ تامة.
لكن هاوارد لم يستطع الرد. فقد كان خائفًا من أن تختفي هذه الصورة إن أجاب.
لا……ليس الخوف وحده. بل كان هناك شعورٌ آخر……شعورٌ غريب.
كانت تُشبه ريكا تمامًا، بل كانت هي ريكا، حتى الاسم لم يتغيّر……
ومع ذلك، شعر بشيءٍ غريب، بشعور لا يمكن وصفه.
رغم أن قلبه لا يزال ينبض بشدة لمجرد أن تلتقي أعينهما، إلا أن هناك شيئًا ما قد تغيّر.
وفي النهاية، الشخص الذي قطع الصمت وتحدث بدلًا منه كان الكونت هاسن، المسؤول عن استقبال وفد مملكة بيآتي لهذا اليوم.
وكان قد رأى ريكا إيفيريت، حبيبة هاوارد السابقة، في إحدى الحفلات، لذلك فهم على الفور سبب ردّة فعل هاوارد.
“نعتذر، هذا هو الدوق تشيلستون، ويبدو أنه قد خلط بينكِ وبين شخصٍ آخر.”
“آه، فهمت. هذا واردٌ بالتأكيد.”
أجابت ريكا بابتسامةٍ هادئة، دون أن يبدو على وجهها أي انزعاج.
ثم شقّت طريقها بين الناس، وخطت خطواتٍ قليلة إلى أن وقفت أمام هاوارد مباشرة. و مدّت يدها نحوه وقدّمت نفسها.
غير مدركةٍ كيف سيكون وقع كلماتها على قلبه.
“تشرفت بلقائكَ للمرة الأولى، دوق تشيلستون.”
_____________________
كنت حاسه اثاريهم سوو لها ريسيت صدق😭😭😭😭
طيب ننتظر قوة الحب ترجع ذاكرتها
بس ليه الناس بعد شافوا انها غير؟ شكل عشانهم شخصيات عاديه مب غير قابلة للعب زي هاوارد
الحين هاوارد وريكا اجتمعوا اخيرا عادي لو بدون ذكريات اهم شي هاوارد ما اىْتحر مجنوني
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 140"